المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنظيم القانوني لبراءات الاختراع



Hosam Hawamdeh
06-03-2010, 06:01 PM
المصدر : dabbaslawfirm

بقلم : د. صلاح أسمر



اولاً: نشأة الحقوق الفكرية
سعى الانسان، منذ بدء الخليقة، الى توظيف الطبيعة لتلبية مطالب حياته، فقد اجتهد منذ البداية الى تطويع الطبيعة واستغلال ما امكنه منها الى توفير حاجاته الضرورية من المأكل والملبس والمسكن، ثم اخذ يطور ذلك شيئا فشيئاً حتى وصل – في الحاضر – إلى ما هو فيه من تقدم ورفاهية ورغد العيش في شتى مناحي الحياة المتعددة .(1)
وبإلقاء نظرة سريعة، على مأكل وملبس ومسكن الإنسان، منذ وجد حتى يومنا هذا، تكشف بسهولة، أنها(أي المأكل والملبس والمسكن) كانت، بدائية وبسيطة في الأصل، إلا أن الانسان استطاع تطويرها بالممارسة والتجربة والبحث والسعي، حتى أصبحت – على مر الأيام – تشكل إنجازا رائعا .
ولا يخفي ان إنجازات الانسان في شتى المجالات، كانت نتيجة اعمال عقليه في تلبية حاجاته، موظفا – في سبيل ذلك – ملاحظاته المتكررة وتجاربه المتراكمة وخبرته المكتسبة، مستخدما قدراته العضلية والفكرية في تطوير وتوسيع مجالات نشاطه، متوصلا الى صور عدة في مجال الانتاج والابداع والابتكار والاكتشاف في شتى مناحي الحياة، (2) مشكلة صور عدة في مجال الانتاج والابداع والابتكار والتحسين ويصدق ذلك على جميع مناحي الحياة المتعددة الاقتصادية (زراعية أو تجارية أو صناعية) والعلمية والاجتماعية والأدبية والفنية والصحية والسياسية والقانونية .
وقد لا أضل الحقيقة، في القول، بأن البشرية مدينة للحضارات التي تعاقبت على هذا الكون في افراز الحقوق الفكرية – وعصبها التكنولوجيا – على اعتبار ان الحضارات تتداخل وتتفاعل وتتواصل على مر السنين، فالحضارات ميراث مشترك بين الأمم، فمن الجور نسبة الحضارة إلى أمة من الامم بعينها، ولكن من العدل القول بأن امة من الامم قد تمتعت أكثر من غيرها بعوامل حضارية مميزة، مما جعل مساهمتها في الحضارة البشرية أكثر فاعلية وتميزاً (3) .
وصفوة القول، أن الحقوق الفكرية قديمة قدم الانسان نفسه، وعرفها منذ بدء حياته ورعاها بالتطوير على مر السنين، (4)، الا أنها – أي الحقوق الفكرية – قد برزت بصورة ملموسة في أعقاب الثورة الصناعية، ثم تبلورت فيما مضى من العقود حتى أضحت من ابرز ميزات هذا العصر الذي نعيش، ومعيار التقدم فيه، (5) وقد جاء اهتمام دول أوروبا بهذا النوع من الحقوق مبكرا جدا، إذ سنت القوانين لحمايتها، (6) وجعلت منها مادة تدرس في معاهد العلم والبحث، (7) وكذلك فعلت معظم الدول العربية، (8) وان جاء ذلك متأخرا بعض الشيء(9) .
وحقاً، فإن الماضي يؤسس للحاضر، وهذا الاخير يدفع للمستقبل، فكانت الثورة الزراعية أولا، ثم الثورة الصناعية ثانيا، ثم الثورة المعلوماتية ثالثا، ولا نعلم اي ثورة قد تكون رابعا، فهل تكون نسخ الحيوان والنبات والإنسان ؟ يا مغيث أستر ... على راي غوار .

