المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب الرهن --- موثق----- 1



Malak MJ
03-30-2013, 05:50 PM
الفصل الأول
تعريف الرهن - مشروعيته وحكمة الرهن - حكمه.
المبحث الأول: في تعريف الرهن:
أ- تعريف الرهن من حيث اللغة:
للرهن في اللغة معان فمن معانيه اللغوية:
1- الحبس: وهو أشهر معانيه، ومن معنى الحبس قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وقوله: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، أي محتبس بعمله ورهينة محبوسة.
2- الثبوت والدوام: ومنه ماء راهن ونعمة راهنة. "أرهنت لهم الطعام والشراب أدمته لهم، وهو طعام راهن".
ب- تعريف الرهن من حيث اصطلاح الفقهاء:
1- تعريف الحنفية: وعرف الحنفية الرهن بأنه: "جعل الشيء محبوساً بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون".
2- تعريف المالكية: وعرفه المالكية بأنه: "ما قبض توثقاً به في دين" واعترض على هذا التعريف بأن الرهن لا يشترط قبضه، فيرجع تعريفهم إلى قريب من تعريف الشافعية.
3- تعريف الشافعية: عرفه الشافعية بأنه: "جعل عين متمولة وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه".
4- تعريف الحنابلة: وعرفه الحنابلة بأنه: "المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه" وهذا التعريف قريب من تعريف الشافعية.
المبحث الثاني: في مشروعية الرهن وحكمة الرهن وحكم الرهن:
1- مشروعية الرهن: الرهن مشروع في الإسلام لحاجة الناس، ولقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع.
أ- أما الكتاب فقوله تعالى: "وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة" دلت هذه الآية على مشروعية الرهن.
واتفق الفقهاء على أن الرهن مشروع سواء أكان في سفر أم لم يكن سفر، وجد كاتب أم لم يوجد، عملاً بما ورد في السنة.
ب- وأما السنة فأحاديث كثيرة منها:
- عن أنس رضي الله عنه قال: "ولقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه بشعير" رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه". رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير".
ج- وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة.
2- الحكمة من تشريع الرهن: الحكمة الأولى: هي أن الإسلام دين التعاون، وكثير من الناس من يرغب في مساعدة الآخرين والتنفيس عن كربتهم، إلا أنه ليس عنده من الوثوق بمن يساعده ما يشجعه على دفع ماله له أو التعامل معه دون أن يحصل على وثيقة يضمن بها حقه وتطمئنه على ماله، فشرع الإسلام الرهن تيسيراً للمعاملات وسداً للحاجات، وتوثيقاً لأصحاب الحقوق حتى يستوفوها من الرهن حينما يعجز أصحاب الرهن عن الوفاء أو يتقاعسون عنه.
الحكمة الثانية: وهي: أن الدائن حينما يأخذ الرهن يصبح في مأمن من هلاك دينه، بجحده من قبل الراهن المدين، أو إفلاسه، فيستوفي حقه من العين المرهونة، ولا يصير أسوة الغرماء فيما إذا كثر الدائنون، لأن الرهن يجعل له الأحقية على غيره في الاستيفاء.
3- حكم الرهن:
اتفق الفقهاء على أن الرهن من الأمور الجائزة وأنه ليس بواجب.

* * *

الفصل الثاني
أركان عقد الرهن
تمهيد:
ذهب الشافعية إلى أن أركان عقد الرهن أربعة: عاقد - وصيغة - ومرهون - ومرهون به.
وذهب الحنفية إلى أن ركن عقد الرهن الصيغة فقط، وما تبقى من الأركان فإنما هو شرائط لهذا الركن.
المبحث الأول: في العاقد:
الركن الأول: العاقد، وهما الراهن والمرتهن، ويشترط في كل منهما ما يلي:
أولاً: أن يكون مكلفاً وذلك بأن يكون بالغاً عاقلاً، فلا يصح الرهن والارتهان من صبي غير بالغ ولو كان مميزاً عاقلاً، كما لا يصح ذلك من مجنون.
وذهب الحنفية إلى أنه لا يشترط البلوغ في عقد الرهن، بل يكتفي بأن يكون عاقلاً مأذوناً، وهذا الإذن يكون من وليه.
ثانياً: أن يكون مختاراً: فلا يصح الرهن والارتهان من المكره، لأن عقد المكره غير صحيح.
