المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقف المرأة ومكانة المرأة



يارا النجادات
02-07-2011, 12:45 PM
في أجواء انتباه العالم لـ"يوم المرأة العالمي"، يجدر بنا أن نلاحظ حالة عملية أكرم الإسلام المرأة من خلالها، وهي "وقف المرأة".

لقد شاع في الأذهان ارتباط الوقف بالرجل فقط، سواء في العصور الإسلامية الأولى أو حتى في وقتنا الحاضر. لكن الحقيقة أن المرأة لم تكن مغيبة في مجال الوقف، فقد ذكر لنا التاريخ أسماء نساء عديدات برزن كواقفات ومحسنات تفوقن على الرجال في بعض الأحيان.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ما موقف الشريعة الإسلامية من وقف المرأة؟ وهل هناك تمييز بين الرجل والمرأة في موضوع الوقف؟ من البديهيات في الإسلام التي لا تحتاج لتكرار هو أن المرأة في الإسلام كائن حي له روح إنسانية، من نفس النوع الذي منه روح الرجل. إذن فهي المساواة الكاملة في الكيان البشري، تترتب عليها كل الحقوق المتصلة بهذا الكيان محرمة الدم والمال والعرض والكرامة، كلها حقوق مشتركة لا تمييز فيها بين جنس وجنس والأوامر والتشريعات عامة للجميع والجزاء في الآخرة واحد للجنسين.
وتحقيق الكيان البشري وما يستلزمه وما يقتضيه من مساواة في الحياة على هذه الأرض متاح للجنسين، كالأهلية للملك والتصرف فيه بجميع أنواع التصرف من رهن وإجارة وبيع وشراء.
وهكذا يكون للمرأة، متزوجة وغير متزوجة، كيانها الذاتي واستقلالها الشخصي وذمتها المالية المنفصلة تماماً عن ذمة أبيها وذمة زوجها، لا شأن للزوج ولا لغيره بمالها بل تتصرف فيه ما دامت عاقلة مميزة رشيدة، بكل التصرفات كالرجل تماماً، فتبيع وتشتري وتهب وتوصي وتتبرع وترهن وتؤجر وتستأجر، إلى غير ذلك من التصرفات القانونية، وليس لأحد ولا لزوجها أن يتصرف في شيء من أموالها بدون إذنها أو وكالته عنها.
والقاعدة تقول: من كان يملك له حق الهبة، والمرأة – كما سبق- لها حق التملك المشروع من خلال استقلال الذمة المالية لها وحصولها على مالها الخاص بها. ومن أبرز مجالات التصرف الوقف، إذ مارست المرأة فيه التحبيس والشهادة والوكالة والنظارة كما كانت وصيّة على القصر واليتامى، فاحتلت المرأة مكانة مرموقة كمحبسة وباذلة الغالي والنفيس في سبيل الخير العام وشؤون المجتمع المختلفة.
على أن أهلية التبرع إنما تتحقق فيمن يتمتع بالأهلية الكاملة بقسميها أهلية الوجوب، وأهلية الأداء، وتبعاً لهذا يشترط في الواقف أن يكون: عاقلاً بالغاً غير محجور لسفه، فلا يصح وقف المحجور لسفه. ثم: الحرية، إذ يشترط في الواقف أن يكون حراً، لم يخالف في ذلك إلا الظاهرية، وهذا الشرط على أساس أن العبد لا يملك، واتفق الفقهاء على أن وقف العبد بإذن صاحبه صحيح، لا لأن الوقف يصح منه، ولكن لصحة نيابته، فوقفه هو وقف صاحبه لأنه يكون نائباً عنه.
إذن لا يوجد ما يمنع أن تكون المرأة واقفة، وكما يجوز للمرأة أن تكون واقفة يجوز لها أن تكون ناظرة على الوقف أما الحالة الوحيدة التي لا يصح فيها وقف المرأة فهي أن تكون أمة "غير حرة" لأن العبد كما سبق لا يملك، حيث ورد في المصادر أنه: لا يصح وقف أم الولد على الأصح لأنها آيلة إلى العتق وليست قابلة للنقل إلى الغير، وهذا يعني أنها في هذه الحالة مساوية للرجل/ العبد أيضاً.
أما في الأثر ففي كتاب "أحكام الأوقاف" لأبي بكر الشيباني المشهور بالخصاف (ت261?/874م)، الذي يعتبر أول كتاب فقهي متخصص بالوقف نجده يذكر الأوقاف التي أوقفتها نساء النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا مشروعية قاطعة بجوازه. فهذه عائشة رضي الله عنها التي اشترت داراً وكتبت في شرائها "إني اشتريت داراً وجعلتها لما اشتريتها له فمنها مسكن لفلان ولعقبه ما بقي بعده إنسان ومسكن لفلان وليس في ولعقبه ثم يرد ذلك إلى آل أبي بكر. وهذه أختها أسماء بنت أبي بكر التي تصدقت بدارها صدقة حبس لا تباع ولا توهب ولا تورث. وكذلك وقف أم سلمة، ووقف أم حبيبة التي بالغابة فقد تصدقت على مواليها وعلى أعقابهم وعلى أعقاب أعقابهم حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث تخاصم من يرثها. ووقف صفية بنت حيي إذ وقفت لبني عبدان صدقة حبساً لا تباع ولا تورث حتى يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها.