المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التجربة الأردنية في مجال الملكية الفكرية: حماية حق المؤلـف



سائد العبادي
03-20-2009, 07:21 PM
التجربة الأردنية في مجال الملكية الفكرية:
حماية حق المؤلـف
محمد يونس العبــادي
المملكة الأردنية الهاشمية- وزارة الثقافة
مساعد مدير عام دائرة المكتبة الوطنية

بادرت المملكة الأردنية الهاشمية إلى إصدار قوانين حديثة لحماية حقوق الملكية الفكرية بما في ذلك حق المؤلف استجابة للتطورات العالمية الحديثة في هذا المجال وإدراكاً منها لأهمية الإبداع الذهني علماً بأن لدى الدولة الأردنية اهتمام بحقوق المؤلف منذ قيامها عام(1921) على يد الملك المؤسس المغفور له عبد الله الأول بن الحسين بحيث بقيت تعترف بقانون حماية حقوق التأليف العثماني الذي صدر عام 1910 عندما كان الأردن جزء من الدولة العثمانية، وقد تضمن هذا القانون(42) مادة والمطلّع على هذا القانون يجد أن المادة الأولى تعطي للمؤلفين حق الملكية على جميع منتوجاتهم الفكرية وأقلامهم كما يضمن القانون حقوق النشر والبيع والترجمة وإفراغ الموضوع بقالب تمثيلي، كما أعطي الحق للمؤلف بالعوائد المادية له مادام حياً ولورثته لمدة ثلاثين سنة بعد وفاته، كما حدد الورثة بالأولاد والزوجات (الزوجة) والآباء والأمهات والأحفاد ومنح القانون الألواح والمخطوطات والمنحوتات والرسوم والخرائط وسائر المسطحات والمجسمات والأفكار والكتب والمؤلفات وجميع منتوجات الأفكار .. الحماية اللازمة .

كما تناول قضايا التصوير والاستنساخ وقد تمتع هذا القانون في وقته بقوة إجراءاته كما أشار بحزم إلى معاقبة أية انتهاكات صريحة، وقد بقي هذا القانون ساري المفعول في الأردن حتى عام 1992، وفي خلال هذه الفترة أصدرت محكمة العدل العليا عام 1981 قراراً ألزمت فيه وزارة التربية والتعليم بأن تكون بديلة لنظارة المعارف العثمانية في عملية الإيداع حيث نص القانون على شرط الإيداع للحماية، وكما جاء في القانون العثماني أن ناظرة المعارف هي الجهة المخولة بالإيداع، وارتأت محكمة العدل العليا أن وزارة التربية والتعليم هي جهة الإيداع.

وفي عام 1982 بدأت هناك محاولات جادة لإصدار قانون متطور يضمن حقوق المؤلفين ويعالج أمور الملكية الفكرية، احتراماً للإنسان المبدع وتشجيعاً له وحفاظاً على النتاج الفكري الوطني فقامت وزارة الثقافة بإعداد مشروع قانون حماية حقوق المؤلف لسنة 1982 وقد بلغت مواده 67 وقد واكب هذا القانون التطورات العالمية آنذاك ومتوافقاً مع الاتفاقية العربية لحماية حق المؤلف والتي اقرها وزراء الثقافة العرب في مؤتمرهم الذي عقد في بغداد عام 1981.
لكن بقي هذا القانون على شكل مشروع حتى عام 1990م حيث تم إعادة النظر في بعض مواد هذا المشروع وتم تقديمه إلى مجلس النواب الذي أقره في جلسته السابعة عشرة المنعقدة بتاريخ 5/2/1992م ، ونشر في الجريدة الرسمية العدد3821 الصادرة بتاريخ 16/4/1992م وقد سمي هذا القانون " قانون حماية حق المؤلف لسنة 1992م" وقد احتوى على
"59" مادة عالجت حماية المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم ، وقد جرى عليه عدد من التعديلات .
وقد واكب القانون الأردني المتغيرات والمستجدات في مجال حق المؤلف على الصعيدين التقني والتشريعي ، لكي يتلائم مع الاتفاقيات الدولية ، بدءاً من اتفاقية بيرن "1886" لحماية المصنفات الأدبية والفنية وتعديلاتها باريس 1971 كما راعى اتفاقية روما لحماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة روما (1961) فضلاً عن ذلك التزام القانون الأردني باتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة وحقوق الملكية الفكرية والمعروفة باسم ( تربس) وهي أحد ملاحق اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية (wto) الموقعة في جنيف 1994، والتي حلت محل الاتفاقية العالمية المعروفة (gatt) .

