Essa Amawi
03-23-2009, 08:22 PM
د. أشرف توفيق شمس الدين
المؤتمر العلمي الأول حول الجوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكترونية منظم المؤتمر:اكادمية شرطة دبي ، مركز البحوث والدراسات رقم العدد : 1 السنة : 2003تاريخ الإنعقاد: 26 نيسان 2003تاريخ الإنتهاء: 28 نيسان 2003 الدولة : دبي - الامارات العربية المتحدة
تمهيد:
تتيح التكنولوجيا الحديثة القيام بالكثير من الأعمال التي كان يستحيل من قبل إنجازها: فلقد وفرت هذه التكنولوجيا في مجال الإتصالات الإلكترونية إمكانية تحقق التواصل الإنساني وإنجاز المعاملات في سهولة ويسر، وأتاح إستخدامها حسن تقديم خدمات الرعاية الصحية وتنمية الملكية الفكرية، وغيرها من مجالات . وتعد شبكات المعلومات ونظم التبادل الإلكتروني للبيانات تطبيقا للإستخدام التكنولوجي الحديث في مجال الإتصالات ونقل المعلومات وهي تختلف بذلك كثيرا عن غيرها من الوسائل التقليدية للاتصال والإعلام ، وهذا الإختلاف يؤدي إلى أمرين: الأول هو تعدد أوجه إستعمالات هذه الوسائل وإتساعها، والثاني هو الحاجة إلى تنظيم قانوني يضع الإطار لهذه الإستعمالات، غير أن هذه التكنولوجيا قد يساء إستعمالها وأن يهدد إستخدامها السلامة العامة والمصلحة الوطنية، فإذا كانت وسائل الإتصال الإلكتروني الحديثة تتيح إنجاز المعاملات المالية بشكل سريع وموثوق به أيا كان مكان المتعاملين؛ فإن إستعمال هذه الوسائل لا يخلو من مخاطر، فقد يستغل بعض المجرمين هذه الوسائل في إرتكاب جرائمهم بطريق الإحتيال أو المساس بخصوصية هؤلاء المتعاملين وسرية معاملاتهم. وإذا كان التقدم التقني قد حاول مكافحة الجرائم في مجال الإتصالات ولجأ إلى تشفيرها بما يحفظ سريتها، فإن هذه الإجراءات – مع ذلك – قد أفضت إلى إستغلال الجناة لهذه الإجراءات في إرتكاب جرائمهم بإستخدام وسائل إتصال يصعب إختراقها أو الوقوف على محتواها، وهو ما يعني أن التقدم التقني قد أمد المجرمين بوسائل بالغة القوة والفاعلية في إرتكاب جرائمهم .
أهمية المستند الإلكتروني: ترجع أهمية المستند الإلكتروني إلى أنه يتماثل مع المستند الورقي من حيث أوجه الإستعمال وأنه قد يماثله – في نظر الكثير من التشريعات – من حيث القوة القانونية المقررة له، غير أن المستند الإلكتروني له الكثير من المزايا التي تكفل له إنتشارا واسعا وتزايدا مستمرا في الإستخدام.
فمن ناحية فإن المستند الإلكتروني يتصل بطائفة مهمة من النظم الإدارية والتجارية والمالية التي تمتد لتشمل الدولة والأفراد على حد سواء، فالمستند الإلكتروني هو أحد الأدوات المهمة في تنفيذ فكرة "الحكومة الإلكترونية"، التي تقدم خدماتها إلى الأفراد والهيئات العامة والخاصة، وللمستند الإلكتروني صلة بنشاط الهيئات التي تعمل في مجال البنوك والتأمين والخدمات الطبية وغيرها، فهذه الهيئات تؤدي عملها بالإعتماد على هذا المستند من خلاله.
والمستند الإلكتروني هو الوسيلة لتحقق التجارة الدولية أهدافها، فمن خلال هذا المستند وحده يمكن إنجاز المعاملات وإبرام التصرفات والصفقات التي تقضيها فكرة التجارة الإلكترونية. ومن شأن كفالة حماية المستند الإلكتروني أن يفضي إلى سهولة المعاملات التجارية وسرعة إنجازها وإلى توفير النفقات . وللمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في السرية والخصوصية، وللمستند الإلكتروني صلة بحماية حقوق المستهلك، فهذا المستند يتبلور فيه حقوق طرفي التعاقد، فهو المرجع للوقوف على ما أتفق عليه الطرفان وتحديد التزاماتهما القانونية، والحماية المقررة للمستند الإلكتروني تضمن في الوقت ذاته حماية للمستهلك.
وقد أثرت الصلة بين المستند الإلكتروني وبين المصالح سالفة الذكر، في أن النصوص التي تحمي هذه المصالح قد تتضمن بعض صور حماية المستند الإلكتروني أو على الأقل تكمله الحماية المقررة له، ومن ذلك على سبيل المثال التشريعات التي تحمي، الحق في الخصوصية؛ حرية المعلومات؛ الإتصالات الإلكترونية؛ التجارة الإلكترونية؛ تشريعات الكمبيوتر؛ تشريعات حماية البيانات؛ التشريعات المتعلقة بالحكومة الإلكترونية .
ومن ناحية أخرى فإن حماية المستند الإلكترونية تؤدي إلى تحقيق الإستقرار والأمان القانوني، فحماية المستند الإلكتروني سواء من حيث الصلب والتوقيع، وصيانته من المساس بسريته وكشف محتواه يكفل للافراد الطمأنينة وإستقرار المعاملات، كما يؤدي إلى أن يصبح هذا المستند دليلا في الإثبات يقف على قدم المساواة مع المستند الورقي، وهو ما يؤدي في النهاية إلى استقرار النظام القانوني وقله المنازعات.
أثر الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني على القوانين السارية:
يؤدي الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني إلى إحداث تعديلات مهمة على القوانين السارية، ومن ذلك على سبيل المثال القانون المدني والتجاري اللذين يعتمدان في إتمام التصرفات على التوقيع الكتابي والمستندات الورقية. ويؤدي إقرار فكرة المستند الإلكتروني تشريعيا إلى وجوب تعديل هذه التشريعات . كما يؤدي الأمر بالتبعية إلى تعديل القوانين المتعلقة بالإثبات المدني والتجاري والجنائي، وإلى أن يقرر الشارع القوة القانونية التي يسبغها على المستند الإلكتروني.
كما سوف يؤدي الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني إلى تعديل القوانين المالية والضريبية السارية والتي كانت لا تعتد بالأدلة المستمدة من مستندات إلكترونية في الإثبات والتعامل، كما قد تدعو الحاجة كذلك إلى تعديل قوانين حماية المستهلك. وسوف يترتب على إقرار المستند الإلكتروني التأثير على القوانين التي تنظم حفظ الأوراق الحكومية وإعدامها .
على أن الأثر المهم في تقديرنا للأخد بفكرة المستند الإلكتروني هو وجوب إصدار تشريع مستقل ينظم أهم تطبيقات المستند الإلكتروني في التعامل وهي السجلات والتوقيع الإلكتروني، ويضع الضمانات القانونية والفنية لهما ويحدد القوة القانونية التي يخلعها الشارع عليهما في الإثبات.
إختلاف خطة التشريعات المقارنة في موضع النص على حماية المستند الإلكتروني:
تختلف خطة التشريعات المقارنة في موضع النص على الحماية الجنائية للمستند الإلكتروني وتتوزع إلى ثلاثة اتجاهات: الأول يرى إصدار قانون يعاقب فيه على جرائم الكمبيوتر بصورها المختلفة ومن ضمنها الجرائم الماسة بالمستند الإلكتروني في صورها المختلفة، وتقترن هذه الخطة في تجريم هذه الأفعال بإصدار تشريعات تنص على صورة معينة من المستند الإلكتروني مثل "السجلات والتوقيع الإلكتروني" ومن أمثلة التشريعات التي تبنت هذه الخطة تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية.
والإتجاه الثاني من التشريعات يذهب إلى إدخال تعديلات على النصوص التشريعية القائمة على نحو يؤدي إلى إستيعابها الصور المستحدثة من الجرائم الإلكترونية ومن بينها صور الإعتداء على المستند الإلكتروني، ثم تفرد هذه الخطة التشريعية قوانين خاصة ببعض الموضوعات مثل الإتصالات والتوقيع الإلكتروني والتي تتضمن نصوصا تتصل بتجريم الاعتداء على المستند الإلكتروني. ومن امثلة التشريعات التي تبنت هذه الخطة الأخيرة القانون الألماني والفرنسي.
والإتجاه الثالث هو الذي لم يفرد بعد تجريما خاصا للجرائم الإلكترونية، وما زال يكتفي بالنصوص التقليدية التي ينص عليها في التشريعات المختلفة ومن أهمها قانون العقوبات، غير أنه يفرد الحماية الجنائية على بعض صور المستند الإلكتروني ومن أمثلة هذا الإتجاه غالبية تشريعات الدول العربية.
تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية:
• أولا: على المستوى الإتحادي: إعتبر الشارع الأمريكي جرائم الكمبيوتر والجرائم الملحقة بها من الجرائم الإتحادية، ويرجع ذلك إلى قانون سنة 1984 الذي أقره الكونجرس بشأن تجريم الإتصال غير المرخص به، والغش وإساءة إستعمال الكمبيوتر . ومنذ صدور هذا التشريع تزايدت نصوصه وتوسعت أحكامه حتى تتسنى مواجهة الصور المستحدثة من جرائم الكمبيوتر. وقد أدى الإتساع الضخم لشبكات المعلومات وعدم مركزية النشاط المتصل بالكمبيوتر إلى وجود صعوبة بالغة في تنظيم هذا النشاط . ومع تزايد إستخدام الكمبيوتر وتطور تقنياته ظهرت نماذج جديدة من السلوك الضار أدت إلى تطور التشريع على نحو مواز لها، وقد تمخض هذا التطور عن صدور عدة تعديلات منها قانون إساءة إستعمال الكمبيوتر لسنة 1994 . وبالإضافة إلى القوانين سالفة الذكر فقد أصدر الشارع الأمريكي في 30 يونيه سنة 2000 قانونا اتحاديا "للتوقيع الإلكتروني العالمي والتجارة الوطنية" أجاز بموجبه قبول وإستخدام التوقيع والسجلات الإلكترونية في التعاملات التجارية الدولية وبين الولايات . وقد أبقى هذا القانون الإتحادي على كافة التشريعات الصادرة من الولايات للتوقيع والسجلات الإلكترونية، غير أنه في حال عدم صدور مثل هذه التشريعات فإن القانون الإتحادي للتوقيع الإلكتروني هو الذي يطبق. وهو ما يعني أن الغطاء التشريعي للمستندات الإلكترونية يمتد إلى كافة الولايات الأمريكية، حتى ولو لم تصدر قانونا خاصة به .
وقد سبق القانون الإتحادي للتوقيع الإلكتروني جهودا تشريعية لإقرار التوقيع والسجلات الإلكترونية ومساواتها بالمستندات الكتابية، ومن هذه الجهود: القواعد الإتحادية للتوقيع والسجلات الإلكترونية الصادرة في 20 مارس سنة 1997 والتي وضعت لتطبيقها في مجال شركات الأجهزة والقانون الإتحادي للغذاء والدواء ومستحضرات التجميل وقانون الخدمة الصحية العامة ، .
وتعود الجهود التشريعية للتوقيع والسجلات الإلكترونية إلى ما طالب به ممثلو الصناعات الصيدلانية في سنة 1991 عن رغبتهم في إستخدام البدائل الإلكترونية مثل تلك المحررة بخط اليد. وكان تبرير ذلك ما تحققه هذه الوسائل وخاصة في مجال حفظ السجلات من أهمية كبيرة لشركات التصنيع الصيدلاني. وقد أثمرت هذه الدعوة عن تشكيل مجموعة عمل تتحدد مهمتها في تنمية سياسة قبول التوقيع الإلكتروني من الهيئات. وقد وضعت مجموعة العمل تقريرا في يوليه سنة 1992 إقتصرت فيه على إلقاء الضوء على القواعد المتصلة بالتوقيع الإلكتروني؛ غير أنها في 31 أغسطس 1994 أصدرت تقريرا وضعت فيه القواعد المتعلقة بالسجلات الإلكترونية. كما وضعت قواعد للتوقيع والسجلات الإلكترونية صدرت في 20 مارس سنة 1997 لتطبيق على شركات الأجهزة . كما صدر نموذج لقانون المعاملات الإلكترونية الموحد ، وهو نموذج إختياري، وذلك بهدف توحيد القواعد التي تتصل بالمعاملات التجارية الإلكترونية بين تشريعات الولايات. وإلى جانب هذه التشريع فإن هناك بعض التشريعات التي يكفل الحماية الجنائية للبيانات المخزنة إلكترونيا تضمنتها تشريعات إتحادية منها ما ينص عليه الفصل 119 من القسم الأول من تقنين الولايات المتحدة سالف الذكر والذي يحمل عنوان "إعتراض وسائل الإتصالات السلكية والإلكترونية والشفهية" .
• ثانيا: تشريعات الولايات: أصدرت الكثير من الولايات الأمريكية تشريعات تتضمن وضع تنظيم للسجلات والتوقيع الإلكتروني. ويعد أول تشريع يصدر في هذا الموضوع هو "قانون المعاملات الإلكترونية الموحد" الذي أصدرته ولاية كاليفورنيا في 16 سبتمبر سنة 1999 والذي دخل إلى حيز النفاذ في أول يناير سنة 2000 . وقانون المعاملات الإلكترونية الموحد الذي أصدرته ولاية نورث كارولينا والذي دخل حيز النفاذ في الأول أكتوبر سنة 2000 .
وقد أصدرت ولاية نيويورك تشريعا في 28 سبتمبر سنة 1999 للسجلات والتوقيع الإلكتروني . وكان هدف هذا التشريع هو تنظيم وتشجيع التعامل بالسجلات الإلكترونية وقبول التوقيع الإلكتروني في التعاملات التجارية . وقد كلف الشارع في ولاية نيويورك مكتب تقنيات الولاية بوضع تقرير يتضمن وضع تنظيم ودليل عمل لأفضل السبل لإنشاء وإستخدام وتخزين والمحافظة على التوقيع والسجلات الإلكترونية (المادة الثالثة من الفصل الرابع من هذا القانون). وقد أصدرت ولاية كونتيكتكت قانونا للمعاملات الإلكترونية في فبراير سنة 2002 ودخل حيز النفاذ في الأول من أكتوبر في ذات السنة . كما أصدرت ولاية بنسلفانيا قانونا مماثلا في 16 ديسمبر سنة 1999 .
- القانون الفرنسي: نص الشارع الفرنسي على تجريم الإعتداء على أنظمة معالجة البيانات، وذلك بموجب الفصل الثالث من الباب الثاني من قانون العقوبات ومن ضمن الجرائم التي تضمنها هذا الفصل إدخال أو مسح أو تغيير معلومات بطرق الغش (المادة 323-3). كما نص الشارع الفرنسي على تجريم عدة أفعال تقع ضد المصالح العليا للدولة وذلك إذا انصبت على المعلومات أو البيانات التي تم معالجتها إلكترونيا (المواد 411-6 إلى 411-10). وإلى جوار هذه النصوص الخاصة الواردة في قانون العقوبات فإن الشارع الفرنسي قد نص على بعض الجوانب المتصلة بالمستند الإلكتروني في قوانين متفرقة أهمها: قانون الإثبات والتوقيع الإلكتروني الصادر في 13 مارس سنة 2000/ ولائحته الصادرة في 30 مارس سنة 2001. والذي أقر فيه الشارع الفرنسي الأخذ بالدليل الإلكتروني في الإثبات والتوقيع الإلكتروني ووضع له الضوابط التي تكفل صحته . ومن التشريعات الأخرى التي تتضمن جانبا من الحماية المقررة للمستند الإلكتروني قانون حرية الإتصالات الذي صدر في سبتمبر سنة 1986 وعدل بقانون أول أغسطس سنة 2000.
- القانون الألماني: تدخل الشارع الألماني بقانون 15 مايو سنة 1986 والذي عدل بمقتضاه قانون العقوبات بأن اضاف إليه المادة 202 (أ)، والتي جرم بها فعل التجسس على المعلومات المخزنة . وقد وردت هذه المادة في الباب الخاص بجرائم الإعتداء على الحياة الخاصة والسر اللذين جمعهما الشارع الألماني في باب واحد, وعلة ذلك الإرتباط الوثيق بين فكرة السر وبين الحياة الخاصة، وأن عناصرهما تتحدد في حماية سرية المحادثات وحماية سرية المراسلات ، وحماية الأسرار الخاصة للأفراد .
كما أصدر الشارع الألماني قانونا للتوقيع الإلكتروني دخل حيز النفاذ في أول نوفمبر سنة 1997، وقد نص الشارع الألماني في هذا القانون على قواعد التوقيع الإلكتروني مثل تعريف الإصطلاحات الواردة في التشريع وتحديد السلطة المختصة بتطبيقه، والقواعد المتعلقة بمقدمي خدمة التوثيق والسلامة الفنية وفي الرابع نظم قواعد الإشراف وضوابطه كما نص كذلك على القواعد الخاصة بالمسؤولية والجزاءات الموقعة . وقد اصدر الشارع الالماني كذلك قانون المعلومات وخدمات الإتصالات ، والذي دخل حيز النفاذ في أول أغسطس سنة 1997.
- القانون الإنجليزي: أصدر الشارع الإنجليزي لائحة خاصة للتوقيع الإلكتروني ، والذي دخل حيز النفاذ في الثامن من مارس 2002، وتعد هذه اللائحة إستجابة للتوجيه الصادر من البرلمان الأوروبي والمجلس الخاص بوضع إطار العمل المشترك للتوقيع الإلكتروني لسنة 1999 وقد أنشات القواعد التي أصدرها الشارع الإنجليزي هيئة خاصة تتولى إصدار شهادات صحة التوقيع الإلكتروني، ونظم اختصاصها ومسؤوليتها والقواعد الخاصة بقبول التوقيع الإلكتروني في الإثبات أمام القضاء .
- القانون المصري: لم يصدر الشارع المصري حتى الآن قانونا شاملا ينص فيه على تجريم الأفعال التي تنال الحاسب الآلي بصفة عامة، كما أنه لم يصدر كذلك قوانين تتعلق بالتجارة الإلكترونية ومدى قبول الأدلة الإلكترونية في الإثبات. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عدة نصوص وردت في تشريعات متفرقة تدل على حرص الشارع المصري على الإحاطة بتجريم الافعال سالفة الذكر، وإن كان هذا التجريم ما زال جزئيا. ومن أهم هذه التشريعات في مجال حماية المستند الإلكتروني القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية، والذي أخذ الشارع المصري فيه بفكرة السجلات والدفاتر الإلكترونية ونص على المعاقبة على تجريم الأفعال الماسة بهذه السجلات، كما ساوى بين التزوير الحاصل فيها والتزوير في الأوراق الرسمية المعاقب عليه بموجب قانون العقوبات.
ومن النصوص التي يمكن أن تحمي أيضا المستند الإلكتروني ما ورد النص عليه في قانون العقوبات من نصوص تحمي الحق في حرمة الحياة الخاصة (المادة 309 مكررا، 309 مكررا (أ)) وسرية المراسلات.
• وإلى جوار هذه النصوص من الشارع:
- الجهود الدولية والمنظمات غير الحكومية: هناك الكثير من الجهود الدولية التي تناولت موضوع المستند الإلكتروني ولكن على نحو غير مباشر: ويرجع ذلك إلى إتصال فكرة المستند الإلكتروني بالكثير من الأفكار التي خصصت لها هذه الجهود. ومن ذلك على سبيل المثال الجهود الدولية والمتعلقة بالتجارة الإلكترونية مثل نموذج قانون التجارة الإلكترونية لسنة 1996 والذي وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية : المبادرة الأوروبية للتجارة الإلكترونية والتي قامت بها اللجنة الأوروبية للاتصالات في إبريل سنة 1997 إطار عمل نحو عهد جديد للتوقيع الرقمي قامت به وزارة التجارة الدولية والصناعة في اليابان سنة 1997، إطار عمل للتجارة الإلكترونية الدولية، البيت الأبيض في يوليه سنة 1997،الإعلان الوزاري الصادر في مدينة بون في يوليه سنة 1997؛ التقرير الذي أعدته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية في أغسطس سنة 1997 عن التجارة الإلكترونية: ما تكفله من فرص وما تواجهه من تحديات للحكومات ؛ الإعلان الذي أصدرته المنظمة السابقة في أكتوبر سنة 1998 بمدينة أوتاوا والذي يتضمن خطة عمل للتجارة الإلكترونية وما يتعلق بها من وثائق؛ قرار مجلس الإتحاد الأوروبي في 19 يناير سنة 1999 عن حجم الإستهلاك للمعلومات في المجتمع، خطة عمل عالمية للتجارة الإلكترونية أعدتها الغرفة الدولية للتجارة في أكتوبر سنة 1999؛ إرشادات حماية المستهلك في مجال التجارة الإلكترونية تقرير أعدته منظمة التجارة الإلكترونية والتنمية في ديسمبر سنة 1999 وأتبعته بتقريرين آخرين: الأول عن حصر قوانين وسياسات حماية المستهلك المطبقة في مجال التجارة الإلكترونية، والثاني هو التقرير الأول للحكومة والقطاع الخاص عن مبادرات تشجيع وتنفيذ إرشادات حماية المستهلك في مجال التجارة الإلكترونية في مارس سنة 2001؛ الوثيقة التي أصدرتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في ديسمبر سنة 2000 عن العوائق القانونية لتطور التجارة الإلكترونية في الوسائل الدولية التي تتعلق بالتجارة الدولية وطرق التغلب عليها؛ خطة العمل الأوروبية التي اعتمدها الإتحاد الأوروبي في يونيه سنة 2002 عن الإختصاص القضائي والقانون المطبق في التجارة الإلكترونية؛ التوجيه رقم 93 لسنة 1999 الصادر من المجلس الأوروبي لوضع إطار مشترك للتوقيع الإلكتروني ، .
- أهمية الموضوع ودقته: تهدف الدراسة إلى إيضاح معالم المستند الإلكتروني وحدود ونطاق حمايته واستظهار الافعال الإجرامية التي تنال منه، وبيان خطة التشريعات المقارنة في كفالة الحماية الجنائية له.
فتثير الدراسة التساؤل عن ماهية المستند الإلكتروني وعناصره؟ وعن الصلة التي تربطه بغيره من الحقوق والمصالح التي يحميها الشارع؟ كما تثير الدراسة التساؤل عن نطاق فكرة المستند الإلكتروني وتمييزها عما قد يختلط بها من حقوق ومصالح أخرى تخرج عن مدلولها. وتطرح الدراسة التساؤل عن أهم الأفعال الإجرامية التي تنال من المستند الإلكتروني؟ وما هية خطة التشريعات الجنائية المقارنة في تجريم هذه الأفعال؟، وما إذا كانت هذه الخطة موضع اتفاق بين هذه التشريعات ام أن كل منها قد نحا منحى يختلف عن الآخر؟. وتثير الدراسة التساؤل عن مدى إحاطة التشريعات المقارنة بهذه الأفعال؟. وفي النهاية تطرح الدراسة سؤالين أساسيين: الأول عن مدى كفاية خطة التشريعات في تجريم الأفعال التي تنال من المستند الإلكتروني؟، والثاني هو عن مدى فاعلية هذه الحماية؟.
