المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحماية الجنائية لل



أحمد أبو زنط
09-14-2009, 08:32 PM
1- حول فكرة القانون الجنائى للأعمال

كشفت السنوات الأخيرة، ومع تنامى صيحات العولمة La globalisation ou la mondialisation والخصخصة La prévitisation التى بدأت تضرب العديد من الثوابت المجتمعية التى لطالما دافعنا عنها لعقود طويلة فى مناهجنا التعليمية ووسائلنا الإعلامية، عن إحدى المشكلات التى بدأت تؤرق الفقه الجنائى, لما لها من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ألا وهى مشكلة الانحراف المالى من قبل القائمين على إدارة المشروعات التجارية والاقتصادية، وخاصة التي تتخذ منها شكل الشركة سبيلا لممارسة نشاطها. فلقد سمح هذا الهيكل القانوني (الشركة)، والذي قد يتعدى إقليم الدولة الواحدة، مكونا ما يعرف بالشركات عابرة الحدود، للكثيرين من خربى الذمة إلى الانحراف بسلطتهم في إدارة المشروع أملين تكوين الثروات الطائلة، بل واتخاذه أحيانا ستارا لجمع الأموال من بين أيدى الجمهور في إطار الدعوة للاكتتاب العام في أسهم الشخص المعنوى الوليد الذي غالبا ما يكون شركة وهميةSociété fictive سرعان ما يهرب مؤسسيها دون أن تطولهم يد القانون تاركين ورائهم ألاف الأسر وقد تبددت أحلامهم التي سعوا إلى تحقيقها حال المشاركة والاستثمار فيها.

هنا يطل علينا القانون الجنائى برأسه دافعا الفقه إلى التساؤل حول إمكانية رسم سياسة جنائية وعقابية رادعة تؤمن للمساهمين في مجال الشركات إدارة جيدة وأمينة لأموالهم التي ساهموا بها والكيفية التى يمكن بها للقانون الجنائى أن يعوض غياب القوة المضادة والتي كان يجب أن يتمتع بها المساهمين من خلال الجمعيات العمومية للشركات، للقوة التي يتمتع بها القائمين على إدارة المشروعات التجارية والاقتصادية.
يجب علينا بادئ ذى بدء أن نؤكد على أن تلاقى القانون الجنائى بمجتمع رجال الأعمال والقائمين على إدارة الشركات قد أفرز منذ سنوات عديدة وخاصة فى فرنسا ما يسميه الفقهاء بالقانون الجنائى للأعمالDroit pénal des affaires ، والذي يعرف بأنه الفرع من القانون الجنائى الذي يهتم بحياة المشروع التجاري La branche du droit pénal intéressée par la vie de l’entreprise، والذي يستهدف توفير الحماية الجنائية للأفراد الذين يربطهم نشاط ما مع المشروع ضد أي شكل من أشكال الانحراف أو الإساءة1 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn1)Certaines formes d’abus. ولقد بدأ هذا الفرع يمثل أرضا خصبة للجدل والنقاش في الفقه الجنائى الفرنسى وخاصة في السنوات العشر الأخيرة حين بدأت وسائل الإعلام المختلفة تسلط الأضواء على العديد من رجال الأعمال والوزراء الذين انحرفوا بسلطتهم وساهموا في تبديد رؤوس أموال العديد من الشركات الفرنسية. هذا الانحراف الذي يمثل صداعا مزمنا للحكومة الفرنسية الحالية والذي على أثرة تقدمت هذه الأخيرة بالعديد من مشروعات القوانين لتقوية قبضة القانون الجنائى في هذا المجال إلا أن هذه المشروعات جميعها باءت بالفشل نظراً للصراع السياسى القائم ولوجود مراكز القوى لا تبغى لهذه المشروعات أن تجد طريقها للنجاح1 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn2).
ولعلنا نبادر إلى القول بأن التدخل الجنائى في حياة الأعمال يعد أمراً غريبا للقائمين على هذه الأخيرة. فحياة الأعمال مجال يستعصى على القيود القانونية عموما ويبغى الجميع، مشرعين ورجال أعمال، أن يسودها عديد من الحريات الأساسية التي تشجع الطاقات على المنافسة والاستثمار، ومنها حرية ممارسة التجارة Liberté d’entreprendre وحرية المنافسةLiberté de concurrencer وحرية التعاقدLiberté de contracter . غير أن الإجماع على هذا الأمر لا يعنى وجوب وقوف أفرع القانون عامة والقانون الجنائى خاصة على الحياد وبعيدا عن هذا المجال. فالمعلوم أن في هذا المجال - مجال الأعمال - يتمتع القائمين على هذا الحقل بالسلطة والنفوذ الذى يؤهلهم إلى الانحراف والإساءةL’abus ، لذا لزم التدخل لوضع الحدود والقيود اللازمة لكبح جماح هذه السلطة.
وقد تلعب نظرية التعسف في استعمال الحقThéorie d’abus de droit دورها في هذا المجال لتمثل الأداة الضابطة للتجاوزات المرتكبة من قبل رجال الأعمال2 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn3)Cette théorie peut jouer en matière d’affaires un rôle régulateur, correcteur des excès manifestes. بيد أن الجزاءات المدنية لتلك النظرية - ( البطلانLa nullité - التعويضLes dommages intérêts ) - تعد غير ناجعة فى الكثير من الأحيان، مما يؤهل القانون الجنائى لأن يتدخل بقوة فى هذا الحقل بجزاءاته المختلفة ليمارس سياستا الردع والعقاب ضد الاستعمال السيئL’usage abusif والمنحرف للأموالLes biens وائتمانCrédit المشروعات والشركات التجارية.
وهناك حقيقة يجب التأكيد عليها وهى أن الانحراف والتعسف فى إدارة أموال وائتمان الشركات لا يمثل الشكل الوحيد لانحراف رجال الأعمال أو ما يسمى إجرام رجال الأعمال Criminalité des affaires. فالتجاوزاتLes excès المرتكبة فى هذا المجال، والتى يجرمها القانون الجنائى للأعمال، يمكن تقسيمها إلى قسمين :
الأول يتعلق بالعلاقات القانونية خارج أو حول المشروع التجارى Autour de l’entreprise ، والثانى يتعلق بالعلاقات القانونية داخل هذا الأخير Au sein de l’entreprise . فبالنسبة للطائفة الأولى من الجرائم فإن فرع القانون الجنائى للأعمال يجرم عددا من الانحرافات التى تمثل اعتداء على مصالح متشعبة منها على سبيل المثال ما يمثل اعتداء على مصالح الشركاء الاقتصاديين للمشروعLes partenaires de l’entreprise، كالدائنينLes créanciers (كجرائم الإفلاس1 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn4))، والمنافسينLes concurrents (كجرائم المضاربة على الأسعارSpéculation sur les prix وجرائم المنافسة غير المشروعة والممارسات الماسة بحرية المنافسةPratiques anticoncurrentielles والاتفاقات غير المشروعة Entente illicite واستغلال المركز الاحتكارى فى السوق والاستغلال الاقتصادىExploitation abusive de position dominante ou de 2 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn5)dépendance économique)، والمستهلكينLes consommateurs (كالجرائم الخاصة بالدعاية الكاذبة أو الخادعة publicité mensongère ou trompeuse أو البيوع التعسفية3 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn6)Ventes agressives ) والدولة ذاتها (كالجرائم الضريبية والجمركية).
أما بالنسبة للطائفة الثانية فإن فرع القانون الجنائى للأعمال يجرم بعض الأفعال التى تمثل اعتداء على مصالح القوى القائمة داخل المشروع وهما العمالSalariés (مثل الجرائم المتعلقة بالحقوق الجماعيةDroits collectifs والفرديةDroits individuelles للعمال وما يتعلق بتنظيم العمل ذاته الخ ...) والمساهمين أو الشركاء داخل المشروع Les actionnaires ou les associés ، أو ما نسميهم حائزى رأس المالDétenteurs du capital (كالجرائم الواقعة حال تأسيس الشركة مثل الإعلانات الكاذبة عند تجميع رأس المالFausses déclarations dans la constitution du capital وما يتعلق بالتدليس فى تقدير الحصص العينيةMajorations frauduleuses d’apports en nature أو إصدار وتداول أسهم شركات تأسست على خلاف أحكام القانونEmission ou négociation d’actions de sociétés irrégulièrement constituées وكالجرائم الواقعة حال إدارة الشركة ذاتها، كما فى جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات L’abus de biens ou de crédit sociaux وكتقديم أو نشر موازنة كاذبة La présentation ou la publication de faux bilans وتوزيع أرباح صورية Distribution de dividendes fictifs4 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftn7))
هذا التقسيم يوضح لنا أن فرع قانون الجنائى للأعمال يضم فى ذاته أفرع قانونية عديدة منها القانون الجنائى للمنافسة، القانون الجنائى للمستهلك والقانون الجنائى للشركات والقانون الجنائى للعمل الخ... غير أننا لا نستهدف بهذه الدراسة إجراء توصيف لكل هذه الجرائم أو التجاوزات الممكنة فى حياة رجال الأعمال وفى حياة المشروع التجارى، بل إننا نستهدف استجلاء سياسة المشرع الفرنسى الجنائية بصدد طائفة معينة من هذه الأفعال ألا وهى ما يتعلق فقط بإدارة أموال وائتمان الشركات بحسبانها أخطر الأفعال تأثيرا على الاقتصاد والذى تمثل الشركات عمادة وركنه الركين، ولنا فيما مارسته شركات توظيف الأموال فى السنوات السابقة وما أحدثته من هزة فى المجتمع المصرى لسند يدعم هذا الاختيار.

