المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بطاقات الائتمان



أحمد أبو زنط
09-11-2009, 01:43 PM
الدورة الخامسة عشرة 6-11/3/2004م مسقط (سلطنة عُمان)


إعداد
الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
رئيس قسم الفقه المقارن كلية الشريعة - جامعة دمشق


تقديم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن بطاقة الائتمان أصبحت في الغالب في عصرنا الحاضر في بلاد الغرب والشرق، وبنسبة محدودة في البلاد العربية والإسلامية هي أداة الوفاء المستعملة للالتزامات النقدية في البيوع والأشربة والقروض وتقديم الخدمات كسداد الفواتير والرسوم والضرائب والحصول على الحاجات من البضائع والسلع، وذلك بدلاً من حمل النقود المحلية أو صرفها بعملات أجنبية، أو الوفاء بالشيكات ونحوها، وتفادياً لأشكال وأنواع النصب والاحتيال والسرقات والغصب والنهب ونحوها، وربما في المستقبل القريب تحل بطاقات الائتمان محل النقود، وهو تطور اقتصادي واجتماعي ملموس، واتجاه سريع نحو هذه الغاية بما يتم من الاعتماد على هذه البطاقات حالياً.
وهذا ما يسمى بالوظيفة الائتمانية للمصارف، التي تتمثل في القرض وفتح الاعتمادات والسحب على المكشوف بفائدة ربوية، وهي الوظيفة الثالثة للمصارف بعد الوظيفة النقدية (قبول الودائع من المسكوكات والعملات) ثم الوظيفة الاستثمارية (استثمار أموال المصرف الخاصة والودائع الاستثمارية في التجارة وغيها وعمليات التسليف والإقراض).
وإذا كانت هذه الظاهرة شائعة في بلدان النظام الرأسمالي القائم على نظام الفائدة البنكية المحرمة في الإسلام، فكيف يمكن إصدار بطاقات ائتمان إسلامية كما تفعل بعض المؤسسات المصرفية الإسلامية الحالية دون تورط بالوقوع في الحرام وتجنب نظام الفائدة الربوية؟ حتى يطمئن المسلم إلى سلامة تعامله من غير اقتراف للحرام.
ويمكن ذلك بعد بحث الموضوع من خلال ما يأتي:
- تعريف الائتمان وبطاقة الائتمان وأهميتها العامة والخاصة ومحاذيرها.
- أنواع بطاقات الائتمان وحكم كل نوع.
- التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان في صورتها الأصلية والعلاقات بين أطرافها.
- البدائل الشرعية لبطاقة الائتمان.
- الحكم الشرعي لبعض البطاقات المعاصرة المصدَّرة من بعض البنوك الإسلامية.
تعريف الائتمان وبطاقة الائتمان
أصل معنى الائتمان في الاقتصاد: القدرة على الإقراض، واصطلاحاً: هو التزام جهة لجهة أخرى بالإقراض أو المداينة، ويراد به في الاقتصاد الحديث: أن يقوم الدائن بمنح المدين بمنح المدين مهلة من الوقت، يلتزم المدين عند انتهائها بدفع قيمة الدين(1)، فهو صيغة تمويلية استثمارية تعتمدها المصارف بأنواعها.
والأدق في تبيان معنى الائتمان أو الاعتماد Credit:
هو عملية مبادلة شيء ذي قيمة أو كمية من النقود في الحاضر، مقابل وعد بالدفع في المستقبل.
وينظر إليه من ناحيتين(2):
1. من ناحية المهلة التي يمنحها البائع للمشتري، لكي يدفع ثمن السلعة التي تسلَّمها، وفيها يزيد السعر، لأن الثمن مؤجل. وهذا يسمى ((الائتمان التجاري)).
2. هو العملية التي بموجبها يقرض شخص غيره مبلغاً متأملاً إعادته في المستقبل مضافاً إليه الفائدة المترتبة عليه.
وللائتمان أشكال مختلفة:
- الائتمان قصير الأجل (أقل من ثمانية عشر شهراً).
- الائتمان متوسط الأجل (وهو الذي يصل إلى خمس سنوات).
- الائتمان طويل الأجل (ويكون أكثر من خمس سنوات).
والبطاقات هي في الواقع القائم بطاقات الإقراض.
فإن كان السحب المباشر من الرصيد لا يوصف بالإقراض، فتسمى بطاقات الدفع أو بطاقات المعاملات المالية(3) .
وبطاقة الائتمان Credit card عند الاقتصاديين: هي بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله، تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة، عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مُصْدِر البطاقة، فيسدِّد قيمتها له، ويقدم المصرف للعميل كشفاً شهرياً بإجمالي القيمة لتسديدها أو لحسمها (لخصمها) من حسابه الجاري لطرفه(1).
