المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدم دستورية الاتفاق الجنائي



أحمد أبو زنط
09-14-2009, 09:16 PM
بين الاثار القانونية والمشاكل العملية


تمهـــــــــيد:

لا شك أن الحق في المحاكمة المنصفة – قد كفله الدستور بما نص عليه في مادته السابعة والستين – من أن المتهم بري حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، ويستمد هذا الحق أصله من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقرر أن لكل شخص حقا متكاملا ومتكافئا مع غيره في محاكمة علنيه ومنصفه تقوم عليها محكمة مستقلة . ولكل منهم الحق في أن تفرض براءته إلي أن تثبت إدانته في محاكمة علنية ومنصفة توفر له العمل فيها الضمانات الضرورية لدفاعه – وليس ذلك إلا ترديداً لقاعدة استقرار العمل علي تطبيقها في الدول الديمقراطية وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تتصل بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها وطبيعية القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها من الناحية العملية – فإن إدانة المتهم بالجريمة تعرضه لأخطر القيود علي حريته الشخصية وأكثرها تهديدا لحقه في الحياة ، مما لا سبيل إلي توقيه إلا علي ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخري .

وإذا كانت المحكمة الدستورية العليا قد أرست العديد من المبادئ الدستورية المتعلقة ببعض أحكام القوانين العقابية – والتي تتعلق بضمان الحرية الشخصية ، والحق في المحاكمة المنصفة ، وافتراض براءة الإنسان .
فإن قضاء هذه المحكمة بإبطال نص جنائي يؤدي إلي اعتبار أحكام الإدانة ، الصادرة استناداً إليه ، كأن لم تكن ، وهو ما يعني سقوطها بكل أثارها ، ولو صار الطعن فيها ممتنعاً لتفارقها قوة الأمر المقضي التي قارنتها ، وهو ما يؤكد الرجعية الكاملة التي أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية .

من هنا ، تأتي الأهمية القصوى لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 2/6/2001 ، والذي أكد عدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات ، والتي تقضي بـ " يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة ما أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها . ويعتبر الاتفاق جنائياُ سواء أكان الغرض منه جائزا أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه .

وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيله للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيله للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس . وكل من حرص علي اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولي المنصوص عنها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية . ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة .
ويعفي من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بأخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي ، وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع آيه جناية أو جنحة ، وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة ، فإذا حصل الاخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الاخبار فعلا إلي ضبط الأخرى " .

ولهذه الأهمية ، فإن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء يورد في هذه الدراسة الموجزة أهم مقدمات ووقائع صدور ذلك الحكم ، وما نتج عنه من خلاف فقهي يمس مضمونه ومحتواه ، ويمتد إلي أثاره ونتائجه من الناحية التطبيقية والعملية ، وذلك حرصا من المركز على تناول كل ما يعلى من شأن حرية المواطن ويلغى قيوده ، وذلك عن طريق مجموعة أبحاث تتناول بالدراسة كل ما من شأنه المساهمة في رفعة شأن هذه الدولة عندما تسلك سبل الديموقراطية الحقة للزود عن حرية الوطن والمواطن دون تعسف أو استبداد .




المبحث الأول



مقدمات ووقائع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 114 لسنة 21" دستورية"


بتاريخ9/3/1999، دفع الأستاذ/ محمد صلاح إبراهيم القفص المحامى بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات، وذلك أمام محكمة جنايات طنطا في الجناية رقم 15097/ زفتي، والمتهم فيها السيد/السعيد عيد طه(متهم ثان) لإحرازه بدون ترخيص سلاحا، واتفاقه مع آخر( المتهم الأول)على ارتكاب جنحة سرقة مرتبطة بجناية ارتكبها الأخير، حيث قررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لرفع دعوى بعدم دستورية المادة48 من قانون العقوبات أمام المحكمة الدستورية العليا وتقديم ما يفيد ذلك على وجه رسمي .
وبتاريخ 22 / 6 / 1999 أقيمت الدعوى الدستورية الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا وطلب في ختامها الحكم " بعدم دستورية نص المادة48 من قانون العقوبات مع إلزام المدعي عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .وقد أسس الأستاذ /محمد صلاح إبراهيم القفص المحامى ذلك الدفع، وبين أسانيده في تلك الصحيفة على النحو التالي:

الموضوع
قدمت النيابة العامة السعيد عيد طه نور في القضية المنوه عنها بوصف أنه وأخر اتفقا جنائيا على ارتكاب الجنحة المرتبطة بالجنائية موضوع التهمة الثانية بان اتحدت أرادتهما على ارتكابها وأحيلت الدعوى أمام محكمة جنايات طنطا ودفع الطاعن بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات وبجلسة 10/6/1999 قررت المحكمة جدية الدفع وأجلت الدعوة لجلسة 1/8/1999 لتقديم ما يدل على الطعن بعدم الدستورية


أسباب الطعن


لما كانت النيابة العامة تطالب بتطبيق نص المادة 48 من قانون العقوبات وانزال العقوبة المنصوص عليها في المادة على المتهم فقد دفع الدفاع بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات وتأجل نظر الدعوى لجلسة 9/6/1999 لكتابة مذكرة في الدفع .
نصت المادة 48 من قانون العقوبات يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فاكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة والمسهلة لارتكابها ويعتبر الاتفاق جنائيا سواء أكان الغرض منه جائزا أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن فإذا كان من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس .
وتطبيقا لنص تلك المادة قضت محكمة النقض لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات اكثر من اتحاد إرادة شخصين أو اكثر على ارتكاب جناية أو جنحة سواء كانت معينة أو غير معينة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع () .
كما قضت محكمة النقض أن حكم المادة 48 عقوبات يتناول كل اتفاق على إيه جناية أو جنحة مهما كانت نوعها أو الغرض منها وهذا يلزم عنه انه إذا لم ترتكب الجريمة تنفيذا للاتفاق فانه ينبغي العقاب على الاتفاق ذاته() .