ثالثاً: أن يكون من أهل التبرع: فلا يصح أن يرهن الولي مال من هو ولي عليه، من صبي أو مجنون أو سفيه،ولا يصح أن يرتهن لهم، لأنه ليس أهلاً للتبرع من أموالهم.
أما المنع من الرهن لهم فلأنه يمنع من التصرف في المرهون، فهو حبس لما لهم من غير عوض.
وأما المنع من الارتهان، فلأن الولي في حال الاختيار، لا يبيع إلا بحال مقبوض قبل التسليم فلا ارتهان.
وقد استثنى الفقهاء: من أهلية التبرع مسألتين: يصح فيهما للولي أن يرهن وأن يرتهن:
المسألة الأولى: أن يكون الرهن والارتهان للضرورة، وذلك كأن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة والنفقة، ليوفي من غلة منتظرة أو دين لهم يحّل أجله، أو من متاع كاسد يرجى نفاقه.
وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلاً لضرورة خوف نهب أو نحوه.
المسألة الثانية: أن يكون في الرهن والارتهان غبطة ظاهرة، وذلك كأن يرهن ما يساوي مائة على ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوي مائتين مثلاً.
وكأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة بمائتين، وهو يساوي أقلّ من ذلك.
فائدة: ويشترط في حال الرهن أن يكون الرهن عند أمين موسر، وأن يشهد بذلك، وأن يكون الأجل قصيراً عرفاً، فإن فقد شرط من ذلك لم يصح الرهن.
المبحث الثاني: في الصيغة:
الركن الثاني: الصيغة، وهي الإيجاب والقبول، كأن يقول الراهن:
رهنتك داري هذه بما لك عليّ من الدين، أو خذ هذا الكتاب رهناً بما لك عليّ من الدين، فيقول المرتهن قبلت.
ولا يشترط في الصيغة أن تكون بهذه الألفاظ، بل يقوم مقامها كل لفظ يدل عليها.
- الرهن بالمعاطاة:
الأصح عند الشافعية أنه لا ينعقد الرهن بالمعاطاة.
وصورة المعاطاة كما ذكره المتولي أن يقول الراهن: أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهناً، فيعطيه العشرة ويقبضه الثوب.
وذهب بعض الحنيفة إلى أن الركن الإيجاب فقط، لأن الرهن عقد تبرع كالهبة وغيرها من التبرعات فلا يلزم فيه القبول. بل القبول شرط لتمام العقد.
وذهب البعض الآخر إلى إجازة الرهن بالتعاطي.
وذهب جمهور الفقهاء من أنه لابدّ في الرهن من إيجاب وقبول بلفظ يدل على الرهن والارتهان.
المبحث الثالث: في المرهون:
الركن الثالث: المرهون، وقد اشترط الفقهاء في الشيء الذي يصح أن يكون رهناً شروطاً منها:
أولاً: أن يكون عيناً: فلا يصح رهن المنفعة، كأن يرهن سكنى دار، لأن المنفعة تتلف بمرور الزمن، فلا يحصل بها استيثاق، ولا يصح أيضاً رهن الدين لأنه غير قادر على تسليمه.
ثانياً: أن يكون قابلاً للبيع، وذلك بأن يكون موجوداً وقت العقد، وأن يكون مالاً متقوماً قد وقع عليه التملك مقدوراً على تسليمه.
وعلى هذا فلا يجوز رهن المعدود عند العقد، كما إذا رهن ما يثمر نخيله العام، أو ما تلد أغنامه السنة ونحو ذلك.
- ولا يصح رهن الميتة والدم والخنزير والخمر لانعدام ماليته، ومن الميتة صيد الحرم والإحرام، فإنهما ليسا بمال بالنسبة إلى الصائد.
- وأجاز الحنفية رهن الخمر والخنزير وارتهانهما فيما بين أهل الذمة، لأن ذلك مال بالنسبة لهم، وأما في حق المسلم راهناً أو مرتهناً فلا يصح.
- ولا يصح رهن ما لم يقع عليه التملك كالحطب والحشيش والصيد من المباحات.
- ولا يصح رهن الطير بالهواء، والأموال الغارقة في البحر لأنه غير مقدور على تسليمها.
ولا يشترط في العين المرهونة أن تكون مملوكة للراهن، بل يصح أن يرهن عيناً مملوكة للغير إذا أذن المالك له برهنها.
