المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة قانونية موثقة : دراسة في التعديلات التي اقترحتها اللجنة الملكية لمراجعة الدستور3-3 /أ.د محمد الحموري



شيماء المومني
08-23-2011, 11:13 AM
رغم الصيغة الامرة للنص: فقد تم حل جميع مجالس النواب خلال العهعد الموصوف بالديمقراطي: من دون ان تكلف اية حكومة او جهة نفسها بيان سبب الحل .



رابعاً: المادة (67/1) والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات:

أحسنت اللجنة الملكية صنعاً باقتراح إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات النيابية في الفقرة الأولى من المادة (67). ولكن ما هي اختصاصات هذه الهيئة الجديدة المستقلة التي ستنشأ بحكم الدستور في قانون الانتخاب, وأمام من ستكون مسؤولة!

أ- وفقاً لمطلع المادة (67), فإن هذه اللجنة سوف يحدد اختصاصاتها قانون الانتخاب, والسؤال هنا هل يجوز لقانون الانتخاب أن يأخذ من الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء والوزراء المنصوص على تحديدها في المادتين (45/2) و(47) من الدستور؟

ب- وإذا كان الوزير مسؤولاً عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته وفقاً للمادة (47), وكانت الصلاحيات التفصيلية لرئيس الوزراء والوزراء محددة بأنظمة تستند مباشرة للمادة (45/2), فإنه لا يستقيم دستورياً أن يأخذ قانون الانتخاب من صلاحيات الوزير الدستورية المتسعة التي تشملها كلمة "جميع", كما لا يستقيم أيضاً أن يسلب القانون من تلك الصلاحيات المحددة بنظام مستند مباشرة للدستور شأنه في ذلك شأن القانون.

ج- إن مجلس الوزراء وفقاً للمادة (51) مسؤول بحكم الدستور أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة, ويستطيع مجلس النواب سحب الثقة منه بموجب الدستور, فأمام من ستكون ما أطلق عليه التعديل "هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات" مسؤولة؟ وإذا كان مجلس النواب له الصلاحية الدستورية لمحاسبة مجلس الوزراء وفقاً لنصوص واضحة في الدستور, فمن سيحاسب هذه الهيئة المستقلة دستورياً, وبموجب أي نصوص دستورية؟

د- وفي ضوء ما سبق, لا بد من تحديد صلاحيات هذه الهيئة الدستورية المستقلة, وبيان الجهة التي ستكون هذه الهيئة مسؤولة أمامها, بموجب نصوص دستورية واضحة ومحددة, إذ يتعذر على أي قانون انتخاب أن يعالج المسائل الدستورية السابقة.

هـ ـ وأخيراً, فإنه ما دامت اللجنة الملكية لم تعالج المسائل السابقة, فإنه يتوجب على مجلس الوزراء اقتراح نصوص دستورية لمعالجتها, حتى تستقيم الأمور.

خامساً: المادة (74) المتعلقة بحل مجلس النواب وأهمية بيان أسباب الحل وأثره الدستوري:

كانت المادة (74) تنص, عند صدور الدستور عام ,1952 على أنه:

"إذا حل مجلس النواب, فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه".

ورغم الصيغة الآمرة للنص, فقد تم حل جميع مجالس النواب خلال العهد الموصوف بالديمقراطي, من دون أن تكلف أية حكومة أو جهة نفسها ببيان سبب الحل, صدوعاً منها للنص الإلزامي سابق الذكر, وبالتالي تم تجاهل النص, ولم يعرف أحد من الناحية الدستورية, هل كان سبب حل أي واحد من المجالس النيابية لذات سبب حل المجلس السابق عليه. وأعتقد أن كل من يعرف بظروف الواقع والممارسات في الأردن, فإنه يدرك أنه كان وراء هذا التجاهل شطار السياسيين وأصحاب الفقه السلطاني المنافق, إذ هؤلاء لا يعنيهم احترام النص الدستوري ولا الالتزام به. وحتى لا ينسحب التجاهل الماضي للنص على المرحلة المقبلة, فلا بد من تحريك صيغة النص وجعل الصفة الآمرة فيه أكثر وضوحاً.

ومن ناحية أخرى, فقد أعادت اللجنة الملكية الفقرة الثانية من المادة (74) التي سبق أن حذفتها التعديلات التي أجريت على الدستور فيما مضى. وحسناً فعلت اللجنة عندما أوجبت باقتراحها, على الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها, أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل. لكن الإعادة كانت ناقصة, لأن اللجنة أغفلت الجملة الأخيرة من الفقرة العائدة.

