Essa Amawi
07-15-2011, 07:17 PM
تطفو على السطح بين الحين والآخر مطالبات بإنشاء محكمة دستورية تتولى مهمة تفسير أحكام الدستور والدفاع عن اختصاص السلطات "التشريعية التنفيذية والقضائية" إذا حاولت إحداها الاعتداء على اختصاصات الأخرى المنصوص عليها بالدستور، برغم وجود المجلس العالي لتفسير الدستور.
بيد أن قانونيين يتفقون على أن إنشاء المحكمة الدستورية برغم أهميته والحاجة إليه يحتاج لجهد تشريعي وقانوني كبيرين، خاصة مع وجود خروقات كثيرة للنصوص الدستورية في بعض التشريعات التي خلقتها ما وصفوه بـ"فوضى القوانين المؤقتة" التي ابتعدت كل البعد عن حالة الضرورة المنصوص عليها في الدستور.
هؤلاء يرون أن إنشاء هذه المحكمة يحتاج لقانون يضمن الالتزام بقراراتها من خلال منهج حيادي وبعيد عن أي صراعات سياسية أو تجاوز الصلاحيات المحددة لها والاستفادة من الايجابيات التي توفرها هذه المحكمة للنظام القانوني، وبذات الوقت تجنب السلبيات التي قد ترافق وجودها للابتعاد عن المزالق التي وقع فيها المجلس العالي لتفسير الدستور.
حامية للحريات أم سيف بيد الحكومات
خبير القانون الدستوري والنظم السياسية والوزير السابق الدكتور محمد الحموري عارض إنشاء محكمة دستورية في الوقت الحالي، حيث يعتقد أن قضاة البلاد كافة يمتلكون صلاحية الحكم بعدم دستورية أي قانون وانه ليس من المصلحة حصر هذه الصلاحية في محكمة محددة، إذ يمكن إنشاؤها في المستقبل عند توفر الضمانات اللازمة لحمايتها من تغول الحكومات عليها.
وبين الحموري لـ"السبيل" أنه ليس من المصلحة في الوقت الراهن أن يتم نزع صلاحية كافة القضاة للبت في دستورية القوانين ومنح هذه الصلاحية لمحكمة واحدة قد يكون من السهل التأثير على قرارها، بيد أنه ليس مع بقاء المجلس العالي لتفسير الدستور وتشكيلته واختصاصاته وصلاحياته، ومنها محاكمة الوزراء، المواد (57، 58، 59، 60، 122)، فقد أثبتت الممارسة أنه أصبح أداة في يد الحكومات، وبالتالي لم يعد يصلح لأداء الدور الذي أعطته النصوص له، فمن ناحية فهو في ضوء تأثره بتوجه الحكومات لا يصلح لأن يكوّن المحكمة المطلوبة لمحاكمة الوزراء، وينبغي أن يكون الاختصاص لمحكمة تشكل من قضاة أعلى درجة.
واستدرك الحموري بالقول إن هذا المجلس لم يعد مؤهلاً أو صالحاً لتفسير الدستور، وله سجل واضح في ممالأة الحكومات بهذا الصدد، وآخر مثال يشهد على ذلك موضوع نقابة المعلمين، حيث فصّل المجلس عام 1994 تفسيراً للدستور في هذا المجال على مقاس الحكومة في ذلك الوقت، بعد إنهاء عضوية المعارضين للتفسير المطلوب عام 1993 وإعادة تشكيل المجلس، وقرر عدم دستورية النقابات المهنية من أجل أن يتوصل، بغير وجه حق، الى عدم دستورية نقابة المعلمين، ثم أعاد المجلس تفسيره في قراره رقم (1) لسنة 2011 تاريخ 24/3/2011، ليلغي تفسيره السابق ويقرر دستورية إنشاء نقابة للمعلمين، بعد أن تغيرت ظروف السياسة.
وأوضح الحموري أن مثل هذه التفسيرات التي يحكمها الظرف السياسي للحكومات، تؤكد أن اختصاص المجلس بمحاكمة الوزراء أصبح يشوبه إمكانية تأثير السياسة التي ينتمي إليها أربعة من أعضاء المجلس على حساب المنطق القضائي والقانوني، ولا بد أن يعطي الاختصاص بهذا الشأن للقضاء العادي وحده.
