المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحكم الغيبي



Khalid Mousa
01-22-2012, 09:13 PM
يحكي أحدهم فيقول : "كنت في صباح يوم أحد الايام في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك
وكان الركاب جالسين في سكينة بعضهم يقرأ الصحف وبعضهم مستغرق بالتفكير وآخرون في حالة استرخاء.
كان الجو ساكناً مكسواً بالهدوء وفجأة ...
... صعد رجل بصحبة أطفاله الثلاثة أعمارهم تتراوح بين الثلاث والعشر سنوات ومنذ لحظة دخولهم العربة سرعان ما ملأ ضجيجهم وهرجهم المكان
في حين جلس الرجل إلى جانبي وأغلق عينيه في هدوء متغافلاً عن الموقف كله
وكان الأطفال يتبادلون الصياح ويتقاذفون الأشياء .. بل وأحياناً يجذبون الصحف والحقائب من الركاب فكان الأمر مستفزاً ومثيراًً للإزعاج
إلى أقصى الحدود ورغم ذلك لم يحرك الرجل ساكناً وظل على جلسته من دون أدنى إحساس بما يحدث.
لم أصدق أن يكون هناك هذا القدر من التبلد في العالم
كيف يترك أبنائه يعيثون في العربة هكذا دون أن يفعل شيئاً ؟!!
وبعد أن نفد صبري إلتفتُّ إلى الرجل قائلاً : "إن أطفالك ياسيدي يسببون إزعاجاً شديداً لنا وإني لأعجب من تركك لهم وعدم كبح جماحهم بالرغم من كل ما يفعلون .. اعذرني يا سيدي ولكني يجب علي أن أقون أني أراك عديم الإحساس".
ففتح الرجل عينيه بهدوء ثم عقد حاجبيه كما لو كان يعي الموقف للوهلة الأولى ثم قال بلطف لا يخلو من الحرج : "نعم سيدي إنك على حق .. يبدو أنه يتعين علي أن أفعل شيئاً إزاء هذا الأمر .. ولكن اعذرني فلقد قدمنا لتونا من المستشفى حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة منذ ساعة واحدة فقط .. فأصبحت عاجزاً عن التفكير بصورة جيدة .. وأظن أن الأطفال يتصرفون هكذا لا شعورياً هروباً من واقعهم الأليم فهم لايعرفون كيف يواجهون مثل هذا الموقف".
ويكمل الراوي : "تخيلوا شعوري وقتها .. امتلأ قلبي بالألم لحال الرجل وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم عليه وعلى أطفاله الذين كنت من أقل من دقيقة أود أن أوسعهم ضرباً"
فقلت له في ذهول : "هل ماتت زوجتك للتو ؟ .. إنني في غاية الأسف .. كيف يمكنني المساعدة" ؟

انتهت القصة .. ولكن
أرءيتم كيف تغير كل شيء في لحظـة
كم ظلمنا أنفسنا حين ظلمنا غيرنا في الحكم السريع المبني على الظواهر وسوء الفهم وبدون حتى أن نكلف أنفسنا أن نبحث عن الأسباب

ويوم تنكشف الأسباب وتتضح الرؤية نعرف أن :
الحكم الغيبي الذي نصدره من دون أن نتحسس الأسباب هو حكم قاسي وظالم إلى أبعد الحدود