وأمام ما سبق, فإني أقترح أن تكون صيغة المادة (74) على النحو التالي:

المادة (74):

"1- إذا حل مجلس النواب, يتوجب ذكر سبب الحل, ولا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه.

2- الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل من الحكم خلال أسبوع من تاريخ الحل على أن تجري الانتخابات النيابية حكومة انتقالية".


سادساً: المادة (94/1) والقوانين المؤقتة:

أحسنت اللجنة الملكية صنعاً عندما اقترحت إلغاء الفقرة الأولى من المادة (94), وإعادة الفقرة الأولى التي كانت موجودة في هذه المادة عند صدور الدستور عام .1952 ولكن يلاحظ على هذه الإعادة ما يلي:

أ. إن مطلع الفقرة المذكورة بدستور عام ,1952 كانت تنص على أنه:

"عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد"

ولم يكن في النص عبارة "أو منحلاً", لأن آباء الدستور لم يكونوا يتصورون غياب المجلس التشريعي بسبب حله كما أصبح يحدث في ظل حكومات لاحقة, كانت تحل المجلس, وتؤجل الانتخابات لأي فترة تراها, وتغتصب سلطة مجلس التشريع وتصدر, بفضل فقهائها المنافقين, ما شاءت من القوانين المؤقتة التي تعبث بالنظام القانوني للدولة, وبحقوق وحريات المواطنين, وتفتح بمقتضاها أبواب الفساد والإفساد على مصاريعها. وإذا كانت الإصلاحات الدستورية تعني أن يتسلم المجلس التشريعي الجديد من سابقه سلطة التشريع من دون انقطاع, ومن دون غياب للمجلس, فإن الإبقاء على عبارة "أو منحلاً", تغدو واجبة الحذف.

ب. إن اللجنة الكريمة لم تأخذ بعين الاعتبار في المادة المعادة, واقعاً لا زلنا نعاني منه وهو, أن النص يوجب عرض القوانين المؤقتة على مجلس الأمة, من دون أن يحدد للمجلس التشريعي مدة زمنية للفصل فيها. وبموجب هذا الواقع, فإنه لا يزال في الأردن قوانين مؤقتة عرضت على المجلس منذ عشرات السنين, وظلت مؤقتة من دون الفصل فيها حتى الآن. وفي ضوء ما تأخذ به الدساتير المقارنة, فإنني أقترح إضافة عبارة تضاف بعد عبارة "على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده..." لتصبح العبارتان كالتالي:

"على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده للبت فيها خلال دورة انعقاده".


سابعاً: القضاء:

أحسنت اللجنة الملكية صنعاً عندما أضافت الفقرة الثانية للمادة (99) التي ينشأ بموجبها مجلس قضائي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية بحيث يكون له حق تعيين القضاة... الخ. كما أحسنت صنعاً بتعديل المادة (100) لينشأ بموجب التعديل قضاء إداري من درجتين.

وفوق ذلك, فقد شكلت الفقرة الثانية من المادة (101) التي اقترحتها اللجنة, خطوة متقدمة عندما أوجبت أن يحاكم الشخص المدني أمام قاضيه الطبيعي وهو القاضي المدني.

لكن الذي استوقفني ما يلي:

1- إن اللجنة أبقت في الفقرة الأولى من المادة (110) على المحاكم الخاصة, من دون حكمة دستورية أو قضائية, إذ وجود هذا النوع من المحاكم يجهض الإصلاح من أساسه. ولست أدري ما هي الحكمة والمصلحة العامة, في النص على المحاكم الخاصة, التي تزايد عددها, ومنها محكمة أمن الدولة, كما سنرى. وأتساءل: ما هي العدالة التي ترتجى من هذه المحاكم ويعجز عن تقديمها القضاء العادي؟ إن الاختصاصات التي أعطيت للمحاكم الخاصة في عهود ما قبل الإصلاح, ينبغي في عهد الإصلاح عودتها للمحاكم العادية, وبغير ذلك, تبقى الريبة والشكوك, لها ما يبررها حول دوافع الإبقاء على هذا النوع من المحاكم, وترك الباب مفتوح بنص دستوري لزيادة أعدادها مستقبلاً, وعلى نحو يحقق غايات لا تقبل بتحقيقها المحاكم العادية!!

