المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احكام دستورية مصرية متعلقة بالتحكيم 3



tareqqayet
03-22-2010, 11:04 AM
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 17 ديسمبر 1994 الموافق 14 رجب 1415 هـ .

برئاسة السيد المستشار الدكتور/عوض محمد عوض المر --- رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وعدلي محمود منصور .
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفي علي جبالي رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد ----------أمين السر

أصدرت الحكم الآتي :

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 13 لسنة 15 قضائية "دستورية "

المقامة من السيد / عبد الكريم أحمد سليم .
ضد :
1- السيد / مدير بنك فيصل الإسلامي المصري فرع الإسكندرية.
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء .

الإجراءات .

بتاريخ السابع من إبريل سنة 1993 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977بإنشاء بنك فيصل الإسلامي .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصليا عدم قبول الدعوى واحتياطيا رفضها وقدم المدعي عليه الأول مذكرة بدفاعه ردد فيها ما طلبته هيئة قضايا الدولة وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها 0

ونظرت الدعوى علي الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم 0
المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة ؛

حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن شركة كريم للمقاولات والتجارة والتي يرأس المدعى مجلس إدارتها كانت قد أقامت ضد البنك المدعي عليه ، الدعوى رقم 460 لسنة 1993 مدني كلي الإسكندرية طالبة استرداد أمانة التحكيم التى سبق أن دفعتها للبنك 0

وبجلسة 6 مارس سنة 1993، تدخل المدعى بصفته الشخصية منضما إلي الشركة ، ودفع بعدم دستورية المادة 81 من القانون رقم 84 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي ، المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 241 لسنة 1981 فى شأن تسوية الأوضاع بين البنوك العاملة في مصر، فقررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى إلي جلسة 10 أبريل سنة 1993 وذلك ليقدم المدعى ما يفيد الطعن بعدم دستورية المادة المشار إليها ، فأقام دعواه الماثلة 0

وحيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 1979 ينص فى المادة 30 منه ، علي أنه " يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلي المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقا لحكم المادة السابقة ، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته ، والنص الدستورى المدعي بمخالفته ، وأوجه المخالفة 0"
وحيث أن المدعي عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة إغفال صحيفتها بيان أوجه مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور ، وإخلالها بالتالي بنص المادة 3 المشار إليها 0

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن التعارض بين نصين فى دائرة بذاتها ، قد يكون منبئا - من خلال مقابلتهما ببعض - عن نطاق تصادمهما ، ودالاً بالتالي على مضمون المخالفة الدستورية التى يكفى لتحديدها وفقا لقانون المحكمة الدستورية العليا، أن يكون تعيينها ممكنا0

متى كان ذلك ، وكان المدعي قد نعي على النص المطعون فيه ، مخالفته للمادة 86 من الدستور التي تكفل لكل إنسان حق التقاضي من خلال عرض دعواه على قاضيها الطبيعي ، وكان النص محل الطعن إذ حجب عن هذا القاضي ولاية نظر المسائل محل التحكيم ، وعهد بها قسراً إلى محكمين يتولون الفصل فيها بعد أن أقصاه عنها ، فإنه بذلك يكون محدداً للدائرة التى يناقض فيها حكم المادة 86 من الدستور ، وكاشفا بالتالي عن وجه المخالفة الدستورية التى قيل بإغفال تعيينها .

