المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرار تفسيري : عدم دستورية تقاعد النواب و الاثر الرجعي للقوانين الماليه - قرار رقم 2/2014



Haneen Nassar
01-22-2015, 03:03 PM
القرار التفسيري رقم 2/2014
2014-12-01



الصادر عن المحكمة الدستورية المنعقدة برئاسة نائب الرئيس السيد فهد ابو العثم النسور وعضوية السادة : احمد طبيشات والدكتور كامل السعيد وفؤاد سويدان ويوسف الحمود والدكتور عبد القادر الطوره والدكتور محمد سليم الغزوي ومنصور الحديدي والدكتور نعمان الخطيب.


وقد تنحّى عن المشاركة بالنظر في طلب التفسير كل من رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت والسيد مروان دودين استنادا للمادة ( 132/ 2 ) من قانون اصول المحاكمات المدنية لانهما كانا عضوين في مجلس الامة السادس عشر، كما تنحّى الدكتور خلف الرقاد عن المشاركة في طلب التفسير استنادا للمادة ( 135 ) من القانون المشار اليه لاستشعاره الحرج.
بناء على طلب من مجلس الوزراء بقراره المتخذ في جلسته المنعقدة بتاريخ 24/ 9/ 2014 اجتمعت المحكمة بتشكيلها أعلاه لتفسير المواد ( 52 ، 65 /1 و 66 و 68/ 1 و 75/ 2 و 76و 78/ 3 و 93/ 2 ) من الدستور وبيان ما إذا كانت تجيز:
1- اخضاع مدة العضوية في مجلس الامة للتقاعد المدني.
2- ما إذا كان يجوز ان ينص قانون ذو أثر مالي على سريان مفعوله بأثر رجعي لتعديل مراكز قانونية اكتملت في ظل سريان قانون سابق وبما يرتب زيادة في النفقات العامة.

وبالرجوع الى النصوص الدستورية موضوع طلب التفسير نجد أنها تنص على ما يلي:
المادة (52):
لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضوا في احد مجلسي الاعيان والنواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين، أما الوزراء الذين ليسوا من أعضاء احد المجلسين فلهم ان يتكلموا فيهما دون أن يكون لهم حق التصويت وللوزراء أو من ينوب عنهم حق التقدم على سائر الأعضاء في مخاطبة المجلسين والوزير الذي يتقاضى راتب الوزارة لا يتقاضى في الوقت نفسه مخصصات العضوية في أي من المجلسين.
المادة ( 65/ 1):
مدة العضوية في مجلس الأعيان أربع سنوات ويتجدد تعيين الأعضاء كل أربع سنوات ويجوز إعادة تعيين من انتهت مدته منهم.
المادة (66):
1- يجتمع مجلس الأعيان عند اجتماع مجلس النواب وتكون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسين.
2- اذا حل مجلس النواب توقف جلسات مجلس الأعيان.
المادة ( 68/ 1):
مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية الى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين.
المادة ( 75/ 2):
يمتنع على كل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أثناء مدة عضويته التعاقد مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة سواء كان هذا التعاقد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستثناء ما كان من عقود استئجار الأراضي والأملاك ومن كان مساهما في شركة اعضاؤها أكثر من عشرة أشخاص .
المادة ( 76):
مع مراعاة أحكام المادة ( 52) من هذا الدستور لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان أو النواب وبين الوظائف العامة ويقصد بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة ويشمل ذلك دوائر البلديات وكذلك لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان ومجلس النواب .
المادة ( 78/ 3):
تبدأ الدورة العادية لمجلس الأمة في التاريخ الذي يدعى فيه الى الاجتماع وفق الفقرتين السابقتين، وتمتد هذه الدورة العادية ستة أشهر، إلا إذا حل الملك مجلس النواب قبل انقضاء تلك المدة، ويجوز للملك ان يمدد الدورة العادية مدة أخرى لا تزيد على ثلاثة أشهر لإنجاز ما قد يكون هنالك من أعمال، وعند انتهاء الأشهر الستة أو أي تمديد لها يفض الملك الدورة المذكورة .
المادة ( 93/ 2):
يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوما على نشره في الجريدة الرسمية إلا إذا ورد نص خاص في القانون على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر.

وترى المحكمة ابتداءً أنه لا يرد القول أن طلب رئيس الوزراء لا يعدو ان يكون مجرد استشارة او طلب ابداء رأي، بل ان قراءة هذا الطلب يجب ان تكون قراءة متكاملة وليست متجزأة باعتماد فقرة بمعزل عن القراءة الشاملة لمضمون هذا الطلب، الأمر الذي ترى معه المحكمة ان كتاب رئيس الوزراء هو عبارة عن طلب تفسير لنصوص دستورية وليس طلب استشارة أو إبداء رأي.