ثانيا: نطاق الحقوق الفكرية
إن " الملكية الفكرية " مصطلح قانوني يدل على ما ينتجه العقل البشري من أفكار محددة تتم ترجمتها الى أشياء ملموسة، فيدخل في نطاقها كافة الحقوق الناتجة من النشاط الفكري للانسان في الحقول الفنية والادبية والعلمية والصناعية والتجارية وما أشبه (10) .
فالحقوق الفكرية – إذن – تتسع لتشمل كل ما يجود به عقل الانسان، من خلال ما يتحلى به من ملكة فكرية وقريحة ذهنية .
وعليه، فإن مصطلح الحقوق الفكرية واسع جدا، ان ينصرف – من جهة – إلى الاختراعات والابتكارات في كافة مجالات الحياة، ونماذج المنفعة والرسوم (الرسومات) والنماذج الصناعية والعلامات الصناعية والتجارية وعلامات الخدمات والإسم التجاري والعنوان التجاري (11). كما ينصرف – من جهة اخرى – إلى " الاعمال الادبية والفنية " أي كل إنتاج في المجال الادبي او العلمي أو الفني أيا كانت طريقة أو شكل التعبير عنه (12) .
وعليه يمكن القول ان نطاق الحقوق الفكرية هو كل ما يخرج من دائرة الحقوق الشخصية والعينية، لذا يمكن رد الحقوق التي تقع في دائرة الحقوق الفكرية إلى ما يلي : (13)




اولا : الحقوق الصناعية :
من أبرز هذا النوع من الحقوق، براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية .
ويقصد ببراءة الاختراع " الشهادة التي تمنحها الدولة لصاحب الاختراع " وعادة ما تمنح الدولة براءة اختراع عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي، سواء اكان متعلقا بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أو بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة، كاختراع الآلات او الأجهزة وما إلى ذلك .
و تتضمن شهادة براءة الاختراع، كل ما يتعلق بالاختراع من أوصاف أو بيانات، مثل رقم البراءة واسم المخترع ومالك الاختراع وتسمية الاختراع ومدة الحماية وتاريخ بدايتها وتاريخ انتهائها .
اما النماذج الصناعية، فيقصد بها كل ترتيب وتنسيق للخطوط بطريقة فنية مبتكرة تكسب السلع والبضائع رونقا جميلا وجذابا يشد انتباه المستهلك، كما هو الحال في الرسوم الخاصة بالمنسوجات والاواني الخزفية وما إلى ذلك.

ثانيا : الحقوق التجارية :
من أبرز هذا النوع من الحقوق، العلامات التجارية والأسماء والعناوين التجارية.ويقصد بالعلامة التجارية "كل إشارة أو دلالة مادية مميزة يتخذها الصانع أو التاجر أو مقدم الخدمة لتميز صناعته أو بضاعته أو خدماته عن مثيلاتها التي يصنعها أو يتاجر بها أو يقدمها الآخرون ".

اما الإسم التجاري، فيقصد به " التسمية التي يختارها التاجر لمتجره لكلي يميزه عن غيره من المتاجر "، ويتألف – عادة – من مصطلح مبتكر، قد يضاف إليه عناصر اخرى، مشتقة من طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يمارسه صاحب الاسم التجاري (14) .
واما العنوان التجاري : فيقصد به " التسمية التي يختارها التاجر لنفسه لكي تميزه عن غيره من التجار " ويتألف – عادة – من الاسم المدني للتاجر او لقبه او كنيته او من كل ذلك إن أمكن، كما قد يضاف الى ذلك عناصر أخرى، تكون عادة مشتقة من طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يمارسه صاحب العنوان التجاري (15) .

ثالثا : حقوق المؤلف
من ابرز هذا النوع من الحقوق، المصنفات ( الأعمال ) في حقول العلوم أو الآداب أو الفنون (16).وحقوق التأليف هذه، تشمل جميع صور الإبداع الفكري الاصيل في المجالات العملية والادبية والفنية الناتجة من وحي العقل والتي يمكن التعبير عنها في صور خلق مادي (17) . ولا يخفي أن هذا النوع من الحقوق يعتبر من ارحب أنواع الحقوق الفكرية (18)، كونها تشمل أي عمل علمي او ادبي او فني مبتكر، ايا كانت اهمية ذلك العمل او الغرض من انتاجه، وايا كان مظهر التعبير عن ذلك العمل، علما بأن التعبير عن العمل المبتكر قد يأخذ مظاهر متنوعة، فقد يأخذ مظهر الكتاب او الصوت او النحت او الرسم او التصوير او الحركة (19) .