وحيث إن كلا من هيئة قضايا الدولة والمدعي عليه الأول ، قد نفيا توافر المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن بعدم دستورية نص المادة 81 المشار إليها ، ذلك أن شركة كريم للمقاولات والتجارة تقيم نزاعها الموضوعي علي أن انقضاء التحكيم تبعا لفوات المدة المحددة للفصل في المسائل التي اشتمل عليها ، يخولها الحق في استرداد الأمانة التي كانت قد دفعتها ، ولا كذلك النص المطعون فيه ، إذ لا يتعلق بالأحوال التى يكون فيها التحكيم منقضيا ، وإنما اختط التحكيم طريقا لفض المنازعات التي قد تثور بين بنك فيصل الإسلامي وعملائه ، هذا فضلا عن أن المدعي ليس مخاطبا بالنص المطعون فيه ، ولم ينله ضرر خاص من جراء تطبيقه .
وحيث إن المادة 81 المطعون عليها تنص علي أن << يفصل مجلس الإدارة بأغلبية أعضائه بصفته محكما ارتضاه الطرفان في كل نزاع ينشأ بين أى مساهم في البنك وبين مساهم آخر سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا ، وذلك بشرط أن يكون النزاع ناشئا عن صفته كمساهم في البنك ، ولا يتقيد مجلس الإدارة في هذا الشأن بقواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضى . أما إذا كان النزاع بين البنك وبين أحد المستثمرين أو المساهمين أو بين البنك والحكومة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد ، فتفصل فيه نهائياً هيئة من المحكمين معفاة من قواعد الإجراءات ، عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضى ، وفى هذه الحالة تشكل هيئة التحكيم من مٌحكم يختاره كل طرف من طرفي النزاع وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ استلام أحد طرفي النزاع طلب إحالة المنازعة إلي التحكيم من الطرف الآخر . ثم يختار الحكمان حكما مرجحا خلال الخمسة عشر يوما التالية لتعيين آخرهما ، ويختار الثلاثة أحدهم لرئاسة هيئة التحكيم خلال الأسبوع التالى لاختيار الحكم المرجح .

ويعتبر اختيار كل طرف لمحكمه ، قبولا لحكم المحكمين واعتباره نهائيا . وفى حالة نكول أحد الطرفين عن اختيار مُحَكمّه ، أو في حالة عدم الاتفاق علي اختيار الحكم المرجح أو رئيس هيئة التحكيم في المدد المحددة فى الفقرة السابقة ، يعرض الأمر على هيئة الرقابة الشرعية لتختار الحكم أو الحكم المرجح أو الرئيس حسب الأحوال . وتجتمع هيئة التحكيم في مقر البنك الرئيسى ، وتضع نظام الإجراءات التى تتبعها لنظر النزاع وفى إصدار قرارها . ويجب أن يتضمن هذا القرار بيان طريقة تنفيذه وتحديد الطرف الذى يتحمل بمصاريف التحكيم ، ويودع قرار هيئة التحكيم الأمانة العامة لمجلس إدارة البنك . ويكون حكم التحكيم في جميع الأحوال نهائيا وملزما للطرفين وقابلا للتنفيذ ، شأنه شأن الأحكام النهائية. وتوضع عليه الصيغة التنفيذية وفقا للإجراءات المنصوص عليها في باب التحكيم فى قانون المرافعات . وفى جميع الأحوال تخضع قرارات مجلس الإدارة ، وأحكام هيئة التحكيم ، الصادرة طبقا لهذه المادة ، لأحكام الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون المرافعات المدنية والتجارية .

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرا في الفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة علي محكمة الموضوع . ولا يعدو النص المطعون فيه أن يكون مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها وإسقاطها . وبها فرض المشرع وفى الحدود التي بينها التحكيم جبرا على علائق بذواتها ، ليكون هذا النوع من التحكيم ملزما ، ومستنداً فى مصدره المباشر إلي نص القانون ، فلا يستعاض عنه باللجوء إلى القضاء . ولا يغير من طبيعته هذه أو يمسخها ، قالة أن بنك فيصل الإسلامي قد درج على أن يبرم مع عملائه عقودا تحيل إلي التحكيم فى شأن المنازعات المتعلقة بتنفيذها ، ذلك أن هذه العقود بفرض قيامها إنما تردد القاعدة الآمره التزاما بنصها وامتثالاً لحكمها ، فلا تجبها تلك العقود أو تُنحيها ، بل يتعين إعمالها دوما ولو خلا عقد منها ، متى كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمتدخل انضماما إلي أحد الخصوم أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهذا الخصم أن يبديها ، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق شركة كريم للمقاولات فى أن تستعيد أمانة التحكيم التى كانت قد دفعتها تأسيسا على ادعائها انقضاء التحكيم بفوات الميعاد المحدد للفصل فى المسائل التى اشتمل عليها، وكان حقها في أن ترد إليها أمانتها هذه ، يقوم كذلك إذا ما أبطل التحكيم بالصورة التى أفرغها المشرع فيه كأثر للحكم بعدم دستوريته ، فإن الفصل فى المسألة الدستورية يكون مؤثرا فى النزاع الموضوعي ، ومرتبطا بأبعاده .
وحيث إن البين من المادة 81 المشار إليها ، أن فقرتها الأولي تخول مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي وباعتباره محكما الفصل فيما قد يثور بين المساهمين فيه من نزاع ، وبصفتهم هذه . وذلك خلافا لفقرتها الثانية التي يدور الطعن حولها لتوسلها بالتحكيم أسلوبا وحيداً لفض ما يثور من نزاع بين البنك وعملائه وذلك سواء أكانوا من المستثمرين أومن الجهات الحكومية أو شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد .

متى كان ذلك ، وكان لا شأن للمدعي بالفقرة الأولى من المادة 81 الآنف بيانها ، فإن مصلحته الشخصية والمباشرة، تنحصر فى الطعن بعدم دستورية فقرتها الثانية دون غيرها .

وحيث إن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين علي مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة ، مجرداً من التحامل ، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التى أحالها الطرفان إليه ، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية . ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق علي خلافها ، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا ، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق ، إذ يحدد طرفاه وفقا لأحكامه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما ، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تَعْرِض لهما ، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها .وهما يستمدان من اتفاقهما علي التحكيم ، التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه ، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه . فإذا لم يكن القرار الصادر في نزاع معين بين طرفين ، منهيا للخصومة بينهما ، أو كان عاريا عن القوة الإلزامية ، أو كان إنفاذه رهن وسائل غير قضائية ، فإن هذا
القرار لا يكون عملا تحكيميا .

وحيث إن التحكيم بذلك يختلف عن أعمال الخبرة ، ذلك أن قوامها ليس قرارا ملزما ، بل مناطها آراء يجوز إطراحهما أو تجزئتها والتعديل فيها . كما يخرج التحكيم كذلك عن مهام التوفيق بين وجهات نظر يعارض بعضها البعض ، إذ هو تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادرة في شأنها قوة الأمر المقضي ، بل يكون معلقاَ إنفاذها على قبول أطرافها ، فلا تتقيد بها إلا بشرط انضمامها طواعية إليها .ومن ثم يئول التحكيم إلي وسيلة فنيه لها طبيعة قضائية ، غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها ، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم ، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة .

وحيث إنه وإن كان قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 06 لسنة 1791 قد نظم صٌوراً بذاتها كان التحكيم فيها إجباريا ، هى تلك التي تقوم بين الدولة - بتنظيماتها المختلفة - وبين وحداتها الاقتصادية ، إلا أن النزاع بين هذه الجهات لا يثور بين أشخاص اعتبارية تتناقض مصالحها أو تتعارض توجهاتها ، إذ تعمل جميعها باعتبار أن ثمار نشاطها عائدة - فى منتهاها - إلى المرافق العامة التي تقوم الدولة علي تسييرها ، وتكفل انتظامها وتطويرها لضمان وفائها بالأغراض التي ترمى إلي إشباعها . ولا كذلك الأمر إذا كان أحد الأشخاص الطبيعيين طرفا فى ذلك النزاع ، إذ لا يجوز أن يدخل في هذا النوع من التحكيم - وعلي ما كان ينص عليه هذا القانون ذاته - إلا بقبوله .

وحيث إن الطبيعة الرضائية للتحكيم تبلور تطوراً تاريخيا ظل التحكيم علي امتداده عملا إراديا، فقد كان الأصل في التحكيم أن يكون تاليا لنزاع بين طرفين يلجئان إليه إما لأن المحكم محل ثقتهما ، أو لأن السلطة التى يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلا ملائما . وكان ينظر إلي المحكم بالتالي باعتباره صديقا موثوقا فيه ، أو رجلا حكيما أو مهيبا . بيد أن هذه الصورة التقليدية - ومع احتفاظها بأهميتها حتي يومنا هذا جاوزها التطور الراهن فى العلائق التجارية والصناعية ، لتقوم إلي جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها ، ذلك أن التحكيم اليوم - فى صوره الأكثر شيوعا - لا يعود إلي اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد ، ولكنها تتمثل فى شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه الركون إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بينهما . ولم يعد المحكم فى إطار هذا التطور ، مجرد شخص تم اختياره لعلائق يرتبط بها مع الطرفين المتنازعين . وإنما غدا التحكيم تنظيما مهنيا تقوم عليه أحيانا جهة تحكيم دائمة تكون أقدر علي تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة . بل إن نطاق المسائل التى يشملها التحكيم بات متباينا ومعقداً ، ولم يعد مقصورا علي تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخيا أو مشوبا بسوء النية أو مخالفا - من أوجه أخري - للقانون ، وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية البحتة ، بل توخى التحكيم إلي جانبها - وعلى نحو متزايد -إنماء التجارة الدولية عن طريق مواجهة نوع من المسائل التي لا يمكن عرضها علي القضاء ، أو التي يكون طرحها عليه غير ملائم ، كتلك التي تتناول في موضوعها ملء فراغ فى عقد غير مكتمل أو تعديل أحكام تضمنها العقد أصلا لتطويعها على ضوء الظروف الجديدة التى لابستها ، وإن ظل الاتفاق دائما وباعتباره تصرفا قانونيا وليد الإرادة ناشئا عنها منبسطا علي أعمال التحكيم ، سواء فى صورتها التقليدية ، أو في أبعادها الجديدة ، ليكون مدخلا إليها وطريقا وحيدا لها .