وبالتدقيق فإن ما يمكن استخلاصه من هذه النصوص لبيان ما إذا كان يجوز إخضاع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد المدني أنه لا بد بداية من تحديد النظام القانوني الذي تخضع له الوظيفة العامة وفيما إذا كان هذا النظام هو نفسه الذي يخضع له أعضاء مجلس الامة وان طبيعة العلاقة بين هاتين الجهتين وبين الدولة هي علاقة واحدة أم لا.
وبالرجوع الى المادة ( 76 ) من الدستور نجد أنها قد أوضحت أن ما يقصد بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الاموال العامة، ويشمل ذلك دوائر البلديات، كما اوضحت المادة ( 22 ) من الدستور ان لكل اردني حقا في تولي المناصب العامة بالشروط المعينة في القانون او الانظمة وان التعيين في الوظائف العامة من دائمة ومؤقتة يكون على اساس الكفايات المؤهلات.
وقد بينت المادة ( 120) من الدستور ان كيفية تعيين الموظفين وعزلهم او الاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وما ذلك الا تكريس لاستقلال السلطة التنفيذية وحفاظ على ارتباط الموظف بها، فهي التي تُصدر الانظمة التي تحدد المركز القانوني للموظف بدءا من القواعد التي تحكم تعيينه بالوظيفة العامة وانتهاء بالكيفية التي تنتهي فيها وظيفته بالعزل او التقاعد او الوفاة او بغير ذلك، وهي التي تحدد حقوقه المالية وابرزها تحديد راتب دوري له في مقابل تفرغه التام للعمل الوظيفي وعدم ممارسته اي عمل آخر. فهناك ربط دائم بين الراتب والموظف، بحيث لا يعرَّف الراتب الا مقترنا بالموظف، فإذا ما انقضت علاقة الموظف بالوظيفة وانقضى راتبه الوظيفي، فإن المشرع وفق شروط محددة لا يجوز تجاوزها او مخالفتها، وفي مقابل تفرغه الطويل للوظيفة دون اي عمل آخر خلالها، ولكونه يصبح عاجزا عن العمل بعد انتهاء خدمته، فقد خصّه المشرع براتب تقاعدي لسدّ حاجته وحاجة اسرته.
ولقد بات مستقرا بأن علاقة الموظف بالدولة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين والانظمة والتعليمات الصادرة بهذا الخصوص، وان تعديل احكام هذه العلاقة والتقّيد بها هو اجراء تنظيمي عام، ومركز الموظف من هذه الجهة ما هو الا مركز قانوني عاما يجوز تعديله في أي وقت، فالموظف العام وفق ما يعرفه الفقه والقضاء هو الشخص الذي يعهد اليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة او احد اشخاص القانون العام، مما يعني ان الشروط والعناصر التي يجب توفرها في الموظف العام هي ان يتم تعيينه من السلطة المختصة بوظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة بشكل مباشر او غير مباشر من احد اشخاص القانون العام ، متفرغا للوظيفة التي تم تعيينه فيها .