وفي التعديل الأخير لعام (2005) والذي نشر في الجريدة الرسمية رقــم
(4702) تاريخ 31/3/2005 استفاد القانون الأردني من اتفاقيتي المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الويبو) في مجال حقوق المؤلف (wct) وحماية الاداءات والتسجيلات الصوتية (1996) wppt والتي أصبح الأردن عضواً فيهما (2004م) والتي يطلق عليهما اسم اتفاقيتي الانترنت باعتبار أنهما تنظمان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المرتبطة باستخدام شبكات الحاسبات والانترنت
انطلق القانون الأردني من مبدأ عام وذلك بمنح الحماية لجميع المصنفات المبتكرة المادة (3) في الآداب والفنون والعلوم بصرف النظر عن قيمتها ونوعها أو الغرض من تأليفها أو طريقة التعبير عنها أو شكل هذا التعبير وبذلك تستفيد من الحماية المصنفات جميعاً أياً كان تصنيفها في مجالات المعرفة الثلاث الآداب والفنون والعلوم وبذلك يتساوى في الحماية مصنفات الغناء والموسيقى بنفس الحماية التي تتمتع مصنفات الطب والهندسة والفنون الجميلة ... الخ .

كما أن القانون الأردني راعى عدم ربط الحماية بأية إجراءات شكلية ، وكذلك انطباق الحماية سواء أكان المصنف مثبتاً على دعامة مادية أو غير مثبت وبذلك أتاح الحماية للمصنفات التي تلقى شفاهاً مثل الأشعار والحكايات حتى ولو لم يتم تثبيتها على دعامة مادية كأسطوانة أو ورق أو غيرهــا .

واستبعد القانون الأردني المادة (7) من الحماية القوانين والأنظمة والأحكام القضائية وقرارات الهيئات الإدارية والاتفاقيات الدولية وسائر الوثائق الرسمية والترجمات والأنباء المنشورة أو المذاعة ، والمصنفات التي آلت إلى الملكية العامة من الحماية .

وقد حرص القانون في التعديل الأخير على استخدام مصطلح الإتاحة لأول مرة على أساس أن هذا المصطلح أكثر رحابة يشمل أي عمل من شأنه اتصال المصنف بالجمهور لأول مرة وذلك تماشياً ومراعاة للتطور التكنولوجـي
( الانترنت) وسبب ذلك أن مصطلح النشر الذي كان يستعمل في القانون الأردني يقصد به عادة عمل نسخ بعدد معقول من المصنف بحيث يكون في متناول الجمهور أما الآن فيكفي وضع نسخة وحيدة على الشبكة يطلع عليها الجمهور فضلاً على أن القانون كفل للمؤلف حقوقه تقسم إلى قسمين رئيسين همــا :-
الحق الأدبي والحق المالي للمؤلــف .
الحق الأدبي : يتمثل هذا الحق في تقرير نشر مصنفه، وحق الأبوة وحقه في تعديل مصنفه، وحقه في سحبه من التداول، وحقه في دفع الاعتداء عليه .
• حق تقرير نشر المصنف : يعتبر هذا الحق من أهم الامتيازات على الحق الأدبي لأن هذا حق يمنح المؤلف السلطة في أن يقرر رغبة المؤلف بنشر مصنفه أم لا . وقرار المؤلف بنشر مؤلفه بمثابة شهادة ولادة للمصنف التي يكتسب بموجبها مبتكر المصنف صفة المؤلف وحقه دون غيره في تحديد ما إذ كان مصنفه قد أكتمل وأصبح قابلاً للنشر، وكذلك حق المؤلف في تحديد شكل وطريقه الإعلان عنه فاللمؤلف وحدة تحديد طريقة نشر هذا المصنف أم اذاعته أو تمثيله أو تقديمه في فيلم سينمائي أو في كتاب مطبوع أو في مجلة أو جريدة أو أن يأذن بتحويله إلى مسرحية أو فيلم أو إذاعته عن طريق الراديو أو على شكل اسطوانة ليزرية وما إلى ذلك من أشكال النشر وتطويره .
بمعنى أن طريقة نشر المؤلف للمصنفة مؤادها أن المؤلف له وحدة الحق في تحديد طريقة وشكل النشر ولا بد من موافقته عليها .
فإذا وافق المؤلف مثلاً على نشر مصنفه على شكل كتاب ورقي لا يحق نشره على شكل اسطوانة ليزرية وكل تصرف يجرية الغير غير مشروع طالما لم يوافق المؤلف عليه .
* حق المؤلف وحدة في تحديد وقت معين للنشر إذ يعود للمؤلف وحدة دون غيرة تحديد الوقت المناسب أو الموسم المناسب لنشر مصنفه أو أدائه بشكل علني .
* حق المؤلف في نسبة مصنفه إليه : هذا الحق من الحقوق اللصيقة بعملية الإبداع الفكري أي حق المؤلف في أبوة المصنف ويسري هذا الحق في نسبة المصنف إليه وعلى جميع النسخ .
* حق المؤلف في أن ينشر مصنفه تحت اسم مستعار ، والاسم المستعار عبارة عن اسم مختلف يختاره مؤلف من أجل نسبة المصنف إليه دون أن يكشف عن هويته الخطية للجمهور .
* حق المؤلف في تعديل مصنفه: يحق للمؤلف تعديل أفكاره نتيجة لما اكتشف من عيوب في مضمون مصنفه أي إجراء التغيرات المناسبة بما في ذلك حقه في سحب مصنفه من التداول ( حق الندم ) .