وشدد الحموري على أهمية إلغاء النصوص المتعلقة بالمجلس العالي، على أن يحل مكانها نصوص تنشأ بموجبها محكمة دستورية، يشترط تشكيل هذه المحكمة لمباشرة عملها عند توفر الكفاءات اللازمة لها وبعد الوصول لمرحلة تتناوب فيها الأحزاب على السلطة، يرى أنه في ذلك الوقت سيكون هنالك ضمانة وحماية للمحكمة وأعضائها من تأثير الحكومات وأجهزتها عليها، يلمح إلى الحاجة لفترة من الزمن بعد التعديلات الدستورية، لتأخذ هذه النصوص مداها في التطبيق، لرؤية التفعيل الحقيقي لمبدأ الفصل بين السلطات بموجب التعديلات المذكورة، للوصول إلى سلطة قضائية مستقلة ومحصنة في مواجهة الحكومات وذلك قبل تشكيل المحكمة الدستورية ومباشرتها لعملها.
لا معيقات أمامها
بيد أن القاضي السابق ورئيس مركز الجسر العربي لحقوق الإنسان المحامي أمجد شموط أيّد إنشاء محكمة دستورية تعمل على حماية الحقوق وتعزيز الحريات والحياة الديمقراطية، وتمنع انتهاك الدستور وتغول السلطة التنفيذية على سلطة القضاء، كون المحكمة كما يتصورها ستكون الضمانة الأكيدة والكفيلة في حراسة مبدأ الشرعية وحماية أحكام الدستور وفصل السلطات إذا ما توافرت الإرادة السياسية لذلك.
وقال شموط لـ"السبيل": "آن الأوان لوجود محكمة دستورية لضمان عدم الإطاحة بالدستور وحماية النظام السياسي للدولة، لعدم توافر رقابة قضائية فاعلة ودائمة على أعمال السلطة التنفيذية التي تعسفت في استعمال الحق الممنوح لها بموجب الدستور من خلال الإفراط في القوانين المؤقتة دون وجه حق وتحت ذريعة الضرورة".
وأضاف شموط انه لا يوجد مبرر لتأخير إقرار محكمة دستورية، وإن جميع الذرائع التي تساق في هذا المجال غير منطقية وغير مقبولة، فوجود محكمة التمييز أو العدل العليا لا يحقق العدالة الاجتماعية الفاعلة في الرقابة على دستورية القوانين، وذلك بالنظر لدورها المرسوم وفقا للقانون "فدولة القانون لا تكتمل إلا بوجود محكمة دستورية".
وأوضح شموط أن ضمان احترام أحكام الدساتير او الرقابة على دستورية القوانين شديد الالتصاق بالدولة القانونية، لأن ذلك يعني خضوع جميع السلطات فيها للقانون بصفة عامة وللدستور بوصفه القانون الأسمى، ويشير الى أنه إذا كان الدستور يسمو على جميع السلطات العامة في الدولة فإن سموه يعد غير مضمون لو كان ذلك بمقدور هيئات الدولة انتهاكه دون أن يكون هناك من الضمانات ما يكفل احترام السلطات العامة للدستور الذي عين لها اختصاصاتها ورسم لها حدود ممارستها وأصولها.
ولفت شموط إلى أن أعمال السلطة التنفيذية يجب أن تتفق مع أحكام الدستور وإلا كانت غير مشروعة وجديرة بالإلغاء، مبينا أن هذا الأمر مكفول بالقضاء بما يملكه من حق مراقبة مشروعية أعمال السلطة التنفيذية، وبنفس الوقت فإن الامر يحتم على السلطة التشريعية احترام الدستور، حيث لا يجوز لها أن تصدر تشريعات تخالف الدستور سواء بطريق صريح أو ضمني وإلا غدت مجاوزة لحدود اختصاصها واعتبرت تشريعاتها غير مشروعة ووجب الحكم ببطلانها.
سمو الدستور ومشروعية القوانين
إلى ذلك أكد المحامي والخبير القانوني زهير أبو الراغب أن تفعيل مبدأ سمو الدستور ومشروعية القوانين التي تعني عدم مخالفة نصوص القانون الأدنى للقانون الأعلى بحاجة لجهة رقابية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية والتشريعية تتولى حماية النظام القانوني للدولة وضمان انسجامه مع الدستور وعدم الخروج عن قواعده ونصوصه وضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل سيادة القانون وتحقق العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي وهذه الجهة الرقابية هي المحكمة الدستورية.
وشدد أبو الراغب على إن لوجود المحكمة الدستورية في أي نظام قانوني ميزات وايجابيات أهمها إيجاد هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تتولى مهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين والأنظمة واللوائح. فهي تتولى النظر في مطابقة القرارات والتشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية لبنود الدستور وهي بذلك تشكل حماية للنظام القانوني والتأكيد على مبدأ سيادة القانون من خلال الحكم بالمسائل الدستورية وفرض تطبيق فقرات الدستور، وتجعل من الدستور وثيقة حية تقوم بتشكيل وتوجيه ممارسات القوى السياسية. وأضاف أبو الراغب لـ"السبيل" إن وجود محكمة دستورية يسهم بوضع أسس وضمانات لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة من خلال رقابتها الدقيقة على التشريعات التي تصدر واتخاذ قرار بإلغائها إذا ما شكلت عدوانا أو انتقاصا من الحقوق التي قررها الدستور للمواطنين أو أقامت تمييزا غير مبرر فيما بينهم في التمتع بهذه الحقوق على قدم المساواة.
ولفت أبو الراغب إلى أن المحكمة الدستورية معنية بالاضطلاع بتفسير النصوص القانونية السارية التي يصعب على القضاء تفسيرها أو تطبيقها على مقاصد المشرع، والعمل على التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي وتطوير دور القانون بطريقة تدعم المؤسسات الديمقراطية.
المجلس العالي لتفسير الدستور
تنص المادة 57 من الدستور الأردني الصادر عام 1952 على أن يؤلف المجلس العالي لتفسير الدستور من رئيس مجلس الأعيان رئيسًا، ومن ثمانية أعضاء ثلاثة منهم يعينهم مجلس الأعيان من أعضائه بالاقتراع وخمسة من قضاة أعلى محكمة نظامية بترتيب الأقدمية، وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضًا.
وتنص المادة 122 من الدستور على ما يلي: "للمجلس العالي المنصوص عليه في المادة 57 حق تفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأكثرية المطلقة، ويكون نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية".
وكان نصها قبل تعديل الدستور الأردني لسنة 1958: "يؤلف المجلس العالي من رئيس أعلى محكمة نظامية رئيسًا، ومن ثمانية أعضاء أربعة منهم من أعضاء مجلس الأعيان يعينهم المجلس بالاقتراع وأربعة من قضاة المحكمة المذكورة بترتيب الأقدمية وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضًا".
وتنص المادة 59 من الدستور على أن: "تصدر الأحكام والقرارات من المجلس العالي بأغلبية ستة أصوات".
يلاحظ أن المادة 57 من الدستور قد جعلت المجلس العالي يتكون من نوعين من الأعضاء:
أعضاء يعينهم مجلس الأعيان وهم رئيس مجلس الأعيان رئيسًا وثلاثة أعضاء من مجلس الأعيان يعينون بالاقتراع من داخل هذا المجلس، وأعضاء يعينون بحكم الدستور وهم خمسة قضاة من أعلى محكمة نظامية بترتيب الأقدمية، وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية.
كما يلاحظ أيضًا أن رئاسة هذا المجلس كانت قبل التعديل لرئيس أعلى محكمة نظامية، في حين أنها الآن لرئيس مجلس الأعيان، مما يدل على تعميق الصفة السياسية لهذا الجهاز. أيضًا لم يشترط الدستور أي خبرات قانونية لدى عضو مجلس الأعيان المعين في المجلس العالي لتفسير الدستور، كما لم يحدد الدستور سنًا معينة لتقاعد أعضاء المجلس العالي أو سنًا معينة إذا بلغها العضو يفقد عندها عضويته.
يقوم المجلس العالي بناء على المادة 122 من الدستور بتفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه مجلس الوزراء، ويقوم أيضًا المجلس العالي لتفسير الدستور بالدفاع عن اختصاص كل من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية إذا حاولت إحداهما الاعتداء على اختصاصات الأخرى المنصوص عليها بالدستور.
