المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المركزية واللامركزية الإداريتان صورتان للتنظيم الإداري في الدولة .. بقلم: محمود نصار



Essa Amawi
11-22-2010, 10:17 PM
* هذه المقالة تتحدث عن القانون البحريني بشكل خاص

تعمل الادارة العامة من خلال اشخاص اعتبارية عامة، مثل الدولة والاشخاص الاقليمية والمرفقية أو المصلحية، وهو ما يمكن تأكيده أن التنظيم الاداري في أي دولة من الدول لا يعرف سوى نظامين للإدارة هما إدارة مركزية وأخرى لا مركزية.

ونقصد بالإدارة المركزية، المركزية الادارية فقط وفيها تحتكر الحكومة المركزية الموجودة في العاصمة الوظيفية الإدارية في سائر انحاء إقليم الدولة، بحيث لا يمكن البت في امر من امور هذه الوظيفة بعيدا عنها أو من غير الرجوع إليها، وفي هذا النظام الاداري يتم تركيز وتجميع سلطات البت في الوظائف الادارية بيد أعضاء الحكومة المركزية، وعلى هذا الاساس يتم ترتيب السلطات الادارية في سلم هرمي واحد، يخضع فيه جميع العاملين للسلطة الرئاسية الموجودة على قمة الهرم الاداري.


وتقوم المركزية الإدارية بهذه الصورة على ثلاثة أركان تتمثل في تركيز سلطة البت والتقرير النهائي في شئون الوظيفة الإدارية في يد الحكومة المركزية سواء في العاصمة أو ممثليها في الاقاليم وثانيا تسلسل العاملين وتنظيم شئونهم في سلم تدريجي هرمي الشكل، بحيث يقوم نوع من التبعية الادارية داخل هذا الهرم وثالثا يتمثل في الرقابة الادارية الرئاسية، وقد يرى البعض ان المركزية الإدارية تقوم على ركنين فقط هما حصر الوظيفة الإدارية في يد السلطة المركزية، وثانيا وجود مبدأ التدرج الذي يحكم العلاقة بين أعضاء السلطة المركزية وما يترتب على ذلك من نتائج، وهو ما يعرف بتدرج الوظائف في شكل هرم، وما يترتب عليه من مظهر الرئاسة، بحيث يكون الموظف مرؤوسا لمن يعلوه، ورئيسا لفئة الموظفين الذين يشغلون الدرجات الأدنى.

وتتخذ المركزية الادارية صورة المركزية المطلقة، وهي تعني جمع أو تركيز الوظيفة الإدارية بجميع خصائصها في يد الحكومة المركزية، وصورة المركزية المخففة أو اللاوزارية وفيها يتم منح بعض الاختصاصات الادارية لهيئات إدارية إقليمية تابعة للوزارات، مع منح العاملين بهذه الهيئات الاقليمية سلطة البت النهائي أو التقرير في بعض المسائل من دون الرجوع الى الوزراء، مع خضوع هؤلاء الموظفين للسلطة الرئاسية في العاصمة بحيث يمكن لهذه السلطة إلغاء أو تعديل أو سحب القرارات الصادرة عنهم.

ويتم منح الاختصاصات للهيئات الادارية في الاقليم عن طريق التفويض الذي بمقتضاه يعهد الرئيس الاداري بنص قانوني بجزء من اختصاصاته الى احد مرؤوسيه، بحيث يمارسه تحت رقابته لمدة معينة.

وأما عن صورة التنظيم الإداري الثانية فتتمثل في الادارة اللامركزية، وهي طريق من طرق الادارة، ويمكن تعريفها بأنها توزيع لاعباء الوظيفة الادارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية مستقلة تباشر اختصاصاتها تحت رقابة الحكومة المركزية وإشرافها.


وتتخذ الإدارة اللامركزية صورتين فقد تتخذ شكل هيئات إقليمية وفيها يتم منح الشخصية الاعتبارية لجزء من إقليم الدولة مع الاعتراف لهذا الجزء بقدر من الاستقلال في ممارسة نشاطه بالإضافة إلى سلطة الاشراف على المرافق العامة المحلية الموجودة في الاقليم.
وقد تتخذ اللامركزية الادارية صورة اللامركزية المصلحية أو المرفقية وفيها يتم منح الشخصية الاعتبارية لأحد المرافق العامة القومية أو المحلية مع منحها قدرا من الاستقلال عند ممارسة نشاطها المرفقي أو المصلحي.

