أحمد أبو زنط
08-16-2011, 04:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أصابت امرأة وأخطأ عمر، هذه مقولة الخليفة العادل عمر بن الخطاب عن نفسه، عندما أقامت عليه امرأة الحجة في أمر تحديد المهور، حيث عاد سيدنا عمر إلى منبره بعد أن نزل عنه وتراجع في فتواه، هذه المقولة نطقها عمر عندما كان خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، إذا رأس الدولة وحاكمها الذي كانت تهابه قبائل العرب لبأسه وشدته ردته امرأة لجادة الصواب، عمر أخذ برأي امرأة واعتبره حجة عليه، فأقام للحق وزنه واستحق مقولة مبعوث كسرى الذي قال فيه عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
إن التعصب السلبي لفئة من الفئات أو لأيدلوجية معينة والتطرف في هذا التعصب يؤدي في نهاية المطاف لنشوء شرخ بين أفراد البشرية الذين يشتركون بإنسانيتهم وتواجدهم على هذه الأرض والأهم من هذا كله أن خالقهم واحد، خلقهم ودعاهم إلى التسامح بينهم وتقبل الآخر والتعايش معه وذلك على لسان رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام الذي قال: "الناس سواسية كأسنان المشط".
إن التمييز في مجتمعاتنا له أوجه عديدة، فهنالك تمييز أساسه الجنس وآخر أساسه اللون بالإضافة للدين والعرق واللغة وغيرها من أوجه التمييز بين البشر الذين ينتمون لأصل واحد، ولربما من أقدم أوجه التمييز بين البشر التمييز بين الذكر والأنثى، الولد والبنت، الرجل والمرأة ولهذا التمييز قصة أزلية، فقد بدأ منذ فجر التاريخ، وكأن العالم بذلك ينقسم على نفسه أو أنه يقوم بجلد الذات.
وكما أن التمييز بين الرجل والمرأة نشأ منذ الأزل، فمكافحته أيضا نشأت بنشوء هذا التمييز ويظهر ذلك من موقف الشريعة الإسلامية السمحة التي دعت ومنذ بداية نشأتها إلى العدل بين الرجل والمرأة فنبذت العنف والظلم وأرست قواعد الحق والقسط، فها هي قد بادرت لتحريم وئد البنات فقد قال تعالى: "وإذا الموءودة سئلت(8)بأي ذنب قتلت(9)"[1] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftn1)
كما أن الله تعالى لفت إلى أصل الخلق فقال "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"[2] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftn2)
بالإضافة للحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس سواسية كأسنان المشط" ويتضح لنا من لفظ "الناس" في الآية الكريمة وفي الحديث الشريف عدم تخصيص فئة بعينها أو دين بعينه بمعاملة خاصة، فالناس في الإسلام متساوون، سواء كانوا يدينون بالإسلام أو بغيره، وروعة المساواة وحرص الإسلام على المرأة تتجلى بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت حين ردد مرارا وتكرارا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة "أوصيكم في النساء خيرا.. أوصيكم في النساء خيرا".
وبذلك يظهر موقف الإسلام جليا واضحا، دين رحمة ومساواة وعدل، قدّر المرأة لأنه شُرع من خالق المرأة فكان الله أعلم بقدرها من نفسها، فاعترف بحقها بالحياة من خلال تحريم الوأد، وبحقها بالميراث في حين كانت العرب والحضارات الأخرى حتى الغربية منها لا تورث النساء، كما وضع معايير وأسس الحياة الزوجية وحقوق وواجبات كل من الزوجين اتجاه الآخر مراعيا بذلك خصوصية كل منهما ليخلق منظومة متوازنة عجزت معظم التشريعات الوضعية عن الوصول إليها، وبذلك انتقلت العلاقة الزوجية من مفهوم التبعية بل العبودية التي كانت سائدة إلى مفهوم جديد يتمثل بالمساواة الإيجابية والندية بالحقوق والواجبات، وغير ذلك من أوجه المساواة اللامتناهية والتي نستشفها بكل جانب ومن جوانب الشريعة الإسلامية، ليتضح لنا في النهاية أسبقيتها على باقي العصور والتشريعات والمعاهدات التي اعترفت مؤخرا وعلى خجل بحقوق المرأة.
ومن خلال هذا التمهيد وبيان موقف الشريعة الإسلامية من المرأة وحقوقها، ما لها وما عليها، أنتقل للحديث عن أثر اسقاط كلمة "الجنس" على حقوق المرأة وفقا للتعديلات الدستورية المقترحة على المادة السادسة من الدستور، فمن المعروف أن المادة السادسة ووفقا لصيغتها الحالية قد أسقطت كلمة الجنس من متنها حيث أنها قد اقتصرت على التأكيد أن الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، دون أي ذكر لكلمة "الجنس".
أما بالنسبة للتعديلات الدستورية المرتقبة فإن اللجنة الملكية لمراجعة تعديلات الدستور لم تُقر إضافة عبارة "الجنس" على الفقرة الأولى من المادة السادسة على الرغم من أن هذا التعديل قد طُرح للنقاش داخل اللجنة، لكنها وللأسف لم تتبناه و لم يتم التوافق عليه
إن اسقاط كلمة "الجنس" من الدستور الحالي ومن ثم الاصرار على تكرار ذات الأمرمن خلال التعديلات الدستورية المرتقبة له دلالات خطيرة تؤثر على سلبا على المساوة في حقوق الأردنيين ، فالمواطن الأردني وإن كان حقه بالمساوة محميا بموجب الدستور وإن اختلف عن غيره في العرق أو اللغة أو الدين، إلا أن هذه الحماية لا تشمل المساوة على الرغم من اختلاف الجنس، مما يعني ترك الباب مفتوحا لاصدار تشريعات وقوانين تضطهد الأردنيين ولا تكفل لهم حق المساواة بسبب اختلاف الجنس، تماما كما هو الحال في قانون الجنسية الذي منح الجنسية لأبناء الأردني دونا عن أبناء الأردنية على الرغم من أن عدم إعطاء أبناء الأردنية الحق بالالتحاق بجنسية والدتهم هو تمييز صريح في الحقوق بين الأردنيين، والتمييز هنا سببه الجنس وهذا أمر محظور بموجب القانون الدولي، حيث أنه وبالرجوع للمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نرى أنها أعطت لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك من الأمور، ومن هذه الحقوق حق التمتع بالجنسية ولم يجز الإعلان حسب نص المادة 15 منه حرمان أي شخص من جنسيته تعسفا، أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد اعترف بحق المساواة أمام القانون دون تمييز وذلك حسب المادة 26، أما المادة 24 من العهد الدولي فقد أقرت بحق الأطفال في اكتساب جنسية وشددت على وجوب اتخاذ الدولة والمجتمع لتدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الأصل القومي أو النسب...، وهنا يظهر مدى مخالفة قانون الجنسية الأردنية في المادة (3/3) منه لأحكام القانون الدولي، وبالتالي مخالفة الدستور الأردني الحالي وتعديلاته المقترحة لمبادئ العدالة والمساوة فيما يتعلق بهذه النقطة.
بناءا على ذلك، وحيث أنه قد اتضح أن اسقاط كلمة الجنس من تعديلات المادة السادسة من الدستور له دلالات سياسية بحيث يحرم الأم الاردنية من حق منح الجنسية لأبناءها، فإن هذه المقالة القانونية تهدف إلى لفت النظر حول أبعاد ودلالات هذه المسألة وبالتالي التوصية بالتأكيد على أن الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس، وذلك أسوة بالتشريعات والمعاهدات الدولية.
