المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الركن المعنوى والدستور



أحمد أبو زنط
09-11-2009, 08:35 PM
- أهمية الركن المعنوى:ليست الجريمة كياناً مادياً خالصاً ، ولكنها كذلك كيان نفسى ، وإذا كان القانون الجنائى يهتم أساساً بالفعل المادى المرتكب ، بحيث أنه إن انتفى وصف الفعل انتفت الجريمة ؛ فإن القانون الجنائى يهتم كذلك بالركن المعنوى فإذا انتفى هذا الركن انتفت الجريمة كذلك. فلا قيام للجريمة بغير ركن معنوى. وتفسير ذلك أن هذا الركن هو الذى يعبر عن الإثم الذى حاك فى نفس الجانى ، وحيث تتجرد النفس من هذا الإثم فلا توجد جريمة ، ولذلك قيل بأن "الفعل لا يكون آثماً إلا إذا كانت النفس آثم


وترجع أهمية الركن المعنوى فى أنه يتضمن العلاقة النفسية التى تربط بين ماديات الجريمة، وشخصية الجانى ، وجوهر هذه العلاقة هو الإرادة. وهذه العلاقة محل للوم القانون لأنه يسبغ على ماديات الجريمة صفة غير مشروعة ، وينهى الناس عن أن تكون لهم بها علاقة. وللركن المعنوى أهمية كبيرة فى كيان الجريمة ذلك أن الجريمة عمل إنسان يسأل عنها ويتحمل العقوبة المقررة من أجلها ، وإذا كان الشارع يضع قواعد التجريم ويسبغ على بعض الأفعال الصفة غير المشروعة ؛ فإنما يفعل ذلك لكى ينهى الأفراد عن ارتكابها ، وهو يهتم -حينما يُرتكب فعل غير المشروع- فى أن يبحث عن المسئول عن هذا الفعل ، ولا يستطيع القانون تحديد هذا المسئول إلا إذا قامت علاقة من نوع خاص بين ذلك الفعل وذلك الشخص . فأهمية الركن المعنوى مستمدة من كونه وسيلة القانون كى يطبق على الأفراد ، وهو بذلك وسيلته فى تحديد الشخص الجدير بالمسئولية الجدير تبعاً لذلك أن ينزل به العقاب وتتحقق فيه أغراضه الاجتماعية([2] (http://www.hccourt.gov.eg/elmglacourt/ashraf.htm#%282%29#%282%29)).
وهناك صلة بين إثم الجانى والعقوبة التى يقررها الشارع للجريمة: فالمعيار الذى يقيس به الشارع قدر العقوبة ونوعها هو "إثم الجانى" المصاحب للفعل ، فهذا الإثم يشكل "قاعدة عليا للتقدير"([3] (http://www.hccourt.gov.eg/elmglacourt/ashraf.htm#%283%29#%283%29)) يجب على الشارع الأخذ بها بعين الاعتبار حال تقديره للعقوبة. وهذه القاعدة تعنى أن قدر وحدود العقوبة واتصافها بالعدالة يرتبط على نحو لازم مع درجة إثم الجانى([4] (http://www.hccourt.gov.eg/elmglacourt/ashraf.htm#%284%29#%284%29)). وقد يفضى عدم تناسب العقوبة مع هذا الإثم والمبالغة فيها إلى عدم دستورية النص عليها.
- تقسيم: نتناول فى هذا الفصل الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية العليا فى شأن النص على المسئولية والركن المعنوى فى الجريمة فى مبحثين مستقلين ، ثم نتبعهما بمبحث ثالث ، نبين فيه أثر تطبيق هذه الضوابط على بعض نصوص التجريم، وهو عمل فقهى محض يحاول تطبيق الضوابط السابقة على نصوص سارية وصولاً لما إذا كانت هذه النصوص تتفق مع هذه الضوابط أم أنها تتنافر معها.


المبحث الأول

الضوابط الدستورية للمسئولية الجنائية
- تمهيد:
أثارت فكرة المسئولية بدون خطأ أو ما يعرف بالمسئولية المادية جدلاً فقهياً كبيراً ، واختلفت الآراء واتجاهات التشريعات ، هل يوجد جرائم بدون ركن معنوى ، بحيث يسأل الجانى عن الفعل فحسب؟ ؛ أم أن هذا الركن لازم فى كل الجرائم بحيث لا يتصور ارتكاب الجريمة بدونه؟ ، ثم ثار خلاف آخر يتصل بالمسئولية عن فعل الغير ، فهل يمكن أن يسأل شخص عن عمل غيره ، حتى ولو لم يكن لديه الإثم الذى يبرر تقرير مسئوليته عنه؟ ، وهذا الخلاف ليس نظرياً ؛ بل تردد صداه فى التشريعات المختلفة ، ولذلك يقع على عاتق الدراسة استخلاص الضوابط التى أقرتها المحكمة الدستورية العليا فى ذلك.
- المسئولية المادية أو المسئولية بدون خطأ:
تتطلب الجريمة توافر الإثم لدى الجانى ، فحيث لا خطيئة ، فلا جريمة ، إذ لا يمكن مؤاخذة الجانى عن فعل تجرد من الإثم. وقد أثير التساؤل عما إذا كان من الممكن قيام المسئولية الجنائية دون إثم ، أى أن تكون مسئولية مادية تستمد من ارتكاب الجانى الفعل المجرم بصرف النظر عن الركن المعنوى لديه ، وهذا النوع من الجرائم يطلق عليها الفقه "الجرائم المادية"([5] (http://www.hccourt.gov.eg/elmglacourt/ashraf.htm#%285%29#%285%29)). وقد ثار التساؤل بصفة خاصة بمناسبة بحث مدى ملائمة تقرير المسئولية عن فعل الغير ، إذ أن هذه المسئولية لا تعدو أن تكون صورة من صور المسئولية المادية.

حمل باقي البحث من المرفقات