وحيث إن من المقرر أنه سواء كان التحكيم مستمدا من اتفاق بين طرفين أبرماه بعد قيام النزاع بينهما ، أم كان ترقبهما لنزاع محتمل قد حملهما علي أن يضمنا عقدا من العقود التى التزما بتنفيذها ، شرطا يخولهما الاعتصام به ، فإن التحكيم لا يستكمل مداه بمجرد الاتفاق عليه . وإنما يتعين التمييز فى نطاق التحكيم بين مراحل ثلاث تتصل حلقاتها وتتكامل ، بما مؤداه تضاممها فيما بينها ، وعدم جواز فصلها عن بعضها البعض ،وإلا كان التحكيم مجاوزا إرادة الطرفين المتخاصمين متنكبا مقاصدهما . ذلك أن أولي مراحل التحكيم يمثلها الاتفاق عليه ، وهي مدار وجوده ، وبدونها لا ينشأ أصلا ، ولايتصور أن يتم مع تخلفها . وليس جائزا بالتالي أن يقوم المشرع بعمل يناقض طبيعتها ، بأن يفرض التحكيم قسراَ علي أشخاص لا يسعون إليه ، ويأبون الدخول فيه . وارتكاز التحكيم علي الاتفاق ، مؤداه اتجاه إرادة المحتكمين وانصرافها إلي ولوج هذا الطريق دون سواه ، وامتناع إحلال إرادة المشرع محل هذا الاتفاق . فاتفاق التحكيم إذن هو الأصل فيه ، والقاعدة التي يرتكز عليها . بيد أن هذا الاتفاق وإن أحاط بالتحكيم فى مرحلته الأولى وكان مهيمنا عليها ، إلا أن دورالإرادة يتضاءل ويرتد متراجعا في مرحلته الوسطي ، وهى مرحلة التداعي التي يدخل بها التحكيم فى عداد الأعمال القضائية ، والتي يبدو عمل المحكمين من خلالها مؤثراً فيها . ذلك أن بدايتها تتمثل في تكوين هيئة التحكيم عن طريق اختيار أعضائها ، ثم قبول المحكمين لمهمتهم وأدائهم لها في إطار من الاستقلال والحيدة ، وعلى ضوء القواعد الموضوعية والإجرائية التى يقررونها إذا أغفل الطرفان المتنازعان بيانها ، لتمتد سلطتهم إلي الأمر بالتدابير الوقتية والتحفظية التى يقتضيها النزاع ، وبمراعاة أن جوهر ولايتهم يرتبط بضمان الفرص المتكافئة التي يتمكن الطرفان من خلالها من تعديل طلباتهما ، وعرض أدلتهما الواقعية والقانونية ، وإبداء دفوعهما ، لتصل مهمتهم إلي نهايتها بقرار يصدر عنهم يكون حكماً فاصلا فى الخصومة بتمامها ، ولا يحول دونهم وتفسير ما يكون قد وقع في منطوق هذا القرار من غموض ، أو تصحيح ما يكون عالقا به من الأخطاء المادية البحتة .
وحيث إن إصدار هيئة التحكيم لقرارها الفاصل فى النزاع علي النحو المتقدم ، وإن كان منهيا لولايتها مانعا لها من العودة إلى نظر الموضوع الذى كان معروضا عليها ، إلا أن الطرفين المتنازعين لا يبلغان ما رميا إليه من التحكيم إلا بتنفيذ القرار الصادر فيه . وتلك مهمة لا شأن لإرادة هذين الطرفين بها ، بل تتولاها أصلا الدولة التي يقع التنفيذ في إقليمها .إذ تقوم محاكمها بفرض نوع من الرقابة علي ذلك القرار ، غايتها بوجه خاص ضمان أن يكون غير مناقض للنظام العام فى بلدها ، صادراً وفق اتفاق تحكيم لا مطعن علي صحته ونفاذه ، وبالتطبيق للقواعد التى تضمنها، وفي حدود المسائل الخلافية التي اشتمل عليها . وتلك هي المرحلة الثالثة للتحكيم التى تتمثل في اجتناء الفائدة المقصودة منه ، والتي يتعلق بها الهدف من التحكيم ويدور حولها ، وبدونها يكون عبثا .

