المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقوق الملكية الفكرية في الشريعة الاسلامية



Nancy Otoom
09-09-2009, 11:47 PM
حقوق الملكية الفكرية في الشريعة الاسلامية


موجز الدراسة
تمهيد: في بيان معنى الحق والملكية في اللغة وتعريفهما في الاصطلاح
معنى الحق في اللغة: ورد لفظ الحق لمعان متعددة ذات دلالات مختلفة مع أنها تنتظم في معنى عام يجمعها، فمعنى الحق في اللغة: الشيء الثابت الموجود.
ومعنى الحق في الاصطلاح: ما قرر الشارع ثبوته وجاء أمره بحمايته.
وجاء لفظ الحق باعتبارات متعددة، ولهذا قالوا هذه العين حق لفلان، وقالوا أيضا من حق فلان إن يفعل كذا أو إن يملك كذا، كما أطلق الحق على الاختصاص فأطلقوه على العين فقالوا هذه الدار أو هذه الشاة حق لفلان، وعلى المنفعة فقالوا سكنى هذه الدار أو هذا المقعد في الطائرة حق لفلان.
وأطلق الحق على المال سواء كان عقار أو منقولاً، وعلى المصلحة مالية كانت أم أدبيه.
والخلاصة: إن الحق ما استحقه الإنسان على وجه يقره الشارع ويجمعه فيمكنه منه ويدفع عنه.
وتعريف الحق في القانون: هو مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون لصاحبها أو هو رابطه قانونيه تجعل لشخص على سبيل الانفراد والاستئثار ولاية التسلط على شيء أو المطالبة بأداء معين من شخص آخر.
والملكية مصدر مَلك، وقد شاع استعمالها في معان متعددة واستعملت في فقه القانون مراد بها الدلالة على معنى خاص يفيد الصلة بين الإنسان والمال، ويطلق عليه حق الملكية.
وإذا كانت الحقوق المالية تنقسم إلى حقوق عينيه وحقوق شخصية وحقوق معنوية، فإن الحق المعنوي قسم للحق العيني والحق الشخصي والحق العيني سلطه معينة تثبت لشخص معين على شيء معين، وهذا الشيء المعين لابد أن يكون شيئا مادياً قائما بذاته في الوجود الخارجي فتتجه سلطه صاحب الحق عليه مباشرة.
ولقد ظهرت الحقوق المعنوية نتيجة لتطور الحياة المدنية والاقتصادية والثقافية، ولهذا اعتبرت نوعاً مستقلا من أنواع الحقوق المالية.
ويعد الحق المعنوي نوعاً خاصاً من الملكية لذا يطلق عليه الملكية الأدبية والفنية والصناعية، فدائرة الملك في الفقه الإسلامي أوسع منها في القانون فلا تشترط الشريعة أن يكون محل الملك شيئا مادياً معينا لذاته إنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع والذي يكون المعيار فيه له قيمة بين الناس ويباح الانتفاع به شرعاً فمحل الحق المعنوي داخل في مسمى المال في الشريعة ذلك إن له قيمة بين الناس ويباح الانتفاع به شرعا بحسب طبيعته فإذا قام الاختصاص به تكون حقيقة الملك قد وجدت.

في بيان ثبوت الحق في الملكية الفكرية في الشريعة
لا ريب إن ما يبذله الإنسان من الجهد في ميدان التأليف أو الاختراع هو ثمرة سعي متواصل قال تعالى "وأن ليس للإنسان مما سعى (39)وإن سعية سوف يرى(40)" (النجم 39-40) ولقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ما أكل الإنسان أطيب من كسبه) -أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب التجارات ، باب الحث على المكاسب،ح(2129)-
(ما أكل الإنسان قط خير له من عمل يده وان نبي الله داود كان يأكل من عمل يده )- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل من عمل يده،ح(1930)-
ونتائج الفكر هو حاصل جهود متواصلة فهو من عمل الإنسان الذي يستحق عليه الثواب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية باب ما يلحق ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته،(3083) -ولهذا ذهب جمهور الفقهاء قديماً وحديثاً إلى ثبوت الحق فيما يحصل عليه كل من المؤلف والمخترع من قيمة مالية ثمرة لإنتاجه، واستندوا في هذا إلى ما يلي:
استدلوا بقصة الواهبة، فعن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول الله وهبت نفسي لك، فنظر إليها ثم انصرف عنها فجلست فقال: رجل يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال عليه السلام هل عندك ما تصدقها؟ فقال: والله ما عندي إلا إزاري هذا، فقال عليه السلام ما تفعل بإزارك إن أخذته بقيت ولا أزار لك فالتمس شيئاً، فذهب ثم رجع، فقال: لم أجد، فقال عليه السلام:التمس ولو خاتماً من حديد، فقال: لم أجد، فقال عليه السلام:هل تحفظ شيئا من القرآن الكريم قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، فقال عليه السلام : ملكتكها بما معك من القرآن) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن،باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه،ح(4641)- ، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تعليم بعض آيات من القرآن الكريم مهراً للزوجة، ومن المعلوم أن المهر لا يكون إلا مالا متقوماً، فثبت بذلك إن التعليم يعوض عنه بالمال شرعاً.