• خطة البحث:
نقسم الدراسة إلى فصلين نتناول في الأول ماهية المستند الإلكتروني، فنبين مدلوله ونطاقه وتمييزه عما قد يختلط به من أفكار، وفي الثاني نتناول بالبحث الأفعال الإجرامية التي تنال من المستند الإلكتروني وخطة التشريعات المقارنة في تجريمها. ونتناول في خاتمة الدراسة أهم النتائج التي اسفر البحث عنها.
الفصل الأول
ماهية المستند الإلكتروني
تقسيم:
نتناول في هذا الفصل بيان مدلول المستند الإلكتروني وتحديد عناصره، ثم نبين الصلة بينه وبين بعض الحقوق والمصالح التي يحميها الشارع وتمييزه عما قد يختلط به من افكار وذلك في مبحثين مستقلين.
المبحث الأول
مدلول المستند الإلكتروني
تمهيد:
تتعدد التعاملات الإلكترونية وتختلف فيما بينها إختلافا كبيرا، فمن ناحية قد تكون هذه التعاملات على شبكات اتصال مفتوحة للكافة دون تمييز كشبكة الإنترنت أو شبكات مغلقة يقتصر التعامل من خلالها على عدد محدود من الأفراد أو الهيئات، ومثالها الشبكات الخاصة بالشركات والمؤسسات الحكومية والهيئات التي تقدم خدمات مثل الرعاية الصحية والتأمينية . وقد أسهمت نظم جديدة في الإتصالات في زيادة أهمية وكفاءة المعاملات الإلكترونية ومثالها الشبكات الخاصة للمعاملات (سويفت) التي بمقدورها إتمام التصرف في لحظات معدودة، وكذلك وسائل الإتصال عن بعد ونظم التبادل الإلكتروني للبيانات .
مدى الحاجة إلى تحديد ماهية المستند الإلكتروني: تبرز الحاجة إلى تحديد مدلول محدد للمستند الإلكتروني، وذلك حتى يتسنى تحديد نطاقه ومعالمه واستظهار الأفعال الماسة به. وتبدو أهمية تحديد هذا المدلول من اختلاف خطة التشريعات في النص على المستند الإلكتروني وفي مدى الحماية المقررة له في التشريعات. فغالبية التشريعات لا تفرد نظرية عامة للمستند الإلكتروني، ولا تحدد قواعد عامة تسري على أي مستند تتوافر له الصفة الإلكترونية؛ وإنما تقتصر هذه التشريعات – كما سنرى – على النص على أهم تطبيقات فكرة المستند الإلكتروني مثل التوقيع والسجلات الإلكترونية.
إختلاف الرأي في استيعاب مدلول المستند العادي للمستند الإلكتروني:
لم تضع الكثير من التشريعات نصوصا تحدد بموجبها فكرة المستند الإلكتروني وتحدد قوته في الإثبات وتعاقب على المساس به. وقد نتج عن هذا النقص التشريعي أن ثار الخلاف في الفقه عن سريان النصوص العقابية التي تحمي المحررات الورقية على المستند الإلكتروني، فذهب رأي الفقه إلى وجوب تفسير تعبير "المستند" الوارد في النصوص السارية تفسيرا واسعا بحيث تشمل معه المستند الإلكتروني؛ بينما لا يؤيد رأي آخر هذه الواجهة.
التفسير الواسع لفكرة المستند: يذهب هذا الرأي إلى أن تعبير "مستند" يمكن أن يمتد ليشمل المستند الورقي والإلكتروني، ذلك أن الأصل اللغوي لكلمة مستند لا يقتصر على نوع معين، وإنما يشمل الكتابة على الورق بمدلولها التقليدي، كما يتسع لغيرها من الصور ومنها الكتابة الإلكترونية. وأنه لا يشترط في التوقيع على المستند إلا أن يكون هذا التوقيع دالاً على نسبة هذا المستند إلى صاحبه، وأن كل وسيلة تقوم بوظيفة التوقيع في تحديد هوية الموقع وإنصراف إرادته الجازمة للالتزام بمضمون ما وقع عليه تعتبر بمثابة توقيع . وفي نظر هذا الرأي فإنه يجب التخلي عن المفاهيم التقليدية "للمحرر"، "الكتابة"، "التوقيع"، وأنه يجب الإعتداد بالمستند الإلكتروني الذي تتوافر به من الضمانات التقنية ما يعادل الضمانات السائدة في المستندات الورقية . وأنه لا يوجد إرتباط بين فكرة الكتابة والورق، فلا يشترط أن تكون الكتابة قد تمت على ورق موقع بمعناه التقليدي. ويعقد هذا الراي مقارنة بين التوقيع الخطي وبين التوقيع بالختم والبصمة، فيقول بأنه إذا كان الشارع يقبل التوقيع بالأخرين على الرغم من أن الخاتم منفصل عن صاحبه ويمكن التحصل عليه بعيدا عن صاحبه، وكذلك الشأن في البصمة التي يمكن أخذها من إبهام شخص نائم أو مغشي عليه بما يعني أن عناصر الأمان لا تتحقق أيضا بالنسبة إليهما . ويضيف بأنه إذا كان الأصل في إثبات العمليات التجارية هو مبدأ حرية الإثبات التي تسمح بإثبات التصرفات بكافة طرق الإثبات دون أن يقام الدليل عليها، وأن تطبيق هذا المبدأ يقتضي أن يترك للقاضي تقدير قوة الدليل المستمد من الوسائل الحديثة . وينتهي هذا الرأي إلى أن المساواة بين مدلول المستند الإلكتروني والمستند الورقي يمكن أن يتحقق بالتوسع الفقهي والقضائي في تفسير النصوص القائمة، وإعطاء مدلول للمستند يشمل معه كافة الصور التي يمكن أن تنطوي تحت هذا المدلول .
التفسير الضيق للمستند: يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن النصوص الحالية قد وضعت لتنظيم ما يتعلق بالمستند الورقي، وأنه لا يمكن القول بإعادة تفسير النصوص الحالية وسريانها على المستند الإلكتروني، وأنه لا بد من صدور تنظيم تشريعي للمستند الإلكتروني يراعي الضمانات التي يجب ان تتوافر في هذا المستند حتى يكفل له الفاعلية في التعامل والقبول في التعاملات . ويضرب أنصار هذا الرأي مثلا بجريمة التزوير التي ترتبط في نظر الكثير من التشريعات بوجود فكرة المحرر، ويترتب على انتفائه انتفاء الجريمة ذاتها، ومن هذه التشريعات الكثيرة من تشريعات الدول العربية، فلا يعد المستند الإلكتروني في نظر هذه التشريعات من قبيل المحرر ومن ثم تنحسر عنه جريمة التزوير . وسند هذا الرأي أن مدلول المحرر الذي عاقبت التشريعات على المساس به يتصل على وجه اللزوم "بالسندات والأوراق"، فعلى سبيل المثال، فإن الشارع المصري قد أورد في المادة 211 كبيان للمحرر "الأحكام أو التقارير أو المحاضر أو الوثائق أو الدفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية"، ثم أحال الشارع إلى هذه "السندات والأوراق الأميرية في المادتين 212، 213 من قانون الأوراق المزورة المذكورة في المواد السابقة". ولم يخرج الشارع المصري عن هذا المدلول للمحرر في كل جرائم التزوير الأخرى مثل التزوير في المحررات العرفية والتزوير في محررات الشركات المساهمة. وأنه مما يدل قطعا على إرتباط فكرة المحرر بفكرة المستند الورقي أن الشارع المصري حينما أراد تجريم صور لا يتحقق فيها هذا المدلول، فإنه نص صراحة على هذه الصور بنصوص خاصة . وقد التزم القضاء المصري بهذا المدلول . وعلى الرغم من أن الفقه المصري يميل إلى أن مادة المحرر قد تكون ورقية أو غير ورقية ومن ثم يعتبر أن الكتابة على غير المستند الورقي تدخل في مدلول المحرر ، فإن النصوص التشريعية واتجاه القضاء لا يساعد على هذا التوسع . ويرى أنصار هذا الرأي أن التزوير الحاصل في المستندات الإلكترونية يخرج عن مدلول التزوير الحاصل على المحررات: وعله ذلك أن فكرة التزوير في المحرر تقتضي أن يعبر المحرر عن فكر إنساني وأن يكون وجودا ماديا ملموسا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وذلك على خلاف البيانات الإلكترونية التي لا يمكن رؤيتها بغير الوسائل الفنية التي تمكن من ذلك .
ويضيف البعض حجة أخرى هي أن التشريعات التي تتعلق بالإثبات المدني لم تجعل للبيانات الإلكترونية أي حجية في الإثبات، ومن أمثلة ذلك قانون البيانات الأردني الذي لا يجعل لهذه البيانات قيمة في الإثبات .
تقدير الرأيين: في تقديرنا أن الرأي الموسع لمدلول المستند ليشمل المستند بمعناه التقليدي والمستند الإلكتروني هو رأي محل نظر: ذلك أن نقطة البدء في هذا الرأي هو أنه لا يوجد شكل معين للكتابة يجب الإلتزام به، ومن ثم لا يوجد ما يحول دون الإعتداد بالمحرر والتوقيع الإلكتروني حتى في ظل غياب النص، ونقطة البدء هذه – في تقديرنا – غير دقيقة، ذلك أن الكتابة التي يعتد بها أي نظام قانوني يجب ان تتمتع بصفات معينة تكفل لها تحقق دورها في إثبات المعاملات، ولذلك لم يثر شك في أن الكتابة بمداد يزول بعد فترة من الوقت أو الكتابة على الآلات والأدوات وغيرها من صور لا تدخل في نطاق الكتابة بمعناها القانوني، ومن اصول التفسير في هذه الحالة أن يفترق المدلول الإصطلاحي للكتابة عن مدلولها اللغوي، ولا يجوز في تقديرنا أن نفسر النصوص التي نصت على فكرة المحرر والكتابة والتوقيع لنمدها إليها إذا تحققت بوسيلة إلكترونية والسبب في ذلك أن فكرة المستند الإلكتروني بمعناه الواسع ونظم حمايته وتأمينه لم تزل حتى الآن عرضه للتطور التقني، ولا يجوز التضحية باستقرار التعاملات قبل التأكد من أداء المستند الإلكتروني لدوره الذي يجب أن يرسمه له القانون. وأنه حتى بفرض صحة المساواة بين الكتابة العادية والإلكترونية، فإن هناك سببا يحول دون المساواة التلقائية بين الفكرتين: هذا السبب يرجع إلى أن الأخذ بفكرة التوقيع الإلكتروني على سبيل المثال يجب ان يقترن بتنظيم تشريعي دقيق يحدد طرق هذا التوقيع وصوره وآثاره في الإثبات وضماناته وسبل حمايته وينص على شهادات توثيق هذا التوقيع ويحدد الجهة المختصة بمنح هذه الشهادات وأوضاعها وشروطها وآثارها القانونية وجزاء الإخلال بها وغيرها من شروط، وإذا لم ينص الشارع على هذا التنظيم، فإنه يبدو من غير المنطقي – في تقديرنا – ان نعترف للتوقيع الإلكتروني بقوته في الإثبات، وسوف يترتب على الأخذ بالتوسع في مدلول فكرة المحرر والتوقيع على النحو الذي ينادي به الرأي الموسع – دون وجود تنظيم تشريعي – إلى إثارة مشكلات كبيرة في الإثبات وهو ما يهدد استقرار المعاملات بدلا من تدعيمه. وإذا كان من الأصول المستقر عليها أنه إذا تعارضت إعتبارات العدالة مع اعتبارات الأمان والإستقرار القانوني فإن الإعتبارات الأخيرة هي الأولى بالرعاية . فإنه من باب أولى إذا تعارضت هذه الإعتبارات مع إعتبارات تسهيل المعاملات وسرعة إنجازها، فلا يجوز التضحية بأمان واستقرار المعاملات في هذه الحالة.
وأخيرا فإنه ما ينال من الرأي الموسع أن التشريعات المدنية والتجارية المقارنة التي أقرت فكرة المستند الإلكتروني قد لجأت إلى إصدار تشريعات خاصة تنظم تطبيقات هذا المستند مثل السجلات والتوقيع الإلكتروني، وإذا كان هذا الرأي صحيحا لكانت هذه التشريعات قد ساوت في التطبيق بين فكرتي المستند دون حاجة إلى نصوص خاصة وهو ما لم يحدث، ما يدل على أن عدم جواز إجراء هذه المساواة من خلال التوسع في التفسير، لأن هذا التوسع لا يلتقي مع المعنى الإصطلاحي للكتابة حتى الآن.
وفي تقديرنا أن الرأي المضيق لمدلول المستند هو الأدنى إلى اتفاقه مع النصوص التشريعية، وأن دليل ذلك أن الشارع المصري قد وضع نصا خاصا في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 يساوي فيه بين السجلات الورقية والسجلات المخزنة من خلال الحاسب الآلي، وأنها تعتبر محررات رسمية (المادة 72 من هذا القانون). فإنه إذا كانت هذه المساواة يمكن التوصل إليها من خلال تفسير النصوص القائمة لما كان الشارع المصري بحاجة إلى افراد هذا النص، ولما كانت التشريعات المقارنة قد وضعت نصوصا خاصة تجرم بمقتضاها الإعتداء على البيانات الإلكترونية.
عناصر فكرة المستند الإلكترونية: يثور التساؤل عن العناصر المميزة للمستند الإلكتروني، وهذه العناصر تعد في الوقت ذاته ضابطا يمكن من خلالها تحديد معالم ونطاق المستند الإلكتروني، ومن ثم تحديد الأفعال التي تنال منه وتنطوي على مساس به، كما أن تطبيق هذا الضابط يؤدي إلى إمكانية التمييز بين المستند الإلكتروني وبين غيره من صور قد تخلط به.
وفي تقديرنا أن المستند الإلكتروني يتميز بأنه ينطوي على ثلاثة عناصر الأول أن يتضمن تعبير عن المعاني والأفكار الإنسانية المترابطة، والثاني أن يكون هذا التعبير له قيمة قانونية، والثالث أن يتصف هذا المستند بالصفة الإلكترونية. والتعبير المترابط عن المعاني يعني أن يكون ما يحويه المستند يكون أداة للتفاهم وتبادل الأفكار. وفي هذا تأكيدا للدور الإجتماعي للمستند بإعتباره وسيلة للمعاملات القانونية . والأهمية القانونية للمستند تعني أن يترتب على المساس به وقوع ضرر على النحو المقرر في جرائم التزوير المستند العادية ، ومن أمثلة ذلك أن يقع المساس في بيان أعد المستند لإثباته، كالتوقيع الإلكتروني؛ أو أن ينصب على بيان يمكن أن يتخذ سندا أو حجة بالمعنى القانوني ولو كان على نحو عارض ومن أمثلة ذلك أن ينصب التزوير على تاريخ المستند الإلكتروني على الرغم من أن التاريخ قد لا يكون بيانا أعد المستند لإثباته. وهذه الخطة قد انتهجتها الكثير من التشريعات المقارنة، من ذلك على سبيل المثال ما نص عليه الشارع الألماني في جريمة تزوير السجلات الإلكترونية من وجوب أن ينطوي السجل الإلكتروني على "واقعة لها قيمة قانونية" .
وأما الصفة الإلكترونية للمستند فتعني أن العمليات المختلفة التي تتصل بالمستند مثل كتابته أو حفظة أو استرجاعه أو نقله أو نسخة تتصل بتقنية تحتوي على ما هو كهربائي أو رقمي أو مغناطيسي أو لا سلكي أو بصري أو كهرومغناطيسي أو غيرها من العناصر المشابهة .
أوجه الشبه والإختلاف بين عناصر المستند الإلكتروني والمحرر:
يتماثل المستند الإلكتروني والمحرر في أن فحوى كل منهما الحقيقة التي يريد الشارع حمايتها . وأن كل منهما ينطوي على مجموعة من الرموز التي تعبر عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الإنسانية، ويتماثل كل منهما كذلك في أنطوائهما على فكرة الضرر التي هي علة تجريم المساس بهما، كما يتماثلان في أنه قد تكون لهما الصفة الرسمية أو العرفية.
وإذا كان ما سبق هي اوجه الشبه فإن هناك أوجه إختلاف عديدة بينهما: ففكرة المحرر ترتبط بتسطير محتواه في صورة ورقية، بخلاف المستند الإلكترونية الذي يفترض أن تكون الكتابة لها الطبيعة الإلكترونية. وإذا كانت دلالة لما انطوى عليه المحرر يمكن التوصل إليها بمجرد النظر، فإن المستند الإلكتروني يقتضي أن يحفظ في نظام تشغيل الكتروني يمكن من خلاله الإطلاع عليه والوصول إلى محتواه ولا يمكن أن يتم ذلك بمجرد الرؤية المجردة. ومن ناحية أخرى فإنه إذا كانت فكرة المحرر تفترض أن بالكشف عن شخصية محرره أو يمكن التعرف عليه عن طريق المحرر، فإذا كان من المقرر أن تحديد الشخص الذي ينسب إليه السجل أو التوقيع الكتروني يعد بيانا لازما للإقرار بصحة المستند في كثير من الأحيان فإن هناك بعض الصور التي قد لا تتطلب ذلك، ومن أمثلة ذلك أن قواعد البيانات الإلكترونية قد لا تتضمن تحديد شخص محررها أو صفته دون أن ينال ذلك من الحماية الواجبة لها.
ومن الفروق المهمة بين المستند الإلكتروني والمحرر هو تحديد كيفية المساس بمحتوى كل منهما: فالمساس بمحتوى المستند الإلكتروني لا بد وأن يختلف عن طريق تغيير الحقيقة في المحرر، حتى ولو اتحدا في طريقه تغيير الحقيقة فإنه يبقى – مع ذلك – هناك فارق بين مدلول هذه الطريقة بينهما، فعلى سبيل المثال فإنه إذا كان تغيير الحقيقة في المحرر يمكن أن يقع بالمحو، فإن هذه الطريقة يختلف مضمونها بحسب ما إذا وردت على محرر أم مستند الكتروني. وقد ترتب كذلك على إختلاف الطبيعة بين المحرر والمستند الإلكتروني أنه إذا كان بالإمكان حصر طرق التزوير في المحرر؛ فإن هذه الطرق يجب النص عليها بصياغة مرنة يمكنها أن تستوعب صور تغيير الحقيقة في المستند الإلكتروني.
بعض التطبيقات التشريعية للمستند الإلكترونية: تختلف خطة التشريعات في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني: فبعض هذه التشريعات يفرد التوقيع الإلكتروني بتنظيم مستقل، ويترك باقي تطبيقات المستند الإلكتروني للتنظيم العام الذي يتعلق بالبيانات والمعلومات الإلكترونية، ومن أمثلة هذه الوجهة القانون الفرنسي والألماني. بينما تذهب وجهة ثانية من التشريعات إلى النص على التوقيع والسجلات الإلكترونية معا بتنظيم مستقل ومفصل ومن أمثلة هذه الوجهة قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيورك، إذ نص على صورتين فحسب من تطبيقات المستند الإلكتروني هما "التوقيع والسجلات الإلكترونية". في حين يتوسع اتجاه ثالث في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني ليشمل العقود الإلكترونية، إضافة إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية. ومن أمثلة هذه الوجهة القانون الإتحادي الأمريكي للتوقيع الإلكتروني الذي نص على "العقود الإلكترونية" إلى جانب صورتي التوقيع والسجلات الإلكترونية . وأخيرا فإن اتجاها تشريعيا ينص على بعض تطبيقات المستند الإلكتروني في مسائل معينة ودون أن يكون هناك إطار تشريعي عام يحكم مسائل البيانات والمعلومات الإلكترونية، ومثال لهذه الوجهة التشريع المصري الذي ينص في تشريعات متفرقة على الأخذ ببعض تطبيقات المستند الإلكتروني مثل الأخذ بفكرة السجلات والدفاتر وقواعد البيانات الإلكترونية في مسائل الأحوال المدنية، وسوف نشير إلى خطة التشريعات في النص على أهم التطبيقات لفكرة المستند الإلكتروني.
التوقيع الإلكتروني: التوقيع الإلكتروني هو وسيلة إلكترونية يمكن بمقتضاها تحديد هوية الشخص المنسوب التوقيع إليه مع توافر النية لديه في أن ينتج آثاره القانونية على نحو يماثل التوقيع بخط اليد . وترجع أهمية التوقيع الإلكتروني في أنه يمكن إستخدامه في كافة التعاملات التي تتطلب توقيعا، مثل أوامر البيع والشراء؛ التوقيع على قوائم جرد السلع والبضائع؛ التوقيع على فواتير الإستلام؛ شراء تذاكر السفر؛ السجلات المثبتة للدفع . وقد عرف القانون الإتحادي الأمريكي التوقيع الإلكتروني بأنه "صوت أو رمز أو معالجة إلكترونية مرفقة أو متحدة بعقد أو بغيره من السجلات يتم تنفيذها أو إقرارها من شخص تتوافر لديه نية التوقيع على السجل ، .
وقد كان قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيورك الصادر سنة 1999 ينص على أن "التوقيع الإلكتروني يعني مطابقة إلكترونية تنطوي دون قيد على توقيع رقمي يخص الشخص الذي يستخدمه وحده، وتكون قادرة على التحقيق من هويته وذلك بموجب ضابط وحيد لمن يستخدمه، يرفق أو يتحد في البيانات كوسيلة للتحقق من إسناد التوقيع إلى البيانات الخاصة وسلامة البيانات المرسلة والمعدة من الشخص المستخدم لها كي تكون لها ذات القوة والأثر المقرر لإستخدام التوقيع الموضوع بخط اليد (المادة 102 (3) من قانون ولاية نيويورك لسنة 1999) .
غير أن الشارع في ولاية نيويورك رأي أن هذا التعريف للتوقيع الإلكتروني لا يفي بمتطلبات التعامل الإلكتروني، فأصدر تشريعا في 6 أغسطس سنة 2002 عدل بموجبه القانون السابق ووضع تعريفا جديدا للتوقيع الإلكتروني يكفل المرونية للمتعاملين. وبموجب التعديل الجديد فإن "التوقيع الإلكتروني هو صوت أو رمز أو معالجة إلكترونية ملحقة بسجل إلكتروني أو متحدة منطقيا به ويجريها أو يقرها شخص تتوافر لديه نية التوقيع في هذا السجل" . ويتماثل هذا التعريف مع القانون الإتحادي الأمريكي، كما أنه يكاد يتماثل مع التعريف الذي أورده الشارع الإنجليزي للتوقيع الإلكتروني إذ نص الفصل الأول من لائحة التوقيع الإلكتروني الصادرة في 8 مارس 2002 على أن التوقيع الإلكتروني يعني بيانات في شكل الكتروني ملحقة أو متحدة منطقيا بغيرها من البيانات الإلكترونية والتي تصلح كوسيلة للتوثيق" . كما أنه يكاد يتطابق مع التعريف الذي نص عليه الشارع الألماني في المادة الثانية من قانون التوقيع الإلكتروني .