ثالثا: اهمية الحقوق الفكرية
تظهر اهمية الحقوق الفكرية، من خلال الدور الذي تلعبه على المستوى الاقتصادي وما يستتبع ذلك من تأثير مباشر على الوضع الاجتماعي او العلمي او السياسي او القانوني .
فالحقوق الفكرية تشكل – بحق – حجر الزاوية في التطور الاقتصادي (زراعيا و تجاريا صناعيا وخدماتيا) كونها تقود عجلة التطور والتقدم والتغيير والتحديث المستمر في المجتمعات، وتشكل الدراية العلمية بالانتاج والتوزيع والتسويق وبالتالي استطاع الانسان بفضلها، ان يختصر المسافات ويسلك اقصر الطرق إلى غاياته واتباع افضل الوسائل الى تحقيق رفاهيته وراحته هذا من جهه .
ومن جهة اخرى، فلقد غدت الحقوق الفكرية – وبخاصة براءات الاختراع منها – المقياس الذي يحدد ثراء الدول من عدمه، فقد كان غنى الدول – الى وقت ليس ببعيد – يقاس بمقدار ما تملك من ثروات طبيعية، كالمعادن والمواد الخام، أما اليوم، فقد اصبح غنى الدول يقاس بمقدا ما تملك من الحقوق الفكرية (20) .
لذلك، نجد ان هناك دولا كثيرة تعتبر في عداد الدول الفقيرة – بالرغم من امتلاكها ثروات طبيعية – كونها لا تملك من الحقوق الفكرية الا الشيء اليسير، ومن هذه الدول، معظم الدول النامية، إذ أن بعض هذه الدول لا تضيف شيئا يذكر الى رصيدها، بل ان رصيدها من الثروات الطبيعية يتناقص كل يوم بسبب سلبية ابناءها وتقاعس ولاة الامر فيها، حتى اصبحت مثلا سيئا في ضعف اقتصادها وتراجعه(21) .
ومن نافلة القول، أن الدول المتقدمة المالكة للحقوق الفكرية، تسعى دائما الى الاحتفاظ بها ولا تسمح بنقلها الى الدول المتخلفة إلا بالقدر اليسير وتحت شروط جد مجحفه (22) وذلك حتى تضمن لنفسها الصدارة والتفوق في الساحة الدولية سواء على المستوى الاقتصادي او الثقافي او السياسي
فلقد انتهت عهود الاستعمار بالجيوش ... واصبح استعمار اليوم اقوى واشد بسلاح التكنولوجيا. تبيعها او تمنحها الدول المتقدمة لمن تشاء بقدر، مقدمة تبعا لها القروض والمعونات والتسهيلات ضامنة التبعية الحقّه بالتحكم في المواد الوسطية وقطع الغيار ... واخطر ما في الامر، وجود مجالات تكنولوجية متقدمة، محرم على الدول النامية مجرد التطلع إليها وحيازتها مهما دفعت من اموال. (23)
ولم يخف بعض قادة " إسرائيل " اعتمادهم على الحقوق الفكرية – التكنولوجيا والتقنيات الخاصة – عندما قال " إذا كانت الدول التي تكرس الدين الاسلامي في هذه المنطقة تملك الثروات الطبيعية، فإننا نستطيع أن نحسم الصراع لصالحنا "(24) ،وأيا كان الامر، فإنه يمكن القول، بأن حماية الحقوق الفكرية ذات أهمية قصوى كونها تؤدي الى:
اولا : تشجيع المنافسة المشروعة (Fair Competition)
ثانيا : منع المنافسة غير المشروعة (Unfair Competition)
ثالثا : منع سائر ضروب الغش (Passing – off )
رابعا : محاربة التقليد والتزوير (Infringement)
خامسا : تحفيز الامة الى الاخذ بأسباب التطور والتقدم عن طريق الابتكار لا عن طريق التقليد .
ولا يخفى أن التفاوت بين الدول في امتلاك الحقوق الفكرية، قد أدى الى تقسيم دول المعمورة الى مجموعات متفاوته في مضمار التقدم والتخلف، فهناك دول متطورة وأخرى تحت التطور وثالثة متخلفة، بل قد اصبح تحديد قوة الدولة، يعتمد على مقدار ما تملكه من الحقوق الفكرية، فالتفاوت في امتلاك هذه الحقوق بين الدول، يترتب عليه تفاوت شديد في درجة الانتاج وجودته ومستوى الدخل القومي، كذلك مستوى معيشة الفرد، فضلا عن ان صوت الدولة – في المحافل الدولية – يعلو اكثر فأكثر كلما امتلكت قدرا اكبر من هذه الحقوق .
ومن نافلة القول أن الحقوق الفكرية (الصناعية والتجارية والادبية) لم تلق الاهتمام الكافي لا من الدول العربية ولا من الباحثين او الفقهاء العرب ،إلا من رحم ربي، فقد صبت الدول العربية، ومن ورائها الباحثون و الفقهاء العرب، جل الاهتمام على الحقوق الشخصية وعلى الحقوق العينية وما أشبه، وقد كان ذلك على حساب إهمال الحقوق الفكرية بمعناها الواسع، حتى اصبح بين العرب، وبين العالم مسافات جد كبيرة في معظم نواحي الحياة، ولا ابالغ ان قلت، أن العالم المتقدم يعدو – بقوة – نحو القمة، بينما ما زال العالم العربي يحبو – بضعف – في القعر .
الأمر الذي يجعلني اتساءل : هل يحق لي أن احلم بأن يرتفع العرب – كل العرب – عن صغائر الامور، وينظروا إلى أمهات الامور، وهل لي أن اتمنى بأن يخفف العرب – ولا أقول ان يوقف العرب – من دعمهم للاجسام الفاتنة، لحساب دعم العقولة المبدعة ؟