( كما وأن القانون الأردني أبطل أي تنازل للمؤلف عن مجموع إنتاجه الفكري المستقبلي حتى لا يقع ضحية للمتعاقد في بداية بزوغ نجم إبداعه .
وقد أخذ القانون بالتقويم الميلادي في حساب مدة الحماية تماشياً مع الاتفاقيات الدولية وبدء حساب مدة الحماية من الأول من كانون الثاني التالي للواقعة التي يبد منها حساب مدة الحماية سواء تاريخ النشر أو في حالة الوفاة وحيث أن حماية المؤلف في الحالة الأخيرة مدة خمسين عاماً من أول السنة الميلادية أو وفاة آخر المؤلفين الشركاء بما ذلك حماية المصنفات السمعية والبصرية التي ينجزها أشخاص اعتباريون (شركات ، جمعيات) .
كما أن التعديلات الأخيرة أخذت بعين الإعتبار التحايل على التدابير التكنولوجية بمعنى أي تكنولوجيا أو إجراء أو وسيلة كالتشفير والتي تستخدم للمنع أواخر الحد من القيام بأنه أعمال غير مرخصة من قبل أصحاب الحقوق

الحقوق المجـاورة :
يقصد بالحقوق المجاورة فناني الأداء وهم الذين يبدعون بأية طريقة بما في ذلك الإلقاء والإنشاء والعزف أو التمثيل أو التي يتم الأداء فيها من خلال الفلكلور (التراث) الشعبي ، المغني والعازف أو الرقص ... وقد ضمن القانون الأردني الحقوق الأدبية والمالية لفناني الأداء وهما الحق في نسبة أدائهم إليهم والحق في منع تحريف أو التشويه أو تعبير في أدائهم وكذلك الحقوق المالية في الاستغلال المالي (الاستنساخ، التأجير، التوزيع، الإتاحة ) .

كما أن هيئات الإذاعة اعتبارها القانون من ضمن الحقوق المجاورة فأورد حقين لهمــا :-
أولاً: تثبيت أو تسجيل برامجها أو استنساخ هذه التسجيلات .
ثانياً: إعادة بثها وحدد الحماية لهما بعشرين سنة أما فناني الأداء فإن مدة
الحماية خمسين سنة من تاريخ الإتاحـة .

حالات استعمال المصنف دون موافقة المؤلف :
أجاز القانون الأردني استعمل المصنف في حالات محددة وشروطه وفي أضيق نطاق بأن لا يتعارض مع الاستغلال العادي له وألا يترتب عنه ضرر غير مبرر بالمصالح المشروعة للمؤلف . وحددها بالحالات التاليــة :-
أ- الاستعمال على سبيل الإيضاح لأغراض تعليمية وذلك بشرطين :-
1- ذكر المصدر كاملاً واسم المؤلف في كل مرة يتم فيها استعمال المصنف
2- أن لا يكون الاستعمال لأغراض تجارية أو ربحية .
ب- الاقتباس المحدد من مصنف منشور بصور مشروعة في مصنف آخر بهدف
الإيضاح أو الشرح وفي حدود العرف المتبع وبما يتفق مع حسن الاستعمال.
ج- الاستنساخ في المقالات المنشورة في الصحف والدوريات عن مناقشات في
موضوعات جارية اقتصادية أو سياسية وإذاعتها بواسطة الصحف أو الإذاعة
أو النقل شرط أن لا تكون فيها حقوق النقل أو الاستنساخ محفوظة صراحة
مع ذكر المصدر .
د- الاستنساخ للاستعمال في إطار إجراءات قضائية أو تحكمية أو منازعات .
هـ- المكتبات الوطنية ومراكز المحفوظات ، ما دام ذلك لا يتم بهدف تجاري أو
ربحي .
ز- استنساخ نسخة شخصية احتياطية للمحافظة على النسخة الأصلية مـن
الفقد أو التلف .