ويلاحظ أن اتجاهات التشريعات المقارنة تتجه إلى التوسع في الوسائل التي تصلح لإجراء التوقيع الإلكتروني، وعلة ذلك هي توفير مرونة أكبر للمتعاملين في إختيار الوسيلة التي يرونها تكفل الأمن والثقة في هذا التوقيع . غير إنه إذا كانت للمتعاملين حرية اختيار الوسيلة الفنية للتوقيع الإلكتروني؛ فإن الجهات العامة قد يفرض عليها القانون إستخدام وسيلة معينة دون غيرها في التصرفات التي تدخل فيها مع الغير أو فيما بينها، وعلة ذلك أن هذه الوسيلة قد يتوافر فيها قدر من الحماية للمصلحة العامة أكثر من غيرها. والسلطة التي بيدها تحديد وسيلة التوقيع الإلكتروني في هذه الحالة هي السلطة الإدارية التي عينها الشارع لإدارة وحفظ التوقيعات والسجلات الإلكترونية .
وقد ميز الشارع الألماني بين التوقيع الإلكتروني العادي والتوقيع الإلكتروني المتقدم: ويشترك كل منهما في أنه ينطوي على بيان في صورة إلكترونية ملحق ببيان آخر أو مرتبط به منطقيا ويستخدم هذا البيان لتوثيق نسبته لشخص معين. غير أن التوقيع المتقدم في نظر الشارع الألماني ينطوي على ضوابط أشد صرامة من العادي، فهو توقيع يتضمن شفرة مقصورة إستخدامها على شخص معين لا يشاركه غيره فيه ويكون قادرا على تحديد هوية مستخدمة وأنه يمكنه أن يحتفظ بشفرة هذا التوقيع تحت إشرافه وحده، وأن يكون بالإمكان اكتشاف أي تغيير في بيانات هذا التوقيع تطرأ لاحقا .
وقد ذهب بعض الفقه إلى إعتبار أن إستعمال بطاقات الإئتمان والسحب الممغنطة هو تطبيق للتوقيع الإلكتروني ، وفي تقديرنا أن هذا الرأي محل نظر، ذلك أن هذه البطاقات لا تعد مستندا إلكترونيا، كما أن كافة التشريعات قد تطلبت أن يرتبط التوقيع الإلكتروني بسجل الكتروني سواء كان متحدا به أو ارتبط به منطقيا، ولا يبدو هذا متحققا في شأن هذه البطاقات.
السجل الإلكتروني والمستند الإلكتروني: كان السائد فيما مضى أن كل مستند إلكتروني يعد سجلا إلكترونيا متى كانت القواعد قد تطلبت توافره في التعامل وكان قد استوفى الشروط التي نصت عليها القواعد المنظمة للسجلات الإلكترونية . ووفقا لهذه النظرة فإن تعبير المستند الإلكتروني يترادف مع تعبير السجل الإلكتروني؛ غير أن التشريعات التي نصت على تنظيم السجل الإلكتروني جعلت هناك فارقا بين مدلول كل منهما: فمن ناحية فإن مدلول السجل الإلكتروني يبدو في بعض الصور أضيق نطاقا من المستند الإلكتروني، على نحو لا يعدو معه أن يكون تطبيقا له فحسب ، ووفقا لهذه النظرة فإن فكرة المستند هي أوسع نطاقا من فكرة السجل الإلكتروني، ومن ثم فإن الكثير من الصور التي تخرج عن مدلول الأخيرة، تدخل في مدلول الأولى، غير أنه من ناحية أخرى فإنه في بعض الصور يبدو السجل الإلكتروني أوسع نطاقا من فكرة المستند: وأساس هذه النظرة – كما سيلي – هو أن تعريف السجل الإلكتروني يتسم بالاتساع على نحو يشمل معه "الاصوات والصور والرسومات"، وهو مدلول متسع يخرج عن مدلول المستند الإلكتروني بمعناه الدقيق.
مدلول السجل الإلكتروني : أتصل أو تم تلقيه أو حفظه بوسيلة إلكترونية . وقد توسع إتجاه في تعريف السجل الإلكتروني بأنه "كل مجموعة من النصوص أو الرسوم أو البيانات أو الأصوات أو الصور أو غيرها من المعلومات تتمثل في صورة رقمية، ويتم إنشاؤها أو تعديلها أو حفظها أو فهرستها أو إسترجاعها أو توزيعها بواسطة نظم الكمبيوتر" .
وأساس هذا التوسع هو ربط المدلول الإصطلاحي للسجل بمعناه في اللغة فالسجل في اللغة هو "بيان وضع في صورة ثابتة، وبصفة خاصة كتابة ليحفظ المعرفة أو ذاكرة الإحداث أو الوقائع أو المعلومات أو البيانات في موضوع معين، والتي تم جمعها وحفظها" .
وفي ظل هذا الإتجاه المتوسع فإن البعض ذهب إلى إعتبار أنظمة البريد الإلكتروني الصوتي داخله في مدلول السجل، ووفقا لهذه الوجهة فإن الأقوال الشفوية التي تنقل بواسطة البريد الصوتي بإستعمال الكمبيوتر تعتبر سجلا مثلا في ذلك مثل الوقائع والمعلومات التي يتم حفظها ، غير أن الرأي الراجح يذهب إلى أن هذا التوسع يتعارض مع النصوص التشريعية والقواعد المنظمة للسجل الإلكتروني .
وقد توسعت بعض تشريعات الولايات الأمريكية فلم تقصر السجل الإلكترونية على ما يتم حفظة أو إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر، وإنما مدت مدلوله ليشمل كافة الوسائل الإلكترونية الأخرى مثل الفاكس والتيلكس والبريد الإلكتروني والرسائل التي تتم من خلال شبكة الإنترنت، ومن هذه الوجهة قانون ولاية كونيكتيكت لسنة 2002 الذي حرص على أن يذكر صراحة أن الوسائل الإلكترونية لا تعني حصرها في الوسائل السابق ذكرها .
وهناك اتجاه تشريعي مضيق لمدلول السجل الإلكتروني على نحو يجعله مقصورا على فكرة الكتابة أو البيان الإلكتروني، ومن هذه الوجهة الشارع المصري الذي ساوى في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 بين السجلات الورقية والإلكترونية: فتنص المادة الثانية من هذا القانون على ان تنشئ مصلحة الأحوال المدنية قاعدة قومية لبيانات المواطنين تشتمل على سجل خاص لكل مواطن يميزه...." كما نصت المادة الثالثة (ج) من هذا القانون على أن المقصود بالسجلات هي السجلات الورقية أو الآلية المخزنة على الحاسب الآلي وملحقاته سواء إلكترونيا أو مغناطيسيا أو بأية وسيلة أخرى". ومفاد خطة الشارع المصري أن السجل الإلكتروني يماثل السجل الورقي في كافة الأوجه فيما عدا الطبيعة الإلكترونية للسجل. ويعني ذلك أن فكرة السجل الإلكتروني ترتبط بفكرة البيان المكتوب، لأن الشارع يتحدث عن "قواعد بيانات"، ومن ثم يخرج من هذا المدلول ما عداه من صور. وفي تقديرنا أن هذا المدلول للسجل الإلكتروني هو الذي يمكن ان نطلق عليه بأن السجل الإلكتروني بمعناه الدقيق الذي يعد تطبيقا لفكرة المستند الإلكتروني، بخلاف السجل الإلكتروني بمعناه المتسع الذي يشمل الرسومات والأصوات والتي تخرج عن المدلول الدقيق له.
بيان السجل الإلكتروني: السجل الإلكتروني هو مستند ينطوي على بيانات معينة تكون لها حجيتها في إثبات واقعة أو تصرف معين، وحتى يكتسب هذا المستند صفته فإنه يجب ان يتضمن بيانات معينة تضفي الثقة على مضمونه وتبعث على الإعتقاد بسلامة محتواه، ومن هذه البيانات أن يكون السجل موقعا من شخص أو أشخاص معينين، وأن يتم ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص وصفاتهم وتاريخ وساعة وضع توقيعاتهم على المستند. ويجب تحديد المغزى من التوقيع وما إذا كان يعني إنشاء المستند أو مراجعته أو التصديق عليه . ولهذه البيانات أهمية كبيرة في إثبات بعض الوقائع، فعلى سبيل المثال فإن تحديد تاريخ إتمام عملية التحويل المصرفي الإلكتروني له اهمية كبيرة في القول بنفاذ أو عدم نفاذ التحويل في حال إفلاس أحد أطرافه، ومن ناحية ثانية فإنه يجوز للآمر أن يرجع في تحويله طالما أن المبلغ لم يخرج من ذمته إلى ذمة المستفيد، كما أن لحظة تمام التحويل تعني أن الآمر لم يعد لديه الحق في التصرف في المبلغ المالي محل الأمر بالتحويل، ومن ثم فإنه إن اصدر شيكا عن ذات المبلغ كان مرتكبا لجريمة إصدار شيك بدون رصيد .
الضوابط الفنية للتوقيع والسجلات الإلكترونية:
ذكرنا أن التشريعات التي نصت على الأخذ بالتوقيع والسجلات الإلكترونية قد جعلت لها قوة في الإثبات مساوية للمستندات الورقية للتوقيعات بخط اليد، غير أنه لا محل لهذه القوة إلا إذا توافرت ضوابط تكفل ضمان صحة وسلامة هذه المستندات. ولتحقيق هذا الهدف صدرت لوائح إدارية تتضمن الضوابط والإجراءات الواجب اتخاذها بشأن إستخدام وتوثيق التوقيع الإلكتروني والإنتفاع من السجلات الإلكترونية. ويتوقف نجاح هذه اللوائح على التوفيق بين اعتبارين أساسيين: الأول هو أن يتيح التنظيم التشريعي للتوقيع والسجلات الإلكترونية الحرية والمرونة للأفراد في إجراء تعاقداتهم ومعاملاتهم بأي وسيلة من وسائل التحقق الإلكتروني يرونها ملائمة لهم. ولتحقيق هذا الإعتبار فإن القانون لا يجوز أن يسلبهم حقا أو ميزة مقررة لهم بمقتضى القانون أو التعاقد في حال استخدامهم للتوقيع والسجلات الإلكترونية . والإعتبار الثاني هو أن التنظيم التشريعي يجب أن يكفل توفير الوسائل المناسبة لصحة وسلامة إستخدام المستندات الإلكترونية.
الضوابط الفنية العامة: هناك عدة ضوابط فنية عامة يجب أن تتوافر في التوقيع الإلكتروني: فيجب أن يكون التوقيع خاصا بالشخص وحده ولا يشاركه فيه غيره، كما يجب ألا يكون قد سبق إستخدام هذا التوقيع من قبل حتى ولو من صاحبه، وعلة ذلك هي كفالة أكبر قدر من السرية على هذا التوقيع. ويجب على الشخص صاحب التوقيع أن يقر كتابة بأن توقيعه الإلكتروني ملزم قانونا ويتساوى مع توقيعه بخط اليد من حيث الأثر القانوني، غير أن هذا الإقرار غير لازم في كل مرة يضع فيها الشخص توقيعه الإلكتروني. ويجوز للهيئة المسؤولة عن التوقيع الإلكتروني أن تطلب من صاحب التوقيع أن يقدم شهادة بصحة توقيعه بمناسبة تصرف معين، وفي هذه الحالة فإنه يجب عليه تقديمها، ويخضع التزوير في هذه الشهادة للقواعد العامة في جريمة التزوير .
الضوابط الفنية الخاصة: إلى جوار الضوابط العامة سالفة الذكر، فإنه يوجب ضوابط فنية خاصة للتوقيع الإلكتروني وهي تختلف من نظام تشريعي إلى آخر بحسب ما توفره من أمن وسلامة المعاملات من ناحية، ومرونة وعدم عرقلة هذه المعاملات من جهة أخرى. وتتصل هذه الضوابط بتشفير المستند، سواء أكان توقيعا أم سجلا إلكترونيا، ويلاحظ أنه لا يكفي لضمان سلامة إتمام المعاملة الإلكترونية أن يتم تشفير الرسالة المنسوبة لشخص معين، وإنما يجب التأكد من نسبة هذه الرسالة لهذا الشخص وأن مضمونها لم يتعرض لتبديل أو تشويه .
الإختيار بين تشفير الرسالة بطريقة غير مشفرة: هناك صورة مبسطة من الشفرة التي تستخدم في التصرفات التي تتم على الشبكات المفتوحة أي تلك التي يمكن لأي شخص أن يدخل إليها دون قيود، ومثالها شبكة الإنترنت. وفي هذا النظام فإن المرسل يملك أن يختار بين مفتاحين الأول عام والآخر خاص، والمفتاح الأول يستخدم عندما لا يرى المرسل حاجة إلى تشفير رسالته، وأما المفتاح الخاص فهو الذي يسمح للمرسل أن يقوم بإرسال رسائل سرية إلى الطرف الثاني ومن ثم لا يتسنى الإطلاع عليها. وفي حالة ما إذا أراد المرسل أن يبعث برسالة إلكترونية مشفرة فإن عليه أن يستخدم المفتاحين معا، أما إن لم يرد لها هذا القدر من السرية فإنه يكفيه ان يستخدم المفتاح العام. وقد يعهد إلى طرف ثالث مهمة التأكد من صحة المستند والتوقيع المنسوب إلى صاحبه، وهذا الطرف يكون موضع ثقة الطرفين وتتحدد مهمته في أن يجري تحقيقا يقف من خلاله على ما إذا كانت الرسالة المنسوبة إلى الشخص صادرة منه فعلا، ويتحقق ذلك بالربط بين المفتاحين العام والخاص والتأكد من أنهما قد استخدما من شخص معين، وأن يحدد تاريخ وساعة إرسال المستند .
ضوابط المضاهاة الإلكترونية: يتضمن التنظيم الفني للتوقيع الإلكتروني الأخذ بوسائل تقنية لإجراء المضاهاة الإلكترونية للتوقيع الإلكتروني والتي يمكن بمقتضاها الوقوف على صحة هذا التوقيع. وتختلف الطرق الفنية للمضاهاة إلى عدة طرق، تكفل كل واحدة قدرا معينا من الطمأنينة والثقة في المستند وتضمن سلامته، وحمايته من أن يجحد ممن صدر منه .
ومن هذه الوسائل: مطالبة الشخص الذي يريد التعامل مع المستند الإلكتروني بالإدلاء ببيانات شخصية معينة ومضاهاتها بالبيانات المسجلة سلفا عنه، وذلك قبل قيامه بالتوقيع الإلكتروني. وتستخدم هذه الوسيلة في التعاملات الأقل أهمية أو الأقل قيمة . وإذا كانت وسائل المضاهاة تختلف وتتعدد فإن إستخدام الشفرة السرية تعد أهم هذه الوسائل، غير أن نوع هذه الشفرة وقواعدها الفنية هو أمر يختلف بحسب كل نظام قانون كما سبق الذكر، ويلحق بالشفرة إستخدام التوقيع الرقمي.
المضاهاة بإستخدام شفرة سرية: في هذه الصورة يطالب الشخص بإدخال رقم خاص به أو كلمة سر معينة يتم مطابقتها على رقم أو كلمة سر مخزنة سلفا، ويطلق عليها "السر المشترك" الذي يتقاسم العلم به الشخص ومقدم الخدمة، فإن تطابقتا كان التوقيع تاما. ويصاحب إدخال الشفرة السرية عدة إجراءات تهدف إلى توثيق التوقيع مثل كتابة إسم المتعامل، والغرض من وضع التوقيع في المستند. وعملية التوثيق تجري إذا كان التعامل يجري على الشبكات المفتوحة مثل الإنترنت، والسر المشترك يتم تشفيره بإستخدام تقنية معينة يتم إنشاؤها في أغلب المتصفحات الشهيرة على الشبكة ويتم توصيل البيانات المشفرة إلى الجهة الأخيرة التي تكون طرفا في التعامل. وفي التعاملات البسيطة أو التي لا يكون لها قيمة كبيرة، فإنه يكتفي بإدخال الشفرة السرية بعد إستيفاء بعض البيانات عن شخص المتعامل. أما في التعاملات التي تقتضي درجة أكبر من الأمن، فإن هيئة أخرى هي التي تقوم بوضع الشفرة السرية بعد إجراء عملية تحقق دقيقة لشخص المتعامل .
المضاهاة بإستخدام التوقيع الرقمي: التوقيع الرقمي هو صورة مرسومة للتوقيع بخط اليد، وفي بعض الصور يتم أخذ توقيع الشخص بواسطة قلم ولوحة إلكترونية متصلة بجهاز كمبيوتر، ووضع التوقيع في هذه الصورة يماثل التوقيع اليدوي على المستندات الورقية. وتتم عملية المضاهاة بمقارنة التوقيع الإلكتروني – المماثل للتوقيع بخط اليد – مع نسخة التوقيع اليدوي المحفوظ لدى الطرف الآخر. وتتم عملية المقارنة غالبا بواسطة بعض برامج الكمبيوتر، فإن اسفرت المضاهاة عن المطابقة بين التوقيعين، إعتبر التوقيع الإلكتروني في هذه الحالة صحيحا. والتوقيع الرقمي لا يعدو أن يكون صورة من صور "السر المشترك" والتي تتحقق في حالة التوقيع بإستخدام شفرة سرية، ذلك أن الطرف الثاني يكون لديه نموذج للتوقيع اليدوي يمكنه من المضاهاة عليه. وتزوير التوقيع الرقمي يفوق في الصعوبة تزوير التوقيع على المستندات الورقية، ذلك أن عملية المقارنة بين التوقيع الرقمي ونسخة التوقيع بخط اليد والتي تتم بإستخدام التقنية الرقمية تتسم بدقة كبيرة تزيد عن المقارنة العادية بالعين المجردة، وهو ما يسهل من إكتشاف هذا التزوير .
القوة القانونية للتوقيع والسجلات الإلكترونية: تتوقف حجية السجلات والتوقيع الإلكتروني على القوة التي يمنحها الشارع لها في الإثبات: فإذا أقر الشارع لها هذ هالقوة كأداة لإثبات الحقوق والواجبات أو كوسيلة لحفظ البيانات التي تكون له حجيتها في إثبات الوقائع كانت النتيجة المترتبة على ذلك أن المساس بهذه السجلات والتوقيعات يشكل فعلا مجرما.
ويترتب على الأخذ بنظام التوقيع والسجلات الإلكترونية آثار مهمة على التعاملات والتصرفات القانونية التي يكون طرفها الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو العامة، إذ سيكون بمقدور المستهلك ورجال الأعمال والسلطات العامة في الدولة أن يدخلوا في اتفاقات تعاقدية وفي إجراء تعاملاتهم بإستخدام التوقيع والسجلات الإلكترونية كما لو كان يستخدمون المستندات الورقية والتوقيعات المحررة بخط اليد .
وقد حرصت التشريعات التي نصت على التوقيع والسجلات الإلكترونية على إسباغ قوة قانونية عليها تماثل ما هو مقرر للتوقيع بخط اليد وللسجلات الورقية. ومن ذلك على سبيل المثال ما تنص عليه المادة (104) من قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيويورك من أن "التوقيع الإلكتروني يكون له ذات الصلاحية والأثر المقرر لإستعمال التوقيع الموضوع بخط اليد" .
وما تنص عليه المادة (105) من القانون السابق من أن "السجل الإلكتروني يكون له ذات القوة والأثر المقرر للسجلات المحررة بغير الوسائل الإلكترونية" ، . وما تنص عليه المادة الثالثة من قانون الأحوال المدنية المصري سالف الذكر من المساواة بين السجلات الورقية والسجلات الآلية المخزنة على الحاسب الآلي وملحقاته. ويترتب على التوقيع الإلكتروني إعتبار أن القبول في التعاقد قد وقع تاما وهو ما يجعل العقد منعقدا ومرتبا لآثاره وملزما قانونا كما لو كان قد أبرم كتابة . وقد نص الشارع الألماني على وجوب أن يقوم مقدم خدمة التوثيق بإحاطة صاحب التوقيع علما بأن توقيعه الإلكتروني يعادل من حيث الأثر القانوني توقيعه بخط اليد ما لم ينص القانون على غير ذلك، كما أن عليه أن يحصل على توقيع الشخص كتابة على علمه بذلك وذلك لضمان قيام مقدم الخدمة بواجبه .
مدى الإلزام باللجوء إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية: لم تجعل غالبية التشريعات نصوص التوقيع والسجلات الإلكترونية نصوصا آمرة، وإنما تركت المجال أمام الأفراد للأخذ بهذا النظام أو بنظام التوقيع والسجلات التقليدي. غير أن هذه التشريعات حرصت مع ذلك على وضع استثناء عام جعلت بمقتضاه اللجوء إلى المستندات الإلكترونية إجباريا، وذلك "في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك". ومن أمثلة ذلك نص عليه قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيويورك من أن "إستخدام واللجوء إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية يكون إختياريا، ما لم ينص القانون على غير ذلك" . ويلاحظ أن قانون التوقيع الإلكتروني الإتحادي الأمريكي لم يتطلب يجعل إستخدام أو قبول التوقيع الإلكتروني من النصوص الآمرة . وقد نصت المادة الأولى من قانون التوقيع الإلكتروني الألماني على أنه ما لم ينص القانون على وجوب إستخدام التوقيع الإلكتروني فإن استخدامه يكون إختيارا (المادة الأولى) .
الأثار المترتبة على المساواة التشريعية بين المستند الإلكتروني والمستند الورقي:
يترتب على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي من حيث القوة القانونية نتائج مهمة: فلا يجوز المنازعة في صحة المستند الإلكتروني أو جحد حجية ما يتضمنه من تصرفات أو الدفع بعدم نفاذه لأن إنشائه أو صياغته أو التوقيع عليه كان بإستخدام وسائل أو شكل إلكتروني .
ويترتب على منح التوقيع والسجلات الإلكترونية قوة مماثلة للمستندات الورقية أن يخضع الإثبات بهذه الوسائل أمام المحاكم للقواعد العامة في الإثبات المقررة في القانونين المدني والجنائي، وقد تطلب تحقيق المساواة بين المستند الإلكتروني والورقي تعديل التشريعات السارية على نحو يجيز إمكانية قبول المستند الإلكتروني كدليل أمام القضاء. ومن ذلك ما أجراه الشارع في ولاية نيويورك بقانون سنة 2002 سالف الذكر من تعديل المادة 4518 من القانون المدني للولاية على نحو أجاز فيه قبول المستندات المشتقة 4518 من القانون المدني للولاية على نحو أجاز فيه قبول المستندات المشتقة من سجلات الكترونية كدليل أمام القضاء متى كان هذا المستند يعبر بصورة حقيقية وصحيحة عن السجل الإلكتروني . وإذا إتفق الطرفان في التعاقد على إستخدام إجراءات معينة للتأكد من سلامة التصرف الإلكتروني وضمان صحته وكشف الأخطاء التي قد تعترية، فإن اخفاق الطرف الآخر في تنفيذ إلتزامه يجيز للأول أن يطلب استبعاد السجلات الإلكترونية، ذلك أنه إن لم يتفق الطرفان صراحة على ذلك فإن قبول هذا الدليل من شأنه المساس بحرية التعاقد الأمر الذي ينطوي على مساس بقاعدة دستورية . وعلى الرغم من أن الشارع الإيرلندي لا يجيز حتى الآن قبول السجلات والتوقيع الإلكتروني كدليل لإثبات التصرفات في المجال المدني، أما في نطاق القانون الجنائي، فإنه يجيز إعتبارها أدلة للإثبات أمام القضاء الجنائي، إذ يجيز قانون الأدلة الجنائية لسنة 1992 قبول الإدلة المتحصلة من الكمبيوتر والسجلات الإلكترونية في الإثبات .