الكاتب: أحمد عبد المنعم أبو زنط
________________________________
[1] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftnref1) سورة التكوير
[2] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftnref2) سورة الحجرات- أية 13
أصابت امرأة وأخطأ عمر، هذه مقولة الخليفة العادل عمر بن الخطاب عن نفسه، عندما أقامت عليه امرأة الحجة في أمر تحديد المهور، حيث عاد سيدنا عمر إلى منبره بعد أن نزل عنه وتراجع في فتواه، هذه المقولة نطقها عمر عندما كان خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، إذا رأس الدولة وحاكمها الذي كانت تهابه قبائل العرب لبأسه وشدته ردته امرأة لجادة الصواب، عمر أخذ برأي امرأة واعتبره حجة عليه، فأقام للحق وزنه واستحق مقولة مبعوث كسرى الذي قال فيه عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
إن التعصب السلبي لفئة من الفئات أو لأيدلوجية معينة والتطرف في هذا التعصب يؤدي في نهاية المطاف لنشوء شرخ بين أفراد البشرية الذين يشتركون بإنسانيتهم وتواجدهم على هذه الأرض والأهم من هذا كله أن خالقهم واحد، خلقهم ودعاهم إلى التسامح بينهم وتقبل الآخر والتعايش معه وذلك على لسان رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام الذي قال: "الناس سواسية كأسنان المشط".
إن التمييز في مجتمعاتنا له أوجه عديدة، فهنالك تمييز أساسه الجنس وآخر أساسه اللون بالإضافة للدين والعرق واللغة وغيرها من أوجه التمييز بين البشر الذين ينتمون لأصل واحد، ولربما من أقدم أوجه التمييز بين البشر التمييز بين الذكر والأنثى، الولد والبنت، الرجل والمرأة ولهذا التمييز قصة أزلية، فقد بدأ منذ فجر التاريخ، وكأن العالم بذلك ينقسم على نفسه أو أنه يقوم بجلد الذات.
وكما أن التمييز بين الرجل والمرأة نشأ منذ الأزل، فمكافحته أيضا نشأت بنشوء هذا التمييز ويظهر ذلك من موقف الشريعة الإسلامية السمحة التي دعت ومنذ بداية نشأتها إلى العدل بين الرجل والمرأة فنبذت العنف والظلم وأرست قواعد الحق والقسط، فها هي قد بادرت لتحريم وئد البنات فقد قال تعالى: "وإذا الموءودة سئلت(8)بأي ذنب قتلت(9)"[1] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftn1)
كما أن الله تعالى لفت إلى أصل الخلق فقال "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"[2] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftn2)
بالإضافة للحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس سواسية كأسنان المشط" ويتضح لنا من لفظ "الناس" في الآية الكريمة وفي الحديث الشريف عدم تخصيص فئة بعينها أو دين بعينه بمعاملة خاصة، فالناس في الإسلام متساوون، سواء كانوا يدينون بالإسلام أو بغيره، وروعة المساواة وحرص الإسلام على المرأة تتجلى بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت حين ردد مرارا وتكرارا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة "أوصيكم في النساء خيرا.. أوصيكم في النساء خيرا".
وبذلك يظهر موقف الإسلام جليا واضحا، دين رحمة ومساواة وعدل، قدّر المرأة لأنه شُرع من خالق المرأة فكان الله أعلم بقدرها من نفسها، فاعترف بحقها بالحياة من خلال تحريم الوأد، وبحقها بالميراث في حين كانت العرب والحضارات الأخرى حتى الغربية منها لا تورث النساء، كما وضع معايير وأسس الحياة الزوجية وحقوق وواجبات كل من الزوجين اتجاه الآخر مراعيا بذلك خصوصية كل منهما ليخلق منظومة متوازنة عجزت معظم التشريعات الوضعية عن الوصول إليها، وبذلك انتقلت العلاقة الزوجية من مفهوم التبعية بل العبودية التي كانت سائدة إلى مفهوم جديد يتمثل بالمساواة الإيجابية والندية بالحقوق والواجبات، وغير ذلك من أوجه المساواة اللامتناهية والتي نستشفها بكل جانب ومن جوانب الشريعة الإسلامية، ليتضح لنا في النهاية أسبقيتها على باقي العصور والتشريعات والمعاهدات التي اعترفت مؤخرا وعلى خجل بحقوق المرأة.