السبيل- عهود محسن
منشور بتاريخ 10/7/2011
بيد أن قانونيين يتفقون على أن إنشاء المحكمة الدستورية برغم أهميته والحاجة إليه يحتاج لجهد تشريعي وقانوني كبيرين، خاصة مع وجود خروقات كثيرة للنصوص الدستورية في بعض التشريعات التي خلقتها ما وصفوه بـ"فوضى القوانين المؤقتة" التي ابتعدت كل البعد عن حالة الضرورة المنصوص عليها في الدستور.
هؤلاء يرون أن إنشاء هذه المحكمة يحتاج لقانون يضمن الالتزام بقراراتها من خلال منهج حيادي وبعيد عن أي صراعات سياسية أو تجاوز الصلاحيات المحددة لها والاستفادة من الايجابيات التي توفرها هذه المحكمة للنظام القانوني، وبذات الوقت تجنب السلبيات التي قد ترافق وجودها للابتعاد عن المزالق التي وقع فيها المجلس العالي لتفسير الدستور.
حامية للحريات أم سيف بيد الحكومات
خبير القانون الدستوري والنظم السياسية والوزير السابق الدكتور محمد الحموري عارض إنشاء محكمة دستورية في الوقت الحالي، حيث يعتقد أن قضاة البلاد كافة يمتلكون صلاحية الحكم بعدم دستورية أي قانون وانه ليس من المصلحة حصر هذه الصلاحية في محكمة محددة، إذ يمكن إنشاؤها في المستقبل عند توفر الضمانات اللازمة لحمايتها من تغول الحكومات عليها.
وبين الحموري لـ"السبيل" أنه ليس من المصلحة في الوقت الراهن أن يتم نزع صلاحية كافة القضاة للبت في دستورية القوانين ومنح هذه الصلاحية لمحكمة واحدة قد يكون من السهل التأثير على قرارها، بيد أنه ليس مع بقاء المجلس العالي لتفسير الدستور وتشكيلته واختصاصاته وصلاحياته، ومنها محاكمة الوزراء، المواد (57، 58، 59، 60، 122)، فقد أثبتت الممارسة أنه أصبح أداة في يد الحكومات، وبالتالي لم يعد يصلح لأداء الدور الذي أعطته النصوص له، فمن ناحية فهو في ضوء تأثره بتوجه الحكومات لا يصلح لأن يكوّن المحكمة المطلوبة لمحاكمة الوزراء، وينبغي أن يكون الاختصاص لمحكمة تشكل من قضاة أعلى درجة.
واستدرك الحموري بالقول إن هذا المجلس لم يعد مؤهلاً أو صالحاً لتفسير الدستور، وله سجل واضح في ممالأة الحكومات بهذا الصدد، وآخر مثال يشهد على ذلك موضوع نقابة المعلمين، حيث فصّل المجلس عام 1994 تفسيراً للدستور في هذا المجال على مقاس الحكومة في ذلك الوقت، بعد إنهاء عضوية المعارضين للتفسير المطلوب عام 1993 وإعادة تشكيل المجلس، وقرر عدم دستورية النقابات المهنية من أجل أن يتوصل، بغير وجه حق، الى عدم دستورية نقابة المعلمين، ثم أعاد المجلس تفسيره في قراره رقم (1) لسنة 2011 تاريخ 24/3/2011، ليلغي تفسيره السابق ويقرر دستورية إنشاء نقابة للمعلمين، بعد أن تغيرت ظروف السياسة.
وأوضح الحموري أن مثل هذه التفسيرات التي يحكمها الظرف السياسي للحكومات، تؤكد أن اختصاص المجلس بمحاكمة الوزراء أصبح يشوبه إمكانية تأثير السياسة التي ينتمي إليها أربعة من أعضاء المجلس على حساب المنطق القضائي والقانوني، ولا بد أن يعطي الاختصاص بهذا الشأن للقضاء العادي وحده.