الآثار القانونية لعدم تقرير القوة القانونية للمستند الإلكتروني في الإثبات:
هناك عدد من المشكلات القانونية التي تثور بشأن الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني، وهذه المشكلات وإن كانت تتعلق بالإثبات المدني والتجاري، إلا أن لها أهمية كبيرة في نظر القانون الجنائي. ومن هذه المشكلات أن يتطلب الشارع عدم جواز إثبات تصرف معين يتجاوز قيمته مبلغا معينا إلا كتابة، وفي هذه الحالة فإن نظام نقل المستند الذي يتجاوز هذه القيمة إلكترونيا لن يؤدي إلى قبول هذا المستند في إثبات هذا التصرف. بل إنه في تقديرنا لا يعتبر مبدا ثبوت بالكتابة يجيز تكملته بوسائل الإثبات الأخرى، ذلك أنه لا يصدق على المستند الإلكتروني وصف المستند الكتابي.
واقرار المستند الإلكتروني في التعامل والتسليم بقيمته القانونية له أهمية كبيرة في نظر القانون الجنائي في إثبات التصرفات سالفة الذكر، ذلك أن الشارع قد يجرم المساس ببعض العقود المدنية، وفي هذه الحالة لا بد من إثبات هذه التصرفات أولا قبل بحث توافر أركان الجريمة، ويترتب على نفي القوة القانونية للمستند الإلكتروني أن لا يكون بالإمكان إثبات هذه العقود التي تتجاوز المبالغ التي نص عليها القانون إلكترونيا. وتطبيقا لذلك فإن جريمة خيانة الأمانة لا تتوافر بغير إثبات العقد الذي تسلم بموجبه الأمين المال المبدد، فإذا نفى المتهم وجود هذا العقد فلا بد من إثبات وجوده كتابة ولا يغني عن ذلك إثباته إلكترونيا، وذلك إذا كان قد تجاوزت قيمته المبلغ الذي لم يجز الشارع إثباته إلا كتابة.
ومن ناحية أخرى فإن النظام الضريبي ما زال يعتمد بصفة أساسية على وجود فواتير كتابية عن البيع والشراء حتى يمكن التعويل عليها في إجراء المعاملة الضريبية، وهو ما قد يتنافى مع فكرة المستند الإلكتروني الذي قد لا تأخذ به السلطات الضريبية .
بعض صور المستند الإلكتروني:
العقود الإلكترونية: العقد الإلكتروني هو عقد يتحقق بإيجاب وقبول مثل العقود العادية التي تبرم وتوقع كتابة؛ غير أن الإيجاب والقبول يتحقق بوسيلة إلكترونية دون حاجة إلى مستند مكتوب . ومن أمثلة ذلك أن يرسله الموجب عرضه إلى الطرف الآخر بطريق البريد الإلكتروني الذي قد يكون شخصا أو هيئة إعتبارية ويقوم من يوجه إليه الإيجاب بالتوقيع عليه إلكترونيا بما يفيد القبول ويعيده للمرسل ثانية، ومن ثم ينعقد العقد بهذه الطريقة وتكون له قوته القانونية . ويستوي في هذا القبول أن يتم في رسالة منفصلة ترسل إلى صاحب الإيجاب أو أن ترسل في ذات المستند الذي يتضمن الإيجاب، ويتحقق ذلك بقيام من وجه إليه الإيجاب بالضغط على أحد الأزرار في صفحة المستند والتي يتضمن معنى القبول، وذلك عقب بيان شروط العقد أو أن يقوم بوضع توقيع إلكتروني في خانة معينة ويقوم بإعادة المستند ثانية إلى الموجب .
تحديد القوة القانونية للعقود الإلكترونية في ظل غياب النص:
ويثور التساؤل عن مدى نفاذ العقود المبرمة من خلال مستند إلكتروني، دون وجود تشريع وطني ينص على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي؟ وعلة هذا التساؤل هي أن الكثير من التشريعات لم تصدر بعد قوانين تنظم بمقتضاها السجلات والتوقيع الإلكتروني وتحدد مدى القوى القانونية لها في الإثبات، ومن هذه التشريعات على سبيل المثال التشريع المصري والإيرلندي.
في تقديرنا أن أغلب العقود المدنية لا يتطلب فيها القانون شكلا معينا لإبرامها فيجوز ان تنعقد بمجرد الإيجاب والقبول الشفهي ومن باب أولى إذا أبرمت من خلال مستند إلكتروني. غير أن الصعوبة الحقيقية تثور فيما تقرره بعض هذه التشريعات من عدم جواز إثبات التصرف الذي يجاوز قيمة معينة إلا بالكتابة بمدلولها التقليدي، في هذه الصورة يثور التساؤل عن جدوى إسباغ الحماية المقررة للمستند الإلكتروني في هذه الحالة على الرغم من عدم اعتراف الشارع بقيمته في الإثبات؟ في تقديرنا أنه يجب أن نفرق بين وجود العقد ذاته وبين إثباته: فإبرام العقد عن طريق المستند الإلكتروني بإيجاب وقبول يؤدي إلى وجود العقد وإنتاجه أثاره القانونية، ومن ثم يكون جديرا بالحماية الجنائية، أما ما يتطلبه قانون الإثبات من وجوب إثبات التصرف الذي يجاوز قيمة معينة بالكتابة، فإن ذلك لا يؤثر على قيام العقد، فضلا عن أن التمسك بهذا الدفع هو مقرر لمصلحة الخصم ويجوز له أن يتنازل عن التمسك به سواء صراحة أم ضمنا، دون أن يؤثر ذلك على نشأة الإلتزام أو صحته، ومن ناحية أخرى فإن هناك الكثير من الإستثناءات التي ترد على قاعدة الإثبات بالكتابة، كما أن الشارع الجنائي يسبغ الحماية الجنائية على بعض العقود المدنية ولو لم تكن ثابتة كتابة. وفي تقديرنا أنه يجب أن يتدخل الشارع بإصدار تشريع يحدد بمقتضاها القوة القانونية للعقود التي تبرم بوسائل الكترونية.
الإعتماد المستندي الإلكتروني: إذا أراد المشتري إستيراد بضاعة ما فإنه يقوم بإبرام عقد بيع مع البائع يتفقان فيه على دفع الثمن عن طريق الإعتماد المستندي، ثم يتوجه المشتري إلى بنكه طالبا فتح الإعتماد المستندي لصالح البائع محددا فيه كا فة تفاصيل عملية البيع، ويقوم البنك بعد ذلك بإبلاغ البائع بالإعتماد المفتوح لصالحه، وذلك بشكل مباشر؛ أو عن طريق بنك مراسل له في بلد المصدر، ويمكن أن يقوم هذا البنك الأخير بتعزيز الإعتماد، فإن تحقق ذلك أصبح ملتزما بالدفع إلى المستفيد بالإضافة إلى التزام البنك مصدر الإعتماد . وإذا اقتنع البنك مصدر الإعتماد بأن مستندات البضاعة مطابقة لشروط الإعتماد قام بالسداد للبنك المراسل قيمة ما دفعه إلى المستفيد، أما إن وجدها مخالفة لشروط الإعتماد فإنه يرسل إخطارا إلى البنك المراسل برفض المستندات في مدة معقولة.
وقد أفضى التقدم التقني إلى ظهور "الإعتماد المستندي الإلكتروني" الذي تتم فيه الإجراءات السابقة عن طريق وسائل الإتصال الإلكتروني. فيقوم المستورد بإرسال طلب فتح الإعتماد إلكترونيا، ويقوم البنك بالرد عليه بذات الوسيلة، فإن قبل ارسل نص الإعتماد إلكترونيا إلى المستفيد. وقبل إنتهاء مدة صلاحية الإعتماد فإن المستفيد يرسل إلكترونيا الفواتير اللازمة المتعلقة بالشحن، كما يقوم المستفيد بإرسال رسائل إلكترونية للأطراف المشاركة في عملية البيع مثل الشاحن والمؤمن والمفتش لما قبل الشحن، يطلب فيها إرسال مستنداتهم إلكترونيا إلى البنك مصدر الإعتماد. ثم يقوم البنك مصدر الإعتماد بإرسال الرسائل الإلكترونية الواردة إليه إلى البنك المراسل .
ويؤدي الإعتماد المستندي الإلكتروني إلى إتمام الصفقات في سهولة ويسر وبسرعة كبيرة مما يؤدي إلى أن يملك المتعاملون به قدرة تنافسية تفوق غيرهم من المتعاملين بالطرق التقليدية، كما يؤدي إلى الإقلال من تكلفة إرسال المستندات والإستفادة من ميزة التبادل الإلكتروني في حل المشكلات الناتجة من وصول البضائع قبل وصول المستندات .
وعلى الرغم من أن لائحة (500) لم تتضمن نصا ينظم الإعتماد المستندي الإلكتروني، فإن نص المادة (20 ب) من هذه اللائحة قد أعتبر أن المستندات الصادرة عن وسائل تقنية حديثة كالكمبيوتر تعتبر مستندات أصلية مقبولة ما لم ينص عقد الإعتماد على غير ذلك بشرط أن يؤشر عليها على أنها أصلية وعند الإقتضاء تبدو أنها موقعة .
حوالة الوفاء الإلكترونية: تطورت وسائل الوفاء حيث أصبح بمقدور الدائن أن يوفى إلتزاماته بواسطة الوسائل الإلكترونية، وقد أنشأت بعض الدول أنظمة وفاء وطنية، كما أصبح هناك عدة أنظمة عالمية للوفاء من أبرزها نظام شبكة السويفت swift وهو نظام دولي يستخدم على نطاق واسع لإجراء الإلتزام بالوسائل الإلكترونية، ويتم ذلك إما بتوجيه أمر من المدين إلى مصرفه لوفاء إلتزام بذمته بوسيلة إلكترونية إلى دائنه، وإما بتوجيه أمر من المدين إلى مصرفه بتحصيل مبلغ من حساب دائنه بناء على تفويض مسبق بواسطة إلكترونية . وتتم الصورة الأولى التي يطلق عليها التحويل الدائن بقيام الدائن بإتخاذ الإجراءات المصرفية اللازمة لتحويل مبلغ معين إلى المستفيد سواء كان في نفس المصرف أو في مصرف آخر، وسواء بدفع المبلغ مقدما إلى البنك المحول أو بتفويضه بقيد المبلغ على حسابه لدى البنك، ويمكن للدائن أن يوجه تعليمات بذلك إلى بنكه من خلال رسالة إلكترونية، وعند وصولها يقوم البنك من التأكد من صحتها ومن باقي شروط التحويل مثل كفاية الرصيد ويقوم بعد ذلك بتنفيذ العملية. وأما الصور الثانية والتي يطلق عليها التحويل المدين فتتم بتفويض بنك المستفيد في تحصيل قيمة التحويل من الدائن أو بنكه. وفي هذا التحويل يقوم المستفيد مع طلب التحويل تفويض من المحول (المدين) إلى بنكه يفوضه فيه بتحويل المبلغ إلى حساب المستفيد وبقيد القيمة على حسابه . ويعد أمر التحويل مستندا إلكترونيا يمكن أن يتعرض لأفعال التزوير.
السجلات الطبية الإلكترونية: أمتد إستخدام السجلات الإلكترونية إلى المجال الطبي، حيث تشير الدراسات إلى تزايد إستخدام "نظم الرعاية الطبية الإلكترونية " والتي تتيح الإحتفاظ بسجلات طبية مسجلة بوسائل إلكترونية عن المرضى، وهو ما يتيح تقديم الرعاية الصحية لهم في أي مكان ومعرفة سجلهم المرضي والذي يتحقق بمجرد الدخول على هذه السجلات والإطلاع عليها وهو ما يعرف بالرعاية الطبية المتنقله . كما تكفل هذه النظم عقد المؤتمرات والندوات وطلب المشورة الطبية من خلال السجلات الإلكترونية الأمر الذي يؤدي إلى إرتفاع مستوى الرعاية الطبية وإلى تقليل الأخطاء الطبية وإلى تحقيق الكسب المادي لمقدمي هذه الخدمات . غير أن استخدام السجلات الإلكترونية في المجال الطبي أدى إلى إثارة العديد من المشكلات المتصلة بأمن هذه السجلات وخصوصية المعلومات التي تتضمنها والحق في السرية وإثارة مشكلات تتصل بالتوقيع الإلكتروني عليها .
المبحث الثاني
نطاق المستند الإلكتروني
تمهيد:
نبحث في هذا الفصل الصلة بين فكرة المستند الإلكتروني وغيره من أفكار، كما نميز بين الحماية المقررة له وبين بعض صور الحماية الأخرى التي قد تشتبه به.
المستند الإلكتروني والحكومة الإلكترونية: من فوائد الأخذ بنظام الحكومة الإلكترونية أن التعامل مع الأجهزة الحكومية يكون ميسورا من خلال الإتصال الإلكتروني بمواقع مختلفة وإنجاز التعاملات من خلال هذا الإتصال. ومن خلال الحكومة الإلكترونية يمكن للفرد أو للشخص المعنوي العام والخاص أن يتعامل مع الحكومة بوزارتها وأجهزتها المختلفة، فبمقدورة التعامل مع الضرائب والصحة والتعليم والعمل والمرور والإستفسار عن حالة الطقس وطلب إعانات ومساعدات إجتماعية كما أنه يمكن من خلال الحكومة الإلكترونية نقل المعلومات والإطلاع على البيانات والحصول على الوثائق والشهادات بسهولة ويسر وبلا توقف. وللحكومة الإلكترونية آثارها على الإستثمارات وتوفير فرص العمل: فسيكون بمقدار المستثمرين التعامل مع الأجهزة الحكومية والوقوف على ما تتطلبه التشريعات الوطنية من إجراءات وشروط تتصل بإستثماراتهم، دون أن يكون هناك حاجة إلى التردد على المكاتب الإدارية لأجهزة الدولة . وقد نظر البعض إلى الحكومة الإلكترونية بإعتبارها وسيلة مهمة لتعزيز الديمقراطية: ذلك أن من شأن الأخذ بها أن تحقق التواصل بين أفراد المجتمع وسلطة الدولة، كما أنها وسيلة فعالة لكفالة نفاذ القانون . ولا شك في أن الصلة الوثيقة بين المستند الإلكتروني والحكومة الإلكترونية تدفع إلى القول بأن الحماية المقررة لأحدهما تنطوي بطريق اللزوم على حماية الأخر.
الصلة بين المستند الإلكتروني والتجارة الإلكترونية: لا شك في أن للتجارة الإلكترونية آثارا مهمة على التجارة الدولية : فالتجارة الإلكترونية تعني إمكانية تبادل السلع والخدمات عبر حدود الدول ودون التقيد بإقليم معين أو جنسية معينة . وللتجارة الإلكترونية مزايا وفوائد عديدة: فهي تؤدي إلى سهولة إبرام الصفقات والتصرفات القانونية الدولية، ودون حاجة إلى وسيط سواء أكان هذا الوسيط فردا ام شركة الأمر الذي يؤدي إلى الإقلال من النفقات وإلى تخطي العقبات والحواجز الجغرافية بين الدول. ومن جهة أخرى فإن من شأن الإستناد إلى شبكات المعلومات تمكين المتعاقدين من التعرف على المعروض من السلع والخدمات ونوعيتها وأوصافها وأثمانها وشروط تسليمها وهو الأمر الذي يعزز الشفافية وييسر من إتمام التعاقدات وأطرافها على بينة وبصيرة من ظروف التعاقد وشروطه .
والصلة بين المستند الإلكتروني والتجارة الإلكترونية واضحة: فإذا كان قوام هذه التجارة هي تبادل السلع والخدمات، فإن هذا التبادل لا يعدو أن يكون في حقيقة الأمر عقدا يستجمع كافة شروطه القانونية من إيجاب وقبول ويقترن بتوقيع ينسب إلى صاحبه ويترب آثاره القانونية، وهذا العقد في مجال التجارة الإلكترونية هو مستند الكتروني توافرت فيه كل أركان وشروط العقد المكتوب، ويذيل بتوقيع إلكتروني يتناسب مع طبيعته .
وحماية المستند الإلكتروني تعني في حقيقة الأمر حماية للتجارة الإلكترونية: فإذا كانت هذه الحماية فعالة وتكفل صيانة المستند بما تضمنه من محتوى وتكفل صحة التوقيع الإلكتروني عليه، فإن التعامل التجاري الإلكتروني سيكون محل ثقة المتعاملين, وسوف تؤدي مثل هذه الحماية إلى إنتشار هذا النوع من التجارة ومن ثم يؤدي في النهاية إلى إزدهار التجارة الدولية وتنمية العلاقات الإقتصادية بين الدول.
الصلة بين المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: هناك صلة وثيقة بين فكرة المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: فإذا كانت علة الأخذ بتطبيقات المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: فإذا كانت علة الأخذ بتطبيقات المستند الإلكتروني كالتوقيع والسجلات الإلكترونية هو تسهيل التعامل وسرعة إنجازه، فإن هذه الإعتبارات لا يجب أن تتجاوز حقوق المستهلك وحمايته من الغش والخداع والتي قد تترتب كنتيجة لإتمام التصرفات من خلال الوسائل الإلكترونية .
المستند الإلكتروني والحق في الإعلام:
حرية انتقال الأفكار والمعلومات هي إحدى الحريات الأساسية التي يحرص عليها كل شارع، ويتوقف تقدم الأمم وإزدهارها على مدى كفالة هذه الحرية . ومن ناحية أخرى فإن حرية التعبير بصورها المختلفة هي افصاح عن الشخصية الإنسانية في المجتمع، وهي الضمان الذي يقوم عليه أي مجمتع ديمقراطي حر . يقصد بالحق في الإعلام حق كل انسان في ان يستخلص ويتلقى وينقل المعلومات والأنباء والآراء على أية صورة دون تدخل من أحد. وهذا الحق على هذا النحو وثيق الصلة بالصور المختلفة لحرية الرأي والتعبير، ولا سيما حرية الصحافة والإعلام ، وإن كان أوسع من حرية الإعلام لتضمنه فضلا عن حرية الوصول لمصادر الأنباء ونشرها، حرية الكافة في البحث والتلقي والإتصال والنشر والتوزيع لكافة المعلومات والأفكار . وتتعدد وسائل إستعمال الحق في الإعلام بين وسائل مسموعة ومرئية ومكتوبة .
وقد أدى التقدم التقني إلى إستحداث صور جديدة أمكن بمتقضاها نقل المعلومات بسرعة وكفاءة والوصول إليها، سواء أتحقق ذلك من خلال شبكات المعلومات المفتوحة أو المغلقة. ويتيح هذا التقدم للفرد أن ينشئ موقعا على شبكة المعلومات يضمنه ما يريد من معلومات، كما يتيح هذا التقدم أن تقوم الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة بإنشاء مثل هذه المواقع أو بنوك المعلومات التي يمكن الولوج إليها والوقوف على ما تحويه.
وللمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في الإعلام، ذلك أنه إذا كان هذا الحق الأخير يعني أن للفرد الحق في ان يتلقى ويطلع وينقل المعلومات، فإن هذه المعلومات قد يحويها المستند الإلكتروني، غير أن المدلول المستند الإلكتروني لا يتطابق دائما مع دائرة المعلومات، فقد تصاغ المعلومات في شكل مستند إلكتروني أو في شكل غيرها من الصور، ويعني ذلك أن للمعلومات نطاقا أوسع من نطاق المستند الإلكتروني.
المستند الإلكتروني والملكية الفكرية والذهنية:
يتماثل المستند الإلكتروني مع المصنف في أن لصاحب كل منهما الحق في الإستئثار به، ويحق له كشف محتواه أو تقييد الإطلاع عليه، ويتماثلان كذلك في أن الشارع يبسط حمايته لمحتوى كل منهما فلا تمتد إليه يد العبث أو التدمير أو التشويه، كما أن لصاحب الحق فيهما في سلطة محو مضمونهما أو سحبه أيا كان الشكل الذي عليه. ومن جهة أخرى فإن دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية قد تتداخل مع دائرة الحماية المقررة للمستند الإلكتروني: فمن ناحية فإن مدلول حق المؤلف يتسع ليشمل التعبير وليس فقط الأفكار . كما أن المساس بحقوق الملكية الفكرية للمصنفات المعالجة إلكترونيا قد تنتمي بالمعنى الواسع إلى المساس بالبيانات الإلكترونية، ومن ثم تصبح الحماية المقررة لهذه البيانات هي في الوقت ذاته حماية لحقوق الملكية الفكرية . ومن ناحية أخرى فإن الكثير من التشريعات تدخل قواعد البيانات وغيرها من المصنفات المكتوبة في دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية.
ومن ناحية ثالثة فإنه إذا كان يخرج عن نطاق حق المؤلف "الفكرة" ذاتها بإعتبارها ليست محلا للتملك ، فإن هذه "الفكرة" تخرج أيضا عن نطاق المستند الإلكتروني إلا إذا تجسدت وأخذت شكلا ماديا ملموسا انطوى عليه المستند، فعندئذ تنصرف الحماية إلى هذا الشكل.
وإذا كانت هذه هي اوجه الشبه فإن هناك اختلافا أساسيا بين مدلول المستند الإلكتروني والمصنف: فالمصنف لا بد أن ينطوي على عنصر الإبداع، بينما لا يتطلب المستند هذا العنصر، إذ أن غاية ما ينطوي عليه هو بيان أو معلومات لها أهمية في إنشاء التصرفات أو الوقائع القانونية. ومن ناحية ثانية فإنه إذا كانت الوثائق الرسمية مثل التشريعات والقرارات والاتفاقيات والأحكام القضائية وتقارير البورصة تخرج عن مدلول المصنف ، فإنها تدخل في مدلول المستند.
ويترتب على التحديد سالف الذكر أن محل الحماية الجنائية للمصنف يرتكز على حماية حق المؤلف على أفكاره؛ بينما يعد محتوى المستند وسريته هو محل حماية المستند الإلكتروني. ومن ناحية أخرى فإن الإعتداء على حق المؤلف قد لا ينطوي على أي مساس بجوهر المصنف ذاته، فمن المقرر أن المساس بحق المؤلف يتوافر اذا تم نشر أو عرض المصنف في وقت أو بطريقة لم يخترها المؤلف، ويعني ذلك أن المساس بحق المؤلف في هذه الصورة يتحقق دون أن ينطوي ذلك بأي مساس بالبيانات الإلكترونية التي يتضمنها المصنف. ويلاحظ أنه قد ينطوي المستند الإلكتروني على عنصر الإبداع، وفي هذه الحالة تتعدد صور الحماية المقررة له، ولا يتنافى ذلك مع المنطق القانوني، ذلك أنه من المقرر أن الحق الواحد قد يحميه عدة نصوص، وأن المحرر قد ينطوي على عدة حقوق تتعدد أوجه الحماية المقررة لها.