ومن خلال هذا التمهيد وبيان موقف الشريعة الإسلامية من المرأة وحقوقها، ما لها وما عليها، أنتقل للحديث عن أثر اسقاط كلمة "الجنس" على حقوق المرأة وفقا للتعديلات الدستورية المقترحة على المادة السادسة من الدستور، فمن المعروف أن المادة السادسة ووفقا لصيغتها الحالية قد أسقطت كلمة الجنس من متنها حيث أنها قد اقتصرت على التأكيد أن الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، دون أي ذكر لكلمة "الجنس".
أما بالنسبة للتعديلات الدستورية المرتقبة فإن اللجنة الملكية لمراجعة تعديلات الدستور لم تُقر إضافة عبارة "الجنس" على الفقرة الأولى من المادة السادسة على الرغم من أن هذا التعديل قد طُرح للنقاش داخل اللجنة، لكنها وللأسف لم تتبناه و لم يتم التوافق عليه
إن اسقاط كلمة "الجنس" من الدستور الحالي ومن ثم الاصرار على تكرار ذات الأمرمن خلال التعديلات الدستورية المرتقبة له دلالات خطيرة تؤثر على سلبا على المساوة في حقوق الأردنيين ، فالمواطن الأردني وإن كان حقه بالمساوة محميا بموجب الدستور وإن اختلف عن غيره في العرق أو اللغة أو الدين، إلا أن هذه الحماية لا تشمل المساوة على الرغم من اختلاف الجنس، مما يعني ترك الباب مفتوحا لاصدار تشريعات وقوانين تضطهد الأردنيين ولا تكفل لهم حق المساواة بسبب اختلاف الجنس، تماما كما هو الحال في قانون الجنسية الذي منح الجنسية لأبناء الأردني دونا عن أبناء الأردنية على الرغم من أن عدم إعطاء أبناء الأردنية الحق بالالتحاق بجنسية والدتهم هو تمييز صريح في الحقوق بين الأردنيين، والتمييز هنا سببه الجنس وهذا أمر محظور بموجب القانون الدولي، حيث أنه وبالرجوع للمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نرى أنها أعطت لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك من الأمور، ومن هذه الحقوق حق التمتع بالجنسية ولم يجز الإعلان حسب نص المادة 15 منه حرمان أي شخص من جنسيته تعسفا، أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد اعترف بحق المساواة أمام القانون دون تمييز وذلك حسب المادة 26، أما المادة 24 من العهد الدولي فقد أقرت بحق الأطفال في اكتساب جنسية وشددت على وجوب اتخاذ الدولة والمجتمع لتدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الأصل القومي أو النسب...، وهنا يظهر مدى مخالفة قانون الجنسية الأردنية في المادة (3/3) منه لأحكام القانون الدولي، وبالتالي مخالفة الدستور الأردني الحالي وتعديلاته المقترحة لمبادئ العدالة والمساوة فيما يتعلق بهذه النقطة.
بناءا على ذلك، وحيث أنه قد اتضح أن اسقاط كلمة الجنس من تعديلات المادة السادسة من الدستور له دلالات سياسية بحيث يحرم الأم الاردنية من حق منح الجنسية لأبناءها، فإن هذه المقالة القانونية تهدف إلى لفت النظر حول أبعاد ودلالات هذه المسألة وبالتالي التوصية بالتأكيد على أن الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس، وذلك أسوة بالتشريعات والمعاهدات الدولية.
الكاتب: أحمد عبد المنعم أبو زنط
________________________________
[1] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftnref1) سورة التكوير
[2] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=93#_ftnref2) سورة الحجرات- أية 13