وإذا كان الامر كذلك بالنسبة للموظف او الوظيفة العامة فإن الامر يختلف بالنسبة للعلاقة بين مجلس الامة وبين الادارة، ذلك ان هذه العلاقة محكومة بمبدأ الفصل بين السلطات وبطبيعة المهام التي يمارسها مجلس الامة، وذلك بالرقابة على السلطة التنفيذية واصدار التشريعات كونه نائبا عن الشعب في اداء هذه المهام وبما يتعارض ان يكون عضو مجلس الامة موظفا عاما وفق ما اسلفنا.
وقد اكد الدستور هذه الحقيقة حين اوضح بشكل قاطع في المادة (76) من الدستور انه لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الاعيان او النواب وبين الوظيفة العامة، ولو كان عضو مجلس الامة موظفا او يجوز اعتباره كذلك لما كان المشرع الدستوري قد أورد الحظر المشار اليه لتعارض طبيعة عمل المجلس مع طبيعة الوظيفة العامة.
ومن جهة اخرى فقد حدد الدستور بالمادتين ( 78/ 3 ، 82) الاوقات التي يمارس فيها مجلس الامة مهامه، وهي مدد محددة لا تقتضي التفرغ الكامل لأدائها وبما يتيح لأي عضو من اعضاء مجلس الامة ممارسة اي عمل او مهنة خاصة لا تتعارض مع طبيعة عمله وذلك على خلاف الوظيفة العامة التي تقتضي التفرغ التام لأدائها، وبما لا يجوز ممارسة عمل آخر معها، وذلك في مقابل تقاضي شاغلها راتبا دوريا.
وإذا كان الدستور قد حظر الجمع بين عضوية مجلس الأمة والوظيفة العامة في المادة ( 76 ) منه، فإنه قد اوضح بالمادة ( 52) ان ما يتقاضاه عضو مجلس الامة هو مخصصات للعضوية لقاء ما ينفقه العضو في سبيل اداء عمله.
ولا بد من الاشارة هنا ان الفقرة الثالثة من المادة ( 129 ) من الدستور قد ابقت على القوانين والأنظمة التي كانت نافذة في ظل دستور سنة 1946 المُلغى، ومن بين هذه القوانين قانون مخصصّات اعضاء مجلس الامة رقم ( 17 ) لسنة 1947 الصادر بتاريخ 21/ 5/ 1947 والذي لا زال ساريا حتى الآن، حيث نصت المادة الثانية من هذا القانون بكل وضوح على ما يلي: ( يعتبر ما يتقاضاه اعضاء مجلس الامة مخصصات لا رواتب) وذلك تأكيدا من هذا القانون النافذ أن أعضاء مجلس الامة ليسوا موظفين وانهم بالتالي لا يستحقون رواتب تقاعدية.
ولا يرد القول بأن الوضع القانوني للوزير هو ذات الوضع القانوني لعضو مجلس الامة ذلك ان الوزير يتقاضى راتبا بموجب نص المادة ( 52 ) من الدستور ويشغل وظيفة بمقتضى المادة ( 55 ) من الدستور ومتفرغا لعمله الوزاري بمقتضى احكام المادة ( 44 ) من الدستور منه والتي تنص على انه:
( لا يجوز للوزير ان يشتري او يستأجر شيئا من املاك الحكومة ولو كان ذلك في المزاد العلني كما لا يجوز له اثناء وزارته ان يكون عضوا في مجلس ادارة شركة ما ، أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من أي شركة).
وتأسيسا على ما تقدم فان محكمتنا ترى ان عضوية مجلس الامة او مدتها غير خاضعة للتقاعد، الأمر الذي يترتب عليه عدم استحقاق اعضاء مجلس الامة للرواتب التقاعدية مع عدم المساس بالحقوق المكتسبة .

وجوابا على السؤال الثاني فإن ما يستخلص من الفقرة الثانية من المادة (93) من الدستور ان المشرع الدستوري قد أرسى قاعدة جوهرية بالنسبة لسريان القانون، الا وهي نفاذه بأثر مباشر وذلك بعد مرور ثلاثين يوما على نشره في الجريدة الرسمية، الا انه واستثناء من ذلك أجاز ايراد نص خاص في القانون يجوز معه ان يسري مفعوله من تاريخ آخر قد يكون قبل نشر القانون في الجريدة الرسمية ، او بعد المدة المحددة في النص.
ومؤدى ذلك ان الاصل في نفاذ القوانين لا يكون الا بعد نشرها في الجريدة الرسمية وعدم رجعيتها، وإن الاستثناء هو رجعية القوانين او نفاذها بتاريخ غير التاريخ المقرر بالدستور، ولا يكون هذا الاستثناء الا بناء على نص يورده المشرع في صلب القانون.
ويقصد بعدم الرجعية عدم سريان القانون الصادر على ما تم من مراكز قانونية اكتملت في ظل قانون سابق . فقد بات مقررا ان ما تم من اوضاع في ظل القاعدة القانونية يكون محكوما بهذه القاعدة، وان القانون الجديد لا يمس ما توافر قبله من تكوين او انقضاء لأي مركز قانوني، وبذلك فإنه وعند عدم وجود نص صريح على رجعية احكام القانون الجديد فإن القانون القديم هو الذي يحكم الأعمال التي تمت نهائيا في وقت سريانه ولا يكون للقانون الجديد تأثير على الوقائع التي جرت قبل العمل به خاصة اذا كان سريانه يؤثر في حقوق الافراد التي اكتسبوها بحكم القانون القديم.
واذا كانت عدم رجعية القانون هي الاصل ، وان رجعيته هي الاستثناء فإن هذا الاستثناء لا يكون الا بناء على نص في القانون ولأمر تقتضيه الضرورة او المصلحة العامة.
وتأسيسا على ما تقدم، فإن محكمتنا تذهب في تفسيرها لاحكام المادة ( 93/ 2 ) من الدستور الى انه لا يجوز ان ينص قانون ذو اثر مالي على سريان احكامه بأثر رجعي لتعديل مراكز قانونية اكتملت في ظل قانون سابق وبما يرتب زيادة في النفقات العامة، وان تلك المراكز تبقى محكومة بالقواعد التي تضمنها القانون القديم نشأت تلك المراكز في ظله، وهذا ما تقرره المحكمة في تفسير النصوص الواردة في الطلب .
قرارا صدر بالأغلبية بتاريخ الرابع والعشرين من محرم لسنة 1436 هـ
الموافق السابع عشر من تشرين الثاني لسنة 2014م