المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـمـدخـل لدراسة الظاهرة الإجرامية والحق فى العقاب



أحمد أبو زنط
09-15-2009, 10:57 PM
المدخل



لدراسة الظاهرة الإجرامية والحق فى العقاب




الجزء الأول



الظاهر الاجرامية



(الإشكاليات البحثية – النظريات التفسيرية - العوامل الإجرامية)
















دكتور

أحمد لطفي السيد

كلية الحقوق - جامعة المنصورة



قسم القانون الجنائي









2003- 2004






=================================

إذا أمعن الإنسان في الظواهر التى تتتابع من حوله ، فلا شك أن الظاهرة الإجرامية Le phénomène criminel سوف تحتل المرتبة الأولى بين كل الظواهر التي يمكن رصدها. ومنشأ ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى قدم هذه الظاهرة وتلازمها مع الحياة الإنسانية منذ بدئها وقبل أن تتشكل المجتمعات المنظمة بالمفهوم المتعارف عليه لدى علماء الاجتماع والديموجرافيا.

فالحق أن الجريمة - وبالأخص القتل - تكاد تصبح أقدم عمل إنسانى[1] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_ftn1) ، وكذا تبدو وكأنها خصيصة من خصائص الحياة الاجتماعية ، بحسبان أن الأخيرة يلفها ويغلفها طابع الأنانية وتضارب المصالح الفردية داخل الجماعة. ولا يغير من هذا الاستنتاج كون الجريمة داخل مجتمع معين تتخذ مساراً معينا أو يغلب عليها نمط إجرامى يغاير ما قد يوجد داخل مجتمع آخر.

ولا نغالى إذا قلنا أن الجريمة ظاهرة حياتية تسود عالم الكائنات جميعها ، بما فيها الحيوان والنبات ، ولا تقتصر على المجتمع الإنساني فحسب. ويرجع ذلك إلى كون أن الطبيعة بما تضمه من كائنات محكومة بقانون الصراع الذى يخلق في النهاية ما نسميه العدوان الذى هو مضمون العمل الإجرامى أياً كان أنموذجه[2] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_ftn2).

والمتفحص لحقيقة الجريمة يجدها تمر دائماً بمراحل ثلاث ، يمكن من خلال استعراضها أن نحدد ما سوف نتناوله بين دفتى هذا المؤلف. أولى تلك المراحل تبدأ عندما تلجأ الجماعة الإنسانية إلى وضع إطار عام لمجموعة من قواعد السلوك – التى نتعارف على تسميتها بالقواعد القانونية - التى يؤمل أن تسود بين أعضائها ، وبموجبها تباعد الجماعة بينها وبين الفوضى واللانظام وتؤمن به مصالحها وقيمها التى تراها جديرة بالحماية ، سياسية كانت هذه المصالح أو اقتصادية أو اجتماعية. وتحدد الجماعة من خلال سلطتها الرئاسية أياً من تلك القواعد يتصف بالإلزام (كقواعد القانون الجنائى) ، وأيها يجوز الاتفاق على مناقضته (كبعض قواعد القانون المدنى أو التجارى المكملة).

ويوجب كل هذا أن تحدد الجماعة الإنسانية أجزية معينة توقع على من يخرج على إطار القواعد السلوكية. ولا تتمايز الكيانات المجتمعية فى هذا إلا من حيث مصدر نشوء القاعدة المنظمة للسلوك. ففى بعض الجماعات قد يكون لتعاليم الأديان دور أعظم من تلك التى يغلب فيها الاعتقاد فى الخرافات ، أو تلك التى تعلى من شأن العرف أو أوامر القوانين التي تصدر من سلطة عليا رئاسية أو برلمانية نيابية. عندئذ تتشكل القواعد التى توجه سلوك الأفراد نحو عمل أو الامتناع عن عمل ما من الأعمال.




[1] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_ftnref1) وهو ما يكشف عنه القرآن الكريم فى قصة أبنى آدم عليه السلام (سورة المائدة ، الآية 27 وما بعدها). وقد قلنا هنا أنه أقدم عمل إنساني وليس بشرى ، إذ يتجه بعض علماء اللغة إلى التفرقة بين البشر - الذى ينطبق على كل مخلوق ظهر على سطح الأرض يسير على قدمين منتصب القامة - ، والإنسان ، الذى ينطبق على من كان من البشر مكلفا بمعرفة الله وعبادته. فكل إنسان بشر وليس كل بشر إنسان. ويرتب على هذا القول بعض العلماء أثراً دينيا مؤداه أن آدم ليس أول البشر ولكنه أول إنسان وأن الله عندما خلق الإنسان مهد لذلك بخلق البشر، ثم مضت عهود سوى الله تعالى فيه هذا البشر ونفخ فيه من روحه فصار إنساناً بادئاً بآدم عليه السلام. فيقول الله تعالى في سورة (ص) في الآيتين 71 ، 72 : )وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين (71) فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين(72)(. ولفظ فإذا فى صدر الآية 72 تفيد أن هناك فاصل زمنى بين مرحلة الخلق ومرحلة التسوية. مما مؤداه أن هناك فاصل بين مرحلة البشرية ومرحلة الإنسانية. وفى مرحلة البشرية يمكن القول بأن الجريمة كانت أصلاً من الأصول وسمة وعلامة مميزة. يدل على ذلك جواب الملائكة على إخبار الله لهم بأنه جاعل في الأرض خليفة حينما قالوا ) أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة الآية 30). أما فى المرحلة الإنسانية – مرحلة التكليف والعبادة - فيمكن القول أن الجريمة تمثل استثناء على هدف وغاية الحياة وهى الإعمار وعبادة المولى سبحانه )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون( (الذاريات 56) ، وإن اتخذت شكل الظاهرة بحكم التكرار والشذوذ عن أصل الحياة الإنسانية. راجع حول كل هذه المعانى د. عبد الصبور شاهين ، أبي آدم ، قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة ، دار أخبار اليوم ، ط2 ، بدون سنة نشر ، ص 103 وما بعدها.

[2] (http://www.lawjo.net/vb/newthread.php?do=postthread&f=9#_ftnref2) فى ذات المعنى :

J. Léauté, Criminologie et science pénitentiaire, Thémis, PUF. Paris, 1972, p. 71 et s.


حمل تتمة البحث من المرفقات - كتاب في نحو 190 صفحة