إن التطبيق الأمثل للملكية الفكرية حماية حق المؤلف يحتاج إلى توفر عنصرين رئيسسن همــا :-
أولاً: توفير البيئة التشريعية والتنظيمية والتقنية .
ثانياً: العامل الثقافي والإجتماعي والتربوي .
بالنسبة إلى العامل الأول :-
لقد تم توفير النية التشريعية من خلال مواكبة القانون الأردني لكافة المتغيرات العالمية وتم تأهيل العنصر البشري لذلك وتجهيزه بالإمكانيات الفنية المطلوبة ، وتكثيف الدورات وورش العمل .
أما بالنسبة إلى العامل الثاني تتطلب مما يلي :-
أولاَ: إدخال مفهوم الملكية الفكرية إلى المناهج الدراسية بدءاً من الصفوف الأولى وحتى الجامعات علماً بأن كليات الحقوق في الجامعات الأردنية تدرس هذه المادة الآن على مستوى الشهادة الجامعية الأولى ومستوى الماجستير .
ثانياً: تظافر جهود مؤسسات المجتمع المدني في توعية منتسبيها وتشكيل اللجان العاملة على إشاعة هذا المفهوم وبخاصة اتحاد الناشرين الأردنيين الذي بادر إلى ذلك مشكوراً، ونقابة الفنانين واتحاد الكتاب والأدباء، ورابطة الكتاب والنقابات المهنية والأندية والجمعيات .
ثالثاً: حق المؤسسات الإعلامية على القيام بحملات التوعية اللازمة، وبخاصة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون والصحافة وجميع المنابر التي تعنى بالشؤون الثقافية والتربوية .

لقد خطت دائرة المكتبة الوطنية ممثلة بمكتب حماية حق المؤلف خطوات في هذا المجال مما انعكس إيجابياً على وضع الملكية الفكرية في المملكة ونلاحظ ذلك
أن قانون حماية حق المؤلف والاتفاقيات الدولية تعمل على حماية المصنفات التي تؤول إلى الملك العام وكذلك التراث الشعبي، فالحماية لهذه المصنفات من الأمور الملحة في ظل التطور السريع لوسائل الاتصال وبخاصة في تشويه هذا الارث الشعبي دفع التحريف عنه وكذلك السرقة والنهب الثقافي وغيره من أنواع السلب الذي يتعرض له التراث، كذلك تعمل القوانين على حماية المصنفات التي تؤول على الملك العام من أي تشويه أو تبسيط والمغالاة في التبسيط من يؤثر على طبقتها الثقافية أو تسخير المصنفات لأغراض الإعلان في سياق يتعارض أو يحط من القيمة الثقافية لهذا المصنف أو الترجمة غير الأمنية أو الفعل مع الالتزام بالدقة والأمانة العلمية .

وهكذا فإن المصنفات التي تؤول إلى الملك العام وتصبح جزء في الإرث الثقافي للجميع تعمل قوانين حماية حق المؤلف ومنها القانون الأردني لحماية حق المؤلف لسنة 1992 وتعديلاته على ضمان سلامة هذه المصنفات واحترامها وتلافي تحريفها وأن صون وحماية مثل هذا التراث الثقافية للجميع .

من خلال التقارير العالمية الخاصة بهذا الشأن، ففي آخر تقرير لمنتدى دافوس عن الشفافية في قوانين الملكية الفكرية جاءت المملكة بالمرتبة (28) من بين (104) دولة شملهم التقرير كما نلاحظ أن الأردن جاءت بالمرتبة الثانية من بين الدول العربية حيث احتلت دولة الإمارات المرتبة (27) .

كذلك نرى أنه من خلال التقارير أن نسبة القرصنة في المملكة انخفضت إلى (64%) بعد ما كانت عام 1994م (87%) وعلى مدى سنوات إنفاذ القانون قام مكتب حماية حق المؤلف بإحالة أكثر من (1800) قضية إلى المحاكم المختصة من مختلف مناطق المملكة تضمنت مصادرة حوالي أكثر من نصف مليون مصنف من مختلف المصنفات ( أشرطة كاسيت 974ر80) فيديو (1761) سي دي cd
(250.000) ، dvd (30.000) كتب ودوسيات ( 000ر20) عشرين ألفاً إضافة إلى عدد من أجهزة الحاسوب وبطاقات التشفير وناسخات الكاسيت

كما أصبح لدينا تجربة تراكمية وقاعدة معلوماتية وأرشيفية تعمل على توظيفها لخدمة الدول العربية الشقيقة في مجال الإطلاع على التجربة الأردنية وذلك من خلال استقبال عدد من المختصين للاستفادة منهـــا .