وتتشابه اللامركزية الاقليمية مع اللامركزية المرفقية أو المصلحية في عدة أمور يتمثل أولها في عنصر الاستقلال اللازم لكل منهما، وثانيا في تمتع كل منهما بالشخصية الاعتبارية وما يصاحب ذلك من وجود ذمة مالية مستقلة وقدرة قانونية على اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وثالثا خضوع كل منهما لرقابة واشراف السلطة المركزية.
ومع هذا التشابه بين صورتي الادارة اللامركزية، إلا أن ثمة فارقا بينهما يتمثل في طريقة اختيار اعضاء كل من الهيئتين الاقليمية والمصلحية، فالهيئات الاقليمية يتم اختيار اعضائها غالبا عن طريق الانتخاب، مثل المجالس البلدية، وأما الهيئات المصلحية أو المرفقية فان التعيين هو اداة اختيارها مثل الجامعات.

Essa Amawi
11-22-2010, 10:19 PM
واللامركزية الادارية بصورتيها يجب ان تقوم على ثلاثة عناصر اساسية هي:

العنصر الأول: وجود مصالح محلية، حيث ان الهيئات اللامركزية تتولى إدارة مصالح محلية، ولا تتولى إدارة المصالح القومية، حيث تقوم فقط باشباع الحاجات العامة لجمهور الافراد الذين يقطنون في اقليم معين من اقاليم الدولة، وهذه الحاجات لا تهم جميع مواطني الدولة بقدر ما تهم ابناء اقليم محدد عهدوا الى الهيئات اللامركزية مهمة إدارة مصالحهم الخاصة لاعتبارات معينة مثل قربهم من هذه المصالح وقدرتهم على تفهم مشاكلهم.
وحتى يثبت لهذه الهيئات سواء منتخبة أو معينة في ادارة هذه المصالح فانه يشترط ان يكون قد عهد إليها بهذه السلطة من الجهة المختصة عن طريق القوانين، ومثل هذا الاختصاص المحدد في القانون قد يكون في نطاق مكاني معلوم (اللامركزية الاقليمية) وقد يكون محددا بموضوعات معينة لا يتجاوزها (اللامركزية المصلحية أو المرفقية).


العنصر الثاني: وجود سلطات لا مركزية تستقل بإدارة المصالح المحلية، ذلك أن المصالح المحلية في حاجة إلى سلطات وهيئات تفهم طبيعتها وتسهر على رعايتها، ولابد من تمتع هذه الهيئات بالشخصية الاعتبارية حتى تكون قادرة على مزاولة وظائفها، ذلك أن عدم منح الهيئات اللامركزية الشخصية الاعتبارية يؤدي حتما إلى اعتبار هذه الهيئات فرعا من فروع السلطة المركزية، فالشخصية الاعتبارية هي التي تعطي للشخص الاداري ذمة مالية مستقلة عن ذمة الدولة، ويصبح الشخص أهلا للتقاضي فيمن يرفع منه أو عليه من دعاوى.

العنصر الثالث: خضوع الهيئات اللامركزية لرقابة السلطة المركزية واشرافها، من دون ان يتعارض ذلك مع ما تتمتع به الهيئة اللامركزية من استقلال، إذ لا تخضع الهيئة في نظام الادارة اللامركزية لبعض مظاهر السلطة الرئاسية التي يمارسها الرئيس الاداري على مرؤوسيه في النظام النظام المركزي.