ولما كانت المادة المشار إليها لم تحدد جريمة بأركانها وخاصة الركن المادي والمعروف أن الركن المادي هو سلوك أو نشاط خارجي يصدر عن الإنسان و هذا الركن لازم لان القانون
مجموعة من القواعد تنظم سلوك الناس على نحو معين كي تستقيم لهم الحياة وهو في سبيل ذلك يحظر عليهم أفعالا معينة ويفرض عليهم أفعالا أخرى ولا يمكن ان تسند لشخص جريمة إلا إذا خالف الحظر أو الأمر فسلك على خلاف ما نهي عنه أمر به() . فالركن المادي جوهره السلوك فلا يمكن لجريمة أن تقع بغير فعل أو ترك لان المشرع لا يعاقب على النوايا المجردة وذلك لسبب بسيط هوان أوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بمجرد الرغبة في التمرد عليها وانما تنتهك فحسب حين يسلك الشخص مسلكا يخالف ما يأمره به القانون و ما ينهاه عنه ().
فالتفكير في الجريمة لا عقاب عليه ولو خلص الجاني بعد التفكير في الجريمة إلى العزم والتصميم ولا يراجع امتناع العقاب الى صعوبة الإثبات فقد يجهر الشخص بما اعتزم علية أو يشهد على عزمه شاهد وانما يمتنع العقاب أساسا لان الجريمة لا تقوم بالنية وحدها فأوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بالنوايا المجردة وانما تنتهك بالأفعال التي تصدر عن إرادة آثمة واذا كان التصميم على ارتكاب الجريمة غير كاف لقيامها فانه في الوقت نفسه لا يعد شروعا فيها لان الشروع في أمر يقتضي بالضرورة نشاطا يتجاوز مجرد التصميم عليه وعلى الرغم من أن هذا الحكم بديهة مسلمة فقد حرص المشرع على تأكيده درءا لأي شبهه فنص في المادة 45 على انه لا يعد شروعا في الجناية او الجنحة مجرد العزم على ارتكابها () .


وحيث ان المادة 48 من قانون العقوبات لم تحدد أركانها يعاقب من يرتكبها وانما أوردت على نوايا وارادات لم تظهر للوجود وانما من خفايا الصدور كما جاءت بعبارات مرسلة غير محددة فقد أوردت عقابا للاتفاق على ارتكاب جريمة معينة او غير معينة كما حددت عقابا على الأعمال المجهزة أو المسهلة لها .


تعارض نص المادة 48 من قانون العقوبات مع نص المادة 66 من الدستور فقد نصت المادة الأخيرة عن انه لا جريمة الا بناء على قانون ولا عقابا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون
الذي ينص عليهما وقد حكمت المحكمة الدستورية فى يناير سنة 1993 فى القضية رقم 3 لسنة 10ف دستورية بعدم دستورية نص المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945.وجاءت بأسباب الحكم .. "حيث ان الدستور فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتنفيذ بمناهجها التقدمية نص المادة 66منه على انه لا جريمة الا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي نص عليهما وكان الدستور قد حدد بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً ماديا لا قوام لها بغيرة يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي مفصحا بذلك على أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه محورها الأفعال ذاتها فى علاقتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية إذ هى مناط التأثيم وعلته وهي التى يتصور إثباتها ونفيها وهي التى يتم التميز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقيمها وتقدير العقوبة المناسبة لها بل أن مجال القصد الجنائي فان المحكمة لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعا وواضحا لكنها تحبيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية ولا يتصور بالأتي وفقا لاحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولزم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية وليس النوايا يضمرها الإنسان في أعماق ذاته تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مأخوذا عليه قانونيا إذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وثم التعبير عنها خارجيا مأخوذا عليه قانونيا فإذا كان الأمر غير متعلق أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجيا فى صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة……" .
وقد أكدت المحكمة الدستورية تعديد من أحكامها حيث جاء نصوص الدستور تعتد بالأفعال وحدها باعتبارها مناط التأثيم وعلتهم وذلك على أساس أنها دون غيرها هي التي يجوز إثباتها أو نفيها وهى التي يتصور أن تكون محل تقدير محكمة الموضوع وان تكون عقيدتها بالبناء عليها وانه بعدم قيام الجريمة على فعل معين يتم التجهيل بماهية الأفعال التي يتعين على المخططين بقانون العقوبات توقيها وتجنبها انه لا يجوز في آية حال ان تكون مصائر الناس معلقة على غير أفعالهم إلى أن الأفعال هي التي يعبر عنها الجاني عن أرادته الواعية الجازمة متوصلا بها إلى بلغ النتيجة الإجرامية التي يبتغيها() . كما جاء لاسباب حكم أخر انه لا يتصور وفقا لاحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم و النتائج التي أحدثها بعيد عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولزم ذلك إن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية وليس النوايا التى يدمرها الإنسان فى أعماق ذاته تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مأخوذا عليه قانونيا فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجيا فى صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة ()

وقد حددت المحكمة الدستورية ضوابط صياغة النصوص الجنائية فأوجبت أن تصاغ تلك النصوص في حدود ضيقة و بأنه لا يجوز ان يكون أمر التجريم فرضا و هو ما يتحقق في كل حال يكون النص العقابي محملا بأقصى من معني مرهقا بأغلال تعدد تأويلاته مرنا متراميا علي ضوء الصيغة التي أفرع إليها() .


حمل الملف من هنا