ولا ريب إن الجهد المبذول في تحفيظ بعض آيات من كتاب الله عز وجل لا يضارع مستوى الجهد العقلي المبذول من العلماء مع ما يتميز به من الابتكار والتجديد.
ولئن كان التعليم جهداً متقوماً بالمال، فإن ما يبذل من ذلك في التأليف والابتكار النافع يكون من باب أولى.
1- لقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم فداء الأسير أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، ومن هنا يعلم اعتبار الجهد في التعليم معادل للحصول على أموال الفدية.
2- أن المنافع المشروعة تعتبر من قبيل الأموال متى كانت متقومة في عرف الناس ومن ثم فإنها تكون محلا للملك وتجوز المعاوضة عنها تبعاً لذلك.
ولا ريب أن الإنتاج الفكري المشروع يمثل منفعة معتبرة في نظر الشارع، لما للعلم من أهمية في حياة الأمة لهذا جعل الشارع طلبه فريضة على كل مسلم كما قال صلى الله عليه وسلم -أخرجه ابن ماجه، باب فضل العلم والحث عليه،ح(220)-، وذلك فضلا عما جرى به العرف العام من اعتبار الإنتاج العلمي ذا قيمة بين الناس.
ومن ثم فإن إنتاج الفكر المشروع قد تحقق فيه المناط الشرعي لاعتباره مالا، وهو بذلك يكون محلا للملك وتجوز المعاوضة فيه شرعا وذلك هو ما يستتبع القول بشرعية الحق المالي للمؤلف.
3- أن الأصل في المعاملات الإباحة حتى يقوم الدليل على المنع، ولا ريب أن المؤلف يختص وحده بالحق في مصنفه حيث يستطيع بمقتضى هذا الاختصاص إن يمنع غيره من الاعتداء عليه أو التصرف فيه كما هو مسلم.
4- من المسلم به إن الملك يجري في منافع العقارات والمنقولات فمن باب أولى جريانه في منافع الإنتاج الفكري ومرد ذلك يرجع إلى أمرين: الأمر الأول: إن منافع الأعيان ليست قائمة بنفسها وإنما هي قائمة بأعيانها وذلك بخلاف الإنتاج الفكري الذي ينفصل عن صاحبه ويتخذ له مظهراً في النماذج المطبوعة من الكتب والمخترعات.
الأمر الثاني: أن الإنتاج الفكري أولى بالاعتبار بحسب إن مصدره يتجسد في الإنسان الحي العاقل بخلاف المنافع حيث يتمثل مصدرها فيما هو أدنى من الإنسان مرتبة بلا ريب.
5- يدل على ثبوت حق الإنسان في مؤلفاته واختراعاته العرف القائم، ولا ريب إن العرف يعتبر من مصادر التشريع التبعية إذا لم يخالف نصاً أو يكون مناقضا لأصل شرعي.
6- أن حماية حق المؤلف يعتبر حماية لمصلحة عامة راجعة إلى المجتمع بحسب ما يعود على هذا المجتمع من الانتفاع بالإنتاج الفكري.
قال الإمام ابن القيم- رحمه الله- إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكم كلها...فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمة بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولكن هذه المصلحة لا تعد مصدراً للتشريع ما لم تتوفر فيها شروط العمل بها، وهي خمسه:
أ‌) أن تكون المصالح في قضايا المعاملات لان الأصل فيها الإباحة بخلاف العبادات، لان الأصل في العبادات التوقيف.
ب‌) أن تكون معقولة ومناسبة، بحيث لو عرضت على العقول السليمة تلقتها بالقبول.
ت‌) أن تكون مصلحة حقيقية، إذ لا اعتداد بما يتوهم أنه مصلحة.
ث‌) أن تكون ملاءمة لمقاصد الشارع، غير معارضة لها، ولا لما أثبت هذه المقاصد من الأدلة الشرعية، وفي الصدارة منها نصوص الشارع.