رابعا : تعريف الاختراع وشروطه
الاختراع : هو اي فكرة إبداعية يتوصل اليها المخترع في اي من مجالات التقنية وتتعلق بمنتج او بطريقة صنع او بكليهما تؤدي عمليا الى حل مشكلة معينة في اي من هذه المجالات.
اما براءة الاختراع : فهي الشهادة الممنوحة لمالك البراءة الذي يمكن ان يكون : شخصا طبيعيا او شخصا معنويا بعد أن يسجل اختراعه حسب الأصول في سجل الاختراعات من قبل مسجل الاختراعات أو من يقوم مقامه في الدولة ذات العلاقة. ولا يخفى ان منح البراءة للمخترع على ما اخترعه، فيه استجابة لواجب العدالة الذي يقضي بإعطاء كل ذي حق حقه، فالاختراع وليد ما بذله المخترع من جهد ومال وصبر، فإن في قصر الاستئثار بالاختراع على صاحبه حقا وعدلا، كما ان فيه تكريما له على إبداعه، وليس سرا ان الامم مدينة في تقدمها الى العباقرة والنابغين من ابنائها (25). ومع ذلك، فإن حق المخترع ليس حقا مطلقا دائما، بل انه حق مقيد ومؤقت، اذ ان كافة القوانين التي تمنح حقوقا لصاحب الاختراع تضع قيودا على ذلك من حيث الزمان ومن حيث المكان ومن حيث النطاق (26). وتختلف المدة الزمنية التي تمنح لصاحب الاختراع من دولة لاخرى، وعادة تتراوح ما بين عشرة اعوام وعشرين عاما، غير قابلة للتمديد كأساس عام، ومع ذلك يمكن تمديدها على سبيل الاستثناء إذا لم يستفد صاحب البراءة من الاختراع بما فيه الكفاية (27). وحتى يكون الاختراع قابلا للحماية بالبراءة يلزم توافر الشروط التالية (28) :
1. شرط الجده : يكون الاختراع كذلك، إذا كان جديدا من حيث التقنية الصناعية غير مسبوق بالكشف عنه للجمهور في اي مكان في العالم بالوصف المكتوب او الشفوي او عن طريق الاستعمال او بأي وسيلة اخرى يتحقق بها العلم بمضمون الاختراع .