وشدد الحموري على أهمية إلغاء النصوص المتعلقة بالمجلس العالي، على أن يحل مكانها نصوص تنشأ بموجبها محكمة دستورية، يشترط تشكيل هذه المحكمة لمباشرة عملها عند توفر الكفاءات اللازمة لها وبعد الوصول لمرحلة تتناوب فيها الأحزاب على السلطة، يرى أنه في ذلك الوقت سيكون هنالك ضمانة وحماية للمحكمة وأعضائها من تأثير الحكومات وأجهزتها عليها، يلمح إلى الحاجة لفترة من الزمن بعد التعديلات الدستورية، لتأخذ هذه النصوص مداها في التطبيق، لرؤية التفعيل الحقيقي لمبدأ الفصل بين السلطات بموجب التعديلات المذكورة، للوصول إلى سلطة قضائية مستقلة ومحصنة في مواجهة الحكومات وذلك قبل تشكيل المحكمة الدستورية ومباشرتها لعملها.
لا معيقات أمامها
بيد أن القاضي السابق ورئيس مركز الجسر العربي لحقوق الإنسان المحامي أمجد شموط أيّد إنشاء محكمة دستورية تعمل على حماية الحقوق وتعزيز الحريات والحياة الديمقراطية، وتمنع انتهاك الدستور وتغول السلطة التنفيذية على سلطة القضاء، كون المحكمة كما يتصورها ستكون الضمانة الأكيدة والكفيلة في حراسة مبدأ الشرعية وحماية أحكام الدستور وفصل السلطات إذا ما توافرت الإرادة السياسية لذلك.
وقال شموط لـ"السبيل": "آن الأوان لوجود محكمة دستورية لضمان عدم الإطاحة بالدستور وحماية النظام السياسي للدولة، لعدم توافر رقابة قضائية فاعلة ودائمة على أعمال السلطة التنفيذية التي تعسفت في استعمال الحق الممنوح لها بموجب الدستور من خلال الإفراط في القوانين المؤقتة دون وجه حق وتحت ذريعة الضرورة".
وأضاف شموط انه لا يوجد مبرر لتأخير إقرار محكمة دستورية، وإن جميع الذرائع التي تساق في هذا المجال غير منطقية وغير مقبولة، فوجود محكمة التمييز أو العدل العليا لا يحقق العدالة الاجتماعية الفاعلة في الرقابة على دستورية القوانين، وذلك بالنظر لدورها المرسوم وفقا للقانون "فدولة القانون لا تكتمل إلا بوجود محكمة دستورية".
وأوضح شموط أن ضمان احترام أحكام الدساتير او الرقابة على دستورية القوانين شديد الالتصاق بالدولة القانونية، لأن ذلك يعني خضوع جميع السلطات فيها للقانون بصفة عامة وللدستور بوصفه القانون الأسمى، ويشير الى أنه إذا كان الدستور يسمو على جميع السلطات العامة في الدولة فإن سموه يعد غير مضمون لو كان ذلك بمقدور هيئات الدولة انتهاكه دون أن يكون هناك من الضمانات ما يكفل احترام السلطات العامة للدستور الذي عين لها اختصاصاتها ورسم لها حدود ممارستها وأصولها.
ولفت شموط إلى أن أعمال السلطة التنفيذية يجب أن تتفق مع أحكام الدستور وإلا كانت غير مشروعة وجديرة بالإلغاء، مبينا أن هذا الأمر مكفول بالقضاء بما يملكه من حق مراقبة مشروعية أعمال السلطة التنفيذية، وبنفس الوقت فإن الامر يحتم على السلطة التشريعية احترام الدستور، حيث لا يجوز لها أن تصدر تشريعات تخالف الدستور سواء بطريق صريح أو ضمني وإلا غدت مجاوزة لحدود اختصاصها واعتبرت تشريعاتها غير مشروعة ووجب الحكم ببطلانها.
سمو الدستور ومشروعية القوانين
إلى ذلك أكد المحامي والخبير القانوني زهير أبو الراغب أن تفعيل مبدأ سمو الدستور ومشروعية القوانين التي تعني عدم مخالفة نصوص القانون الأدنى للقانون الأعلى بحاجة لجهة رقابية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية والتشريعية تتولى حماية النظام القانوني للدولة وضمان انسجامه مع الدستور وعدم الخروج عن قواعده ونصوصه وضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل سيادة القانون وتحقق العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي وهذه الجهة الرقابية هي المحكمة الدستورية.