ج‌) أن تكون من المصالح العامة التي تحقق الخير للأمة وتدفع الأذى عنها.
7- أن الإنتاج الفكري المشروع من الأهمية بمكان في حياة الناس مما يجعله مكان الصدارة بين المصالح وأقواها أثرا وأعمها نفعا، ويؤيد القول بأخذ العوض عن المؤلفات والمخترعات جواز اخذ العوض على أداء مناسك العمرة والحج عن الغير.
8- أن المؤلف أو المخترع مسئول مسئولية كاملة عما يصدر عنه، ولا ريب أن هذه المسئولية تمثل غرم يجب إن يقابل بغنم إعمالا للقاعدة الفقهية التي تقضي بان الغرم بالغنم، فضلاً عن أن حصول المؤلف على عائد لجهده الفكري إنما يمثل تطبيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم(الخراج بالضمان) -أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد،ح(1206)- بمعنى أن من ضمن شيئا ينتفع في مقابل هذا الضمان.
إن القول بثبوت الحق للمؤلف والمخترع في العوض المالي عن ما يصدر عنه إنما يبعث على البحث والتحقيق العلمي ويستنهض همم العلماء إلى مزيد من البحث والتحصيل واستخراج الكنوز التي ينير العقول وتصحيح المفاهيم وتيسر العلم لطالبه، الأمر الذي يحقق تقدم الأمة ورقيها ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة حيث منح جائزة شخصية لكعب بن زهير عندما تفتق ذهنه عن قصيدته العصماء فقد حصل كعب هذا على بردة المصطفي صلى الله عليه وسلم وهي شيء نفيس وقيم وهو ما جرى عليه الخلفاء من بعده من تقدير للكتاب والمفكرين والمؤلفين وتشجيعهم بمنحهم الجوائز السخية.




ثبوت الحق المالي للمؤلف
أن قواعد الفقه الإسلامي تثبت الحق المالي للمؤلف على أنه من قبيل الحقوق العينية المالية الواردة على شيء معنوي.
أما أنه حق عيني فلأن علاقة المؤلف بإنتاجه الفكري إنما هي علاقة مباشرة بحسب أن استيفاءها لا يتوقف على تدخل من أحد.
وأما أنه حق مالي فيمكن تقويم الإنتاج العلمي بالمال عرفا لعدم المانع من ذلك ولأنه وارد على شيء معنوي هي الصورة الذهنية التي تمثل اثر للملكة الراسخة في ذات المفكر، ومن ثم أن الصورة الذهنية لا تدرك بالحواس بحسب أنها صورة معنوية ومنافع عرضية.
ومن ثم فإن محل الحق يتمثل في شيء معنوي ذي نفع متقوم بالمال عرفا، وهذا الحق تتوافر فيه خصائص الملكية في الفقه الإسلامي، وذلك لما يلي:
1- أنه حق يختص به المؤلف دون سواه، والاختصاص يعني الملكية التي خولها المشرع للمالك في منع غيره من التجاوز أو الاعتداء في ماله أو التصرف فيه تصرفاً نافذاً إلا بإذنه.
وما دام المؤلف يختص وحده بالحق المالي على مصنفه فانه يكون مملوكا له، وهو يستطيع بمقتضى هذا الاختصاص إن يمنع الغير من الاعتداء عليه أو التصرف فيه.
ولا يغض من ذلك ورود هذا الحق على شيء معنوي، حيث إن الاختصاص يقوم مقام الحيازة المادية بما يأتي طبيعته تلك الحيازة كالديون، بل إن كثير من الفقهاء قد ابرز الاختصاص على انه جوهر الملك.
2- أنه حق يجري التعامل به والمعاوضة عنه شرعا وعرفا.
3- أنه لا يوجد مانع شرعي يحول دون القول بمشروعية هذه الملكية طالما كانت واردة على إنتاج فكري مشروع.
4- أنه حق لما فيه من خصائص الملكية من استعمال واستغلال وتصرف.
5- أنه حق يحميه الشارع حيث يلزم عقلا من ثبوت الحق بحكم شرعي حماية الشارع له كسائر الحقوق الخاصة من العدوان عليها و إلا لم يكن لهذا الحق معنى، وذلك هو ما عبر عنه الإمام ابن تيمية بقوله: إن ما لا يباع إلا على وجه واحد لا ينهى عن بيعه على ذلك الوجه.


