المؤتمر العلمي الأول حول الجوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكترونية منظم المؤتمر:اكادمية شرطة دبي ، مركز البحوث والدراسات رقم العدد : 1 السنة : 2003تاريخ الإنعقاد: 26 نيسان 2003تاريخ الإنتهاء: 28 نيسان 2003 الدولة : دبي - الامارات العربية المتحدة
تمهيد:
تتيح التكنولوجيا الحديثة القيام بالكثير من الأعمال التي كان يستحيل من قبل إنجازها: فلقد وفرت هذه التكنولوجيا في مجال الإتصالات الإلكترونية إمكانية تحقق التواصل الإنساني وإنجاز المعاملات في سهولة ويسر، وأتاح إستخدامها حسن تقديم خدمات الرعاية الصحية وتنمية الملكية الفكرية، وغيرها من مجالات . وتعد شبكات المعلومات ونظم التبادل الإلكتروني للبيانات تطبيقا للإستخدام التكنولوجي الحديث في مجال الإتصالات ونقل المعلومات وهي تختلف بذلك كثيرا عن غيرها من الوسائل التقليدية للاتصال والإعلام ، وهذا الإختلاف يؤدي إلى أمرين: الأول هو تعدد أوجه إستعمالات هذه الوسائل وإتساعها، والثاني هو الحاجة إلى تنظيم قانوني يضع الإطار لهذه الإستعمالات، غير أن هذه التكنولوجيا قد يساء إستعمالها وأن يهدد إستخدامها السلامة العامة والمصلحة الوطنية، فإذا كانت وسائل الإتصال الإلكتروني الحديثة تتيح إنجاز المعاملات المالية بشكل سريع وموثوق به أيا كان مكان المتعاملين؛ فإن إستعمال هذه الوسائل لا يخلو من مخاطر، فقد يستغل بعض المجرمين هذه الوسائل في إرتكاب جرائمهم بطريق الإحتيال أو المساس بخصوصية هؤلاء المتعاملين وسرية معاملاتهم. وإذا كان التقدم التقني قد حاول مكافحة الجرائم في مجال الإتصالات ولجأ إلى تشفيرها بما يحفظ سريتها، فإن هذه الإجراءات – مع ذلك – قد أفضت إلى إستغلال الجناة لهذه الإجراءات في إرتكاب جرائمهم بإستخدام وسائل إتصال يصعب إختراقها أو الوقوف على محتواها، وهو ما يعني أن التقدم التقني قد أمد المجرمين بوسائل بالغة القوة والفاعلية في إرتكاب جرائمهم .
أهمية المستند الإلكتروني: ترجع أهمية المستند الإلكتروني إلى أنه يتماثل مع المستند الورقي من حيث أوجه الإستعمال وأنه قد يماثله – في نظر الكثير من التشريعات – من حيث القوة القانونية المقررة له، غير أن المستند الإلكتروني له الكثير من المزايا التي تكفل له إنتشارا واسعا وتزايدا مستمرا في الإستخدام.
فمن ناحية فإن المستند الإلكتروني يتصل بطائفة مهمة من النظم الإدارية والتجارية والمالية التي تمتد لتشمل الدولة والأفراد على حد سواء، فالمستند الإلكتروني هو أحد الأدوات المهمة في تنفيذ فكرة "الحكومة الإلكترونية"، التي تقدم خدماتها إلى الأفراد والهيئات العامة والخاصة، وللمستند الإلكتروني صلة بنشاط الهيئات التي تعمل في مجال البنوك والتأمين والخدمات الطبية وغيرها، فهذه الهيئات تؤدي عملها بالإعتماد على هذا المستند من خلاله.
والمستند الإلكتروني هو الوسيلة لتحقق التجارة الدولية أهدافها، فمن خلال هذا المستند وحده يمكن إنجاز المعاملات وإبرام التصرفات والصفقات التي تقضيها فكرة التجارة الإلكترونية. ومن شأن كفالة حماية المستند الإلكتروني أن يفضي إلى سهولة المعاملات التجارية وسرعة إنجازها وإلى توفير النفقات . وللمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في السرية والخصوصية، وللمستند الإلكتروني صلة بحماية حقوق المستهلك، فهذا المستند يتبلور فيه حقوق طرفي التعاقد، فهو المرجع للوقوف على ما أتفق عليه الطرفان وتحديد التزاماتهما القانونية، والحماية المقررة للمستند الإلكتروني تضمن في الوقت ذاته حماية للمستهلك.
وقد أثرت الصلة بين المستند الإلكتروني وبين المصالح سالفة الذكر، في أن النصوص التي تحمي هذه المصالح قد تتضمن بعض صور حماية المستند الإلكتروني أو على الأقل تكمله الحماية المقررة له، ومن ذلك على سبيل المثال التشريعات التي تحمي، الحق في الخصوصية؛ حرية المعلومات؛ الإتصالات الإلكترونية؛ التجارة الإلكترونية؛ تشريعات الكمبيوتر؛ تشريعات حماية البيانات؛ التشريعات المتعلقة بالحكومة الإلكترونية .
ومن ناحية أخرى فإن حماية المستند الإلكترونية تؤدي إلى تحقيق الإستقرار والأمان القانوني، فحماية المستند الإلكتروني سواء من حيث الصلب والتوقيع، وصيانته من المساس بسريته وكشف محتواه يكفل للافراد الطمأنينة وإستقرار المعاملات، كما يؤدي إلى أن يصبح هذا المستند دليلا في الإثبات يقف على قدم المساواة مع المستند الورقي، وهو ما يؤدي في النهاية إلى استقرار النظام القانوني وقله المنازعات.
أثر الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني على القوانين السارية:
يؤدي الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني إلى إحداث تعديلات مهمة على القوانين السارية، ومن ذلك على سبيل المثال القانون المدني والتجاري اللذين يعتمدان في إتمام التصرفات على التوقيع الكتابي والمستندات الورقية. ويؤدي إقرار فكرة المستند الإلكتروني تشريعيا إلى وجوب تعديل هذه التشريعات . كما يؤدي الأمر بالتبعية إلى تعديل القوانين المتعلقة بالإثبات المدني والتجاري والجنائي، وإلى أن يقرر الشارع القوة القانونية التي يسبغها على المستند الإلكتروني.
كما سوف يؤدي الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني إلى تعديل القوانين المالية والضريبية السارية والتي كانت لا تعتد بالأدلة المستمدة من مستندات إلكترونية في الإثبات والتعامل، كما قد تدعو الحاجة كذلك إلى تعديل قوانين حماية المستهلك. وسوف يترتب على إقرار المستند الإلكتروني التأثير على القوانين التي تنظم حفظ الأوراق الحكومية وإعدامها .
على أن الأثر المهم في تقديرنا للأخد بفكرة المستند الإلكتروني هو وجوب إصدار تشريع مستقل ينظم أهم تطبيقات المستند الإلكتروني في التعامل وهي السجلات والتوقيع الإلكتروني، ويضع الضمانات القانونية والفنية لهما ويحدد القوة القانونية التي يخلعها الشارع عليهما في الإثبات.
إختلاف خطة التشريعات المقارنة في موضع النص على حماية المستند الإلكتروني:
تختلف خطة التشريعات المقارنة في موضع النص على الحماية الجنائية للمستند الإلكتروني وتتوزع إلى ثلاثة اتجاهات: الأول يرى إصدار قانون يعاقب فيه على جرائم الكمبيوتر بصورها المختلفة ومن ضمنها الجرائم الماسة بالمستند الإلكتروني في صورها المختلفة، وتقترن هذه الخطة في تجريم هذه الأفعال بإصدار تشريعات تنص على صورة معينة من المستند الإلكتروني مثل "السجلات والتوقيع الإلكتروني" ومن أمثلة التشريعات التي تبنت هذه الخطة تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية.
والإتجاه الثاني من التشريعات يذهب إلى إدخال تعديلات على النصوص التشريعية القائمة على نحو يؤدي إلى إستيعابها الصور المستحدثة من الجرائم الإلكترونية ومن بينها صور الإعتداء على المستند الإلكتروني، ثم تفرد هذه الخطة التشريعية قوانين خاصة ببعض الموضوعات مثل الإتصالات والتوقيع الإلكتروني والتي تتضمن نصوصا تتصل بتجريم الاعتداء على المستند الإلكتروني. ومن امثلة التشريعات التي تبنت هذه الخطة الأخيرة القانون الألماني والفرنسي.
والإتجاه الثالث هو الذي لم يفرد بعد تجريما خاصا للجرائم الإلكترونية، وما زال يكتفي بالنصوص التقليدية التي ينص عليها في التشريعات المختلفة ومن أهمها قانون العقوبات، غير أنه يفرد الحماية الجنائية على بعض صور المستند الإلكتروني ومن أمثلة هذا الإتجاه غالبية تشريعات الدول العربية.
تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية:
• أولا: على المستوى الإتحادي: إعتبر الشارع الأمريكي جرائم الكمبيوتر والجرائم الملحقة بها من الجرائم الإتحادية، ويرجع ذلك إلى قانون سنة 1984 الذي أقره الكونجرس بشأن تجريم الإتصال غير المرخص به، والغش وإساءة إستعمال الكمبيوتر . ومنذ صدور هذا التشريع تزايدت نصوصه وتوسعت أحكامه حتى تتسنى مواجهة الصور المستحدثة من جرائم الكمبيوتر. وقد أدى الإتساع الضخم لشبكات المعلومات وعدم مركزية النشاط المتصل بالكمبيوتر إلى وجود صعوبة بالغة في تنظيم هذا النشاط . ومع تزايد إستخدام الكمبيوتر وتطور تقنياته ظهرت نماذج جديدة من السلوك الضار أدت إلى تطور التشريع على نحو مواز لها، وقد تمخض هذا التطور عن صدور عدة تعديلات منها قانون إساءة إستعمال الكمبيوتر لسنة 1994 . وبالإضافة إلى القوانين سالفة الذكر فقد أصدر الشارع الأمريكي في 30 يونيه سنة 2000 قانونا اتحاديا "للتوقيع الإلكتروني العالمي والتجارة الوطنية" أجاز بموجبه قبول وإستخدام التوقيع والسجلات الإلكترونية في التعاملات التجارية الدولية وبين الولايات . وقد أبقى هذا القانون الإتحادي على كافة التشريعات الصادرة من الولايات للتوقيع والسجلات الإلكترونية، غير أنه في حال عدم صدور مثل هذه التشريعات فإن القانون الإتحادي للتوقيع الإلكتروني هو الذي يطبق. وهو ما يعني أن الغطاء التشريعي للمستندات الإلكترونية يمتد إلى كافة الولايات الأمريكية، حتى ولو لم تصدر قانونا خاصة به .
وقد سبق القانون الإتحادي للتوقيع الإلكتروني جهودا تشريعية لإقرار التوقيع والسجلات الإلكترونية ومساواتها بالمستندات الكتابية، ومن هذه الجهود: القواعد الإتحادية للتوقيع والسجلات الإلكترونية الصادرة في 20 مارس سنة 1997 والتي وضعت لتطبيقها في مجال شركات الأجهزة والقانون الإتحادي للغذاء والدواء ومستحضرات التجميل وقانون الخدمة الصحية العامة ، .
وتعود الجهود التشريعية للتوقيع والسجلات الإلكترونية إلى ما طالب به ممثلو الصناعات الصيدلانية في سنة 1991 عن رغبتهم في إستخدام البدائل الإلكترونية مثل تلك المحررة بخط اليد. وكان تبرير ذلك ما تحققه هذه الوسائل وخاصة في مجال حفظ السجلات من أهمية كبيرة لشركات التصنيع الصيدلاني. وقد أثمرت هذه الدعوة عن تشكيل مجموعة عمل تتحدد مهمتها في تنمية سياسة قبول التوقيع الإلكتروني من الهيئات. وقد وضعت مجموعة العمل تقريرا في يوليه سنة 1992 إقتصرت فيه على إلقاء الضوء على القواعد المتصلة بالتوقيع الإلكتروني؛ غير أنها في 31 أغسطس 1994 أصدرت تقريرا وضعت فيه القواعد المتعلقة بالسجلات الإلكترونية. كما وضعت قواعد للتوقيع والسجلات الإلكترونية صدرت في 20 مارس سنة 1997 لتطبيق على شركات الأجهزة . كما صدر نموذج لقانون المعاملات الإلكترونية الموحد ، وهو نموذج إختياري، وذلك بهدف توحيد القواعد التي تتصل بالمعاملات التجارية الإلكترونية بين تشريعات الولايات. وإلى جانب هذه التشريع فإن هناك بعض التشريعات التي يكفل الحماية الجنائية للبيانات المخزنة إلكترونيا تضمنتها تشريعات إتحادية منها ما ينص عليه الفصل 119 من القسم الأول من تقنين الولايات المتحدة سالف الذكر والذي يحمل عنوان "إعتراض وسائل الإتصالات السلكية والإلكترونية والشفهية" .
• ثانيا: تشريعات الولايات: أصدرت الكثير من الولايات الأمريكية تشريعات تتضمن وضع تنظيم للسجلات والتوقيع الإلكتروني. ويعد أول تشريع يصدر في هذا الموضوع هو "قانون المعاملات الإلكترونية الموحد" الذي أصدرته ولاية كاليفورنيا في 16 سبتمبر سنة 1999 والذي دخل إلى حيز النفاذ في أول يناير سنة 2000 . وقانون المعاملات الإلكترونية الموحد الذي أصدرته ولاية نورث كارولينا والذي دخل حيز النفاذ في الأول أكتوبر سنة 2000 .
وقد أصدرت ولاية نيويورك تشريعا في 28 سبتمبر سنة 1999 للسجلات والتوقيع الإلكتروني . وكان هدف هذا التشريع هو تنظيم وتشجيع التعامل بالسجلات الإلكترونية وقبول التوقيع الإلكتروني في التعاملات التجارية . وقد كلف الشارع في ولاية نيويورك مكتب تقنيات الولاية بوضع تقرير يتضمن وضع تنظيم ودليل عمل لأفضل السبل لإنشاء وإستخدام وتخزين والمحافظة على التوقيع والسجلات الإلكترونية (المادة الثالثة من الفصل الرابع من هذا القانون). وقد أصدرت ولاية كونتيكتكت قانونا للمعاملات الإلكترونية في فبراير سنة 2002 ودخل حيز النفاذ في الأول من أكتوبر في ذات السنة . كما أصدرت ولاية بنسلفانيا قانونا مماثلا في 16 ديسمبر سنة 1999 .
- القانون الفرنسي: نص الشارع الفرنسي على تجريم الإعتداء على أنظمة معالجة البيانات، وذلك بموجب الفصل الثالث من الباب الثاني من قانون العقوبات ومن ضمن الجرائم التي تضمنها هذا الفصل إدخال أو مسح أو تغيير معلومات بطرق الغش (المادة 323-3). كما نص الشارع الفرنسي على تجريم عدة أفعال تقع ضد المصالح العليا للدولة وذلك إذا انصبت على المعلومات أو البيانات التي تم معالجتها إلكترونيا (المواد 411-6 إلى 411-10). وإلى جوار هذه النصوص الخاصة الواردة في قانون العقوبات فإن الشارع الفرنسي قد نص على بعض الجوانب المتصلة بالمستند الإلكتروني في قوانين متفرقة أهمها: قانون الإثبات والتوقيع الإلكتروني الصادر في 13 مارس سنة 2000/ ولائحته الصادرة في 30 مارس سنة 2001. والذي أقر فيه الشارع الفرنسي الأخذ بالدليل الإلكتروني في الإثبات والتوقيع الإلكتروني ووضع له الضوابط التي تكفل صحته . ومن التشريعات الأخرى التي تتضمن جانبا من الحماية المقررة للمستند الإلكتروني قانون حرية الإتصالات الذي صدر في سبتمبر سنة 1986 وعدل بقانون أول أغسطس سنة 2000.
- القانون الألماني: تدخل الشارع الألماني بقانون 15 مايو سنة 1986 والذي عدل بمقتضاه قانون العقوبات بأن اضاف إليه المادة 202 (أ)، والتي جرم بها فعل التجسس على المعلومات المخزنة . وقد وردت هذه المادة في الباب الخاص بجرائم الإعتداء على الحياة الخاصة والسر اللذين جمعهما الشارع الألماني في باب واحد, وعلة ذلك الإرتباط الوثيق بين فكرة السر وبين الحياة الخاصة، وأن عناصرهما تتحدد في حماية سرية المحادثات وحماية سرية المراسلات ، وحماية الأسرار الخاصة للأفراد .
كما أصدر الشارع الألماني قانونا للتوقيع الإلكتروني دخل حيز النفاذ في أول نوفمبر سنة 1997، وقد نص الشارع الألماني في هذا القانون على قواعد التوقيع الإلكتروني مثل تعريف الإصطلاحات الواردة في التشريع وتحديد السلطة المختصة بتطبيقه، والقواعد المتعلقة بمقدمي خدمة التوثيق والسلامة الفنية وفي الرابع نظم قواعد الإشراف وضوابطه كما نص كذلك على القواعد الخاصة بالمسؤولية والجزاءات الموقعة . وقد اصدر الشارع الالماني كذلك قانون المعلومات وخدمات الإتصالات ، والذي دخل حيز النفاذ في أول أغسطس سنة 1997.
- القانون الإنجليزي: أصدر الشارع الإنجليزي لائحة خاصة للتوقيع الإلكتروني ، والذي دخل حيز النفاذ في الثامن من مارس 2002، وتعد هذه اللائحة إستجابة للتوجيه الصادر من البرلمان الأوروبي والمجلس الخاص بوضع إطار العمل المشترك للتوقيع الإلكتروني لسنة 1999 وقد أنشات القواعد التي أصدرها الشارع الإنجليزي هيئة خاصة تتولى إصدار شهادات صحة التوقيع الإلكتروني، ونظم اختصاصها ومسؤوليتها والقواعد الخاصة بقبول التوقيع الإلكتروني في الإثبات أمام القضاء .
- القانون المصري: لم يصدر الشارع المصري حتى الآن قانونا شاملا ينص فيه على تجريم الأفعال التي تنال الحاسب الآلي بصفة عامة، كما أنه لم يصدر كذلك قوانين تتعلق بالتجارة الإلكترونية ومدى قبول الأدلة الإلكترونية في الإثبات. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عدة نصوص وردت في تشريعات متفرقة تدل على حرص الشارع المصري على الإحاطة بتجريم الافعال سالفة الذكر، وإن كان هذا التجريم ما زال جزئيا. ومن أهم هذه التشريعات في مجال حماية المستند الإلكتروني القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية، والذي أخذ الشارع المصري فيه بفكرة السجلات والدفاتر الإلكترونية ونص على المعاقبة على تجريم الأفعال الماسة بهذه السجلات، كما ساوى بين التزوير الحاصل فيها والتزوير في الأوراق الرسمية المعاقب عليه بموجب قانون العقوبات.
ومن النصوص التي يمكن أن تحمي أيضا المستند الإلكتروني ما ورد النص عليه في قانون العقوبات من نصوص تحمي الحق في حرمة الحياة الخاصة (المادة 309 مكررا، 309 مكررا (أ)) وسرية المراسلات.
• وإلى جوار هذه النصوص من الشارع:
- الجهود الدولية والمنظمات غير الحكومية: هناك الكثير من الجهود الدولية التي تناولت موضوع المستند الإلكتروني ولكن على نحو غير مباشر: ويرجع ذلك إلى إتصال فكرة المستند الإلكتروني بالكثير من الأفكار التي خصصت لها هذه الجهود. ومن ذلك على سبيل المثال الجهود الدولية والمتعلقة بالتجارة الإلكترونية مثل نموذج قانون التجارة الإلكترونية لسنة 1996 والذي وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية : المبادرة الأوروبية للتجارة الإلكترونية والتي قامت بها اللجنة الأوروبية للاتصالات في إبريل سنة 1997 إطار عمل نحو عهد جديد للتوقيع الرقمي قامت به وزارة التجارة الدولية والصناعة في اليابان سنة 1997، إطار عمل للتجارة الإلكترونية الدولية، البيت الأبيض في يوليه سنة 1997،الإعلان الوزاري الصادر في مدينة بون في يوليه سنة 1997؛ التقرير الذي أعدته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية في أغسطس سنة 1997 عن التجارة الإلكترونية: ما تكفله من فرص وما تواجهه من تحديات للحكومات ؛ الإعلان الذي أصدرته المنظمة السابقة في أكتوبر سنة 1998 بمدينة أوتاوا والذي يتضمن خطة عمل للتجارة الإلكترونية وما يتعلق بها من وثائق؛ قرار مجلس الإتحاد الأوروبي في 19 يناير سنة 1999 عن حجم الإستهلاك للمعلومات في المجتمع، خطة عمل عالمية للتجارة الإلكترونية أعدتها الغرفة الدولية للتجارة في أكتوبر سنة 1999؛ إرشادات حماية المستهلك في مجال التجارة الإلكترونية تقرير أعدته منظمة التجارة الإلكترونية والتنمية في ديسمبر سنة 1999 وأتبعته بتقريرين آخرين: الأول عن حصر قوانين وسياسات حماية المستهلك المطبقة في مجال التجارة الإلكترونية، والثاني هو التقرير الأول للحكومة والقطاع الخاص عن مبادرات تشجيع وتنفيذ إرشادات حماية المستهلك في مجال التجارة الإلكترونية في مارس سنة 2001؛ الوثيقة التي أصدرتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في ديسمبر سنة 2000 عن العوائق القانونية لتطور التجارة الإلكترونية في الوسائل الدولية التي تتعلق بالتجارة الدولية وطرق التغلب عليها؛ خطة العمل الأوروبية التي اعتمدها الإتحاد الأوروبي في يونيه سنة 2002 عن الإختصاص القضائي والقانون المطبق في التجارة الإلكترونية؛ التوجيه رقم 93 لسنة 1999 الصادر من المجلس الأوروبي لوضع إطار مشترك للتوقيع الإلكتروني ، .
- أهمية الموضوع ودقته: تهدف الدراسة إلى إيضاح معالم المستند الإلكتروني وحدود ونطاق حمايته واستظهار الافعال الإجرامية التي تنال منه، وبيان خطة التشريعات المقارنة في كفالة الحماية الجنائية له.
فتثير الدراسة التساؤل عن ماهية المستند الإلكتروني وعناصره؟ وعن الصلة التي تربطه بغيره من الحقوق والمصالح التي يحميها الشارع؟ كما تثير الدراسة التساؤل عن نطاق فكرة المستند الإلكتروني وتمييزها عما قد يختلط بها من حقوق ومصالح أخرى تخرج عن مدلولها. وتطرح الدراسة التساؤل عن أهم الأفعال الإجرامية التي تنال من المستند الإلكتروني؟ وما هية خطة التشريعات الجنائية المقارنة في تجريم هذه الأفعال؟، وما إذا كانت هذه الخطة موضع اتفاق بين هذه التشريعات ام أن كل منها قد نحا منحى يختلف عن الآخر؟. وتثير الدراسة التساؤل عن مدى إحاطة التشريعات المقارنة بهذه الأفعال؟. وفي النهاية تطرح الدراسة سؤالين أساسيين: الأول عن مدى كفاية خطة التشريعات في تجريم الأفعال التي تنال من المستند الإلكتروني؟، والثاني هو عن مدى فاعلية هذه الحماية؟.
