المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الاموال



أحمد أبو زنط
09-12-2009, 01:04 AM
والاتجاهات الدولية لمكافحته

علي حمادة

تمهيد :-

تعتبر جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، انها التحدي الحقيقي أما مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة ،
وغسيل الاموال ، جريمة ذوي الياقات البيضاء ، تماما كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية ،
وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية .
وغسيل الاموال ايضا ، نشاط اجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الاموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، الى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا ايضا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقارفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة .
لا احد يعرف الحجم الحقيقي للمبالغ التي يجري غسلها عبر انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ولكن ثمة اتفاق عالمي انها مبالغ ضخمة بالمليارات ، والتقدير الحالي انها تبلغ نحو 100 بليون في امريكا وحوالي 300 بليون في العالم ، وجرائم غسيل الاموال ليست حكرا على الدول الصناعية او مجتمعات الثروة ، بل انها تتسع وتنمو في بنية الدول التي يسهل النفاذ عبر ثغرات نظامها القانوني .
وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الاموال متغيرة وعديدة ، وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية ( مواد ثمينة ) ، وموجودات عقارية او نحو ذلك ، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الاكثر استهدافا لانجاز انشطة غسيل الاموال من خلالها ، واذا كانت البنوك مخزن المال ، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الاموال القذرة صفة المشروعية .
ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيسي في عمليات غسيل الاموال ، ويرجع ذلك الى دور البنوك المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية ( الاجنبية ) والحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغيرها ، وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط اكثر سهولة من حيث الاداء واقل رقابة من حيث آلية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية او بنوك الويب على شبكة الانترنت ، ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خير وسيلة لتستغل بغرض من اجل اخفاء المصدر غير المشروع للمال .
ومن جهة اخرى ، فان البنوك ذاتها ، تعد راس الحربة في مكافحة انشطة غسيل الاموال ، لحماية نفسها أولا من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها او مشاركتها في هكذا انشطة ، وللمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الاموال.
وتحتاج البنوك لمعرفة معمقة وشاملة بشان الاليات التي تتبع لغسيل الاموال ، مع الادراك انها اليات متغيرة ومعقدة غالبا ما تنشا من فكرة احتيالية او جرمية تولدت عن معرفة معمقة لصاحبها بالعمل المصرفي ان لم يكن قد لجا لخبرة مصرفية مميزة للحصول على الفكرة . من هنا كانت عمليات غسيل الاموال في الحقل المصرفي وليدة ( خبرة ) مصرفية ، ومن هنا ايضا فان كشفها ومنعها يحتاج ( خبرة ) مصرفية ، وهذه الحقيقة تدفعنا للقول ان غسيل الاموال ومكافحته صراع بين خبرات فنية من ذات المصدر والبيئة مع تباين في الهدف ، فغسيل الاموال جهد شرير ومكافحته جهد خير ، وبين الخير والشر ثمة مساحة من الاجتهاد والحركة يجب ان تسد دائما لصالح الخبرة الخيرة اذا ما اريد لانشطة المكافحة ان تنجح وتحقق فعالية مميزة .

. 1يد القضاء تمتد لما فوق البحار

حتى وقت قريب كان يسود الاعتقاد ان يد القضاء لا تمتد الى الاشخاص الاجانب الذين يملكون المال القذر او يمارسون انشطة تتصل بغسيل الاموال من خارج الحدود او اؤلئك الذين لا ينتسبون الى نطاق اختصاص المحكمة التي يوجد في نطاقها المؤسسة المصرفية او المالية التي تم من خلالها اجراء عمليات الغسل ، وكذلك كان يسود الاعتقاد ان مكافحة غسيل الاموال مقتصر على اموال المخدرات القذرة ، وبكل الحالات لا يمتد الى الاموال الناشئة عن الفساد المالي والاداري للقيادات والمسؤولين المدنيين والعسكريين ، لكن هذا المفهوم يتغير شيئا فشيئا ، وتمتد يد القضاء لتطال من هم خارج نطاق الاختصاص المكاني للمحاكم ولتطال ايضا مسؤولين متنفذين عن محاولات وانشطة غسيل الاموال المتحصل من الفساد الاداري .

وتمثل قضية لوزارينكو ( رئيس الوزراء الاوكراني السابق ) مثالا مميزا في هذا الحقل ، فقد تمت ادانته لانشطة غسيل الاموال من قبل القضاء السويسري وفي الوقت ذاته وبعد هربه الى امريكا ومحاولاته اللجوء السياسي للتملص من الحكم السويسري الصادر بحقه ، جرى توجيه الاتهامات اليه وتجري محاكمته امام القضاء الامريكي .


ما سبق نبذه عن الموضوع . حمل الملف كاملا من هنا