حكم انتقال الحق المالي في التأليف إلى الورثة وصحة الوصية به
تظهر خصائص الحق المالي للمؤلف في جواز التنازل عنه للغير في وثيقة رسمية تثبت هذا التنازل، ولا ريب أن قواعد الشريعة في الفقه الإسلامي تجيز هذا التنازل من المالك شأنه في ذلك شأن كل مالك في جواز تصرفاته المشروعة ومنها التنازل للغير.
ومن ثم فإنه يبدو لنا أنه ليس ثمة ما يحول دون القول بشرعية انتقال هذا الحق إلى ورثة المؤلف وذلك لما يلي:
1- أن القرآن الكريم والسنة المطهرة جاء فيهما إثبات انتقال الملك بعد الموت للموصى له وللوارث، وهذا يتناول الملكية الفكرية والمالية على حد سواء، ويمتد الأجر والثواب باستمرار الانتفاع بالوصية والصدقة:
قال تعالى يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الانثتين فإن كن نساءً فوق أثنتين فلهن ثلثا ما تركا وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبوية لكل واحده منهما السدس مما تركا ان كان له ولد وان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمه الثلث فإن كان له اخوه فلأمه السدس من بعد وصيه يوصى بها او دين أباؤكم و أبناؤكم لاتدرون أيهم أقرب لكم مما نفع فريضة من الله إن الله كان عليم حليم (11)ولكم نصف ما ترك أزواكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها او دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلاله أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء فى الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضارٍ وصية من الله والله عليمٍ حليم(12) " -النساء 11-12-
قال تعالى:"يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلاله إن امرؤ أهلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما تركت وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانت ا أثنتين فلهما الثلث يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم(176) " النساء 176
وقال تعالى"كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين" البقرة180
وقال تعالى: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منهم أو أكثر نصيباً مفروضاً(7) وإذا حضر القسمة أولى القربى واليتامى والمساكين فأرزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً(8)" النساء 7-8
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) إن من ابرز خصائص الحق المالي للمؤلف قبوله الاعتياض عنه وجريان الإرث فيه وإلزام مغتصبه برده، ومتلفه بالتعويض والضمان.
2- أن حق المؤلف كحق الصانع فيما يصنع، ولا ريب أن حق الصانع حق متأكد ومتقوم، وما دام الحق مؤكدا ومتقوما فإنه ليس ثمة ما يمنع من ثبوت الإرث فيه.
وبعد: فإن تأثير الحضارة الغربية على العالم تأثير شامل وعميق، شامل من حيث تناوله مختلف مجالات الحياة، وعميق من حيث وصوله إلى أعماق النفس البشرية، بحيث يزاحم جزئياً أو كلياً القيم الثقافية الأخرى.
والعالم الإسلامي لا يستثني من الخضوع لهذا التأثير، وتأثير الحضارة الغربية على المسلمين لا يقتصر على أنماط العيش من المأكل والمسكن والمركب والمظاهر المادية الأخرى، بل يمتد إلى العلاقات في المجتمع ويهمنا منها هنا المعاملات المالية.
هذا لا يعني أن هذه المعاملات لا تتفق مع قواعد الشريعة، ولا يعني الدعوة لإحلال بدائل مصدرها الفقه الإسلامي محلها، لأن ذلك وإن كان مرغوبا فهو غير ممكن، وإنما الممكن والمطلوب هو التأمل الفقهي لهذه المعاملات، والنظر في مدى توافقها مع القواعد الشرعية، وتحويرها لتتفق مع هذه القواعد.
فعندما يؤلف شخص مؤلفاً تنشأ ثلاثة أنواع من العلاقات بينه وبين مؤلفه تجاه الكافة:
1- علاقة ملكيته لمؤلفه، بما هو جسم مادي قابل للحيازة وإن كانت قيمته المعنوية والمالية ليست فقط في المادة التي سجلت عليها أفكار المؤلف(الورق مثلا) وإنما في الأفكار المعبر عنها بالكلمات المسجلة على المادة بل وإن كانت هذه الأفكار والتعبير عنها هي العنصر الأهم في القيمة المعنوية والمالية للمؤلف.
2- علاقة شخصية بحته تتمثل في حق المؤلف في نسبة مؤلفه إليه والاعتراض على كل تشويه أو تحريف أو تعديل فيه أو مساس بذات المؤلف يكون ضاراً بشرفه وسمعته، وحقه في إدخال ما يراه من تعديل في مؤلفه وسحبه من التداول ويسمى هذا الحق المعنوي أو الأدبي وهذا الحق ليس قابلاً للتصرف ولا للتنازل عنه كالحق الأول حق الملكية.
3- علاقة مالية تتمثل في مكنة المؤلف من أخذ العوض ممن ينتفع تجارياً بمؤلفه والتصرف في هذه المكنة، وتسمى هذه العلاقة(الحق المالي للتأليف).
وبما أن الحكم على الشيء فرع تصوره، فلتصور الحق المالي للتأليف، لابد بادئ ذي بدء من معرفة أن هذا الحق مصدره القانون لا الشرع، وهذا لا يعني بالضرورة أن هذا الحق لا تقره قواعد الشرع وإنما المراد أن الذي أوجد هذا الحق ويوجده القانون.
لم يكن الحق المالي للتأليف معروفاً قبل أن يصبح استغلال المؤلفات تجارة واسعة رابحة لها دور ظاهر في الاستثمار، وذلك بوجود المطابع ودور النشر التي نتج عنها الثورة الصناعية والتجارية في نشر المؤلفات.
ويقال عادة(إن أول قانون صدر بحماية هذا النوع من الحقوق، القانون الفرنسي الصادر في عام 1791م وقد اقتصر على حماية الحق المالي للمؤلفات المسرحية ثم صدر القانون الفرنسي في عام 1792م يمُد تلك الحماية إلى جميع المصنفات الأدبية والفنية، ثم تتابعت القوانين الأخرى في البلدان المختلفة)
ووجدت بعد ذلك الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية لحماية الحق المالي للتأليف.
ويلاحظ أن القوانين كلها والاتفاقيات الدولية لا تحمي الحق المالي للتأليف على الإطلاق بل تصنف المؤلفات إلى نوع يحميه القانون ونوع مباح للكافة.
فمثال الصنف الأول ما تشمله المواد: الثالثة والرابعة والخامسة من نظام حماية حقوق المؤلف في المملكة العربية السعودية الصادر سنة 1413هـ 1993م.
ومثال الصنف الثاني ما تشمله المادة السادسة من النظام نفسه، وفي حماية النظام للصنف الأول توجد استثناءات مثالها في النظام السعودي ما تشمله الفقرات:1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9 من المادة الثامنة من النظام.
والحماية التي يقررها القانون للحق المالي للتأليف ليست مطلقة من حيث الزمان وإنما هي مؤقتة بأجل معين إذا انتهى انتهت الحماية.
وليست مطلقة من حيث المكان إذ أن القانون نفسه محدد في سلطانه من حيث المكان فلا يتجاوز سلطانه حدود سيادة الدولة التي أصدرته، والوسيلة إلى تجاوزه هذه الحدود الاتفاقيات الدولية.
وبما أن هذا الحق من خلق القانون وإيجاده فإن القانون سواء ظهر في شكل اتفاق دولي يمكن له دائماً أن يحدد هذا الحق ويعدل فيه بل ويلغيه.
لعل ما ذكر كاف لإيضاح انه يوجد فارق أساسي بين هذا الحق الذي يوجده القانون ولا يوجد إلا فيه، والحقوق الأخرى للإنسان المقررة بالشرع في الإسلام، وفي الغرب بما يسمى القانون الطبيعي مثل حق الملكية.
هل للمؤلفات الشرعية حق مالي؟
يقصد بالمؤلفات الشرعية الأعمال الفكرية والجمالية الصادرة عن المسلم لبيان القرآن والسنة لحمل الناس على إتباع هداهما، والترغيب في هذا الإتباع والتحذير عن الانحراف عنه، فيدخل في ذلك المؤلفات في ترتيل القرآن والتفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية وسير الصالحين والخطب المنبرية والمواعظ الدينية، وسواء في ذلك أن تظهر هذه الأعمال في شكل كتاب أو شريط مسموع أو مرئي.
ويتحدد مجال البحث بالتعرف على الحكم القانوني في موضوع البحث في بلد تتقيد سلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية بالإسلام وبالتحديد في المملكة العربية السعودية، حينما عدد النظام السعودي المنظم لحق المؤلف في المادة الثالثة منه المصنفات المشمولة بوجه خاص بالحماية.
وبما أن القانون الأعلى والحاكم على كل القوانين في المملكة العربية السعودية هو الشريعة الإسلامية فإنه يجب أن نفسر الأنظمة الصادرة فيها بما يتفق مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها.