1 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref1) لمزيد من التفصيل حول هذا الفرع
M. Delmas-Marty, Droit pénal des affaires, t. I et II, 3ème éd. PUF., 1990 ; C. Ducouloux-Favard, Droit pénal des affaires, Masson 1987 ; P. Dupont-Delestrant, Droit pénal des affaires et des sociétés commerciales, 2ème éd. Dalloz, 1980 ; W. Jeandidier, Droit pénal des affaires, 2ème éd. Dalloz, 1996 ; J. Larguier et Ph. Conte, Droit pénal des affaires, 9ème éd. Armand Colin, 1998 ; G. Giudicelli-Delage, Droit pénal des affaires, 3ème éd. Mémentos Dalloz, 1996 ; P. Gautier et B. Lauret, Droit pénal des affaires, 6ème éd. Economica, 1996.


1 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref2) Ph. Marini, La modernisation du droit des sociétés : Rapport au Premier ministre, La documentation française, 1996 ; P. Mazeaud, Proposition de la loi n°2335 relative à la prescription du délit d’abus de biens sociaux, JOAN., 6 nov. 1995 ; P.-C. Taittinger, Proposition de la loi n°317 relative à la prescription d’abus de biens sociaux, JO. Sénat, 17 juin 1995.


2 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref3) فى هذا المعنى
J. Mestre, L’abus de droit dans la vie des affaires : propos introductifs, in L’abus dans le droit des affaires, Dossier spécial, Dr. et patrimoine, n°83, juin 2000, p. 38.


1 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref4) G. Kellens, Banqueroute et banqueroutiers, Dessart et Mardaya, Bruxelles, 1974 ; M.-C. Sordino, Le délit de banqueroute, contribution à un droit pénal des procédures collectives, Litec, 1996.

2 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref5) راجع على سبيل المثال الأنشطة المحظورة بالمادتين 7 و 8 من المرسوم الصادر فى الأول من ديسمبر 1986 والجزاءات المنصوص عليها بالمادة 17 من هذا المرسوم.
J. Azema, droit pénal et relation interentreprises, in bila, et perspectives du droit pénal de l’entreprise, Economica, D. 1987, chron. 183 ; V. Selinsky, L’entente prohibée, Libraire Technique, 1979.

3 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref6) لمزيد من التفصيل
M. Delmas-Marty, Le droit pénal de la vente, D. 1973, chron. 323 ; D. Mayer, droit pénal de la publicité, Masson, 1979 ; J. Calais-Auloy, Les ventes agressives, D. 1970, chron. 37.


4 (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=9#_ftnref7) لشرح تفصيلى للجرائم المتعلقة بحياة المشروع وعلاقاته الداخلية والخارجية
P.-H Sabin, L’entreprise et le droit pénal, th. Pau, 1981, p. 37 et s.