وحيث إن الشريعة العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية المعمول بها فى جمهورية مصر العربية وفقا لأحكام قانون التحكيم في المواد ا لمدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 1994 ، والتي يفصح عنها كذلك ما جاء بمضبطة الجلسة الحادية والخمسين لمجلس الشعب المعقودة في 02 من يناير 1994 إبان دور الانعقاد العادي الرابع للفصل التشريعي السادس قوامها أن التحكيم فى المسائل التي يجوز فيها الصلح وليد الاتفاق ، سواء أكان تحكيما داخليا ، أم دوليا ، مدنيا ، أم تجاريا ، وأن المحتكمين يجوز أن يكونوا من أشخاص القانون الخاص أو العام . كذلك يؤكد هذا القانون ، أن التراضى على التحكيم والقبول به ، هو المدخل إليه ، وذلك من جهتين : أولاهما ما تفيده المادة 22 من هذا القانون ضمنا من انتفاء ولاية هيئة التحكيم وامتناع مضيها فى النزاع المعروض عليها ، إذ ا قام الدليل أمامها على انعدام أو سقوط أوبطلان اتفاق التحكيم ، أو مجاوزة الموضوع محل بحثها لنطاق المسائل التي اشتمل عليها . ثانيهما ما تنص عليه المادتان 4 ، 01 من هذا القانون ، من أن التحكيم فى تطبيق أحكامه ينصرف إلي التحكيم الذى يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة وذلك سواء كانت الجهة التي اتفق الطرفان علي توليتها إجراءات التحكيم ، منظمة أو مركزا دائما أولم تكن كذلك ، وسواء كان اتفاق التحكيم سابقا علي قيام النزاع أم لاحقا لوجوده ، وسواء كان هذا الاتفاق قائما بذاته ، أم ورد فى عقد معين . ويعتبر اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد فى العقد إلي وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد . بل إن المادة 22 من هذا القانون صريحة فى نصها على أن شرط التحكيم يعتبر اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ، وأن بطلان العقد الذى أدمج هذا الشرط فيه ، أو زوال هذا العقد بالفسخ أو الإنهاء ، ليس بذى أثر علي شرط التحكيم الذى يتضمنه ، إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته .

وحيث إن الأحكام التي أتي بها قانون التحكيم سالف البيان ، لاينافيها التنظيم المقارن ، بل يظاهرها ويقوم إلى جوارها ولاسيما بالنسبة إلى ما كان من صوره دوليا ، ومرجعها بوجه خاص إلى القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذى اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في 12 يونيو 1985 فقد نص هذا القانون على أن المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية محددة بين طرفين ، أو التي يمكن أن تتولد عنها ، يجوز بناء على اتفاق إحالتها إلى محكمين سواء أكان اتفاق التحكيم فى صورة شرط تحكيم وارد فى عقد أم فى شكل اتفاق منفصل . وتعتبر الإحالة فى عقد ما إلى وثيقة تشتمل علي شرط تحكيم ، بمثابة اتفاق تحكيم إذا كان هذا العقد مكتوبا ، وكانت الإحالة كاشفة بدلالتها عن أن هذا الشرط جزء من العقد . وانبثاق التحكيم عن الاتفاق باعتباره مصدر وجوده ، هو القاعدة التي تبنتها الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولي (12 أبريل 1961) وذلك فيما نصت عليه من سريان أحكامها فى شأن كل اتفاق يتغيا تسوية نزاع قائم أو محتمل يرتبط بالتجارة الدولية ، ويكون مبرما بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين يقيمون علي وجه الاعتياد وقت هذا الاتفاق بإحدى الدول المتعاقدة أو تتخذ مقرا لها فيها . ويقصد باتفاق التحكيم فى تطبيق أحكام هذه الاتفاقية كل شرط بالتحكيم يكون مدرجاَ فى عقد ، وكذلك كل اتفاق قائم بذاته يلجأ الطرفان بمقتضاه إلى التحكيم ، على أن يكون كلاهما موقعا عليه منهما أو متضمنا فى رسائلها أو برقياتهما أو غير ذلك من وسائل الاتصال بينهما . وهذه القاعدة ذاتها هي التي رددتها اتفاقية نيويورك (10 يونيو 1958 ) التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي فى شأن تقيد الدول كل فى نطاق إقليمها وفي مجال اعترافها بقرارات المحكمين وتنفيذها بالاتفاق الكتابي الذى يتعهد الأطراف فيه بعرض نزاعاتهم ما كان منها قائما أو محتملا على التحكيم ، وذلك كلما كان موضوعها مما يحوز التحكيم فيه ، وبشرط نشوئها عن علاقة قانونية محددة ، ولولم يكن العقد مصدراً لها . وأصداء هذه القاعدة تعكسها كذلك ، الاتفاقية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية ( 03 يناير 1975 ) بإعلانها صحة كل اتفاق يتعهد بمقتضاه طرفان أو أكثر بعرض نزاعاتهم الحالية أو ما يظهر مستقبلا منها على محكمين ، يعينون بالكيفية التى يبينها أطراف النزاع ، ما لم يفوضوا فى ذلك طرفا ثالثا . كذلك تلتزم بالأحكام السالف بيانها ، الاتفاقية المبرمة فى شأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى .( 71 مارس 5691)La convention pour le reglement des differends relatifs aux investissement entre Etats et ressortissants d autres Etats

وحيث إن القوانين الوطنية في عدد من الدول ، تقرر كذلك أن الاتفاق مصدر للتحكيم . فقد عقد قانون المرافعات المدنية الفرنسي عدة فصول ضمنها كتابه الرابع منظما بها شرط التحكيم واتفاق التحكيم ، ومحددا القواعد التى تجمعهما ، ومقرراً بموجبها أن شرط التحكيم هو كل اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد بعرض نزاعاتهم التي يمكن أن تتولد عنه ، علي التحكيم . ويجب أن يكون هذا الشرط مدونا في العقد الأصلي ، أو في وثيقة يحيل هذا الشرط إليها ، وإلا كان باطلا . ويبطل هذا الشرط كذلك إذا خلا من بيان أشخاص المحكمين أو أغفل تعيينهم بأوصافهم . ويعني بطلان شرط التحكيم أن يعتبر كما لو كان غير مدون . ويجوز باتفاق مستقل ، أن يحيل طرفان نزاعا قائما بينهما إلي محكم أو أكثر للفصل فيه ، ولو كان عين النزاع منظورا بالفعل أمام جهة قضاء .وكلما كان الفصل في النزاع موكولا إلي محكمين وفقا لاتفاق تحكيم ، فإن عرضه علي جهة قضاء ،يلزمها أن تقرر عدم اختصاصها بنظره .ويكون الأمر كذلك ولو كان هذا النزاع لايزال غير معروض علي المحكمين ، ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهرالبطلان. وإذا عارض أحد الطرفين المتنازعين في أصل الولاية التي يباشرها المحكم أو في مداها ، كأن لهذا المحكم أن يفصل في صحة إسنادها إليه ، وكذلك في نطاقها . كذلك عدل القانون رقم 95 لسنة 3991الصادر فى رومانيا بعد زوال التأثير الشيوعي من تنظيماتها القانونية أحكام الباب السابع من قانون الإجراءات المدنية والتجارية ، متبنيا نظاما للتحكيم يخول الأشخاص الذين يملكون مباشرة كامل حقوقهم ، حرية الدخول فيه لتسوية نزاعاتهم المتعلقة بحقوقهم المالية باستثناء تلك المسائل التى لايجوز التعامل فيها ، ومقررا كذلك أن التحكيم لايتم إلا بمقتضى اتفاق يدون كتابة ، وأن هذا الاتفاق إما ان يكون تفاهما قائما بذاته بين طرفين لمواجهة نزاع شجر بينهما بالفعل Compromise وإما أن يكون متخذا شكل شرط بالتحكيم Compromissory Clause مندمجا فى عقد نافذ بين الطرفين المتنازعين ، ويستقل فى صحته عن العقد الذى يتضمنه ، على أن يتناول هذا الشرط تخويل المحكمين فض ما قد يثور بينهما مستقبلاً من نزاع يكون ناشئا عن ذلك العقد أو مرتبطا به . ويعتبر اتفاق التحكيم مانعا من مباشرة جهة القضاء لاختصاصها بنظر المسائل التى أحالها ذلك الاتفاق إلى التحكيم . ويكون لأعضاء هيئة التحكيم السلطة الكاملة التى يحددون من خلالها ما يدخل فى اختصاصهم من المسائل ، وذلك بقرار لا يجوز الطعن فيه إلا وفق الأحكام المنصوص عليها فى المادة 364 من هذا القانون .