ثالثاً: أن يكون مفرغاً وهذا شرط الحنفية بخلاف الجمهور بمعنى أن لا يكون مشغولاً بما ليس بمرهون مما يملكه الراهن، فإن رهنه داراً فيها متاعه لم يصح، والعبرة بالتفريغ وقت القبض لا وقت العقد، لأن المانع هو الشغل.
فلو كان الأمر على العكس بأن كان الرهن شاغلاً ملك الراهن، بأن رهنه المتاع الذي في الدار فإنه يصح.
رابعاً: أن يكون محوزاً : وهذا شرط عند الحنفية بخلاف الجمهور أي مجموعاً لا متفرقاً، فلا يصح رهن الثمر على الشجر.
خامساً: أن يكون مميزاً: وهذا شرط عند الحنفية بخلاف الجمهور أي لا يكون مشاعاً كنصف دار على الشيوع، أو نصف سيارة أو ما أشبه ذلك.
- ولم يشترط جمهور الفقهاء التميز، بل أجازوا رهن المشاع.
المبحث الرابع: في المرهون به:
الركن الرابع: المرهون به، وهو الدين الذي يكون في مقابلة الرهن، وقد اشترط فقهاء الشافعية في المرهون به شروطاً هي:
أولاً: أن يكون ديناً مهما كان سببه، سواء أكان بيعاً أم قرضاً أم إتلافاً، فلا يصح الرهن بالعين مضمونة كانت كالمغصوب، أو أمانة كالوديعة والعارية، لأن الله سبحانه ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
أما الحنفية فقد قسموا العين إلى ثلاثة أقسام:
الأول: عين غير مضمونة أصلاً، وهي كالوديعة والعارية ومال الشركة والمضاربة، فهذه لا يجوز الرهن بها بالاتفاق.
الثاني: عين مضمونة بغيرها، وتلك كالمبيع في يد البائع فإنه مضمون بغيره وهو الثمن لا بنفسه، فلو هلك المبيع في يد البائع سقط الثمن عن المشتري، وهذا أيضاً لا يصح الرهن به.
الثالث: عين مضمونة بنفسها، وهي التي يجب مثلها عند الهلاك، إن كان لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وهذه كالمغصوب في يد الغاصب، والمقبوض على سوم الشراء، والمهر في يد الزوج، وبدل الخلع في يد الزوجة، وبدل الصلح على دم العمد، فهذه يجوز الرهن بها، فإن كانت قائمة وجب تسليمها، وإن هلكت وجبت قيمتها، والقيمة دين، فيكون الرهن بها في مقابل دين فصح.
وذهب الحنابلة إلى أنه يجوز الرهن بالعين المضمونة، لأن الرهن شرعاً: "هو توثقة دين غير سلم ودين كتابة لعدم لزومه، أو توثقة عين مضمونة كعارية ومقبوض على وجه سوم بعين ..."
ثانياً: ذهب الشافعية والحنابلة أن يكون هذا الدين ثابتاً، فلا يصح الرهن بغير الدين الثابت، كنفقة زوجة عن يوم غد، وعمّا سيقترضه، لأن الرهن وثيقة بحق، فلا تقدم عليه كالشهادة.
وذهب الحنفية إلى جواز الرهن "بالدين الموعود" كأن يقول الراهن: رهنتك هذه الدار لتقرضني ألف دينار مثلاً، فهذا رهن بدين على وشك الثبوت، وقد أجاز ذلك الحنفية نظراً للحاجة.
ثالثاً: أن يكون الدين لازماً أو آيلاً إلى اللزوم: وذلك كدين القرض وثمن المبيع نسيئة والأجرة والصداق وعوض الخلع ومال الصلح وأرش الجناية، وكثمن المبيع في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري، لأنه آيل إلى اللزوم، والثمن فيه ملك للبائع فيصح الرهن به، وأما إذا كان الخيار للبائع وحده فإن ملك المبيع له والثمن للمشتري فلا رهن.
وعلى هذا فلا يصح الرهن بجعل الجعالة قبل الفراغ، لأنه لا لزوم فيها، إذ لكل من الطرفين فسخها متى شاء.
رابعاً: أن يكون الدين معلوماً للعاقدين قدراً وصفة: فلا يصح الرهن بدين مجهول لهما أو لأحدهما.
المبحث الخامس: في رهن المشاع: