المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لو طاح الجملْ



Essa Amawi
03-10-2009, 07:52 PM
في يوم المرأة.. أريد أن أكتب عن أمي.

قبل أعوام وفي مثل هذه الأيام كان التحضير على أشده.. للهجوم على بغداد.. وأتذكر ان أمي كانت مريضة جداً، ولكنها كانت تتابع الأخبار بشغف.. وكانت تسألني في كل يوم ''هجموا.. ولا بعدهم''.. فأجيبها ''بعدهم ما هجموا''.. اعترف لكم بأنها لم تكن تقرأ او تكتب ولكنها كانت قومية وتؤيد كل الأحزاب القومية.. وكانت حين تصلي تدعو في صلاتها للعرب، هي أصلاً لم تكن تقوى على الركوع لهذا.. كانت تصلي جالسة، لقد وصل السرطان إلى العظم ولم يعد جسدها يقوى على الحركة.

صدقوني انها كانت شرسة في قوميتها وكانت تناديني في الساعة السادسة صباحاً كي افتح لها التلفاز.. والسؤال نفسه يتكرر: ''هجموا ولا بعدهم''.. في ذلك الوقت كنت احتفظ ببعض الأغاني الحماسية وكنت في المساء، وفي ساعات الانتظار والترقب أدير قرص ''المسجل'' على اغنية تقول: ''يا قاع ترابك كافور... ع الساتر هلل شاجور''.

تحمست أمي ونسيت أوجاعها وأنا نسيت ألمي عليها.. وصرنا نراقب الشاشة ونحلم بالنصر.

انا كنت اشرح لها طبيعة المعركة كنت اقول لها إن ا لوضع غير متكافئ وكانت تجيبني: ''اللي الله معو لا تخاف عليه''... أيام عبرت ثم بدء الهجوم البري، ومن أجل اعطاء اكبر وقت للمتابعة صرنا نختصر الغداء الى اشياء خفيفة (سندويشات، قلاية بندورة) لم يكن هناك متسع للطبيخ فالأمة في امتحان صعب.. وأمي في امتحان صعب، كان السرطان قد استشرى في الجسد، وهي تريد ان تختم حياتها ولو على رائحة نصرٍ وليس نصراً كاملاً.. أفصحت لي ذات ليلةٍ بهذا الأمر واخبرتني أن المطلوب هو الصمود، فالصمود نصرْ والدتي لم تكن تجيد الكتابة أو القراءة كما قلت، ولكنها أجادت القومية باحتراف.. وكان لها تحليلات سياسية عميقة، فقد قالت لي ذات يوم حين سألتها عن الحال الذي ستؤول إليه الأمة إذا سقطت بغداد: ''وش نفع الجدي لو طاح الجملْ''.

أنا لم أفهم جيداً وطلبت منها التوضيح.. فأعادت على مسمعي المثل: (وش نفع الجدي لو طاح الجملْ)... أيام وأصبت بخيبة لم أصب في حياتي بها.. تردت صحة والدتي وأخبرني الطبيب أن العلاج لم يعد ينفع وأميركا دخلت بغداد..

آخر ما شاهدته هي على الشاشة، قصف وزارة الإعلام.. وآخر ما شاهدته منها حزن دفين على ما حدث.

ماتت أمي في اليوم الثاني لدخولها المستشفى، وسقطت بغداد في اليوم الثالث..

في يوم المرأة العالمي، فقدت عشيقتين لا أحلى ولا أجمل .. بغداد .. وأُمي..

أريد أن أقول في هذا اليوم: ''وش نفع الجدي لو طاح الجملْ''.




عبدالهادي راجي المجالي