وحيث إن النصوص القانونية السالف بيانها تؤكد جميعها أن التحكيم وفقا لأحكامها لا يكون إلا عملا إراديا ، وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان فيما بينهما اتفاق تحكيم ، ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما ، ماكان منها قائما عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعده ، إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى بإرادتهما الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهم بطريقه ميسرة فى إجراءاتها وتكلفتها وزمنها ، ليكون التحكيم بذلك نظاما بديلا عن القضاء ، فلا يجتمعان . يؤيد ذلك أن الآثار التى يرتبها اتفاق التحكيم من نوعين ، آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التى يشتمل عليها على محكمين ، وأن يبذل الطرفان المتنازعان جهدهما من أجل تعيينهم وتسهيل أدائهم لواجباتهم والامتناع عن عرقلتها .وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل جهة القضاء ويمنعها من الفصل فى المسائل التى أحيلت إلى المحكمين . بل إن الاتجاه السائد اليوم يخولهم عند إنكار ولايتهم ، تقرير الاختصاص بما يدخل فى نطاقها la Competence de leur Competence ، وإن كان ذلك لا يحول بين جهة القضاء وبين أن تفرض رقابتها - فى الحدود التى يبينها القانون - على قراراتهم التي تنتهي بها الخصومة كلها ، سواء فى مجال الفصل فى ادعاء بطلانها ، أو بمناسبة عرضها عليها لضمان التقيد بها .

وحيث إنه لا ينال مما تقدم ، ما ذهب إليه المدعى عليه الأول من أن النص المطعون فيه ليس تحكيما إجباريا ، بل هو تحكيم من طبيعة قضائية تولى المشرع تنظيمه عملا بالسلطة التى يباشرها بمقتضى المادة 167 من الدستور ، التى عهدت إليه بتوزيع الولاية القضائية بين الهيئات التى اختصها بمباشرتها دون عزل بعض المنازعات عنها ، وبغير إخلال بالقواعد التى أتى بها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، والتي حلت محلها الأحكام التى تضمنها قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 1994 .

وحيث إن هذا الزعم مردود بأن ما قصد إليه الدستور بنص المادة 167 منه التى فوض بها المشرع فى تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها ، هو أن يعهد إليه دون غيره ، بأمر تنظيم شئون العدالة من خلال توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي يعينها ، تحديد لقسط كل منها أو لنصيبها فيها ، بما يحول دون تنازعها فيما بينها أو إقحام إحداها فيما تتولاه غيرها من المهام ، وبما يكفل دوما عدم عزلها جميعا عن نظر خصومه بعينها .ولا كذلك التحكيم إذا تم باتفاق بين طرفين ، ذلك أن مؤداه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى يتناولها استثناءً من خضوعها أصلا لها . وعلي أساس أن المحكمين يستمدون عند الفصل فيها ولايتهم من هذا الاتفاق باعتباره مصدراً لها .كذلك ليس فى القواعد التى تضمنها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات قبل إبدالها بقانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 1994 ، ولا فيما قرره هذا القانون من قواعد ، مايدل على أن التحكيم يمكن أن يكون إجباريا ، بل تفصح جميعها عن أن قبول المحتكمين للتحكيم شرط لجوازه باعتباره طريقا استثنائيا لفض النزاع بين طرفين بغير اتباع طرق التقاضى المعتادة ، ودون تقيد بكامل ضماناتها .