• خطة البحث:
نقسم الدراسة إلى فصلين نتناول في الأول ماهية المستند الإلكتروني، فنبين مدلوله ونطاقه وتمييزه عما قد يختلط به من أفكار، وفي الثاني نتناول بالبحث الأفعال الإجرامية التي تنال من المستند الإلكتروني وخطة التشريعات المقارنة في تجريمها. ونتناول في خاتمة الدراسة أهم النتائج التي اسفر البحث عنها.
الفصل الأول
ماهية المستند الإلكتروني
تقسيم:
نتناول في هذا الفصل بيان مدلول المستند الإلكتروني وتحديد عناصره، ثم نبين الصلة بينه وبين بعض الحقوق والمصالح التي يحميها الشارع وتمييزه عما قد يختلط به من افكار وذلك في مبحثين مستقلين.
المبحث الأول
مدلول المستند الإلكتروني
تمهيد:
تتعدد التعاملات الإلكترونية وتختلف فيما بينها إختلافا كبيرا، فمن ناحية قد تكون هذه التعاملات على شبكات اتصال مفتوحة للكافة دون تمييز كشبكة الإنترنت أو شبكات مغلقة يقتصر التعامل من خلالها على عدد محدود من الأفراد أو الهيئات، ومثالها الشبكات الخاصة بالشركات والمؤسسات الحكومية والهيئات التي تقدم خدمات مثل الرعاية الصحية والتأمينية . وقد أسهمت نظم جديدة في الإتصالات في زيادة أهمية وكفاءة المعاملات الإلكترونية ومثالها الشبكات الخاصة للمعاملات (سويفت) التي بمقدورها إتمام التصرف في لحظات معدودة، وكذلك وسائل الإتصال عن بعد ونظم التبادل الإلكتروني للبيانات .
مدى الحاجة إلى تحديد ماهية المستند الإلكتروني: تبرز الحاجة إلى تحديد مدلول محدد للمستند الإلكتروني، وذلك حتى يتسنى تحديد نطاقه ومعالمه واستظهار الأفعال الماسة به. وتبدو أهمية تحديد هذا المدلول من اختلاف خطة التشريعات في النص على المستند الإلكتروني وفي مدى الحماية المقررة له في التشريعات. فغالبية التشريعات لا تفرد نظرية عامة للمستند الإلكتروني، ولا تحدد قواعد عامة تسري على أي مستند تتوافر له الصفة الإلكترونية؛ وإنما تقتصر هذه التشريعات – كما سنرى – على النص على أهم تطبيقات فكرة المستند الإلكتروني مثل التوقيع والسجلات الإلكترونية.
إختلاف الرأي في استيعاب مدلول المستند العادي للمستند الإلكتروني:
لم تضع الكثير من التشريعات نصوصا تحدد بموجبها فكرة المستند الإلكتروني وتحدد قوته في الإثبات وتعاقب على المساس به. وقد نتج عن هذا النقص التشريعي أن ثار الخلاف في الفقه عن سريان النصوص العقابية التي تحمي المحررات الورقية على المستند الإلكتروني، فذهب رأي الفقه إلى وجوب تفسير تعبير "المستند" الوارد في النصوص السارية تفسيرا واسعا بحيث تشمل معه المستند الإلكتروني؛ بينما لا يؤيد رأي آخر هذه الواجهة.
التفسير الواسع لفكرة المستند: يذهب هذا الرأي إلى أن تعبير "مستند" يمكن أن يمتد ليشمل المستند الورقي والإلكتروني، ذلك أن الأصل اللغوي لكلمة مستند لا يقتصر على نوع معين، وإنما يشمل الكتابة على الورق بمدلولها التقليدي، كما يتسع لغيرها من الصور ومنها الكتابة الإلكترونية. وأنه لا يشترط في التوقيع على المستند إلا أن يكون هذا التوقيع دالاً على نسبة هذا المستند إلى صاحبه، وأن كل وسيلة تقوم بوظيفة التوقيع في تحديد هوية الموقع وإنصراف إرادته الجازمة للالتزام بمضمون ما وقع عليه تعتبر بمثابة توقيع . وفي نظر هذا الرأي فإنه يجب التخلي عن المفاهيم التقليدية "للمحرر"، "الكتابة"، "التوقيع"، وأنه يجب الإعتداد بالمستند الإلكتروني الذي تتوافر به من الضمانات التقنية ما يعادل الضمانات السائدة في المستندات الورقية . وأنه لا يوجد إرتباط بين فكرة الكتابة والورق، فلا يشترط أن تكون الكتابة قد تمت على ورق موقع بمعناه التقليدي. ويعقد هذا الراي مقارنة بين التوقيع الخطي وبين التوقيع بالختم والبصمة، فيقول بأنه إذا كان الشارع يقبل التوقيع بالأخرين على الرغم من أن الخاتم منفصل عن صاحبه ويمكن التحصل عليه بعيدا عن صاحبه، وكذلك الشأن في البصمة التي يمكن أخذها من إبهام شخص نائم أو مغشي عليه بما يعني أن عناصر الأمان لا تتحقق أيضا بالنسبة إليهما . ويضيف بأنه إذا كان الأصل في إثبات العمليات التجارية هو مبدأ حرية الإثبات التي تسمح بإثبات التصرفات بكافة طرق الإثبات دون أن يقام الدليل عليها، وأن تطبيق هذا المبدأ يقتضي أن يترك للقاضي تقدير قوة الدليل المستمد من الوسائل الحديثة . وينتهي هذا الرأي إلى أن المساواة بين مدلول المستند الإلكتروني والمستند الورقي يمكن أن يتحقق بالتوسع الفقهي والقضائي في تفسير النصوص القائمة، وإعطاء مدلول للمستند يشمل معه كافة الصور التي يمكن أن تنطوي تحت هذا المدلول .
التفسير الضيق للمستند: يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن النصوص الحالية قد وضعت لتنظيم ما يتعلق بالمستند الورقي، وأنه لا يمكن القول بإعادة تفسير النصوص الحالية وسريانها على المستند الإلكتروني، وأنه لا بد من صدور تنظيم تشريعي للمستند الإلكتروني يراعي الضمانات التي يجب ان تتوافر في هذا المستند حتى يكفل له الفاعلية في التعامل والقبول في التعاملات . ويضرب أنصار هذا الرأي مثلا بجريمة التزوير التي ترتبط في نظر الكثير من التشريعات بوجود فكرة المحرر، ويترتب على انتفائه انتفاء الجريمة ذاتها، ومن هذه التشريعات الكثيرة من تشريعات الدول العربية، فلا يعد المستند الإلكتروني في نظر هذه التشريعات من قبيل المحرر ومن ثم تنحسر عنه جريمة التزوير . وسند هذا الرأي أن مدلول المحرر الذي عاقبت التشريعات على المساس به يتصل على وجه اللزوم "بالسندات والأوراق"، فعلى سبيل المثال، فإن الشارع المصري قد أورد في المادة 211 كبيان للمحرر "الأحكام أو التقارير أو المحاضر أو الوثائق أو الدفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية"، ثم أحال الشارع إلى هذه "السندات والأوراق الأميرية في المادتين 212، 213 من قانون الأوراق المزورة المذكورة في المواد السابقة". ولم يخرج الشارع المصري عن هذا المدلول للمحرر في كل جرائم التزوير الأخرى مثل التزوير في المحررات العرفية والتزوير في محررات الشركات المساهمة. وأنه مما يدل قطعا على إرتباط فكرة المحرر بفكرة المستند الورقي أن الشارع المصري حينما أراد تجريم صور لا يتحقق فيها هذا المدلول، فإنه نص صراحة على هذه الصور بنصوص خاصة . وقد التزم القضاء المصري بهذا المدلول . وعلى الرغم من أن الفقه المصري يميل إلى أن مادة المحرر قد تكون ورقية أو غير ورقية ومن ثم يعتبر أن الكتابة على غير المستند الورقي تدخل في مدلول المحرر ، فإن النصوص التشريعية واتجاه القضاء لا يساعد على هذا التوسع . ويرى أنصار هذا الرأي أن التزوير الحاصل في المستندات الإلكترونية يخرج عن مدلول التزوير الحاصل على المحررات: وعله ذلك أن فكرة التزوير في المحرر تقتضي أن يعبر المحرر عن فكر إنساني وأن يكون وجودا ماديا ملموسا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وذلك على خلاف البيانات الإلكترونية التي لا يمكن رؤيتها بغير الوسائل الفنية التي تمكن من ذلك .
ويضيف البعض حجة أخرى هي أن التشريعات التي تتعلق بالإثبات المدني لم تجعل للبيانات الإلكترونية أي حجية في الإثبات، ومن أمثلة ذلك قانون البيانات الأردني الذي لا يجعل لهذه البيانات قيمة في الإثبات .
تقدير الرأيين: في تقديرنا أن الرأي الموسع لمدلول المستند ليشمل المستند بمعناه التقليدي والمستند الإلكتروني هو رأي محل نظر: ذلك أن نقطة البدء في هذا الرأي هو أنه لا يوجد شكل معين للكتابة يجب الإلتزام به، ومن ثم لا يوجد ما يحول دون الإعتداد بالمحرر والتوقيع الإلكتروني حتى في ظل غياب النص، ونقطة البدء هذه – في تقديرنا – غير دقيقة، ذلك أن الكتابة التي يعتد بها أي نظام قانوني يجب ان تتمتع بصفات معينة تكفل لها تحقق دورها في إثبات المعاملات، ولذلك لم يثر شك في أن الكتابة بمداد يزول بعد فترة من الوقت أو الكتابة على الآلات والأدوات وغيرها من صور لا تدخل في نطاق الكتابة بمعناها القانوني، ومن اصول التفسير في هذه الحالة أن يفترق المدلول الإصطلاحي للكتابة عن مدلولها اللغوي، ولا يجوز في تقديرنا أن نفسر النصوص التي نصت على فكرة المحرر والكتابة والتوقيع لنمدها إليها إذا تحققت بوسيلة إلكترونية والسبب في ذلك أن فكرة المستند الإلكتروني بمعناه الواسع ونظم حمايته وتأمينه لم تزل حتى الآن عرضه للتطور التقني، ولا يجوز التضحية باستقرار التعاملات قبل التأكد من أداء المستند الإلكتروني لدوره الذي يجب أن يرسمه له القانون. وأنه حتى بفرض صحة المساواة بين الكتابة العادية والإلكترونية، فإن هناك سببا يحول دون المساواة التلقائية بين الفكرتين: هذا السبب يرجع إلى أن الأخذ بفكرة التوقيع الإلكتروني على سبيل المثال يجب ان يقترن بتنظيم تشريعي دقيق يحدد طرق هذا التوقيع وصوره وآثاره في الإثبات وضماناته وسبل حمايته وينص على شهادات توثيق هذا التوقيع ويحدد الجهة المختصة بمنح هذه الشهادات وأوضاعها وشروطها وآثارها القانونية وجزاء الإخلال بها وغيرها من شروط، وإذا لم ينص الشارع على هذا التنظيم، فإنه يبدو من غير المنطقي – في تقديرنا – ان نعترف للتوقيع الإلكتروني بقوته في الإثبات، وسوف يترتب على الأخذ بالتوسع في مدلول فكرة المحرر والتوقيع على النحو الذي ينادي به الرأي الموسع – دون وجود تنظيم تشريعي – إلى إثارة مشكلات كبيرة في الإثبات وهو ما يهدد استقرار المعاملات بدلا من تدعيمه. وإذا كان من الأصول المستقر عليها أنه إذا تعارضت إعتبارات العدالة مع اعتبارات الأمان والإستقرار القانوني فإن الإعتبارات الأخيرة هي الأولى بالرعاية . فإنه من باب أولى إذا تعارضت هذه الإعتبارات مع إعتبارات تسهيل المعاملات وسرعة إنجازها، فلا يجوز التضحية بأمان واستقرار المعاملات في هذه الحالة.
وأخيرا فإنه ما ينال من الرأي الموسع أن التشريعات المدنية والتجارية المقارنة التي أقرت فكرة المستند الإلكتروني قد لجأت إلى إصدار تشريعات خاصة تنظم تطبيقات هذا المستند مثل السجلات والتوقيع الإلكتروني، وإذا كان هذا الرأي صحيحا لكانت هذه التشريعات قد ساوت في التطبيق بين فكرتي المستند دون حاجة إلى نصوص خاصة وهو ما لم يحدث، ما يدل على أن عدم جواز إجراء هذه المساواة من خلال التوسع في التفسير، لأن هذا التوسع لا يلتقي مع المعنى الإصطلاحي للكتابة حتى الآن.
وفي تقديرنا أن الرأي المضيق لمدلول المستند هو الأدنى إلى اتفاقه مع النصوص التشريعية، وأن دليل ذلك أن الشارع المصري قد وضع نصا خاصا في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 يساوي فيه بين السجلات الورقية والسجلات المخزنة من خلال الحاسب الآلي، وأنها تعتبر محررات رسمية (المادة 72 من هذا القانون). فإنه إذا كانت هذه المساواة يمكن التوصل إليها من خلال تفسير النصوص القائمة لما كان الشارع المصري بحاجة إلى افراد هذا النص، ولما كانت التشريعات المقارنة قد وضعت نصوصا خاصة تجرم بمقتضاها الإعتداء على البيانات الإلكترونية.
عناصر فكرة المستند الإلكترونية: يثور التساؤل عن العناصر المميزة للمستند الإلكتروني، وهذه العناصر تعد في الوقت ذاته ضابطا يمكن من خلالها تحديد معالم ونطاق المستند الإلكتروني، ومن ثم تحديد الأفعال التي تنال منه وتنطوي على مساس به، كما أن تطبيق هذا الضابط يؤدي إلى إمكانية التمييز بين المستند الإلكتروني وبين غيره من صور قد تخلط به.
وفي تقديرنا أن المستند الإلكتروني يتميز بأنه ينطوي على ثلاثة عناصر الأول أن يتضمن تعبير عن المعاني والأفكار الإنسانية المترابطة، والثاني أن يكون هذا التعبير له قيمة قانونية، والثالث أن يتصف هذا المستند بالصفة الإلكترونية. والتعبير المترابط عن المعاني يعني أن يكون ما يحويه المستند يكون أداة للتفاهم وتبادل الأفكار. وفي هذا تأكيدا للدور الإجتماعي للمستند بإعتباره وسيلة للمعاملات القانونية . والأهمية القانونية للمستند تعني أن يترتب على المساس به وقوع ضرر على النحو المقرر في جرائم التزوير المستند العادية ، ومن أمثلة ذلك أن يقع المساس في بيان أعد المستند لإثباته، كالتوقيع الإلكتروني؛ أو أن ينصب على بيان يمكن أن يتخذ سندا أو حجة بالمعنى القانوني ولو كان على نحو عارض ومن أمثلة ذلك أن ينصب التزوير على تاريخ المستند الإلكتروني على الرغم من أن التاريخ قد لا يكون بيانا أعد المستند لإثباته. وهذه الخطة قد انتهجتها الكثير من التشريعات المقارنة، من ذلك على سبيل المثال ما نص عليه الشارع الألماني في جريمة تزوير السجلات الإلكترونية من وجوب أن ينطوي السجل الإلكتروني على "واقعة لها قيمة قانونية" .
وأما الصفة الإلكترونية للمستند فتعني أن العمليات المختلفة التي تتصل بالمستند مثل كتابته أو حفظة أو استرجاعه أو نقله أو نسخة تتصل بتقنية تحتوي على ما هو كهربائي أو رقمي أو مغناطيسي أو لا سلكي أو بصري أو كهرومغناطيسي أو غيرها من العناصر المشابهة .
أوجه الشبه والإختلاف بين عناصر المستند الإلكتروني والمحرر:
يتماثل المستند الإلكتروني والمحرر في أن فحوى كل منهما الحقيقة التي يريد الشارع حمايتها . وأن كل منهما ينطوي على مجموعة من الرموز التي تعبر عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الإنسانية، ويتماثل كل منهما كذلك في أنطوائهما على فكرة الضرر التي هي علة تجريم المساس بهما، كما يتماثلان في أنه قد تكون لهما الصفة الرسمية أو العرفية.
وإذا كان ما سبق هي اوجه الشبه فإن هناك أوجه إختلاف عديدة بينهما: ففكرة المحرر ترتبط بتسطير محتواه في صورة ورقية، بخلاف المستند الإلكترونية الذي يفترض أن تكون الكتابة لها الطبيعة الإلكترونية. وإذا كانت دلالة لما انطوى عليه المحرر يمكن التوصل إليها بمجرد النظر، فإن المستند الإلكتروني يقتضي أن يحفظ في نظام تشغيل الكتروني يمكن من خلاله الإطلاع عليه والوصول إلى محتواه ولا يمكن أن يتم ذلك بمجرد الرؤية المجردة. ومن ناحية أخرى فإنه إذا كانت فكرة المحرر تفترض أن بالكشف عن شخصية محرره أو يمكن التعرف عليه عن طريق المحرر، فإذا كان من المقرر أن تحديد الشخص الذي ينسب إليه السجل أو التوقيع الكتروني يعد بيانا لازما للإقرار بصحة المستند في كثير من الأحيان فإن هناك بعض الصور التي قد لا تتطلب ذلك، ومن أمثلة ذلك أن قواعد البيانات الإلكترونية قد لا تتضمن تحديد شخص محررها أو صفته دون أن ينال ذلك من الحماية الواجبة لها.
ومن الفروق المهمة بين المستند الإلكتروني والمحرر هو تحديد كيفية المساس بمحتوى كل منهما: فالمساس بمحتوى المستند الإلكتروني لا بد وأن يختلف عن طريق تغيير الحقيقة في المحرر، حتى ولو اتحدا في طريقه تغيير الحقيقة فإنه يبقى – مع ذلك – هناك فارق بين مدلول هذه الطريقة بينهما، فعلى سبيل المثال فإنه إذا كان تغيير الحقيقة في المحرر يمكن أن يقع بالمحو، فإن هذه الطريقة يختلف مضمونها بحسب ما إذا وردت على محرر أم مستند الكتروني. وقد ترتب كذلك على إختلاف الطبيعة بين المحرر والمستند الإلكتروني أنه إذا كان بالإمكان حصر طرق التزوير في المحرر؛ فإن هذه الطرق يجب النص عليها بصياغة مرنة يمكنها أن تستوعب صور تغيير الحقيقة في المستند الإلكتروني.
بعض التطبيقات التشريعية للمستند الإلكترونية: تختلف خطة التشريعات في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني: فبعض هذه التشريعات يفرد التوقيع الإلكتروني بتنظيم مستقل، ويترك باقي تطبيقات المستند الإلكتروني للتنظيم العام الذي يتعلق بالبيانات والمعلومات الإلكترونية، ومن أمثلة هذه الوجهة القانون الفرنسي والألماني. بينما تذهب وجهة ثانية من التشريعات إلى النص على التوقيع والسجلات الإلكترونية معا بتنظيم مستقل ومفصل ومن أمثلة هذه الوجهة قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيورك، إذ نص على صورتين فحسب من تطبيقات المستند الإلكتروني هما "التوقيع والسجلات الإلكترونية". في حين يتوسع اتجاه ثالث في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني ليشمل العقود الإلكترونية، إضافة إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية. ومن أمثلة هذه الوجهة القانون الإتحادي الأمريكي للتوقيع الإلكتروني الذي نص على "العقود الإلكترونية" إلى جانب صورتي التوقيع والسجلات الإلكترونية . وأخيرا فإن اتجاها تشريعيا ينص على بعض تطبيقات المستند الإلكتروني في مسائل معينة ودون أن يكون هناك إطار تشريعي عام يحكم مسائل البيانات والمعلومات الإلكترونية، ومثال لهذه الوجهة التشريع المصري الذي ينص في تشريعات متفرقة على الأخذ ببعض تطبيقات المستند الإلكتروني مثل الأخذ بفكرة السجلات والدفاتر وقواعد البيانات الإلكترونية في مسائل الأحوال المدنية، وسوف نشير إلى خطة التشريعات في النص على أهم التطبيقات لفكرة المستند الإلكتروني.
التوقيع الإلكتروني: التوقيع الإلكتروني هو وسيلة إلكترونية يمكن بمقتضاها تحديد هوية الشخص المنسوب التوقيع إليه مع توافر النية لديه في أن ينتج آثاره القانونية على نحو يماثل التوقيع بخط اليد . وترجع أهمية التوقيع الإلكتروني في أنه يمكن إستخدامه في كافة التعاملات التي تتطلب توقيعا، مثل أوامر البيع والشراء؛ التوقيع على قوائم جرد السلع والبضائع؛ التوقيع على فواتير الإستلام؛ شراء تذاكر السفر؛ السجلات المثبتة للدفع . وقد عرف القانون الإتحادي الأمريكي التوقيع الإلكتروني بأنه "صوت أو رمز أو معالجة إلكترونية مرفقة أو متحدة بعقد أو بغيره من السجلات يتم تنفيذها أو إقرارها من شخص تتوافر لديه نية التوقيع على السجل ، .
وقد كان قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيورك الصادر سنة 1999 ينص على أن "التوقيع الإلكتروني يعني مطابقة إلكترونية تنطوي دون قيد على توقيع رقمي يخص الشخص الذي يستخدمه وحده، وتكون قادرة على التحقيق من هويته وذلك بموجب ضابط وحيد لمن يستخدمه، يرفق أو يتحد في البيانات كوسيلة للتحقق من إسناد التوقيع إلى البيانات الخاصة وسلامة البيانات المرسلة والمعدة من الشخص المستخدم لها كي تكون لها ذات القوة والأثر المقرر لإستخدام التوقيع الموضوع بخط اليد (المادة 102 (3) من قانون ولاية نيويورك لسنة 1999) .
غير أن الشارع في ولاية نيويورك رأي أن هذا التعريف للتوقيع الإلكتروني لا يفي بمتطلبات التعامل الإلكتروني، فأصدر تشريعا في 6 أغسطس سنة 2002 عدل بموجبه القانون السابق ووضع تعريفا جديدا للتوقيع الإلكتروني يكفل المرونية للمتعاملين. وبموجب التعديل الجديد فإن "التوقيع الإلكتروني هو صوت أو رمز أو معالجة إلكترونية ملحقة بسجل إلكتروني أو متحدة منطقيا به ويجريها أو يقرها شخص تتوافر لديه نية التوقيع في هذا السجل" . ويتماثل هذا التعريف مع القانون الإتحادي الأمريكي، كما أنه يكاد يتماثل مع التعريف الذي أورده الشارع الإنجليزي للتوقيع الإلكتروني إذ نص الفصل الأول من لائحة التوقيع الإلكتروني الصادرة في 8 مارس 2002 على أن التوقيع الإلكتروني يعني بيانات في شكل الكتروني ملحقة أو متحدة منطقيا بغيرها من البيانات الإلكترونية والتي تصلح كوسيلة للتوثيق" . كما أنه يكاد يتطابق مع التعريف الذي نص عليه الشارع الألماني في المادة الثانية من قانون التوقيع الإلكتروني .
