المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشاهد وآلام من غرفة الولادة



يارا النجادات
02-07-2011, 12:52 PM
صياح وأنّات وتأوه وبكاء ودعاء وتسبيح، وفرح واستغاثة وزغاريد وقبلات، وحلوى تدور بين الناس، هذا يلخص المشاهد التي تحصل في غرفة الولادة، مشاهد تتفاوت فيها قدرات النساء على الصبر بحسب قوة الإرادة والبدن، تسبقهما قوة الإيمان والجلد على الاستمرارية برغم الآلام، وقد يساهم العلم والثقافة والخبرة الإنجابية في التقليل من آلام المخاض أو التغلب عليها.

غير مرة، ترى النساء تكاد تخرج أرواحهن مع كل طلقة ولكنها لا تخرج، تكاد أرحامهن تتفجر بالألم ثم تهدأ في استراحة للمحارب، لتبدأ دورة المخاض من جديد بين هجوم الطلق وانسحابه، بين ترقرق الروح وتنفس الصعداء.
في غرفة الولادة، ترى نساء يسبحن ويذكرن ويقرأن القرآن، فإذا اشتد عليهن الوجع استغثن بأسماء الله الحسنى، فجمعن بين أجر الطلق والصبر على الألم، وأجر الذكر والدعاء، رأيت نساء يستعن بالله، والله مجيب من يدعوه، ليخرج المولود إلى روح وريحان ورب غير غضبان، على فطرة آدم وسنة محمد عليهما السلام، ليكون أول ما يسمعه نداء الحق في أذنه اليمنى وتكبير الإقامة في اليسرى.
قد يستمر الطلق مع بعض الأمهات أكثر من أربع وعشرين ساعة، حتى لتكاد وجوههن تخلو من أدنى علامات الحياة لشدة الإعياء، لكن ما هي إلا أن تسمع الأم صوت المولود، حتى تتورد وجنتيها وتغمر عينيها دموع الفرحة، وتدب الحياة في أوصالها، وكأنها ليست هي التي كانت تملأ المكان منذ قليل صياحاً وبكاءً.
عند مشهد الولادة، تتملك المرء رغبة بأن يضرب نفسه، أن يعطيها "علقة" ساخنة ويلقنها درساً لن تنساه، إن في يوم وأيام أغضب أمه أو ناقشها.
في غرفة الولادة، والمرء يعاين رعب المخاض، يدرك أيضاً أن لماذا لو جبنا بأمهاتنا آفاق المعمورة نحملهن على ظهورنا، لما وفيناهن ألم طلقة من طلقات الولادة، كما وصف المصطفى أبر من وضعته أنثى، فكيف ببقية أفضالهن وأياديهن علينا، حملننا وهن يرجون ولادتنا وسلامتنا، ورعيننا وهن يرجون شبابنا واشتداد عودنا، وسهرهن وهن يرجون راحتنا وهدوءنا، وما قابلنا ذلك إلا بتأفف أحياناً أو امتعاض أحياناً أخرى، وربما بررناهن مرات معدودة، وهن ما زلن بارات بنا، يزدن حلماً على أخطائنا، وعطاءً عند شُحّنا، وعفواً على زلاتنا.

يعجب المرء عند سماع صياح الطلق، كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى درجة العقوق، ويتحرى العق عمداً وقصداً، حتى يكتب عند الله عاقاً؟

في المستشفى والممرضات يجرين حول الأمهات من كل حدب وصوب، نستذكر أمهاتنا قبل ستين عاماً وكيف كنّ يلدن في الحقول، يباغتهن نزول المولود وهن يزرعن ويحصدن فينزوين تحت ظل شجرة حتى تتم الولادة، فتقطع الأم الحبل السري، وتشد الخلاص، ثم تذهب للبيت تطبخ وترعى أولادها وتقوم بشؤون المنزل، من دون أن تستلقي على السرير لدقيقة واحدة، بينما نحن الآن محاطون بالرعاية والمسكّنات، وممرضة تفحص الضغط وأخرى الحرارة وثالثة تساعد في الولادة والأمور متعسرة، ساعات وساعات طويلة وثقيلة تمضي حتى تتم الولادة، بركة منزوعة ونعمة حرمناها بما كسبت أيدينا، زادت التقنية والرفاهية والمقدرات، وقلّت راحة البشر واطمئنانهم،

وصدق سبحانه "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس".

في غرفة الولادة، ما زلنا على عاداتنا لن نتغير ولو بعد مليون سنة، ستبقى ولادة الذكر فرحة ما بعدها فرحة، تنتشي لها القلوب وترتسم لها الابتسامات ويشد بها ظهر الأب وتطمئن لأجلها الأم، بعد أن أنجبت ولي العهد وأصبحت من الآمنين، أما ولادة الأنثى فعلى أحسن الأحوال ابتسامة على مضض ودعاء بالخلف والعوض وتقطيب للجبين، ورعب يخالط قلب الأم وتفكير على سرير الولادة بالحمل الثاني، إلا من زمرة رحمها ربي، تأخذ بالهدي أن الأسماء والعائلات يرفعها الله ويضعها بحسب الحسنى والتقوى، وأن الأبتر من بتر نفسه عن الله والموصول من اتصل به،


وأن إحسان تربية الإناث عتق من النار، ورسم البسمة على وجوههن كالبكاء من خشية الله، وأنهن المؤنسات الغاليات، فيا له من دين انتصر للإناث، ويا له من نبي رقّ لهن، ويا لشقاء من لم يعتبر.