ولكن يجب ان يلاحظ ان سلطة الاستقلال الممنوحة للهيئات اللامركزية لا تعني الانفصال تماما عن السلطة المركزية بحيث تصبح طليقة لا تخضع لأية رقابة من جانب الحكومة، ومن ثم تصبح اللامركزية خطرا على وحدة الدولة وزعزعة كيانها، وبالتالي كان لابد من ممارسة السلطة المركزية بعض مظاهر الرقابة على الوحدات الادارية إقليمية او مصلحية، ولكن من دون مساس باستقلال هذه الوحدات. وتحقيقا للتوازن بين استقلال الهيئات اللامركزية باعتباره عنصرا مهما لقيام النظام اللامركزي من ناحية وضرورة خضوع هذه الهيئات لرقابة واشراف السلطة المركزية حفاظا على وحدة الدولة من ناحية اخرى، كان لابد من وجود سلطة وصائية تمارسها الحكومة المركزية على الهيئات المحلية اقليمية كانت أو مصلحية، بحيث تستطيع السلطة المركزية من خلالها ان تحافظ على استقلال الهيئات المحلية، فتكون هذه الرقابة اقل بكثير من السلطة الرئاسية التي تمارسها الحكومة في ظل النظام المركزي، بما يحقق الفائدة العملية التي ترجوها الادارة المركزية من السلطة الوصائية والتي تكمن في مد رقابة السلطة الوصائية على الاعمال والتصرفات التي تقوم بها الهيئات المحلية للتأكد من احترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون من اجل حماية المصالح العامة التي تهم جميع الأفراد المستفيدين من خدمات الهيئات المحلية، وفي معنى آخر فإن مبدأ المشروعية الذي تلتزم به الهيئات المحلية يوجب عليها ان تكون تصرفاتها متطابقة مع احكام القانون من دون خروج عليه لما في ذلك من ضمانة اساسية تحمي الافراد من استبداد الادارة.


وهكذا فإن سلطة الوصاية تمثل الرابطة التي تجمع السلطة المركزية بالهيئات المحلية المستقلة، بحيث تتمكن الحكومة بما لها من سلطة مقررة بنص في القانون وبواسطة السلطة الوصائية من مراقبة الهيئات اللامركزية للتأكد من خضوعها للقانون، ومدى تنفيذها السياسة العامة للدولة، ومن هنا فإن استقلال الهيئات المحلية عن السلطة المركزية يقدر اعتبارات الصالح العام وحماية المشروعية ويقبل بالسلطة الوصائية المقررة للحكومة، وهو ما أكده دستور مملكة البحرين بنص المادة (50) منه.

وتتخذ الرقابة الوصائية عدة صور او وسائل تمارسها السلطة المركزية على الهيئات المحلية وفقا لأهمية التصرف الصادر عن السلطة المركزية ومدى تأثيره في المصلحة العامة.

وأولى هذه الصور أو الوسائل تتمثل في الوصاية الادارية على أعضاء الهيئات المحلية بالنسبة إلى التعيين، سواء في تعيين بعض اعضاء هذه الهيئات أو على الأقل التصديق على اختيارهم، وكذلك سلطة التأديب التي تكون للسلطات المركزية على أعضاء الهيئات المحلية مثل الوقف والعزل أو الفصل أحيانا، وخاصة بالنسبة إلى من تم تعيينهم من الحكومة.

وكذلك يكون للسلطة المركزية حق حل الهيئة التي تعبر عن ارادة الشخص اللامركزي، ويقصد بالحل في هذه الحالة مجرد تغيير أشخاص تلك الهيئة من دون مساس بالشخص المحلي ذاته.

والصورة الثانية للوصاية الادارية هي الوصاية على أعمال الهيئة اللامركزية وذلك لمراعاة تنفيذ السياسة العامة والخطة العامة للدولة، ويتمثل ذلك عن طريق تصديق الحكومة المركزية على تصرف الهيئة اللامركزية بعد اجرائه، أو حتى إلغائه، وكذلك قد يشترط القانون لقيام الهيئات اللامركزية بممارسة نشاط معين ضرورة الحصول على إذن السلطة المركزية ولاسيما إذا كانت ممارسة هذا النشاط من شأنها ان تعرض المصلحة العامة للخطر، وهذه رقابة سابقة على أعمال الجهة اللامركزية، وقد تكون الرقابة لاحقة حيث ينص القانون على ضرورة تصديق السلطة المركزية على أعمال الهيئات اللامركزية.

والخلاصة انه ولئن كان للهيئات اللامركزية حق إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ مهامها، لكن المشرع قد يشترط لتنفيذ هذه القرارات في حالات معينة ضرورة تصديق السلطة المركزية عليها باعتبار ذلك رقابة لاحقة على التصرف.

وهكذا فإن الاستقلال المقرر للهيئات اللامركزية ليس مطلقا، بل تمارسه الهيئات اللامركزية تحت رقابة واشراف الادارة المركزية، وهو ما سبق التعبير عنه بالوصاية الادارية في صورها المختلفة بغية عدم مخالفة القوانين حماية للشرعية، او بهدف حماية المصالح العامة، وهذه الوصاية تكون إما على اعضاء هذه الهيئات، وإما على أعمالها، ويجب ان تتم هذه الوصاية بنصوص في قوانين انشاء وتنظيم هذه الهيئات اللامركزية إقليمية كانت او مصلحية، وهو ما نصت عليه المادة (50) من دستور مملكة البحرين بالقول:
"ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الادارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها وبما يكفل ادارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاقها والرقابة عليها".


ومن تطبيقات نظام الادارة اللامركزية في مملكة البحرين ما ورد بقانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001م من ان للبلدية شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلال المالي والاداري، وتتولى ادارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاق اختصاصها، وفي مجال الوصاية الادارية المقررة للسلطة المركزية فقد نصت المادة (20) من قانون البلديات على ان يرفع كل مجلس بلدي قراراته وتوصياته الى الوزير المختص بشئون البلديات، وفي حالة إذا ما رأى الوزير ان هذه القرارات او التوصيات أو بعضها يخرج عن اختصاص المجلس البلدي او يتضمن مخالفة للقانون أو خروجا على السياسة العامة للدولة كان له الاعتراض عليها خلال 15 يوما من تاريخ رفع القرار او التوصية إليه، واعادتها الى المجلس البلدي مشفوعة بأسباب الاعتراض لإعادة النظر فيها، فإذا أصر المجلس على قراره او توصيته أو ضمنها مخالفة جديدة، عرض الأمر على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه بشأنها.

هذا مثال قانوني واضح لتطبيق اللامركزية الادارية في الاقليمية في ظل ما قرره الدستور في المادة (50) وما تضمنه قانون البلديات فهو يأخذ بنظام اللامركزية الادارية، وفي ذات الوقت يعمل الوصاية الادارية للسلطة المركزية من دون تجاوز، وفي حدود الرقابة والاشراف فقط ضمانا للتوازن بين استقلال الهيئة المحلية وحماية المشروعية والمصالح العامة للمواطنين.

وفي مجال تطبيق اللامركزية الادارية في مملكة البحرين في نطاق اللامركزية المصلحية فإن النظام القانوني البحريني يتضمن تطبيقات كثيرة منها جامعة البحرين، والهيئات والمؤسسات العامة الاخرى، فالجامعة هيئة علمية مستقلة ذات شخصية اعتبارية، ولكنها تخضع في ذات الوقت لرقابة واشراف السلطة المركزية ممثلة في وزير التربية والتعليم، والهيئات والمؤسسات العامة الاخرى هي هيئات عامة مستقلة تمام الاستقلال وتتمتع بشخصيات اعتبارية ولكن لا يتعارض هذا الاستقلال مع خضوعها لرقابة واشراف السلطة المركزية حماية للمشروعية والمصالح العامة للمواطنين المستفيدين من خدمات هذه المؤسسات والهيئات العامة طبقا للدستور.

ويبقى ان نهيب بالمشرع ان يضمن اي قانون يصدر بإنشاء وتنظيم هيئة أو مؤسسة عامة نصا قانونيا خاصا بالسلطة الوصائية للدولة على هذه الهيئات تنفيذا للمادة (50) من الدستور، وفي ذات الوقت يجب مراجعة جميع القوانين الخاصة بإنشاء وتنظيم هيئات ومؤسسات عامة لبيان اذا ما كانت هذه القوانين تقرر إلى جانب استقلال هذه الهيئات والمؤسسات العامة حق الدولة في الرقابة والاشراف على هذه الهيئات والمؤسسات العامة حماية للشرعية وتحقيقا للمصالح العامة، فإن خلت هذه القوانين من السلطة الوصائية في الرقابة والاشراف وجب تضمينها نصوصا تؤكد حق الدولة في هذا الشأن تنفيذا للتوجه الدستوري مع مراعاة ان هذه السلطة الوصائية للدولة لا تتعارض مطلقا مع الاستقلال المقرر للهيئات اللامركزية، ولكن بشرط ان ينص على ذلك في قانون انشاء وتنظيم الهيئة او المؤسسة العامة، إذ لا رقابة ولا إشراف للدولة بغير نص في القانون.