المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : افتراض براءة المتهم



أحمد أبو زنط
09-11-2009, 07:31 PM
افتراض براءة المتهم

في الفقه الوضعي والشريعة الإسلامية



د. أحمد لطفي السيد مرعي*


1- أولاً : مبدأ افتراض البراءة في الفقه الوضعي:
رغم ما يبدو لمبدأ افتراض البراءة في الإنسان - وإن صار متهماً - من بداهة تتسق والفطرة الطبيعية ، إلا أنه قد تعرض لنقد شديد من قبل العديد من الفقهاء ، ويأتي على رأس هؤلاء أنصار المدرسة الوضعية ، ويشاركهم البعض من الفقهاء المعاصرين توجهم الرافض.

2- أ : أصل البراءة في فكر المدرسة الوضعية :
لاقى مبدأ افتراض البراءة نقداً شديداً من قبل أنصار المدرسة الوضعية ، لما رأوه من تعارض بين هذا المبدأ وبين فلسفتهم المعتمدة في تصنيف المجرمين ، والتي تبنى على الاهتمام بشخص المجرم أكثر مما تهتم بالواقعة الإجرامية ذاتها.

فنفر من أنصار تلك المدرسة قد قال بفكرة المجرم بالميلاد ، وهم أولئك الأشخاص الذين يعود إجرامهم إلى تكوينهم الطبيعي أو البيولوجي ، كما ميزوا بين المجرمين بالعادة ، والمجرمين المجانين ، وآخرين بالصدفة ، والمجرمين بالعاطفة[i] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_edn1) ، وأمام هذا التنوع قالوا بعدم إمكانية الأخذ بمبدأ افتراض البراءة إلا بالنسبة للمجرمين بالصدفة أو بالعاطفة دون بقية الطوائف ، الأمر الذي يتعارض مع عمومية انطباق المبدأ على كافة مرتكبي الجرائم كما يرى أنصار المدرسة التقليدية. وكما يرى أنريكو فيري (1856-1928) ، أحد أقطاب المدرسة الوضعية ، أن تعميم مبدأ أصل البراءة على كافة المجرمين من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مبالغ فيها ، وعلى الأخص فيما يتعلق بمنحه حصانة غير مرغوب فيها لمرتكبي الجرائم وفيما يتعلق بالمغالاة في حماية المصلحة الشخصية للمجرم على حساب مصلحة المجتمع[ii] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_edn2). كما قيل أنه لو فرض وسلمنا بافتراض البراءة فإن هذا لا يتصور إلا في مرحلة التحقيق الابتدائي ، حيث لم تثبت الأدلة بعد في حق المتهم على وجه اليقين ، وحيث لا تمثل تلك الأدلة إلا مجرد احتمالات أو ادعاءات ما زالت تعتريها الشبهة[iii] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_edn3). هذا فضلاً عن أن قيمة هذا المبدأ لا تظهر – في رأي أنصار تلك المدرسة – إلا حينما تكون الأدلة ضد المتهم ضعيفة وافتراضية ، أما حين تكون الجريمة متلبس بها ، أو حينما يدلي المتهم باعتراف تفصيلي ، فإن قيمة هذا المبدأ تبدأ في التلاشي. فإذا أضيف إلى كل ذلك ما يكشف عنه الواقع العملي من أن الكثير من المتهمين تتقرر إدانتهم ، لثبتت المبالغة التي يقيمها الفقه لمثل هذا المبدأ[iv] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_edn4).

والواقع أن الانتقادات التي قال بها أنصار المدرسة الوضعية تبدو مغالى فيها. فقولهم أن هذا المبدأ يعيبه أنه يسري على كافة المجرمين دون تمييز بين طوائفهم ، قول مردود عليه بأن التصنيف الذي اعتمدته تلك المدرسة إنما هو تقسم فقهي أكثر منه تقسيم علمي يستند إلى أسس علمية سليمة. وإذا فرض وقيل أن لهذا التصنيف سند من العلوم التجريبية ، فإنه لن يكون له قيمة إلا في مرحلة التفريد القضائي للجزاء وفي أعقاب ثبوت الإدانة ، أما بالنسبة للإثبات الإدانة ذاتها فإن مقتضى مبدأ أصل البراءة يفرض وجوب تطبيقه على كافة المتهمين دون تمييز. وفي ذلك مراعاة لمبدأ المساواة النابع مما تقتضيه قاعدة القانون من اتصافها بالعمومية والتجريد.

حمل باقي البحث من المرفقات