ويلاحظ أن اتجاهات التشريعات المقارنة تتجه إلى التوسع في الوسائل التي تصلح لإجراء التوقيع الإلكتروني، وعلة ذلك هي توفير مرونة أكبر للمتعاملين في إختيار الوسيلة التي يرونها تكفل الأمن والثقة في هذا التوقيع . غير إنه إذا كانت للمتعاملين حرية اختيار الوسيلة الفنية للتوقيع الإلكتروني؛ فإن الجهات العامة قد يفرض عليها القانون إستخدام وسيلة معينة دون غيرها في التصرفات التي تدخل فيها مع الغير أو فيما بينها، وعلة ذلك أن هذه الوسيلة قد يتوافر فيها قدر من الحماية للمصلحة العامة أكثر من غيرها. والسلطة التي بيدها تحديد وسيلة التوقيع الإلكتروني في هذه الحالة هي السلطة الإدارية التي عينها الشارع لإدارة وحفظ التوقيعات والسجلات الإلكترونية .
وقد ميز الشارع الألماني بين التوقيع الإلكتروني العادي والتوقيع الإلكتروني المتقدم: ويشترك كل منهما في أنه ينطوي على بيان في صورة إلكترونية ملحق ببيان آخر أو مرتبط به منطقيا ويستخدم هذا البيان لتوثيق نسبته لشخص معين. غير أن التوقيع المتقدم في نظر الشارع الألماني ينطوي على ضوابط أشد صرامة من العادي، فهو توقيع يتضمن شفرة مقصورة إستخدامها على شخص معين لا يشاركه غيره فيه ويكون قادرا على تحديد هوية مستخدمة وأنه يمكنه أن يحتفظ بشفرة هذا التوقيع تحت إشرافه وحده، وأن يكون بالإمكان اكتشاف أي تغيير في بيانات هذا التوقيع تطرأ لاحقا .
وقد ذهب بعض الفقه إلى إعتبار أن إستعمال بطاقات الإئتمان والسحب الممغنطة هو تطبيق للتوقيع الإلكتروني ، وفي تقديرنا أن هذا الرأي محل نظر، ذلك أن هذه البطاقات لا تعد مستندا إلكترونيا، كما أن كافة التشريعات قد تطلبت أن يرتبط التوقيع الإلكتروني بسجل الكتروني سواء كان متحدا به أو ارتبط به منطقيا، ولا يبدو هذا متحققا في شأن هذه البطاقات.
السجل الإلكتروني والمستند الإلكتروني: كان السائد فيما مضى أن كل مستند إلكتروني يعد سجلا إلكترونيا متى كانت القواعد قد تطلبت توافره في التعامل وكان قد استوفى الشروط التي نصت عليها القواعد المنظمة للسجلات الإلكترونية . ووفقا لهذه النظرة فإن تعبير المستند الإلكتروني يترادف مع تعبير السجل الإلكتروني؛ غير أن التشريعات التي نصت على تنظيم السجل الإلكتروني جعلت هناك فارقا بين مدلول كل منهما: فمن ناحية فإن مدلول السجل الإلكتروني يبدو في بعض الصور أضيق نطاقا من المستند الإلكتروني، على نحو لا يعدو معه أن يكون تطبيقا له فحسب ، ووفقا لهذه النظرة فإن فكرة المستند هي أوسع نطاقا من فكرة السجل الإلكتروني، ومن ثم فإن الكثير من الصور التي تخرج عن مدلول الأخيرة، تدخل في مدلول الأولى، غير أنه من ناحية أخرى فإنه في بعض الصور يبدو السجل الإلكتروني أوسع نطاقا من فكرة المستند: وأساس هذه النظرة – كما سيلي – هو أن تعريف السجل الإلكتروني يتسم بالاتساع على نحو يشمل معه "الاصوات والصور والرسومات"، وهو مدلول متسع يخرج عن مدلول المستند الإلكتروني بمعناه الدقيق.
مدلول السجل الإلكتروني : أتصل أو تم تلقيه أو حفظه بوسيلة إلكترونية . وقد توسع إتجاه في تعريف السجل الإلكتروني بأنه "كل مجموعة من النصوص أو الرسوم أو البيانات أو الأصوات أو الصور أو غيرها من المعلومات تتمثل في صورة رقمية، ويتم إنشاؤها أو تعديلها أو حفظها أو فهرستها أو إسترجاعها أو توزيعها بواسطة نظم الكمبيوتر" .
وأساس هذا التوسع هو ربط المدلول الإصطلاحي للسجل بمعناه في اللغة فالسجل في اللغة هو "بيان وضع في صورة ثابتة، وبصفة خاصة كتابة ليحفظ المعرفة أو ذاكرة الإحداث أو الوقائع أو المعلومات أو البيانات في موضوع معين، والتي تم جمعها وحفظها" .
وفي ظل هذا الإتجاه المتوسع فإن البعض ذهب إلى إعتبار أنظمة البريد الإلكتروني الصوتي داخله في مدلول السجل، ووفقا لهذه الوجهة فإن الأقوال الشفوية التي تنقل بواسطة البريد الصوتي بإستعمال الكمبيوتر تعتبر سجلا مثلا في ذلك مثل الوقائع والمعلومات التي يتم حفظها ، غير أن الرأي الراجح يذهب إلى أن هذا التوسع يتعارض مع النصوص التشريعية والقواعد المنظمة للسجل الإلكتروني .
وقد توسعت بعض تشريعات الولايات الأمريكية فلم تقصر السجل الإلكترونية على ما يتم حفظة أو إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر، وإنما مدت مدلوله ليشمل كافة الوسائل الإلكترونية الأخرى مثل الفاكس والتيلكس والبريد الإلكتروني والرسائل التي تتم من خلال شبكة الإنترنت، ومن هذه الوجهة قانون ولاية كونيكتيكت لسنة 2002 الذي حرص على أن يذكر صراحة أن الوسائل الإلكترونية لا تعني حصرها في الوسائل السابق ذكرها .
وهناك اتجاه تشريعي مضيق لمدلول السجل الإلكتروني على نحو يجعله مقصورا على فكرة الكتابة أو البيان الإلكتروني، ومن هذه الوجهة الشارع المصري الذي ساوى في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 بين السجلات الورقية والإلكترونية: فتنص المادة الثانية من هذا القانون على ان تنشئ مصلحة الأحوال المدنية قاعدة قومية لبيانات المواطنين تشتمل على سجل خاص لكل مواطن يميزه...." كما نصت المادة الثالثة (ج) من هذا القانون على أن المقصود بالسجلات هي السجلات الورقية أو الآلية المخزنة على الحاسب الآلي وملحقاته سواء إلكترونيا أو مغناطيسيا أو بأية وسيلة أخرى". ومفاد خطة الشارع المصري أن السجل الإلكتروني يماثل السجل الورقي في كافة الأوجه فيما عدا الطبيعة الإلكترونية للسجل. ويعني ذلك أن فكرة السجل الإلكتروني ترتبط بفكرة البيان المكتوب، لأن الشارع يتحدث عن "قواعد بيانات"، ومن ثم يخرج من هذا المدلول ما عداه من صور. وفي تقديرنا أن هذا المدلول للسجل الإلكتروني هو الذي يمكن ان نطلق عليه بأن السجل الإلكتروني بمعناه الدقيق الذي يعد تطبيقا لفكرة المستند الإلكتروني، بخلاف السجل الإلكتروني بمعناه المتسع الذي يشمل الرسومات والأصوات والتي تخرج عن المدلول الدقيق له.
بيان السجل الإلكتروني: السجل الإلكتروني هو مستند ينطوي على بيانات معينة تكون لها حجيتها في إثبات واقعة أو تصرف معين، وحتى يكتسب هذا المستند صفته فإنه يجب ان يتضمن بيانات معينة تضفي الثقة على مضمونه وتبعث على الإعتقاد بسلامة محتواه، ومن هذه البيانات أن يكون السجل موقعا من شخص أو أشخاص معينين، وأن يتم ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص وصفاتهم وتاريخ وساعة وضع توقيعاتهم على المستند. ويجب تحديد المغزى من التوقيع وما إذا كان يعني إنشاء المستند أو مراجعته أو التصديق عليه . ولهذه البيانات أهمية كبيرة في إثبات بعض الوقائع، فعلى سبيل المثال فإن تحديد تاريخ إتمام عملية التحويل المصرفي الإلكتروني له اهمية كبيرة في القول بنفاذ أو عدم نفاذ التحويل في حال إفلاس أحد أطرافه، ومن ناحية ثانية فإنه يجوز للآمر أن يرجع في تحويله طالما أن المبلغ لم يخرج من ذمته إلى ذمة المستفيد، كما أن لحظة تمام التحويل تعني أن الآمر لم يعد لديه الحق في التصرف في المبلغ المالي محل الأمر بالتحويل، ومن ثم فإنه إن اصدر شيكا عن ذات المبلغ كان مرتكبا لجريمة إصدار شيك بدون رصيد .
الضوابط الفنية للتوقيع والسجلات الإلكترونية:
ذكرنا أن التشريعات التي نصت على الأخذ بالتوقيع والسجلات الإلكترونية قد جعلت لها قوة في الإثبات مساوية للمستندات الورقية للتوقيعات بخط اليد، غير أنه لا محل لهذه القوة إلا إذا توافرت ضوابط تكفل ضمان صحة وسلامة هذه المستندات. ولتحقيق هذا الهدف صدرت لوائح إدارية تتضمن الضوابط والإجراءات الواجب اتخاذها بشأن إستخدام وتوثيق التوقيع الإلكتروني والإنتفاع من السجلات الإلكترونية. ويتوقف نجاح هذه اللوائح على التوفيق بين اعتبارين أساسيين: الأول هو أن يتيح التنظيم التشريعي للتوقيع والسجلات الإلكترونية الحرية والمرونة للأفراد في إجراء تعاقداتهم ومعاملاتهم بأي وسيلة من وسائل التحقق الإلكتروني يرونها ملائمة لهم. ولتحقيق هذا الإعتبار فإن القانون لا يجوز أن يسلبهم حقا أو ميزة مقررة لهم بمقتضى القانون أو التعاقد في حال استخدامهم للتوقيع والسجلات الإلكترونية . والإعتبار الثاني هو أن التنظيم التشريعي يجب أن يكفل توفير الوسائل المناسبة لصحة وسلامة إستخدام المستندات الإلكترونية.
الضوابط الفنية العامة: هناك عدة ضوابط فنية عامة يجب أن تتوافر في التوقيع الإلكتروني: فيجب أن يكون التوقيع خاصا بالشخص وحده ولا يشاركه فيه غيره، كما يجب ألا يكون قد سبق إستخدام هذا التوقيع من قبل حتى ولو من صاحبه، وعلة ذلك هي كفالة أكبر قدر من السرية على هذا التوقيع. ويجب على الشخص صاحب التوقيع أن يقر كتابة بأن توقيعه الإلكتروني ملزم قانونا ويتساوى مع توقيعه بخط اليد من حيث الأثر القانوني، غير أن هذا الإقرار غير لازم في كل مرة يضع فيها الشخص توقيعه الإلكتروني. ويجوز للهيئة المسؤولة عن التوقيع الإلكتروني أن تطلب من صاحب التوقيع أن يقدم شهادة بصحة توقيعه بمناسبة تصرف معين، وفي هذه الحالة فإنه يجب عليه تقديمها، ويخضع التزوير في هذه الشهادة للقواعد العامة في جريمة التزوير .
الضوابط الفنية الخاصة: إلى جوار الضوابط العامة سالفة الذكر، فإنه يوجب ضوابط فنية خاصة للتوقيع الإلكتروني وهي تختلف من نظام تشريعي إلى آخر بحسب ما توفره من أمن وسلامة المعاملات من ناحية، ومرونة وعدم عرقلة هذه المعاملات من جهة أخرى. وتتصل هذه الضوابط بتشفير المستند، سواء أكان توقيعا أم سجلا إلكترونيا، ويلاحظ أنه لا يكفي لضمان سلامة إتمام المعاملة الإلكترونية أن يتم تشفير الرسالة المنسوبة لشخص معين، وإنما يجب التأكد من نسبة هذه الرسالة لهذا الشخص وأن مضمونها لم يتعرض لتبديل أو تشويه .
الإختيار بين تشفير الرسالة بطريقة غير مشفرة: هناك صورة مبسطة من الشفرة التي تستخدم في التصرفات التي تتم على الشبكات المفتوحة أي تلك التي يمكن لأي شخص أن يدخل إليها دون قيود، ومثالها شبكة الإنترنت. وفي هذا النظام فإن المرسل يملك أن يختار بين مفتاحين الأول عام والآخر خاص، والمفتاح الأول يستخدم عندما لا يرى المرسل حاجة إلى تشفير رسالته، وأما المفتاح الخاص فهو الذي يسمح للمرسل أن يقوم بإرسال رسائل سرية إلى الطرف الثاني ومن ثم لا يتسنى الإطلاع عليها. وفي حالة ما إذا أراد المرسل أن يبعث برسالة إلكترونية مشفرة فإن عليه أن يستخدم المفتاحين معا، أما إن لم يرد لها هذا القدر من السرية فإنه يكفيه ان يستخدم المفتاح العام. وقد يعهد إلى طرف ثالث مهمة التأكد من صحة المستند والتوقيع المنسوب إلى صاحبه، وهذا الطرف يكون موضع ثقة الطرفين وتتحدد مهمته في أن يجري تحقيقا يقف من خلاله على ما إذا كانت الرسالة المنسوبة إلى الشخص صادرة منه فعلا، ويتحقق ذلك بالربط بين المفتاحين العام والخاص والتأكد من أنهما قد استخدما من شخص معين، وأن يحدد تاريخ وساعة إرسال المستند .
ضوابط المضاهاة الإلكترونية: يتضمن التنظيم الفني للتوقيع الإلكتروني الأخذ بوسائل تقنية لإجراء المضاهاة الإلكترونية للتوقيع الإلكتروني والتي يمكن بمقتضاها الوقوف على صحة هذا التوقيع. وتختلف الطرق الفنية للمضاهاة إلى عدة طرق، تكفل كل واحدة قدرا معينا من الطمأنينة والثقة في المستند وتضمن سلامته، وحمايته من أن يجحد ممن صدر منه .
ومن هذه الوسائل: مطالبة الشخص الذي يريد التعامل مع المستند الإلكتروني بالإدلاء ببيانات شخصية معينة ومضاهاتها بالبيانات المسجلة سلفا عنه، وذلك قبل قيامه بالتوقيع الإلكتروني. وتستخدم هذه الوسيلة في التعاملات الأقل أهمية أو الأقل قيمة . وإذا كانت وسائل المضاهاة تختلف وتتعدد فإن إستخدام الشفرة السرية تعد أهم هذه الوسائل، غير أن نوع هذه الشفرة وقواعدها الفنية هو أمر يختلف بحسب كل نظام قانون كما سبق الذكر، ويلحق بالشفرة إستخدام التوقيع الرقمي.
المضاهاة بإستخدام شفرة سرية: في هذه الصورة يطالب الشخص بإدخال رقم خاص به أو كلمة سر معينة يتم مطابقتها على رقم أو كلمة سر مخزنة سلفا، ويطلق عليها "السر المشترك" الذي يتقاسم العلم به الشخص ومقدم الخدمة، فإن تطابقتا كان التوقيع تاما. ويصاحب إدخال الشفرة السرية عدة إجراءات تهدف إلى توثيق التوقيع مثل كتابة إسم المتعامل، والغرض من وضع التوقيع في المستند. وعملية التوثيق تجري إذا كان التعامل يجري على الشبكات المفتوحة مثل الإنترنت، والسر المشترك يتم تشفيره بإستخدام تقنية معينة يتم إنشاؤها في أغلب المتصفحات الشهيرة على الشبكة ويتم توصيل البيانات المشفرة إلى الجهة الأخيرة التي تكون طرفا في التعامل. وفي التعاملات البسيطة أو التي لا يكون لها قيمة كبيرة، فإنه يكتفي بإدخال الشفرة السرية بعد إستيفاء بعض البيانات عن شخص المتعامل. أما في التعاملات التي تقتضي درجة أكبر من الأمن، فإن هيئة أخرى هي التي تقوم بوضع الشفرة السرية بعد إجراء عملية تحقق دقيقة لشخص المتعامل .
المضاهاة بإستخدام التوقيع الرقمي: التوقيع الرقمي هو صورة مرسومة للتوقيع بخط اليد، وفي بعض الصور يتم أخذ توقيع الشخص بواسطة قلم ولوحة إلكترونية متصلة بجهاز كمبيوتر، ووضع التوقيع في هذه الصورة يماثل التوقيع اليدوي على المستندات الورقية. وتتم عملية المضاهاة بمقارنة التوقيع الإلكتروني – المماثل للتوقيع بخط اليد – مع نسخة التوقيع اليدوي المحفوظ لدى الطرف الآخر. وتتم عملية المقارنة غالبا بواسطة بعض برامج الكمبيوتر، فإن اسفرت المضاهاة عن المطابقة بين التوقيعين، إعتبر التوقيع الإلكتروني في هذه الحالة صحيحا. والتوقيع الرقمي لا يعدو أن يكون صورة من صور "السر المشترك" والتي تتحقق في حالة التوقيع بإستخدام شفرة سرية، ذلك أن الطرف الثاني يكون لديه نموذج للتوقيع اليدوي يمكنه من المضاهاة عليه. وتزوير التوقيع الرقمي يفوق في الصعوبة تزوير التوقيع على المستندات الورقية، ذلك أن عملية المقارنة بين التوقيع الرقمي ونسخة التوقيع بخط اليد والتي تتم بإستخدام التقنية الرقمية تتسم بدقة كبيرة تزيد عن المقارنة العادية بالعين المجردة، وهو ما يسهل من إكتشاف هذا التزوير .
القوة القانونية للتوقيع والسجلات الإلكترونية: تتوقف حجية السجلات والتوقيع الإلكتروني على القوة التي يمنحها الشارع لها في الإثبات: فإذا أقر الشارع لها هذ هالقوة كأداة لإثبات الحقوق والواجبات أو كوسيلة لحفظ البيانات التي تكون له حجيتها في إثبات الوقائع كانت النتيجة المترتبة على ذلك أن المساس بهذه السجلات والتوقيعات يشكل فعلا مجرما.
ويترتب على الأخذ بنظام التوقيع والسجلات الإلكترونية آثار مهمة على التعاملات والتصرفات القانونية التي يكون طرفها الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو العامة، إذ سيكون بمقدور المستهلك ورجال الأعمال والسلطات العامة في الدولة أن يدخلوا في اتفاقات تعاقدية وفي إجراء تعاملاتهم بإستخدام التوقيع والسجلات الإلكترونية كما لو كان يستخدمون المستندات الورقية والتوقيعات المحررة بخط اليد .
وقد حرصت التشريعات التي نصت على التوقيع والسجلات الإلكترونية على إسباغ قوة قانونية عليها تماثل ما هو مقرر للتوقيع بخط اليد وللسجلات الورقية. ومن ذلك على سبيل المثال ما تنص عليه المادة (104) من قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيويورك من أن "التوقيع الإلكتروني يكون له ذات الصلاحية والأثر المقرر لإستعمال التوقيع الموضوع بخط اليد" .
وما تنص عليه المادة (105) من القانون السابق من أن "السجل الإلكتروني يكون له ذات القوة والأثر المقرر للسجلات المحررة بغير الوسائل الإلكترونية" ، . وما تنص عليه المادة الثالثة من قانون الأحوال المدنية المصري سالف الذكر من المساواة بين السجلات الورقية والسجلات الآلية المخزنة على الحاسب الآلي وملحقاته. ويترتب على التوقيع الإلكتروني إعتبار أن القبول في التعاقد قد وقع تاما وهو ما يجعل العقد منعقدا ومرتبا لآثاره وملزما قانونا كما لو كان قد أبرم كتابة . وقد نص الشارع الألماني على وجوب أن يقوم مقدم خدمة التوثيق بإحاطة صاحب التوقيع علما بأن توقيعه الإلكتروني يعادل من حيث الأثر القانوني توقيعه بخط اليد ما لم ينص القانون على غير ذلك، كما أن عليه أن يحصل على توقيع الشخص كتابة على علمه بذلك وذلك لضمان قيام مقدم الخدمة بواجبه .
مدى الإلزام باللجوء إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية: لم تجعل غالبية التشريعات نصوص التوقيع والسجلات الإلكترونية نصوصا آمرة، وإنما تركت المجال أمام الأفراد للأخذ بهذا النظام أو بنظام التوقيع والسجلات التقليدي. غير أن هذه التشريعات حرصت مع ذلك على وضع استثناء عام جعلت بمقتضاه اللجوء إلى المستندات الإلكترونية إجباريا، وذلك "في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك". ومن أمثلة ذلك نص عليه قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيويورك من أن "إستخدام واللجوء إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية يكون إختياريا، ما لم ينص القانون على غير ذلك" . ويلاحظ أن قانون التوقيع الإلكتروني الإتحادي الأمريكي لم يتطلب يجعل إستخدام أو قبول التوقيع الإلكتروني من النصوص الآمرة . وقد نصت المادة الأولى من قانون التوقيع الإلكتروني الألماني على أنه ما لم ينص القانون على وجوب إستخدام التوقيع الإلكتروني فإن استخدامه يكون إختيارا (المادة الأولى) .
الأثار المترتبة على المساواة التشريعية بين المستند الإلكتروني والمستند الورقي:
يترتب على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي من حيث القوة القانونية نتائج مهمة: فلا يجوز المنازعة في صحة المستند الإلكتروني أو جحد حجية ما يتضمنه من تصرفات أو الدفع بعدم نفاذه لأن إنشائه أو صياغته أو التوقيع عليه كان بإستخدام وسائل أو شكل إلكتروني .
ويترتب على منح التوقيع والسجلات الإلكترونية قوة مماثلة للمستندات الورقية أن يخضع الإثبات بهذه الوسائل أمام المحاكم للقواعد العامة في الإثبات المقررة في القانونين المدني والجنائي، وقد تطلب تحقيق المساواة بين المستند الإلكتروني والورقي تعديل التشريعات السارية على نحو يجيز إمكانية قبول المستند الإلكتروني كدليل أمام القضاء. ومن ذلك ما أجراه الشارع في ولاية نيويورك بقانون سنة 2002 سالف الذكر من تعديل المادة 4518 من القانون المدني للولاية على نحو أجاز فيه قبول المستندات المشتقة 4518 من القانون المدني للولاية على نحو أجاز فيه قبول المستندات المشتقة من سجلات الكترونية كدليل أمام القضاء متى كان هذا المستند يعبر بصورة حقيقية وصحيحة عن السجل الإلكتروني . وإذا إتفق الطرفان في التعاقد على إستخدام إجراءات معينة للتأكد من سلامة التصرف الإلكتروني وضمان صحته وكشف الأخطاء التي قد تعترية، فإن اخفاق الطرف الآخر في تنفيذ إلتزامه يجيز للأول أن يطلب استبعاد السجلات الإلكترونية، ذلك أنه إن لم يتفق الطرفان صراحة على ذلك فإن قبول هذا الدليل من شأنه المساس بحرية التعاقد الأمر الذي ينطوي على مساس بقاعدة دستورية . وعلى الرغم من أن الشارع الإيرلندي لا يجيز حتى الآن قبول السجلات والتوقيع الإلكتروني كدليل لإثبات التصرفات في المجال المدني، أما في نطاق القانون الجنائي، فإنه يجيز إعتبارها أدلة للإثبات أمام القضاء الجنائي، إذ يجيز قانون الأدلة الجنائية لسنة 1992 قبول الإدلة المتحصلة من الكمبيوتر والسجلات الإلكترونية في الإثبات .
الآثار القانونية لعدم تقرير القوة القانونية للمستند الإلكتروني في الإثبات:
هناك عدد من المشكلات القانونية التي تثور بشأن الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني، وهذه المشكلات وإن كانت تتعلق بالإثبات المدني والتجاري، إلا أن لها أهمية كبيرة في نظر القانون الجنائي. ومن هذه المشكلات أن يتطلب الشارع عدم جواز إثبات تصرف معين يتجاوز قيمته مبلغا معينا إلا كتابة، وفي هذه الحالة فإن نظام نقل المستند الذي يتجاوز هذه القيمة إلكترونيا لن يؤدي إلى قبول هذا المستند في إثبات هذا التصرف. بل إنه في تقديرنا لا يعتبر مبدا ثبوت بالكتابة يجيز تكملته بوسائل الإثبات الأخرى، ذلك أنه لا يصدق على المستند الإلكتروني وصف المستند الكتابي.
واقرار المستند الإلكتروني في التعامل والتسليم بقيمته القانونية له أهمية كبيرة في نظر القانون الجنائي في إثبات التصرفات سالفة الذكر، ذلك أن الشارع قد يجرم المساس ببعض العقود المدنية، وفي هذه الحالة لا بد من إثبات هذه التصرفات أولا قبل بحث توافر أركان الجريمة، ويترتب على نفي القوة القانونية للمستند الإلكتروني أن لا يكون بالإمكان إثبات هذه العقود التي تتجاوز المبالغ التي نص عليها القانون إلكترونيا. وتطبيقا لذلك فإن جريمة خيانة الأمانة لا تتوافر بغير إثبات العقد الذي تسلم بموجبه الأمين المال المبدد، فإذا نفى المتهم وجود هذا العقد فلا بد من إثبات وجوده كتابة ولا يغني عن ذلك إثباته إلكترونيا، وذلك إذا كان قد تجاوزت قيمته المبلغ الذي لم يجز الشارع إثباته إلا كتابة.
ومن ناحية أخرى فإن النظام الضريبي ما زال يعتمد بصفة أساسية على وجود فواتير كتابية عن البيع والشراء حتى يمكن التعويل عليها في إجراء المعاملة الضريبية، وهو ما قد يتنافى مع فكرة المستند الإلكتروني الذي قد لا تأخذ به السلطات الضريبية .
بعض صور المستند الإلكتروني:
العقود الإلكترونية: العقد الإلكتروني هو عقد يتحقق بإيجاب وقبول مثل العقود العادية التي تبرم وتوقع كتابة؛ غير أن الإيجاب والقبول يتحقق بوسيلة إلكترونية دون حاجة إلى مستند مكتوب . ومن أمثلة ذلك أن يرسله الموجب عرضه إلى الطرف الآخر بطريق البريد الإلكتروني الذي قد يكون شخصا أو هيئة إعتبارية ويقوم من يوجه إليه الإيجاب بالتوقيع عليه إلكترونيا بما يفيد القبول ويعيده للمرسل ثانية، ومن ثم ينعقد العقد بهذه الطريقة وتكون له قوته القانونية . ويستوي في هذا القبول أن يتم في رسالة منفصلة ترسل إلى صاحب الإيجاب أو أن ترسل في ذات المستند الذي يتضمن الإيجاب، ويتحقق ذلك بقيام من وجه إليه الإيجاب بالضغط على أحد الأزرار في صفحة المستند والتي يتضمن معنى القبول، وذلك عقب بيان شروط العقد أو أن يقوم بوضع توقيع إلكتروني في خانة معينة ويقوم بإعادة المستند ثانية إلى الموجب .
تحديد القوة القانونية للعقود الإلكترونية في ظل غياب النص:
ويثور التساؤل عن مدى نفاذ العقود المبرمة من خلال مستند إلكتروني، دون وجود تشريع وطني ينص على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي؟ وعلة هذا التساؤل هي أن الكثير من التشريعات لم تصدر بعد قوانين تنظم بمقتضاها السجلات والتوقيع الإلكتروني وتحدد مدى القوى القانونية لها في الإثبات، ومن هذه التشريعات على سبيل المثال التشريع المصري والإيرلندي.
في تقديرنا أن أغلب العقود المدنية لا يتطلب فيها القانون شكلا معينا لإبرامها فيجوز ان تنعقد بمجرد الإيجاب والقبول الشفهي ومن باب أولى إذا أبرمت من خلال مستند إلكتروني. غير أن الصعوبة الحقيقية تثور فيما تقرره بعض هذه التشريعات من عدم جواز إثبات التصرف الذي يجاوز قيمة معينة إلا بالكتابة بمدلولها التقليدي، في هذه الصورة يثور التساؤل عن جدوى إسباغ الحماية المقررة للمستند الإلكتروني في هذه الحالة على الرغم من عدم اعتراف الشارع بقيمته في الإثبات؟ في تقديرنا أنه يجب أن نفرق بين وجود العقد ذاته وبين إثباته: فإبرام العقد عن طريق المستند الإلكتروني بإيجاب وقبول يؤدي إلى وجود العقد وإنتاجه أثاره القانونية، ومن ثم يكون جديرا بالحماية الجنائية، أما ما يتطلبه قانون الإثبات من وجوب إثبات التصرف الذي يجاوز قيمة معينة بالكتابة، فإن ذلك لا يؤثر على قيام العقد، فضلا عن أن التمسك بهذا الدفع هو مقرر لمصلحة الخصم ويجوز له أن يتنازل عن التمسك به سواء صراحة أم ضمنا، دون أن يؤثر ذلك على نشأة الإلتزام أو صحته، ومن ناحية أخرى فإن هناك الكثير من الإستثناءات التي ترد على قاعدة الإثبات بالكتابة، كما أن الشارع الجنائي يسبغ الحماية الجنائية على بعض العقود المدنية ولو لم تكن ثابتة كتابة. وفي تقديرنا أنه يجب أن يتدخل الشارع بإصدار تشريع يحدد بمقتضاها القوة القانونية للعقود التي تبرم بوسائل الكترونية.
الإعتماد المستندي الإلكتروني: إذا أراد المشتري إستيراد بضاعة ما فإنه يقوم بإبرام عقد بيع مع البائع يتفقان فيه على دفع الثمن عن طريق الإعتماد المستندي، ثم يتوجه المشتري إلى بنكه طالبا فتح الإعتماد المستندي لصالح البائع محددا فيه كا فة تفاصيل عملية البيع، ويقوم البنك بعد ذلك بإبلاغ البائع بالإعتماد المفتوح لصالحه، وذلك بشكل مباشر؛ أو عن طريق بنك مراسل له في بلد المصدر، ويمكن أن يقوم هذا البنك الأخير بتعزيز الإعتماد، فإن تحقق ذلك أصبح ملتزما بالدفع إلى المستفيد بالإضافة إلى التزام البنك مصدر الإعتماد . وإذا اقتنع البنك مصدر الإعتماد بأن مستندات البضاعة مطابقة لشروط الإعتماد قام بالسداد للبنك المراسل قيمة ما دفعه إلى المستفيد، أما إن وجدها مخالفة لشروط الإعتماد فإنه يرسل إخطارا إلى البنك المراسل برفض المستندات في مدة معقولة.
وقد أفضى التقدم التقني إلى ظهور "الإعتماد المستندي الإلكتروني" الذي تتم فيه الإجراءات السابقة عن طريق وسائل الإتصال الإلكتروني. فيقوم المستورد بإرسال طلب فتح الإعتماد إلكترونيا، ويقوم البنك بالرد عليه بذات الوسيلة، فإن قبل ارسل نص الإعتماد إلكترونيا إلى المستفيد. وقبل إنتهاء مدة صلاحية الإعتماد فإن المستفيد يرسل إلكترونيا الفواتير اللازمة المتعلقة بالشحن، كما يقوم المستفيد بإرسال رسائل إلكترونية للأطراف المشاركة في عملية البيع مثل الشاحن والمؤمن والمفتش لما قبل الشحن، يطلب فيها إرسال مستنداتهم إلكترونيا إلى البنك مصدر الإعتماد. ثم يقوم البنك مصدر الإعتماد بإرسال الرسائل الإلكترونية الواردة إليه إلى البنك المراسل .
ويؤدي الإعتماد المستندي الإلكتروني إلى إتمام الصفقات في سهولة ويسر وبسرعة كبيرة مما يؤدي إلى أن يملك المتعاملون به قدرة تنافسية تفوق غيرهم من المتعاملين بالطرق التقليدية، كما يؤدي إلى الإقلال من تكلفة إرسال المستندات والإستفادة من ميزة التبادل الإلكتروني في حل المشكلات الناتجة من وصول البضائع قبل وصول المستندات .
وعلى الرغم من أن لائحة (500) لم تتضمن نصا ينظم الإعتماد المستندي الإلكتروني، فإن نص المادة (20 ب) من هذه اللائحة قد أعتبر أن المستندات الصادرة عن وسائل تقنية حديثة كالكمبيوتر تعتبر مستندات أصلية مقبولة ما لم ينص عقد الإعتماد على غير ذلك بشرط أن يؤشر عليها على أنها أصلية وعند الإقتضاء تبدو أنها موقعة .
حوالة الوفاء الإلكترونية: تطورت وسائل الوفاء حيث أصبح بمقدور الدائن أن يوفى إلتزاماته بواسطة الوسائل الإلكترونية، وقد أنشأت بعض الدول أنظمة وفاء وطنية، كما أصبح هناك عدة أنظمة عالمية للوفاء من أبرزها نظام شبكة السويفت swift وهو نظام دولي يستخدم على نطاق واسع لإجراء الإلتزام بالوسائل الإلكترونية، ويتم ذلك إما بتوجيه أمر من المدين إلى مصرفه لوفاء إلتزام بذمته بوسيلة إلكترونية إلى دائنه، وإما بتوجيه أمر من المدين إلى مصرفه بتحصيل مبلغ من حساب دائنه بناء على تفويض مسبق بواسطة إلكترونية . وتتم الصورة الأولى التي يطلق عليها التحويل الدائن بقيام الدائن بإتخاذ الإجراءات المصرفية اللازمة لتحويل مبلغ معين إلى المستفيد سواء كان في نفس المصرف أو في مصرف آخر، وسواء بدفع المبلغ مقدما إلى البنك المحول أو بتفويضه بقيد المبلغ على حسابه لدى البنك، ويمكن للدائن أن يوجه تعليمات بذلك إلى بنكه من خلال رسالة إلكترونية، وعند وصولها يقوم البنك من التأكد من صحتها ومن باقي شروط التحويل مثل كفاية الرصيد ويقوم بعد ذلك بتنفيذ العملية. وأما الصور الثانية والتي يطلق عليها التحويل المدين فتتم بتفويض بنك المستفيد في تحصيل قيمة التحويل من الدائن أو بنكه. وفي هذا التحويل يقوم المستفيد مع طلب التحويل تفويض من المحول (المدين) إلى بنكه يفوضه فيه بتحويل المبلغ إلى حساب المستفيد وبقيد القيمة على حسابه . ويعد أمر التحويل مستندا إلكترونيا يمكن أن يتعرض لأفعال التزوير.
السجلات الطبية الإلكترونية: أمتد إستخدام السجلات الإلكترونية إلى المجال الطبي، حيث تشير الدراسات إلى تزايد إستخدام "نظم الرعاية الطبية الإلكترونية " والتي تتيح الإحتفاظ بسجلات طبية مسجلة بوسائل إلكترونية عن المرضى، وهو ما يتيح تقديم الرعاية الصحية لهم في أي مكان ومعرفة سجلهم المرضي والذي يتحقق بمجرد الدخول على هذه السجلات والإطلاع عليها وهو ما يعرف بالرعاية الطبية المتنقله . كما تكفل هذه النظم عقد المؤتمرات والندوات وطلب المشورة الطبية من خلال السجلات الإلكترونية الأمر الذي يؤدي إلى إرتفاع مستوى الرعاية الطبية وإلى تقليل الأخطاء الطبية وإلى تحقيق الكسب المادي لمقدمي هذه الخدمات . غير أن استخدام السجلات الإلكترونية في المجال الطبي أدى إلى إثارة العديد من المشكلات المتصلة بأمن هذه السجلات وخصوصية المعلومات التي تتضمنها والحق في السرية وإثارة مشكلات تتصل بالتوقيع الإلكتروني عليها .
المبحث الثاني
نطاق المستند الإلكتروني
تمهيد:
نبحث في هذا الفصل الصلة بين فكرة المستند الإلكتروني وغيره من أفكار، كما نميز بين الحماية المقررة له وبين بعض صور الحماية الأخرى التي قد تشتبه به.
المستند الإلكتروني والحكومة الإلكترونية: من فوائد الأخذ بنظام الحكومة الإلكترونية أن التعامل مع الأجهزة الحكومية يكون ميسورا من خلال الإتصال الإلكتروني بمواقع مختلفة وإنجاز التعاملات من خلال هذا الإتصال. ومن خلال الحكومة الإلكترونية يمكن للفرد أو للشخص المعنوي العام والخاص أن يتعامل مع الحكومة بوزارتها وأجهزتها المختلفة، فبمقدورة التعامل مع الضرائب والصحة والتعليم والعمل والمرور والإستفسار عن حالة الطقس وطلب إعانات ومساعدات إجتماعية كما أنه يمكن من خلال الحكومة الإلكترونية نقل المعلومات والإطلاع على البيانات والحصول على الوثائق والشهادات بسهولة ويسر وبلا توقف. وللحكومة الإلكترونية آثارها على الإستثمارات وتوفير فرص العمل: فسيكون بمقدار المستثمرين التعامل مع الأجهزة الحكومية والوقوف على ما تتطلبه التشريعات الوطنية من إجراءات وشروط تتصل بإستثماراتهم، دون أن يكون هناك حاجة إلى التردد على المكاتب الإدارية لأجهزة الدولة . وقد نظر البعض إلى الحكومة الإلكترونية بإعتبارها وسيلة مهمة لتعزيز الديمقراطية: ذلك أن من شأن الأخذ بها أن تحقق التواصل بين أفراد المجتمع وسلطة الدولة، كما أنها وسيلة فعالة لكفالة نفاذ القانون . ولا شك في أن الصلة الوثيقة بين المستند الإلكتروني والحكومة الإلكترونية تدفع إلى القول بأن الحماية المقررة لأحدهما تنطوي بطريق اللزوم على حماية الأخر.
الصلة بين المستند الإلكتروني والتجارة الإلكترونية: لا شك في أن للتجارة الإلكترونية آثارا مهمة على التجارة الدولية : فالتجارة الإلكترونية تعني إمكانية تبادل السلع والخدمات عبر حدود الدول ودون التقيد بإقليم معين أو جنسية معينة . وللتجارة الإلكترونية مزايا وفوائد عديدة: فهي تؤدي إلى سهولة إبرام الصفقات والتصرفات القانونية الدولية، ودون حاجة إلى وسيط سواء أكان هذا الوسيط فردا ام شركة الأمر الذي يؤدي إلى الإقلال من النفقات وإلى تخطي العقبات والحواجز الجغرافية بين الدول. ومن جهة أخرى فإن من شأن الإستناد إلى شبكات المعلومات تمكين المتعاقدين من التعرف على المعروض من السلع والخدمات ونوعيتها وأوصافها وأثمانها وشروط تسليمها وهو الأمر الذي يعزز الشفافية وييسر من إتمام التعاقدات وأطرافها على بينة وبصيرة من ظروف التعاقد وشروطه .
والصلة بين المستند الإلكتروني والتجارة الإلكترونية واضحة: فإذا كان قوام هذه التجارة هي تبادل السلع والخدمات، فإن هذا التبادل لا يعدو أن يكون في حقيقة الأمر عقدا يستجمع كافة شروطه القانونية من إيجاب وقبول ويقترن بتوقيع ينسب إلى صاحبه ويترب آثاره القانونية، وهذا العقد في مجال التجارة الإلكترونية هو مستند الكتروني توافرت فيه كل أركان وشروط العقد المكتوب، ويذيل بتوقيع إلكتروني يتناسب مع طبيعته .
وحماية المستند الإلكتروني تعني في حقيقة الأمر حماية للتجارة الإلكترونية: فإذا كانت هذه الحماية فعالة وتكفل صيانة المستند بما تضمنه من محتوى وتكفل صحة التوقيع الإلكتروني عليه، فإن التعامل التجاري الإلكتروني سيكون محل ثقة المتعاملين, وسوف تؤدي مثل هذه الحماية إلى إنتشار هذا النوع من التجارة ومن ثم يؤدي في النهاية إلى إزدهار التجارة الدولية وتنمية العلاقات الإقتصادية بين الدول.
الصلة بين المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: هناك صلة وثيقة بين فكرة المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: فإذا كانت علة الأخذ بتطبيقات المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: فإذا كانت علة الأخذ بتطبيقات المستند الإلكتروني كالتوقيع والسجلات الإلكترونية هو تسهيل التعامل وسرعة إنجازه، فإن هذه الإعتبارات لا يجب أن تتجاوز حقوق المستهلك وحمايته من الغش والخداع والتي قد تترتب كنتيجة لإتمام التصرفات من خلال الوسائل الإلكترونية .
المستند الإلكتروني والحق في الإعلام:
حرية انتقال الأفكار والمعلومات هي إحدى الحريات الأساسية التي يحرص عليها كل شارع، ويتوقف تقدم الأمم وإزدهارها على مدى كفالة هذه الحرية . ومن ناحية أخرى فإن حرية التعبير بصورها المختلفة هي افصاح عن الشخصية الإنسانية في المجتمع، وهي الضمان الذي يقوم عليه أي مجمتع ديمقراطي حر . يقصد بالحق في الإعلام حق كل انسان في ان يستخلص ويتلقى وينقل المعلومات والأنباء والآراء على أية صورة دون تدخل من أحد. وهذا الحق على هذا النحو وثيق الصلة بالصور المختلفة لحرية الرأي والتعبير، ولا سيما حرية الصحافة والإعلام ، وإن كان أوسع من حرية الإعلام لتضمنه فضلا عن حرية الوصول لمصادر الأنباء ونشرها، حرية الكافة في البحث والتلقي والإتصال والنشر والتوزيع لكافة المعلومات والأفكار . وتتعدد وسائل إستعمال الحق في الإعلام بين وسائل مسموعة ومرئية ومكتوبة .
وقد أدى التقدم التقني إلى إستحداث صور جديدة أمكن بمتقضاها نقل المعلومات بسرعة وكفاءة والوصول إليها، سواء أتحقق ذلك من خلال شبكات المعلومات المفتوحة أو المغلقة. ويتيح هذا التقدم للفرد أن ينشئ موقعا على شبكة المعلومات يضمنه ما يريد من معلومات، كما يتيح هذا التقدم أن تقوم الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة بإنشاء مثل هذه المواقع أو بنوك المعلومات التي يمكن الولوج إليها والوقوف على ما تحويه.
وللمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في الإعلام، ذلك أنه إذا كان هذا الحق الأخير يعني أن للفرد الحق في ان يتلقى ويطلع وينقل المعلومات، فإن هذه المعلومات قد يحويها المستند الإلكتروني، غير أن المدلول المستند الإلكتروني لا يتطابق دائما مع دائرة المعلومات، فقد تصاغ المعلومات في شكل مستند إلكتروني أو في شكل غيرها من الصور، ويعني ذلك أن للمعلومات نطاقا أوسع من نطاق المستند الإلكتروني.
المستند الإلكتروني والملكية الفكرية والذهنية:
يتماثل المستند الإلكتروني مع المصنف في أن لصاحب كل منهما الحق في الإستئثار به، ويحق له كشف محتواه أو تقييد الإطلاع عليه، ويتماثلان كذلك في أن الشارع يبسط حمايته لمحتوى كل منهما فلا تمتد إليه يد العبث أو التدمير أو التشويه، كما أن لصاحب الحق فيهما في سلطة محو مضمونهما أو سحبه أيا كان الشكل الذي عليه. ومن جهة أخرى فإن دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية قد تتداخل مع دائرة الحماية المقررة للمستند الإلكتروني: فمن ناحية فإن مدلول حق المؤلف يتسع ليشمل التعبير وليس فقط الأفكار . كما أن المساس بحقوق الملكية الفكرية للمصنفات المعالجة إلكترونيا قد تنتمي بالمعنى الواسع إلى المساس بالبيانات الإلكترونية، ومن ثم تصبح الحماية المقررة لهذه البيانات هي في الوقت ذاته حماية لحقوق الملكية الفكرية . ومن ناحية أخرى فإن الكثير من التشريعات تدخل قواعد البيانات وغيرها من المصنفات المكتوبة في دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية.
ومن ناحية ثالثة فإنه إذا كان يخرج عن نطاق حق المؤلف "الفكرة" ذاتها بإعتبارها ليست محلا للتملك ، فإن هذه "الفكرة" تخرج أيضا عن نطاق المستند الإلكتروني إلا إذا تجسدت وأخذت شكلا ماديا ملموسا انطوى عليه المستند، فعندئذ تنصرف الحماية إلى هذا الشكل.
وإذا كانت هذه هي اوجه الشبه فإن هناك اختلافا أساسيا بين مدلول المستند الإلكتروني والمصنف: فالمصنف لا بد أن ينطوي على عنصر الإبداع، بينما لا يتطلب المستند هذا العنصر، إذ أن غاية ما ينطوي عليه هو بيان أو معلومات لها أهمية في إنشاء التصرفات أو الوقائع القانونية. ومن ناحية ثانية فإنه إذا كانت الوثائق الرسمية مثل التشريعات والقرارات والاتفاقيات والأحكام القضائية وتقارير البورصة تخرج عن مدلول المصنف ، فإنها تدخل في مدلول المستند.
ويترتب على التحديد سالف الذكر أن محل الحماية الجنائية للمصنف يرتكز على حماية حق المؤلف على أفكاره؛ بينما يعد محتوى المستند وسريته هو محل حماية المستند الإلكتروني. ومن ناحية أخرى فإن الإعتداء على حق المؤلف قد لا ينطوي على أي مساس بجوهر المصنف ذاته، فمن المقرر أن المساس بحق المؤلف يتوافر اذا تم نشر أو عرض المصنف في وقت أو بطريقة لم يخترها المؤلف، ويعني ذلك أن المساس بحق المؤلف في هذه الصورة يتحقق دون أن ينطوي ذلك بأي مساس بالبيانات الإلكترونية التي يتضمنها المصنف. ويلاحظ أنه قد ينطوي المستند الإلكتروني على عنصر الإبداع، وفي هذه الحالة تتعدد صور الحماية المقررة له، ولا يتنافى ذلك مع المنطق القانوني، ذلك أنه من المقرر أن الحق الواحد قد يحميه عدة نصوص، وأن المحرر قد ينطوي على عدة حقوق تتعدد أوجه الحماية المقررة لها.