2. شرط الابتكار : ويكون الاختراع كذلك، اذا كان منطويا على نشاط ابتكاري لم يكن التوصل اليه بديهيا لرجل المهنة العادي المطلع على حالة التقنية الصناعية السابقة لموضوع الاختراع .

3. شرط الصفة الصناعية : ويكون الاختراع كذلك، إذا كان قابلا للتطبيق الصناعي بحيث يمكن صنعه او استعماله في اي نوع من انواع الزراعة او صيد السمك او الخدمات او الصناعة بأوسع معانيها، ويشمل ذلك الحرف اليدوية .

ومع ذلك لا تمنح البراءة في أي من الحالات التالية (29) :
1. الاختراعات التي يترتب على استغلالها إخلال بالآداب العامة او النظام العام وتلك التي يكون منع استغلالها تجاريا ضروريا لحماية الحياة او الصحة البشرية او لتجنب الاضرار الشديد بالبيئة .
2. الاكتشافات والنظريات العلمية والطرق الرياضية .
3. طرق التشخيص والعلاج، والجراحة، اللازمة لمعالجة البشر، او الحيوانات
4. النباتات والحيوانات، باستثناء الاحياء الدقيقة .
5. الطرق البيولوجية لانتاج النباتات والحيوانات فيما عدا الطرق غير البيولوجية والبيولوجية
الدقيقة .

خامسا: حقوق مالك براءة الاختراع
ليس من شك، أن براءة الاختراع ترتب حقوقا لصاحبها، (30) فهي – أي البراءة – تخول صاحبها " الحق في استعمال الاختراع موضوع البراءة واستثماره وتشغيله وصنعه وانتاجه وتجهيزه وبيعه أو منح رخص للغير بذلك ". (31) وعليه فان صاحب الاختراع يتمتع بحقوق جمه (32) يمكن ردها الى الحقوق التالية :
اولا : الحق في الحصول على شهادة براءة الاختراع :
من حق صاحب الاختراع الحصول على شهادة براءة باختراعه، وتتضمن تلك الشهادة، اسم الاختراع ورقم البراءة الممنوحة عنه وتاريخ منحها وصنفها ووصفها ونطاقها ومدتها وتاريخ ابتداء وانتهاء تلك المدة، كما تتضمن، اسم المخترع ولقبه ومهنته وجنسيته وعنوانه.
ومن لحظة صدور شهادة براءة الاختراع يصبح من حق صاحبها استعمال البيانات الواردة فيها على اوراقه التجارية ومستنداته وكتالوجاته، وعلى المنتجات المصنعة تطبيقا للاختراع موضوع البراءة. (33) ذلك ان براءة الاختراع تمنح صاحبها الحق المطلق في الاستفادة من الاختراع موضوع البراءة والاستئثار بذلك الاستغلال، لفترة محددة (34) وبالتالي لا يجوز استغلال ذلك الاختراع من قبل الغير إلا بإذنه .