2- والأكثر غرابة مما استوقفني, النص الذي اقترحته اللجنة في الفقرة الثانية من المادة (110) بإنشاء "محكمة أمن دولة" تختص بالنظر في جرائم الخيانة العظمى والتجسس والإرهاب, رغم ارتفاع الأصوات المنادية بإلغاء وجود هذه المحكمة. وهنا أشير إلى ما يلي:

أ- إن الدساتير التي تنص على جرائم معينة مسماة بنص في الدستور, وهي قليلة جداً, تحدد مدلول تلك الجرائم وأركانها وطرق إثباتها في الدستور ذاته, ولا تتركها كأوعية تملأوها السلطات مستقبلاً بجرائم ووسائل إثباتها بموجب قوانين دائمة التغيير والتبديل تضيق أو توسع منها, وخاصة الجرائم الخطيرة, مثل التجسس والخيانة والإرهاب. وأعتقد أن النص على الجرائم المذكورة, وعلى النحو السابق, من دون تفصيل للمدلول والأركان ووسائل الإثبات, سيكون أمراً شاذاً في دستورنا, وخطيئة بحق الإنسان في الأردن, ويتوجب حذف النص, وإبقاء هذه الجرائم في مجال القانون وحده, لينظرها القضاء العادي.

ب- ومن ناحية أخرى, فإن القضاء العادي بالتأكيد مؤهل على أفضل وجه, للنظر في تلك الجرائم والفصل فيها. وإذا كان هناك من يشير الى سرعة فصل محكمة أمن الدولة في تلك الجرائم, فإن من البدهي تحقيق ذلك, بتخصيص هيئة أو هيئات في القضاء العادي, لتنظر في تلك الجرائم عندما تحال أي واحدة منها الى تلك الهيئة, وأن تتفرغ لها, بحيث تكون جلسات المحاكمة يومياً عند الاقتضاء, ليكون الفصل فيها بالسرعة المطلوبة التي لا تمس بحقوق الدفاع.

ج- ومن ناحية ثالثة, فإني أعتقد, انطلاقاً من واقع تكوين محكمة أمن الدولة وتبعيتها, أنه لا يتوافر فيها مواصفات وشروط المحكمة. ذلك أن النائب العام في تلك المحكمة, هو رئيس قضاتها, وهو الذي يشكل هيئاتها القضائية, وهو الذي يكتب قرار الظن على المتهمين ويطلب من القضاة الحكم بما ورد بقرار الظن.

د- إنه لأمر يدعو للاستغراب أن تتجاهل اللجنة الأصوات الشعبية والقانونية التي نادت وتنادي بإلغاء تلك المحكمة, انطلاقاً من معطيات قانونية وواقعية, لا تخفى على أحد, وخاصة من لديهم معرفة بالقانون من أعضاء اللجنة الملكية, ورغم ذلك, فإن اللجنة عمّدت اسم "محكمة أمن الدولة" بنص في الدستور.

هـ ـ وفي النهاية, أتساءل: ألا يشكل النص على إنشاء تلك المحكمة وتحديد اختصاصاتها بنص في الدستور, شذوذاً بالنسبة للجرائم التي لا يوجد اتفاق حتى الآن على تعريفها أو مدلولها, ومن شأن هذا أن يفتح باباً واسعاً أمام الحكومات وأجهزتها, للتخلص من معارضين أو غير المطواعين, بتهمة الإرهاب على سبيل المثال, استثماراً لحقائق قانونية وواقعية وهي, أنه لغاية الآن لا يوجد تعريف أو تحديد لمدلول الإرهاب, حتى على المستوى الدولي, رغم كثرة الحديث عن الإرهاب, وأن أمريكا لا تريد وضع مثل هذا التعريف, من أجل أن يظل الاتهام بالإرهاب أمراً غيبياً لا تدركه سوى سلطات حكم, تستخدمه كما تريد. وتحيل بموجبه من تشاء إلى قضاء بالمواصفات السابقة, عمّد الدستور وصفه بـ "محكمة أمن الدولة".

3- وفي ضوء ما سبق, أتمنى على المصلحين والمسؤولين, حذف نص المادة (110) كاملاً من الدستور, لنطوي صفحة المحاكم الخاصة ومعها محكمة أمن الدولة, ونبدأ عهداً إصلاحياً كما يريده الأردنيون.

وبعد,

ما سبق, هي الملاحظات الأساسية التي قادتني دراستي لإبدائها على اقتراحات اللجنة الملكية الكريمة, وذلك في ضوء الوقت والمعطيات التي أتاح لي وضعي الصحي كتابتها.