وشدد أبو الراغب على إن لوجود المحكمة الدستورية في أي نظام قانوني ميزات وايجابيات أهمها إيجاد هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تتولى مهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين والأنظمة واللوائح. فهي تتولى النظر في مطابقة القرارات والتشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية لبنود الدستور وهي بذلك تشكل حماية للنظام القانوني والتأكيد على مبدأ سيادة القانون من خلال الحكم بالمسائل الدستورية وفرض تطبيق فقرات الدستور، وتجعل من الدستور وثيقة حية تقوم بتشكيل وتوجيه ممارسات القوى السياسية. وأضاف أبو الراغب لـ"السبيل" إن وجود محكمة دستورية يسهم بوضع أسس وضمانات لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة من خلال رقابتها الدقيقة على التشريعات التي تصدر واتخاذ قرار بإلغائها إذا ما شكلت عدوانا أو انتقاصا من الحقوق التي قررها الدستور للمواطنين أو أقامت تمييزا غير مبرر فيما بينهم في التمتع بهذه الحقوق على قدم المساواة.
ولفت أبو الراغب إلى أن المحكمة الدستورية معنية بالاضطلاع بتفسير النصوص القانونية السارية التي يصعب على القضاء تفسيرها أو تطبيقها على مقاصد المشرع، والعمل على التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي وتطوير دور القانون بطريقة تدعم المؤسسات الديمقراطية.
المجلس العالي لتفسير الدستور
تنص المادة 57 من الدستور الأردني الصادر عام 1952 على أن يؤلف المجلس العالي لتفسير الدستور من رئيس مجلس الأعيان رئيسًا، ومن ثمانية أعضاء ثلاثة منهم يعينهم مجلس الأعيان من أعضائه بالاقتراع وخمسة من قضاة أعلى محكمة نظامية بترتيب الأقدمية، وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضًا.
وتنص المادة 122 من الدستور على ما يلي: "للمجلس العالي المنصوص عليه في المادة 57 حق تفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأكثرية المطلقة، ويكون نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية".
وكان نصها قبل تعديل الدستور الأردني لسنة 1958: "يؤلف المجلس العالي من رئيس أعلى محكمة نظامية رئيسًا، ومن ثمانية أعضاء أربعة منهم من أعضاء مجلس الأعيان يعينهم المجلس بالاقتراع وأربعة من قضاة المحكمة المذكورة بترتيب الأقدمية وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضًا".
وتنص المادة 59 من الدستور على أن: "تصدر الأحكام والقرارات من المجلس العالي بأغلبية ستة أصوات".
يلاحظ أن المادة 57 من الدستور قد جعلت المجلس العالي يتكون من نوعين من الأعضاء:
أعضاء يعينهم مجلس الأعيان وهم رئيس مجلس الأعيان رئيسًا وثلاثة أعضاء من مجلس الأعيان يعينون بالاقتراع من داخل هذا المجلس، وأعضاء يعينون بحكم الدستور وهم خمسة قضاة من أعلى محكمة نظامية بترتيب الأقدمية، وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية.
كما يلاحظ أيضًا أن رئاسة هذا المجلس كانت قبل التعديل لرئيس أعلى محكمة نظامية، في حين أنها الآن لرئيس مجلس الأعيان، مما يدل على تعميق الصفة السياسية لهذا الجهاز. أيضًا لم يشترط الدستور أي خبرات قانونية لدى عضو مجلس الأعيان المعين في المجلس العالي لتفسير الدستور، كما لم يحدد الدستور سنًا معينة لتقاعد أعضاء المجلس العالي أو سنًا معينة إذا بلغها العضو يفقد عندها عضويته.
يقوم المجلس العالي بناء على المادة 122 من الدستور بتفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه مجلس الوزراء، ويقوم أيضًا المجلس العالي لتفسير الدستور بالدفاع عن اختصاص كل من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية إذا حاولت إحداهما الاعتداء على اختصاصات الأخرى المنصوص عليها بالدستور.
السبيل- عهود محسن
منشور بتاريخ 10/7/2011