ثانيا : الحق في الاستئثار في الاختراع موضوع البراءة :
يعطي القانون صاحب براءة الاختراع حقا استئثاريا مقصورا عليه وحده دون غيره في الاستفادة من الاختراع موضوع البراءة، (35) والاستفادة من الاختراع يكون عن طريق الانتفاع به ماليا بأي طريق من طرق الاستفادة المشروعة، كأن يقوم في احتكار صناعة المنتجات وبيعها وعرضها للبيع وتصديرها، وكذلك احتكار تطبيق الطريقة الصناعية موضوع البراءة، او غير ذلك من طرق الاستفادة المشروعة (36) .
ومع ذلك، فإن حق صاحب براءة الاختراع في الاستئثار في اختراعه لا يدوم الى ما لا نهاية وانما هو حق مؤقت أي محدود بمدة زمنية معلومة يحدد القانون بدايتها ونهايتها، (37) أي بانتهاء مدة حماية الاختراع المحددة قانونا، ينتهي حق صاحب الاختراع في احتكار اختراعه، ومن ثم يخرج الاختراع من دائرة احتكار صاحبه ليدخل دائرة الاباحة، بحيث يصبح لاي شخص الحق في الاستفادة منه دون ان يعد ذلك تعديا على حق صاحب البراءة في الاختراع، ولا يخفى ان السبب في اعطاء الحق لاي شخص في الاستفادة من الاختراع، بعد انتهاء مدة الحماية المقررة له قانونا، عائد الى مراعاة مصلحة المجتمع التي تقتضي عدم تحكم شخص بعينه في اختراع معين، الى ما لا نهاية. يتحدد حق صاحب براءة الاختراع في احتكار الاستفادة من اختراعه في نطاق الدولة التي اصدرت البراءة. دون ان يمتد الى خارجها، ما لم يكن صاحب البراءة قد قام بتسجيل اختراعه تسجيلا دوليا، اذ ان صاحب الاختراع يستطيع ان يحمي اختراعه في اكثر من دولة، اذا ما رغب بذلك عن طريق قيامه بإجراءات التسجيل الدولي لاختراعه وفقا للاتفاقيات الدولية بهذا الصدد .

ثالثا : الحق في التصرف في الاختراع موضوع البراءة :
اجاز القانون لصاحب البراءة الحق في التصرف في الاختراع موضوع البراءة بكافة التصرفات الجائزة قانونا اذ لصاحب براءة الاختراع الحق في بيع الاختراع او استغلاله او استعماله او التنازل عنه او الترخيص للغير باستغلاله او رهنة او الايصاء به او وهبه او ما الى ذلك. هذا، ويجدر التنبيه، ان الحق في براءة الاختراع، قد يكون محلا للحجز عليه من قبل دائني صاحب البراءة (38) لان براءة الاختراع تعتبر عنصرا من عناصر الذمة المالية لصاحبها، وبالتالي تدخل في الضمان العام لدائنه (39). ولا يخفي ان الحجز على براءة الاختراع، قد يؤدي الى زوال ملكية البراءة إذ ما استمر الدائن الحاجز في اجراءات التنفيذ حتى النهاية، ولم يستطيع صاحب البراءة دفع ما عليه من الدين لدائنه الحاجز، لان ذلك يؤدي الى بيع البراءة بالمزاد العلني (40) .


رابعا : الحق في الحماية القانونية للاختراع موضوع البراءة
الحماية القانونية للاختراع موضوع البراءة، قد تكون حماية مدنية، وقد تكون حماية جزائية، وقد تكون حماية دولية، إذ يتمتع صاحب براءة الاختراع، بحق الحماية القانونية لاختراعه من تعد الغير أيا كانت صورة ذلك التعدي، سواء وقع التعدي في صور تقليد الاختراع موضوع البراءة او في صورة بيع المنتجات المقلدة او عرضها للبيع او استيرادها او حيازتها بقصد الاتجار او في صورة وضع بيانات دون وجه حق تؤدي الى الاعتقاد بالحصول على براءة اختراع، بينما هو في الواقع ليس كذلك. وأما الحماية الدولية، فتقوم على اساس احكام الاتفاقات الدولية بشأن براءات الاختراع، والتي من اهمها اتفاقية باريس لعام 1883 م الخاصة بحماية الملكية الصناعية واتفاق جوانب الحقوق الفكرية المتصلة بالتجارة (تربس TRIPS) لسنة 1994 م وسأعرض لهاتين الاتفاقيتين في موضع لاحق من هذه الورقة .

سادسا: الحماية القانونية لحقوق المخترع
1. تمهيد :
قيل ان كلمة " ملكية Property " قد جاءت من الكلمة اللاتينية "Proprius" والتي تعني حق المالك "One’s own"(41) اي حقوق الانسان فيما يتعلق بنتاج فكرة (42)، ولقد انصب هذا المعنى على الملكية في مجال العلوم التطبيقية ( الصناعية ) او ما اتفق عليه اصطلاحا " الملكية الصناعية (43) وعصبها الاختراعات .
وايا كان الامر، فلا غرو ان يكون الاهتمام بالحقوق الصناعية قد اصبح ضرورة ملحه خاصة في ظل عصر صناعي تجاري زراعي متطور، يغذية العقل، وتسيره الآله وتحكمه التكنولوجيا (44) .
لذلك، نجد جميع دول العالم قد سارعت – افرادا او جماعات – الى سن القوانين المنظمة للحقوق الصناعية (45) حتى غدت هذه القوانين من احدث فروع العلوم القانونية (46) كونها تعالج – من الزاوية القانونية – الحديث في العلوم والتكنولوجيا باعتبارها العمود الفقري لاي تطور او تقدم تنشده اية أمّه من الامم(47) .

2. أول قانون نظم حقوق المخترع :
يبدو ان اول قانون تناول حقوق المخترع (48) هو القانون الذي صدر في 19 آذار 1474 في فنيسيا ( البندقية ) بإيطاليا، (49) والذي جاء فيه ما مفاده :
" ان كل من يقوم بأي عمل جديد يحتاج الى الحذق والمهارة يكون ملزما بتسجيله بمجرد الانتهاء من اعداده على الوجه الاكمل بصورة يمكن معها الاستفادة منه، وان يحظر على اي شخص آخر القيام بعمل مماثل او مشابه من غير موافقة المخترع وترخيصه، وذلك لمدة عشر سنوات، واذا قام أي شخص اخر بعمل مماثل او مشابه فيكون للمخترع حق طلب الحكم على المعتدي بدفع تعويض مع إتلاف ما عمله "(50). من الواضح أن النص المذكور قد حوى مبدأ قانونيا، تمثل في حماية حق المخترع وحق المجتمع في آن واحد، إذ انه قد وازن بين الحقين، فشجع المخترع على إفشاء سر اختراعه، لقاء منحه امتيازا خاصا لاستغلال اختراعه وحال دون حرمان المجتمع من فائدة ذلك الاختراع اذا ما استمر كتمانه .
وقد انتشر هذ المبدأ – مبدأ حماية حق المخترع – في القوانين التي صدرت تباعا لذلك القانون (51) اذ انتقل مبدأ حماية المخترع الى القانون الانجليزي الصادر عام 1610 و الى القانون الامريكي الصادر عام 1790 م والى القانون الفرنسي الصادر عام 1791 م (52). ثم انتشر مبدأ حماية حق المخترع من القوانين المذكورة الى معظم قوانين دول العالم، تحقيقا لحماية حق المخترع على المستوى الوطني، (53) أذ عملت كل دولة على سن تشريع خاص بها يلائم ظروفها (54). كما وضعت قواعد ومباديء هامة افرغت في اتفاقيات دولية تحقيقا لحماية حق المخترع على المستوى الدولي (55) .

3. الجرائم والعقوبات والاجراءات التحفظية
تفرض القوانين عقوبات جزائية على كل من يتعدى على حقوق مالك البراءه، فالمادة 32 من قانون العلامات التجارية الاردني على سبيل المثال – تقضي بأن " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تزيد على سنة واحدة او غرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على ثلاثة الاف دينار او بكلتا العقوبتين، كل من ارتكب بسوء نيه فعلا من الافعال التالية :
1. قلد اختراعا منحت به براءة وفق احكام هذا القانون لغايات تجارية او صناعية .
2. باع او احرز بقصد البيع او عرض للبيع او للتداول او استورد من الخارج منتجات مقلدة لموضوع الاختراع اذا كان الاختراع مسجلا في المملكة .
3. وضع بيانات مضلله تؤدي الى الاعتقاد بالحصول على البراءة او ترخيص باستغلالها على منتجاته او