وحيث إن سيادة الدستور - بمعنى تَصٌّدره القواعد القانونية جميعها - ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التى احتواها ، والتى تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها ، بما فى ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكيفية مباشرتهما لوظائفهما ، ونطاق الحقوق التى يمارسها المواطنون ، وكذلك الحريات التى يتمتعون بها ، ذلك أن الدستور- محددا بالمعنى السابق على ضوء القواعد التى أنظمها - هو الدستور منظوراً إليه من زاوية مادية بحتة La Constitution au sens material وهى زاوية لا شأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها 0 وإنما تكون للدستور السيادة ، حين تهيمن قواعده على التنظيم القانوني فى الدولة لتحتل ذراه . ولا يكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاوية شكلية La Constitution au sens formel لا تتقيد بمضمون القواعد التى فصلها ، وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائداً أولا إلى تدوينها ، وثانياً إلى صدورها عن الجهة التى انعقد لها زمام تأسيسها L`organ Constituant والتي تعلو- بحكم موقعها من السلطتين التشريعية والتنفيذية - عليهما معا ، إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها ، يلتزمان دوما بالقيود التى فرضتها ، وبمراعاة أن القواعد التى صاغتها هذه الجهة وأفرعتها في الوثيقة الدستورية لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التى حددتها ، بشرط أن تكون فى مجموعها أكثر تعقيداً من تلك التى تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التى أقرتها . ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها التى تمنحها على الإطلاق الموقـع الأسمى La Primaute` Absolue التى لا تنفصم الشرعية الدستورية عنها فى مختلف تطبيقاتها ، باعتبار ان التدرج فى القواعد القانونية يعكس لزوما ترتيبا تصاعديا فيما بين الهيئـات التى أقرتها أو أصدرتها .

وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها ، وعلي ضوء مختلف العناصر التى لابستها ، مهيئا دون غيره للفصل فيها ، وكان الأصل هو اختصاص جهة القضاء العام بنظر المنازعات جميعها إلا ما استثنى منها بنص خاص ، وكان من المقرر أن انتفاء اختصاص المحاكم بالفصل فى المسائل التى تناولها اتفاق التحكيم ، مرده أن هذا الاتفاق يمنعها من نظرها ، فلا تكون لها ولاية بشأنها بعد أن حجبها عنها ذلك الاتفاق ، وكان النص التشريعي المطعون عليه - بالتحديد السالف بيانه يفرض التحكيم قسرا فى العلاقة القانونية القائمة بين طرفين لا يعدو أن يكون أحدهما مصرفا يقوم وفقا لقانون إنشائه بجميع الأعمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال الاستثمار، وثانيهما من يتعاملون معه من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين ، وكان هذا النوع من التحكيم منافيا للأصل فيه باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولايتصور إجراؤه تسلطا أو إكراها ، فإن شأن التحكيم المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه ، شأن كل تحكيم أُقيم دون اتفاق ، أو بناء على اتفاق لا يستنهض ولاية التحكيم . إذ لا يعدو التحكيم - فى هذه الصور جميعها - أن يكون حملاً عليه ، منعدما وجودا من زاوية دستورية ، فلا تتعلق به بالتالي ولاية الفصل فى الأنزعة أيا كان موضوعها. بما مؤداه أن اختصاص هيئة التحكيم التى أحدثها النص المطعون عليه بنظر المنازعات التى أدخلها جبرا فى ولايتها، يكون منتحلا، ومنطويا بالضرورة على حرمان المتداعين من اللجوء - فى واقعة النزاع الماثل - إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي ، فيقع من ثم مخالفا لنص المادة 86 من الدستور .

وحيث إن البين من المادة 81 من القانون رقم 84 لسنة 7791 المشار إليه أن فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة ، وكذلك ما ورد بفقرتيها السادسة والسابعة متعلقا بهيئة التحكيم المنصوص عليها فى الفقرة الثانية - المطعون عليها - تكون فى مجموعها وحدة لا تقبل التجزئة ، إذ يستحيل عزل بعضها عن بعض ، ولايتصور ان يكون لها وجود إذا حكم بعدم دستورية الفقرة الثانية المطعون عليها ، فإن ذلك الحكـم يكون مستتبعا لزوما سقوط الفقرات المشار إليها جميعها .

فلهذه الأسباب ؛

حكمت المحكمة : بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي ، وبسقوط فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة وكذلك ما ورد بفقرتيها السادسة والسابعة متعلقا بهيئة التحكيم المنصوص عليها فى الفقرة الثانية ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماة .

أمين السر رئيس المحكمة