وبعبارة أخرى: هي مستند من ورق سميك مسطح أو بلاستيكي، يصدره البنك أو غيره لحامله، وعليه بعض البيانات الخاصة بحامله. والجهة المصدرة للبطاقة: هي مصرف أو مؤسسة مالية تقوم بإصدار البطاقة بناء على ترخيص معتمد من المنظمة العالمية لهذه البطاقات.
وعرفها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بأنها: مستند يعطيه مُصدره لشخص طبيعي أو اعتباري، بناء على عقد بينهما، يمكّنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً، لتضمنه التزام المصدِر بالدفع.
ومن أنواع هذا المستند: ما يمكِّن من سحب نقود من المصارف.
ولبطاقات الائتمان صور:
- منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف، وليس من حساب المصدِر، فتكون بذلك مغطاة.
- ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدِر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية.
- ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة، ومنها ما لا يفرض فوائد.
- وأكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها، منها ما لا يفرض فيه المصدِر رسماً.
أهميتها:
حققت بطاقة الائتمان نجاحاً ملموساً من نواح متعددة سلبية وإيجابية. فقد حققت فعلاً الأمان لحامليها من السطو وسرقة النقود أو ضياعها، أو حملها، لاكتفائهم بحملها وهي صغيرة لا تتجاوز 5/9 سم2، ممغنطة تحمل رقماً رمزياً.
وضمنت لأصحاب الحقوق أداء حقوقهم بعد التثبت بواسطة جهاز الكتروني (كمبيوتر) من ملاءة صاحب البطاقة، واستطلاع الجهاز المعلوماتي الخاص بالمصدر عن مقدار المبلغ المالي المودع في حسابه.
وصارت هي الأداة المفضلة على النقود ذاتها في التجارة والمطاعم والفنادق وغيرها.
وكانت سبباً لزيادة المبيعات في المحلات التجارية، وحققت أرباحاً ملموسة ومجدية ونشطة لمصدري البطاقة.
كل ذلك بسبب آليتها السريعة في العمل وضمان وفاء الحقوق، حيث ينظِّم التاجر فاتورة يدوِّن عليها أهم بيانات البطاقة، ويختمها بتوقيع العميل، ثم يرسلها إلى الجهة الْمُصْدِرة التي تتولى دفع القيمة المدونة فيها، إما من حساب العميل، أو تحسب ديناً عليه بضمان حسابه لدى الجهة المصدرة.
ويتولى إصدار البطاقات العالمية جهتان رئيستان وهما: ((أمريكان إكسبريس) و((فيزا)) العالميتان، ويطلق على المصدِر اسم: راعي البطاقة(1) .
محاذيرها:
ليس لبطاقات الائتمان غالباً في مجال التعامل الاقتصادي أية محاذير، عند من يتعامل بالفوائد البنكية لاستعداده لسداد هذه الفوائد إذا تأخر عن تغطية رصيده في البنك الذي يودع فيه حسابه.
وإنما المحذور واضح بالنسبة للمسلم الملتزم بأصول دينه، حيث يكتسب الإثم الكبير أو المعصية إذا تعامل بالربا أو بالفوائد المصرفية، كما كان عليه عرب الجاهلية: ((أتقضي أم تربي؟)).
والاتفاق الذي يوقعه حامل البطاقة ومُصْدِرها فاسد، لوجود الشرط الفاسد، وهو استعداده لدفع الفائدة إذا تأخر عن الدفع في الوقت المحدد، ومن عقد عقداً فاسداً، كان آثماً بالعقد ذاته، سواء دفع حامل البطاقة الفائدة أو لم يدفعها، لأن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية عند الجمهور يفسدها، وقرر الحنابلة أن الشرط الفاسد المنافي لمقتضى العقد لا يفسد العقد، كاشتراط ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع المبيع أو لا يهبه لغيره، وإنما يبطل الشرط وحده العقد صحيح، لقوله (ص): ((من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط))(1) . ويؤيد هذا الاتجاه ما أخذت به بعض لجان الفتاوى في المصارف الإسلامية، وهو أن حامل البطاقة إذا اتخذ من الاحتياطات ما يكفل عدم تطبيق الشرط المحرم عليه وهو دفع الفائدة، لا بأس عليه في الاستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها، على الرغم من هذا الشرط، لأنه في معرض الإلغاء شرعاً، بدليل قول النبي (ص) في الصحيحين لعائشة رضي الله عنها في شأن بريرة رضي الله عنها: ((خذيها واشارطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) وفي رواية: ((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)) والمراد أنه لا قيمة لهذا الشرط المخالف للحق والشرع، ويظل الولاء للمعتق(2) .

أنواع بطاقات الائتمان وحكم كل نوع: ....


كل ما سبق نبذه عن الموضوع: حمل باقي البحث من المرفقات