ولعل من المفيد أن نثبت هنا المواد القانونية التي تضمنت بيان عقوبة المعتدي على الإنتاج العلمي حيث جاء في المادة 27 من النظام الصادر عن حماية الملكية الفكرية عام 1413هـ على: مع مراعاة أحكام المادة الثامنة من هذا النظام يعتبر معتديا على حق المؤلف كل من قام بدون إذن من مالك الحق بمباشرة أي تصرف من التصرفات المبينة في المادة(7) من هذا النظام، أو باستخراج أو تقليد أو بيع أو إيجار أو توزيع أو استيراد أو تصدير أي مصنف اعتدى فيه على حق المؤلف.
المادة الثامنة والعشرون: 1- يعاقب المعتدي على حق المؤلف بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف ريال، أو بإغلاق المؤسسة أو المطبعة التي اشتركت في الاعتداء على حق المؤلف لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما، أو بهما معاً بالإضافة إلى تعويض صاحب الحق عما لحقه من ضرر.
2- يعاقب المعتدي على حق المؤلف في حالة العود إلى ارتكاب ذات المصنف أو غيره بزيادة الحد الأقصى للغرامة. الفقرة (1) من هذه المادة على إلا يتجاوز ضعف هذا الحد، ويجوز الحكم بإغلاق المؤسسة أو المطبعة لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً أو بهما معا، إضافة إلى التعويض المالي لصاحب الحق.
3- يجوز للجنة المنصوص عليها في المادة الثلاثين بناء على طلب من صاحب حق المؤلف إن تأمر بمصادرة أو إتلاف جميع نسخ أو صور المصنف التي ترى أنها عملت بطريق الاعتداء على حق المؤلف، وكذا المواد التي ترى أنها عملت بطريق الاعتداء على حق المؤلف، وكذا المواد المخصصة أو المستخدمة في ارتكاب الجريمة أو بالتصرف فيها بالطريقة التي تراها مناسبة.
كما يجوز لها إصدار قرار مؤقت بوقف النشر، أو عرض المصنف أو الحجز على النسخ أو الصور التي استخرجت منه، أو حصر الإيراد الناتج عن النشر أو العرض أو أي أوامر مؤقتة تراها ضرورية لحماية حقوق المؤلف وذلك إلى حين الفصل النهائي في التظلم.
المادة التاسعة والعشرون: يتم ضبط المخالفات والتحقيق فيها وتوقيع العقوبات وفق الإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية.
المادة الثلاثون:
1- تشكل بقرار من الوزير لجنة للنظر في المخالفات لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة يكون احدهم مستشاراً قانونياً.
2- تصدر قرارات اللجنة بالأغلبية ولا تصبح قرارات اللجنة نافذة إلا بعد مصادقة الوزير عليها.






















المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم
2- الأشباه والنظائر لابن نجيم.
3- الأشباه والنظائر للسيوطي.
4- أصول الفقه، الشيخ محمد أبو زهره.
5- إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم الجوزية.
6- بحث لصاحب المعالي الشيخ الجليل صالح بن المرحوم عبد الرحمن الحصين، رئيس شؤون الحرمين- الملكي والنبوي-.
7- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد.
8- التعليل بالمصلحة عند الأصوليين د، رمضان عبد الودود.
9- حاشية ابن عابدين.
10- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.
11- حق الابتكار في الفقه الإسلامي، د/ فتحي الدريني ومجموعة من العلماء.
12- حق الملكية، د/ محمد عرفه.
13- حقوق التأليف والابتكار من وجهة نظر الفقه الإسلامي، بحث للشيخ عبد القادر العمادي في مجلة الدوحة قطر.
14- سنن ابن ماجه.
15- سنن الترمذي.
16- صحيح البخاري.
17- صحيح مسلم.
18- ضمان المتلفات في الفقه الإسلامي، د/ سليمان احمد.
19- الفروق للقرافي
20- القواعد لابن رجب.
21- القياس في الشرع الإسلامي، الإمام احمد بن تيمية.
22- المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا.
23- المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي الشيخ محمد مصطفى شلبي.
24- المصالح المرسلة ومكانتها في التشريع، د/ جلال الدين عبد الرحمن.
25- المعاملات الشرعية للشيخ علي الخفيف.
26- المغني لابن قدامه.
27- الملكية في الشريعة الإسلامية، د/ عبد السلام العبادي.
28- الملكية في الشريعة الإسلامية، للشيخ علي الخفيف.
29- الملكية ونظرية العقد للشيخ محمد أبو زهرة.
30- الوجيز في أصول الفقه، د/ عبد الكريم زيدان.
31- الوسيط، د/ السنهوري.