أحمد أبو زنط
09-14-2009, 08:54 PM
من إلقــــــــــاء السيد بلمولود يحـــــــــــــي
وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي عيسى
مقدمة
إن جهاز النيابة العامة يشكل المواجهة الأولى بين الحالة الجرمية و السلطة القضائية، و تضطلع النيابة بوضعها هذا بدور أساسي إلى جانب محاربة الجريمة هو حماية حقوق الإنسان بصرف النظر عن المركز الذي يحتله في الحالة الجرمية، سواء كان الضحية أم المجرم أم الشاهد، بل إنّ دور النيابة العامة في حماية حقوق الإنسان في المرحلة ما قبل المحاكمة يتعاظم باعتبار أن عضو النيابة هو الجهة القضائية الوحيد ة التي تشرف في هذه المرحلة على الدعوى الجزائية و على طريقة معاملة الأفراد المرتبطين بها.
و لهذا تتجلى أهمية سلوك بعض المعايير الراعية لحقوق الإنسان و لاسيما حقوق الضحايا حين الكشف عن الجريمة من قبل النيابة و كذلك فرض التزام الأجهزة المساعدة للنيابة و منها الضبطية القضائية للأخذ بتلك المعايير و إلا ذهب نفع هذا بسوء ذلك.
و أن المساس بحقوق الضحايا و حقوق الإنسان بصفة عامة في فترة ما قبل المحاكمة يسيء بشكل أساسي و عميق إلى النيابة في المرتبة الأولى ثم الإساءة للجهاز القضائي ككل, فالثقة بالقضاء هو من الركائز الأساسية في المجتمع و هي تعبر على الباب الأول و هو النيابة.
1. الإجراءات الجزائية ما قبل المتابعة:
غالبا ما تبدأ الإجراءات الجزائية في الدعوى العمومية بمرحلة البحث و التحري أو مرحلة الاستدلالات التي تتولاها أصلا الضبطية القضائية تكون إجراءات التحقيق الابتدائي هذه تحت ادارة وكيل الجمهـورية و يشرف عليها النائـب العام لدى المجلس، طبقا للمادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية. و يكلف وكيل الجمهورية ضابط الشرطة القضائية باتخاذ إجراءات البحث و التحري في القضية ما إذا رأى ذلك مناسبا.
و عندما ينتهي ضابط الشرطة القضائية من مهمته يرسل محاضر التحقيق الابتدائي إلى وكيل الجمهورية الذي له حق التصرف فيها.
و لقد سمح المشرع للضحية من جريمة بتقديم شكوى لإثارة الدعوى العمومية بمقتضاها يحدد نوعية الأفعال المرتكبة و الفصول المجرمة لها و نوعية الأضرار الناجمة عن الفعل المجرم و تحديد التعويض.و على ضوء ما تقدم سنعالج دراسة الإجراءات الجزائية ما قبل المتابعة القضائية في النقاط التالية:
- دور الضبطية القضائية في مجال التحقيق الابتدائي.
- النيابة و سلطاتها اتجاه الدعوى العمومية.
- ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى الجزائية.
- 1.1دور الضبطية القضائية في مجال التحقيق الابتدائي
مهام الضبطية القضائية:
إن ضباط الشرطة القضائية عامة مكلفون بمباشرة إجراءات التحقيق الابتدائي بمقتضى المواد: 12. 13. 17. 63 من قانون الإجراءات الجزائية و التي يمكن حصرها فيما يلي:
- البحث و التحري عن الجرائم.
- جمع الأدلة.
- البحث عن مرتكبيها.
- تلقي الشكاوى و البلاغات و جمع الاستدلالات.
- إجراء التحقيقات الابتدائية و ضبط الجرائم المتلبس بها.
و في غالب الأحيان في هذه التحقيقات تكون بناءاً على شكوى الضحية و تصريحاته و هذا ما يجعلهم يركزون على الضحايا في مكافحة الجريمة. "أسلوب التركيز على الضحايا هو مفتاح النجاح في مكافحة الجريمة و حاسم الأهمية في مقاضاة مرتكبي الجريمة".
واجب ضابط الشرطة القضائية اتجاه الشكوى التي ترد إليه:
و المهام المنوطة بالضبطية القضائية المشار إليها واجب قانوني و من ثمة لا يجوز الامتناع عن القيام بهذا الواجب أو التخلي عن المهمة لجهة أخرى حتى و لو كانت هذه الجهة هي بدورها مختصة بنظر الموضوع.
فإذا حصل أن تقدم شخص أو بلاغ لضابط الشرطة القضائية بخصوص جريمة وقعت عليه هو مختص قانوناً بالتحقيق فيها، فلا يجوز له الامتناع عن قبول الشكوى أو رفض التدخل أو التخلي عنها بإحالة المشتكي على جهة أخرى مختصة كوكيل الجمهورية أو الدرك الوطني مثلاً لأن ذلك يعد تخليا عن واجب قانوني الأمر الذي يعرضه للمساءلة التأديبية أمام غرفة الاتهام تطبيقاً لمقتضيات المادة: 209 من قانون الإجراءات الجزائية فضلا عن المساءلة الإدارية.
كما يعد كل تقاعس أو تهاون و عدم التدخل من ضابط الشرطة القضائية بغرض حماية الأشخاص أو الأموال عند طلبهم إهمالاً قد يشكل جريمة بمفهوم المادتين: 109 و 182 من قانون العقوبات. و كما يقول الخبراء "إن ضمانات الحماية تشجع على التعاون في الدعاوى القضائية".
و في هذا الصدد لقد رتب القضاء الفرنسي المسؤولية الجزائية لضابط الشرطة القضائية نتيجة عدم تدخله في الوقت المناسب على إثر شكوى قدمتها امرأة ضد زوجها الذي كان يمارس عليها العنف باستمرار إلى أن فقدت إحدى عينيها نتيجة أعمال العنف، حيث اعتبر القضاء ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بالاعتداء المتكرر و لم يتدخل في الوقت المناسب يكون قد ارتكب جريمة التهاون و عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر المنصوص عليها في المادة: 182 من قانون العقوبات.
تصرف ضابط الشرطة القضائية في محاضر التحقيق الابتدائي:
لا يمكن بأي حال لضابط الشرطة القضائية أن يقرر من تلقاء نفسه حفظ القضية و يتعين عليه طبقاً للمادة: 18 من قانون الإجراءات الجزائية أن يحرر محضرا بأعماله و أن يبادر بغير تمهل بإخطار وكيل الجمهورية و إفادة هذا الأخير بأصول المحاضر و نسخها و التي تمّ تحريرها عن جميع الاستدلالات بعد إنجاز عمله. و يعتبر هذا بمثابة ضمان في إنصاف الضحية بتقرير حق التصرف في محاضر الاستدلال لوكيل الجمهورية.
_ 2.1النيابة و سلطاتها اتجاه الدعوى العمومية:
من المعلوم أن لكل دعوى طرفان المدعي و المدعى عليه سواء كانت هذه الدعوى مدنية أو جزائية، و أن المدعي في الدعوى المدنيـة همه الأول في دعواه مصلحـة شخصية يبغي من وراء إدعائه تحقيقها، و هو ما نعبر عنه بشرطي الصفة و المصلحة في الدعوى، إلا أن الأمر في الدعوى الجزائية يختلف، حيث أن المدعي في الدعوى العمومية هو الهيئة الاجتماعية أو المجتمع صاحب الحق في العقاب الذي تقام الدعوى العمومية من اجل تقريره و استخلاص النتائج القانونية المترتبة على ذلك، و لذلك أقام الشارع عن المجتمع ممثلاً قانونياً هو النيابة العامة.
تكييف سلطة النيابة:
- إن النقاش الدائر حول استقلال من عدم استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية غير مطروح بهذه الحدة في نظامنا القضائي الجزائي من جهة لعدم التميز بين قضاة النيابة و قضاة الحكم فيما يخص حياتهم المهنية في الحقوق و الواجبات وتمتعهم بالضمانات المكرسة في الدستور للقضاة، كما أن دستور الدولة الجزائرية لم يميز بين قضاة الحكم و قضاة النيابة.
_المركز القانوني للنيابة:
فالنيابة في نظامنا القضائي و القانوني مؤسسة قضائية صرفه بكل المواصفات و هي شعبة من شعب السلطة القضائية و هي النائبة عن المجتمع و الممثلة له في المصالح العامة و تسعى في تحقيق موجبات القانون، و تختص دون غيرها بتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها.
_دور النيابة واختصاصاتها:
تؤدي النيابة دوراً فعالاً في الإجراءات الجزائية بما في ذلك بدء المتابعة الجزائية و الاضطلاع ضمـن ما يسمح به القانون بالتحقيق الأولي في الجرائـم و الإشراف على قانونية التحقيقـات، و تنفيذ قرارات جهات التحقيق و الحكم. – المادة: 21 من قانون الإجراءات الجزائية-
و هي ما نصت عليه المادة: 36 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
"يقوم وكيل الجمهورية بما يأتي:
تلقي المحاضر و الشكاوي و البلاغات و يقرر ما يتخذه بشأنها ويخطر الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها، أو يأمر بحفظها بمقرر يكون قابلاً دائما للمراجعة و يعلم به الشاكي و الضحية إذا كان معروفاً في أقرب الآجال ...."
كما نصت المادة: 40- 01 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
"عندما يقرر وكيل الجمهورية أن الوقائع التي وصلت إلى علمه طبقاً لأحكام المادة: 40 من هذا القانون تشكل جريمة تم ارتكابها من طرف شخص معلوم الهوية و الموطن و غير خاضع لأي قيد قانوني من حيث تحريك الدعوى العمومية يقرر وكيل الجمهورية المختص محلياً حسب الحالة:
1. أن يباشر إجراءات المتابعة الجزائية.
2. أن يباشر إجراءات بديلة للمتابعة تطبيقاً لأحكام المواد: 41- 1و 41-2.
3. أن يحفظ أوراق القضية إذا تبين له ذلك من خلال ظروف القضية.
"قانون رقم: 85- 1407 مؤرخ في: 30-12-1985 دخل حيز التنفيذ في: 01-02-1986 المعدل و المتمم بقانون رقم: 07- 297 المؤرخ في: 05 مارس 2007".
و إذا رخص القانون لبعض الأشخاص تحريك الدعوى العمومية كالمدعي المدني فإن صفة الإدعاء الجزائي تستأثر بها النيابة بمباشرة الدعوى العمومية بعد تحريكها، فيما يقتصر دور المدعي المدني على تمثيل الإدعاء في الدعوى المدنية. و النيابة في ممارستها لسلطة الاتهام أو الإدعاء تسلك أحد النظامين و هما: - نظام الشرعية و نظام الملاءمة.
نظام الشرعية: يحتم على النيابة تحريك الدعوى العمومية بطريق الوجوب و الإلزام حتى تصل الدعوى إلى يد القضاء (نظام إلزامية رفع الدعوى العمومية).
و من ضمانات مبدأ الشرعية: - التظلم بطريق الطعن (تظلم رئاسي+ تظلم قضائي).
- إسهام الفرد في تحريك الدعوى العمومية.
نظام الملاءمـة: و هو نظام يمنح للنيابة سلطة أكبر من تلك الممنوحة في نظام الشرعية، فتعطي للنيابة السلطة التقديرية في ملاءمة تحريك الدعوى العمومية و السير فيها أو عدم تحريكها.
و هناك من القوانين من أدرج نظام الملاءمة بأسلوبين مختلفين.
- على وجه الاستثناء: بتكريس مبدأ الشرعية كقاعدة عامة غير أنه ينص على عدد معين
من الاستثناءات.
- على وجه عام: عدم وجود الالتزام المطلق للنيابة في تحريك الدعوى العمومية.
و أساس هذا النظام هو الأخذ بنظرية البواعث.
و يمكن حصر سلطة النيابة اتجاه الدعوى العمومية في صورتين:
1) سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية.
2) سلطة النيابة في الامتناع عن تحريك الدعوى العمومية
_ 2.2.1سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية:
طبقا للمادة: 29 من قانون الإجراءات الجزائية "تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع
و تطالب بتطبيق القانون".
القاعدة العامة: طبقاً للمادتين: 1- 29 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن النيابة هي التي تختص دون سواها بتحريك الدعوى العمومية عن طريق تصرفها في محاضر الضبطية القضائية التي ترد إليها بتقريرها إما إحالة الدعوى مباشرة إلى المحكمة أو فتح تحقيق فيها و إما حفظ الأوراق المواد: 36 من قانون الإجراءات الجزائية، 333. 334. 59. 338 من قانون الإجراءات الجزائية.
الاستثناء: طبقاً للمادة الأولى فقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يجوز للمتضرر من الجريمة أن يحرك الدعوى العمومية بتقديم شكوى مصحوبة بإدعاء مدني أمام قاضي التحقيق المادة:72 من قانون الإجراءات الجزائيـة و حتى إقامتها مباشرة بإحالة المتهـم أمام المحكمة في بعض الحالات و بشروط محددة، المادة: مكرر337 من قانون الإجراءات الجزائية.
القيود الواردة على سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية:
هناك بعض الجرائم رأي المشرع لاعتبارات معينة تقييد سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية بشأنها، لتعلق تحريك الدعوى العمومية على شكوى أو إذن أو طلب.
- حال الشكوى: في جرائم الزنا: 339 من قانون العقوبات، السرقات وخيانة الأمانة بين الأقارب: 369، الإهمال العائلي: 330 من قانون العقوبات، مخالفة الجروح الخطأ: 442/ 2 من قانون العقوبات.
- حال الطلب: المواد: 161 إلى 164 من قانون العقوبات (شكوى من وزير الدفاع)
- حال الإذن: المواد: 109، 110 الدستور أو بتنازل صريح (حصانة النائب العام أو عضو مجلس الأمة).
_ و هناك حالات لا يمكن للنيابة فيها تحريك الدعوى العمومية بنص القانون:. 1ما تضمنته المادة: 06 من القانون 04- 18 المؤرخ في: 25/ 12/2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها.
"لا تمارس الدعوى العمومية ضد الأشخاص الذين امتثلوا إلى العلاج الطبي الذي وصف لهم لإزالة التسمم و تابعوه حتى نهايته.
و لا يجوز أيضاً متابعة الأشخاص الذين استعملوا المخدرات أو المؤثرات العقلية استعمالاً غير مشروع إذا ثبت أنهم خضعوا لعلاج مزيل للتسمم أو كانوا تحت المتابعة الطبية منذ حدوث الوقائع المنسوبة إليهم
".. 2ما تضمنته المادة: 45 من الأمر 06- 01 المؤرخ في: 27 فيفري 2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، الخاصة بإجراءات تجسيد عرفان الشعب الجزائري لصناع نجدة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
" لا يجوز الشروع في أي متابعة بصورة فردية أو جماعية في حق أفراد قوى الدفاع و الأمن للجمهورية، لجميع أسلاكها بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص و الممتلكات و نجدة الأمة و الحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
و يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل بلاغ أو شكوى".
وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي عيسى
مقدمة
إن جهاز النيابة العامة يشكل المواجهة الأولى بين الحالة الجرمية و السلطة القضائية، و تضطلع النيابة بوضعها هذا بدور أساسي إلى جانب محاربة الجريمة هو حماية حقوق الإنسان بصرف النظر عن المركز الذي يحتله في الحالة الجرمية، سواء كان الضحية أم المجرم أم الشاهد، بل إنّ دور النيابة العامة في حماية حقوق الإنسان في المرحلة ما قبل المحاكمة يتعاظم باعتبار أن عضو النيابة هو الجهة القضائية الوحيد ة التي تشرف في هذه المرحلة على الدعوى الجزائية و على طريقة معاملة الأفراد المرتبطين بها.
و لهذا تتجلى أهمية سلوك بعض المعايير الراعية لحقوق الإنسان و لاسيما حقوق الضحايا حين الكشف عن الجريمة من قبل النيابة و كذلك فرض التزام الأجهزة المساعدة للنيابة و منها الضبطية القضائية للأخذ بتلك المعايير و إلا ذهب نفع هذا بسوء ذلك.
و أن المساس بحقوق الضحايا و حقوق الإنسان بصفة عامة في فترة ما قبل المحاكمة يسيء بشكل أساسي و عميق إلى النيابة في المرتبة الأولى ثم الإساءة للجهاز القضائي ككل, فالثقة بالقضاء هو من الركائز الأساسية في المجتمع و هي تعبر على الباب الأول و هو النيابة.
1. الإجراءات الجزائية ما قبل المتابعة:
غالبا ما تبدأ الإجراءات الجزائية في الدعوى العمومية بمرحلة البحث و التحري أو مرحلة الاستدلالات التي تتولاها أصلا الضبطية القضائية تكون إجراءات التحقيق الابتدائي هذه تحت ادارة وكيل الجمهـورية و يشرف عليها النائـب العام لدى المجلس، طبقا للمادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية. و يكلف وكيل الجمهورية ضابط الشرطة القضائية باتخاذ إجراءات البحث و التحري في القضية ما إذا رأى ذلك مناسبا.
و عندما ينتهي ضابط الشرطة القضائية من مهمته يرسل محاضر التحقيق الابتدائي إلى وكيل الجمهورية الذي له حق التصرف فيها.
و لقد سمح المشرع للضحية من جريمة بتقديم شكوى لإثارة الدعوى العمومية بمقتضاها يحدد نوعية الأفعال المرتكبة و الفصول المجرمة لها و نوعية الأضرار الناجمة عن الفعل المجرم و تحديد التعويض.و على ضوء ما تقدم سنعالج دراسة الإجراءات الجزائية ما قبل المتابعة القضائية في النقاط التالية:
- دور الضبطية القضائية في مجال التحقيق الابتدائي.
- النيابة و سلطاتها اتجاه الدعوى العمومية.
- ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى الجزائية.
- 1.1دور الضبطية القضائية في مجال التحقيق الابتدائي
مهام الضبطية القضائية:
إن ضباط الشرطة القضائية عامة مكلفون بمباشرة إجراءات التحقيق الابتدائي بمقتضى المواد: 12. 13. 17. 63 من قانون الإجراءات الجزائية و التي يمكن حصرها فيما يلي:
- البحث و التحري عن الجرائم.
- جمع الأدلة.
- البحث عن مرتكبيها.
- تلقي الشكاوى و البلاغات و جمع الاستدلالات.
- إجراء التحقيقات الابتدائية و ضبط الجرائم المتلبس بها.
و في غالب الأحيان في هذه التحقيقات تكون بناءاً على شكوى الضحية و تصريحاته و هذا ما يجعلهم يركزون على الضحايا في مكافحة الجريمة. "أسلوب التركيز على الضحايا هو مفتاح النجاح في مكافحة الجريمة و حاسم الأهمية في مقاضاة مرتكبي الجريمة".
واجب ضابط الشرطة القضائية اتجاه الشكوى التي ترد إليه:
و المهام المنوطة بالضبطية القضائية المشار إليها واجب قانوني و من ثمة لا يجوز الامتناع عن القيام بهذا الواجب أو التخلي عن المهمة لجهة أخرى حتى و لو كانت هذه الجهة هي بدورها مختصة بنظر الموضوع.
فإذا حصل أن تقدم شخص أو بلاغ لضابط الشرطة القضائية بخصوص جريمة وقعت عليه هو مختص قانوناً بالتحقيق فيها، فلا يجوز له الامتناع عن قبول الشكوى أو رفض التدخل أو التخلي عنها بإحالة المشتكي على جهة أخرى مختصة كوكيل الجمهورية أو الدرك الوطني مثلاً لأن ذلك يعد تخليا عن واجب قانوني الأمر الذي يعرضه للمساءلة التأديبية أمام غرفة الاتهام تطبيقاً لمقتضيات المادة: 209 من قانون الإجراءات الجزائية فضلا عن المساءلة الإدارية.
كما يعد كل تقاعس أو تهاون و عدم التدخل من ضابط الشرطة القضائية بغرض حماية الأشخاص أو الأموال عند طلبهم إهمالاً قد يشكل جريمة بمفهوم المادتين: 109 و 182 من قانون العقوبات. و كما يقول الخبراء "إن ضمانات الحماية تشجع على التعاون في الدعاوى القضائية".
و في هذا الصدد لقد رتب القضاء الفرنسي المسؤولية الجزائية لضابط الشرطة القضائية نتيجة عدم تدخله في الوقت المناسب على إثر شكوى قدمتها امرأة ضد زوجها الذي كان يمارس عليها العنف باستمرار إلى أن فقدت إحدى عينيها نتيجة أعمال العنف، حيث اعتبر القضاء ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بالاعتداء المتكرر و لم يتدخل في الوقت المناسب يكون قد ارتكب جريمة التهاون و عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر المنصوص عليها في المادة: 182 من قانون العقوبات.
تصرف ضابط الشرطة القضائية في محاضر التحقيق الابتدائي:
لا يمكن بأي حال لضابط الشرطة القضائية أن يقرر من تلقاء نفسه حفظ القضية و يتعين عليه طبقاً للمادة: 18 من قانون الإجراءات الجزائية أن يحرر محضرا بأعماله و أن يبادر بغير تمهل بإخطار وكيل الجمهورية و إفادة هذا الأخير بأصول المحاضر و نسخها و التي تمّ تحريرها عن جميع الاستدلالات بعد إنجاز عمله. و يعتبر هذا بمثابة ضمان في إنصاف الضحية بتقرير حق التصرف في محاضر الاستدلال لوكيل الجمهورية.
_ 2.1النيابة و سلطاتها اتجاه الدعوى العمومية:
من المعلوم أن لكل دعوى طرفان المدعي و المدعى عليه سواء كانت هذه الدعوى مدنية أو جزائية، و أن المدعي في الدعوى المدنيـة همه الأول في دعواه مصلحـة شخصية يبغي من وراء إدعائه تحقيقها، و هو ما نعبر عنه بشرطي الصفة و المصلحة في الدعوى، إلا أن الأمر في الدعوى الجزائية يختلف، حيث أن المدعي في الدعوى العمومية هو الهيئة الاجتماعية أو المجتمع صاحب الحق في العقاب الذي تقام الدعوى العمومية من اجل تقريره و استخلاص النتائج القانونية المترتبة على ذلك، و لذلك أقام الشارع عن المجتمع ممثلاً قانونياً هو النيابة العامة.
تكييف سلطة النيابة:
- إن النقاش الدائر حول استقلال من عدم استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية غير مطروح بهذه الحدة في نظامنا القضائي الجزائي من جهة لعدم التميز بين قضاة النيابة و قضاة الحكم فيما يخص حياتهم المهنية في الحقوق و الواجبات وتمتعهم بالضمانات المكرسة في الدستور للقضاة، كما أن دستور الدولة الجزائرية لم يميز بين قضاة الحكم و قضاة النيابة.
_المركز القانوني للنيابة:
فالنيابة في نظامنا القضائي و القانوني مؤسسة قضائية صرفه بكل المواصفات و هي شعبة من شعب السلطة القضائية و هي النائبة عن المجتمع و الممثلة له في المصالح العامة و تسعى في تحقيق موجبات القانون، و تختص دون غيرها بتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها.
_دور النيابة واختصاصاتها:
تؤدي النيابة دوراً فعالاً في الإجراءات الجزائية بما في ذلك بدء المتابعة الجزائية و الاضطلاع ضمـن ما يسمح به القانون بالتحقيق الأولي في الجرائـم و الإشراف على قانونية التحقيقـات، و تنفيذ قرارات جهات التحقيق و الحكم. – المادة: 21 من قانون الإجراءات الجزائية-
و هي ما نصت عليه المادة: 36 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
"يقوم وكيل الجمهورية بما يأتي:
تلقي المحاضر و الشكاوي و البلاغات و يقرر ما يتخذه بشأنها ويخطر الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها، أو يأمر بحفظها بمقرر يكون قابلاً دائما للمراجعة و يعلم به الشاكي و الضحية إذا كان معروفاً في أقرب الآجال ...."
كما نصت المادة: 40- 01 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
"عندما يقرر وكيل الجمهورية أن الوقائع التي وصلت إلى علمه طبقاً لأحكام المادة: 40 من هذا القانون تشكل جريمة تم ارتكابها من طرف شخص معلوم الهوية و الموطن و غير خاضع لأي قيد قانوني من حيث تحريك الدعوى العمومية يقرر وكيل الجمهورية المختص محلياً حسب الحالة:
1. أن يباشر إجراءات المتابعة الجزائية.
2. أن يباشر إجراءات بديلة للمتابعة تطبيقاً لأحكام المواد: 41- 1و 41-2.
3. أن يحفظ أوراق القضية إذا تبين له ذلك من خلال ظروف القضية.
"قانون رقم: 85- 1407 مؤرخ في: 30-12-1985 دخل حيز التنفيذ في: 01-02-1986 المعدل و المتمم بقانون رقم: 07- 297 المؤرخ في: 05 مارس 2007".
و إذا رخص القانون لبعض الأشخاص تحريك الدعوى العمومية كالمدعي المدني فإن صفة الإدعاء الجزائي تستأثر بها النيابة بمباشرة الدعوى العمومية بعد تحريكها، فيما يقتصر دور المدعي المدني على تمثيل الإدعاء في الدعوى المدنية. و النيابة في ممارستها لسلطة الاتهام أو الإدعاء تسلك أحد النظامين و هما: - نظام الشرعية و نظام الملاءمة.
نظام الشرعية: يحتم على النيابة تحريك الدعوى العمومية بطريق الوجوب و الإلزام حتى تصل الدعوى إلى يد القضاء (نظام إلزامية رفع الدعوى العمومية).
و من ضمانات مبدأ الشرعية: - التظلم بطريق الطعن (تظلم رئاسي+ تظلم قضائي).
- إسهام الفرد في تحريك الدعوى العمومية.
نظام الملاءمـة: و هو نظام يمنح للنيابة سلطة أكبر من تلك الممنوحة في نظام الشرعية، فتعطي للنيابة السلطة التقديرية في ملاءمة تحريك الدعوى العمومية و السير فيها أو عدم تحريكها.
و هناك من القوانين من أدرج نظام الملاءمة بأسلوبين مختلفين.
- على وجه الاستثناء: بتكريس مبدأ الشرعية كقاعدة عامة غير أنه ينص على عدد معين
من الاستثناءات.
- على وجه عام: عدم وجود الالتزام المطلق للنيابة في تحريك الدعوى العمومية.
و أساس هذا النظام هو الأخذ بنظرية البواعث.
و يمكن حصر سلطة النيابة اتجاه الدعوى العمومية في صورتين:
1) سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية.
2) سلطة النيابة في الامتناع عن تحريك الدعوى العمومية
_ 2.2.1سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية:
طبقا للمادة: 29 من قانون الإجراءات الجزائية "تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع
و تطالب بتطبيق القانون".
القاعدة العامة: طبقاً للمادتين: 1- 29 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن النيابة هي التي تختص دون سواها بتحريك الدعوى العمومية عن طريق تصرفها في محاضر الضبطية القضائية التي ترد إليها بتقريرها إما إحالة الدعوى مباشرة إلى المحكمة أو فتح تحقيق فيها و إما حفظ الأوراق المواد: 36 من قانون الإجراءات الجزائية، 333. 334. 59. 338 من قانون الإجراءات الجزائية.
الاستثناء: طبقاً للمادة الأولى فقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يجوز للمتضرر من الجريمة أن يحرك الدعوى العمومية بتقديم شكوى مصحوبة بإدعاء مدني أمام قاضي التحقيق المادة:72 من قانون الإجراءات الجزائيـة و حتى إقامتها مباشرة بإحالة المتهـم أمام المحكمة في بعض الحالات و بشروط محددة، المادة: مكرر337 من قانون الإجراءات الجزائية.
القيود الواردة على سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية:
هناك بعض الجرائم رأي المشرع لاعتبارات معينة تقييد سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية بشأنها، لتعلق تحريك الدعوى العمومية على شكوى أو إذن أو طلب.
- حال الشكوى: في جرائم الزنا: 339 من قانون العقوبات، السرقات وخيانة الأمانة بين الأقارب: 369، الإهمال العائلي: 330 من قانون العقوبات، مخالفة الجروح الخطأ: 442/ 2 من قانون العقوبات.
- حال الطلب: المواد: 161 إلى 164 من قانون العقوبات (شكوى من وزير الدفاع)
- حال الإذن: المواد: 109، 110 الدستور أو بتنازل صريح (حصانة النائب العام أو عضو مجلس الأمة).
_ و هناك حالات لا يمكن للنيابة فيها تحريك الدعوى العمومية بنص القانون:. 1ما تضمنته المادة: 06 من القانون 04- 18 المؤرخ في: 25/ 12/2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها.
"لا تمارس الدعوى العمومية ضد الأشخاص الذين امتثلوا إلى العلاج الطبي الذي وصف لهم لإزالة التسمم و تابعوه حتى نهايته.
و لا يجوز أيضاً متابعة الأشخاص الذين استعملوا المخدرات أو المؤثرات العقلية استعمالاً غير مشروع إذا ثبت أنهم خضعوا لعلاج مزيل للتسمم أو كانوا تحت المتابعة الطبية منذ حدوث الوقائع المنسوبة إليهم
".. 2ما تضمنته المادة: 45 من الأمر 06- 01 المؤرخ في: 27 فيفري 2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، الخاصة بإجراءات تجسيد عرفان الشعب الجزائري لصناع نجدة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
" لا يجوز الشروع في أي متابعة بصورة فردية أو جماعية في حق أفراد قوى الدفاع و الأمن للجمهورية، لجميع أسلاكها بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص و الممتلكات و نجدة الأمة و الحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
و يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل بلاغ أو شكوى".