المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرار المحكمة الدستورية المصرية رقم 2/1 (هيئة عامة) خضوع القرار الاداري لرقابة القضاء



ihab law jo
04-23-2013, 02:40 PM
ل في كل قرار إدارى نهائى يصدر من السلطة التنفيذية أنه يخضع لرقابة القضاء إعمالاً لمبدأ الشرعية وسيادة القانون إلى أنه يستثنى من هذا الأصل قرارات تتصل بسيادة الدولة الداخلية والخارجية لأنها لا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً لدعوى قضائية ومن ثم تخرج عن ولاية القضاء وتقوم نظرية أعمال السيادة على أن السلطة التنفيذية تتولى وظيفتين إحداهما بوصفها سلطة حكم والأخرى بوصفها سلطة إدارة وتعتبر الأعمال التى تقوم بها السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم من قبيل أعمال السيادة والأعمال التى تقوم بها بوصفها سلطة إدارة أعمالاً إدارية. وان العبرة فى تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجريه السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أو عملاً إدارياً هى بطبيعة العمل ذاته فلا تتقيد المحكمة وهى بصدد إعمال رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف الذى يخلعه الشارع على تصرفات الحكومة وأعمالها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف وتنطوى على إهدار حق من الحقوق التى كفلها الدستور. ومن حيث أن القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل المادة الثانية عشرة من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 إذ يقضى باعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبى من أعمال السيادة إنما يحصن هذه القرارات وذلك بسلب جهات القضاء ولاية النظر فى الطعون التى توجه إليها بينما هى بطبيعتها من صميم الأعمال الإدارية التى تجريها الحكومة فى إشرافها على المرافق العامة ، فقد تضمنت الدساتير المتعاقبة منذ سنة 1956 حتى عام 1971 نصوصاً على أن رئيس الجمهورية يعين الموظفين ويعزلهم على الوجه المبين بالقانون مما يؤيد وصف قرارات تعيين الموظفين وعزلهم بأنها أعمال إدارية تتم وفقاً للقانون وليست من أعمال السيادة .

2. يستفاد من المادة 68 من الدستور القائم أن المشرع الدستورى لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى ضد رقابة القضاء وقد خص المشرع الدستورى هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك توكيداً للرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها . وثمة وجه آخر لمخالفة النص المطعون فيه للدستور ذلك أن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ( المادة 31 من دستور سنة 1956 و7 من دستور 1958 و24 من دستور سنة 1964 ) كما ردد الدستور القائم هذا النص فى المادة 40 منه ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا هذا الحق.
3. ينص الدستور فى المادة 165 على أن " السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها " وإذ ينص فى المادة 167 على أن " يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها ... " فإنه يعهد إلى المحاكم بولاية الفصل فى المنازعات كاملة شاملة كما يفوض المشرع العادى فى تحديد الهيئات القضائية وتوزيع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة لممارسة هذه الولاية دون مساس بها بحيث لا يتخذ ذلك وسيلة لعزل المحاكم عن نظر منازعات معينة مما تختص به ، ذلك أن المشرع الدستورى إنما يفوض المشرع العادى فى تنظيم الهيئات القضائية وتحديد اختصاص كل منها لا فى إهدار هذا الاختصاص أو الانتقاص منه وإلا كان متجاوزاً حدود التفويض مخالفاً للدستور.
4. تشكل اللجنة التى آل إليها الاختصاص بنظر المنازعات الخاصة بالقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبى تشكيلاً إدارياً محضاً فى مرحلتيها الأولى والثانية ولم يمثل فيها العنصر القضائى إلا فى مرحلتها الأخيرة وظلت الأغلبية للعنصر الإدارى ومن ثم فإن طابع تشكيلها لم يكن قضائياًَ فى أى مرحلة من تلك المراحل بل نشأت وظلت ذات طابع إدارى ولا تتبع الإجراءات القضائية فى نظر التظلمات التى تعرض عليها كما أن قراراتها لم تكن واجبة التنفيذ بذاتها لأنها لم تعد أن تكون مجرد توصيات ترفع إلى رئيس الجمهورية مصدر القرارات المتظلم منها للبت نهائياً فى التظلم حسبما يرى ، وقد كان ذلك مسايرة لمنطق القانون رقم 31 لسنة 1963 المطعون فيه الذى اعتبر تلك القرارات من أعمال السيادة التى لا تخضع للطعن أمام جهات القضاء ، وعلى مقتضى ذلك فلا يسوغ اعتبار التظلم أمام تلك اللجنة الإدارية بديلاً لحق الموظفين فى الالتجاء إلى قاضيهم الطبيعى للطعن فى القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبى حيث تنظر الدعوى طبقاً لإجراءات قضائية مقررة قانوناً لحماية الحقوق وكفالة الدفاع عنها ثم تصدر فيها أحكام واجبة التنفيذ بذاتها.
5. ان القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل المادة الثانية عشر من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 إذ يقضى باعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبى من أعمال السيادة بينما هى بطبيعتها أعمال إدارية فإنه ينطوى على مصادرة لحق هؤلاء الموظفين فى الطعن فى تلك القرارات أو التقاضى بشأنها فضلاً عن إهداره مبدأ المساواة بين المواطنين فى الحقوق مما يخالف المادتين 40 و68 من الدستور وكذلك الدساتير السابقة على النحو المتقدم ذكره ولا يطهره من هذا العيب ما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً ، ذلك أن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة ومن ثم فإن ذلك النص لا يعنى سوى مجرد استمرار نفاذ هذه القوانين واللوائح دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شأنها فى ذلك شأن التشريعات التى تصدر فى ظل الدستور القائم فليس معقولاً أن تكون تلك التشريعات بمنأى عن الرقابة التى تخضع لها التشريعات التى تصدر فى ظل هذا الدستور ونظمه وأصوله المستحدثة مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب. وعليه يكون القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل المادة 12 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 مخالفاًَ للدستور فيما نصت عليه هذه المادة من اعتبار قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبى من أعمال السيادة ومن ثم يتعين الحكم بعدم دستوريته.