>>معلومات قانونية سريعة:: “هل يجوز للزوج التراجع عن موافقته على عمل زوجته ؟؟
ج. لا يجوز للزوج الرجوع عن موافقته على عمل زوجته إلا بسبب مشروع ودون أن يلحق بها ضرراً .„
  • 04-17-2017, 07:36 PM
    أحمد أبو زنط
    قانونية الاستفتاء الشعبي

    دراسة قانونية تؤكد قانونية الاستفتاء الشعبي


    نشرت جمعية الدستور: "ميزان" الشرعية والعدالة ومركزها رام الله (الحلقة الثانية) من دراسة متخصصة من واقع الفقه الدستوري لمستشاريها القانونيين تحت عنوان:

    "الاستفتاء الشعبي العام جائز وفق القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 ووفقاً للمبادئ العامة للقانون وأحكام الشريعة الإسلامية"

    على ضوء الجدال القائم حول مدى قانونية الاستفتاء ، وذلك نظراً لعدم وجود نص صريح في القانون الأساسي ، ولقناعتي بأن هناك ما يدعم هذا الاستفتاء من ناحية المبادئ العامة للقانون ومن ناحية الشريعة الإسلامية، وحتى في حالة غياب النص الصريح في القانون الأساسي فإن هذا لا يعني غياب الغطاء القانوني عن الاستفتاء ، لأنه من المتفق عليه في الفقه والقضاء في مختلف البلاد المذهبية أي التي يخضع النظام السياسي فيها لعقيدة شعبية عامة، أن هناك قواعد ومبادئ ووثائق تكون أعلى من الدستور، وتتمتع بالسمو والاحترام أكثر منه، لأنها تمثل قيم وتوجهات قانونية عليا للمجتمع، وهو ما أصبح يعرف عالمياً بالمبادئ العامة للقانون، ومثالها المبادئ العامة لحقوق الإنسان الثابتة في السيادة الشعبية، والحرية، والمساواة، ومقاومة الاحتلال والكرامة الإنسانية ، ومنع التعذيب ، وهي من المبادئ التي رسخت في ضمير الأمم وفي الفكر الديمقراطي للشعوب ، وتعتبر مصدراً من مصادر القواعد القانونية، ولا تحتاج للنص عليها في الدساتير، ويتعين احترامها والأخذ بها سواء تضمنتها وثيقة الدستور أم لم تتضمنها علماً بأن المادة العاشرة من القانون الأساسي أشارت إلى هذا عندما تضمنت النص على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وبدون شك من حقوق الشعب الأساسية الرجوع إليه لأخذ رأيه فيما يستشكل من المسائل التي تتعلق بمستقبله وشؤونه العامة فهو مصدر السلطات خصوصاً أن الرئيس بموجب المادة 34 من القانون الأساسي منتخب من الشعب بطريق مباشر ويتعين عليه الرجوع للشعب فيما أستشكل عليه من أمور .... وفي البلاد الإسلامية تعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية بمثابة المبادئ العامة للقانون الواجب احترامها وتطبيقها ، خصوصاً أن المادة الرابعة من القانون الأساسي الفلسطيني تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ، فمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية تعتبر مبادئ قانونية عامة وقواعد مقدسة تعلو على النصوص التشريعية الوضعية على مختلف درجاتها ، ونعتبرها أعلى وأسمى من القانون الأساسي ، فقواعد الشريعة مهيمنة على المجتمع الفلسطيني، وحيث أن الشورى ـ وتتفق مع الاستفتاء في مفهومه ـ تعتبر أصلاً من أصول الشريعة الإسلامية يهدف إلى تحرى المصلحة العامة وإشراك الناس في شئون حكمهم، ومن شأنها أن تؤدي إلى أظهار أفضل الحلول للمسائل العامة ، وتحافظ على الترابط والتضامن في المجتمع الإسلامي ، بل وضرورة لالتزام المسلمين بطاعة أولياء أمورهم، فلا يوجد ما يمنع من الأخذ بها في المجتمع الإسلامي سواء نص عليها في الدستور الوضعي أم لم ينص ، فالاستفتاء جائز وفقاً للمبادئ العامة للقانون المستقرة في الضمير الإنساني ووفقاً لأصول ومبادئ الشريعة الإسلامية التي هي أسمى من كل القوانين الوضعية .

    من المعروف أن الاستفتاء في اللغة هو طلب الفتوى أو الرأي أو الحكم في مسألة من المسائل وهو أسم فعله أستفتي ، وقد تضمن القرآن الكريم هذا الفعل في مواضع متعددة حيث قال سبحانه وتعالى في الآية رقم 127 من سورة النساء ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ...) ويقول سبحانه في الآية رقم 149 من سورة الصافات ( فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ) ويقول سبحانه تعالى على لسان يوسف عليه السلام في الآية رقم 41 من سورة يوسف (.... قضى الأمر الذي فيه تستفتيان ) ويقول سبحانه على لسان ملك مصر في الآية رقم 43 ( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ) ثم يقول في الآية رقم 46 ( يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون ) صدق الله العظيم .

    أما في الفقه الدستوري فالاستفتاء هو عرض موضوع عام على الشعب لأخذ رأيه فيه بالموافقة أو الرفض . فالاستفتاء الشعبي أو طلب الفتوى أو الرأي من الشعب ليس نظاماً حديثاً بل هو معروف منذ القدم ... فمن قصص القرآن الكريم ما يخبرنا به الله تعالى في سورة النمل من استفتاء بلقيس ملكة سبأ بأرض اليمن لذوى الرأي في قومها ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا تعلوا على وأتوني مسلمين ، قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ، قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) الآيات من 29 ـ 33 من سورة النمل .

    وإذا كان الاستفتاء الشعبي هو طلب الرأي من المواطنين في شأن من الشئون العامة المتصلة بالسلطة أو السياسة والحكم ، فإن كافة أنظمة الحكم الحديثة على اختلاف صبغتها الديمقراطية تعترف بأن الشعب هو صاحب سلطة الحكم له السيادة والكلمة العليا في حكم نفسه والتصرف في شئونه، ومع ذلك ظهرت مذاهب تفسر فكرة الشعب بأكثر من تفسير تجاوبت معها نظرية سيادة الأمة ونظرية سيادة الشعب كما أن الديمقراطية اتخذت صوراً متعددة منها الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية والديمقراطية شبه المباشرة .

    ولقد أخذت معظم الدساتير الحديثة بالديمقراطية شبه المباشرة عن طريق الأخذ بأهم صورة من صور الرجوع المباشر إلى الشعب، وتمكينه كلما أمكن من أن يقرر لنفسه بنفسه وهي صورة الاستفتاء الشعبي، وذلك خلاف دساتير أخرى فضلت نظام الديمقراطية الغير مباشرة كالدستور الغير مكتوب البريطاني والدساتير التي حذت حذوه كالدستور الهندي ودساتير البلاد الاسكندينافية ومع ذلك فإن النظام الانجليزي لا يمنع من الرجوع إلى الاستفتاء الشعبي استثناء فيما يتعلق بموضوعات هامة كتقرير المصير والحكم الذاتي لما لهذه الموضوعات من صلة قوية بأحاسيس المواطنين ورغبتهم في الانتماء السياسي لدولة معينة أو للدولة التي يعيشون فيها وقد أجري فعلاً استفتاء من هذا النوع بين مواطني أسكتلندة وويلز لمعرفة مدى رغبتهم بالتمتع بالحكم الذاتي وذلك في مارس سنة 1979 وكانت النتيجة سلبية . كما أن السويد عرفت منذ عام 1922 ما يسمي باستفتاء الاستشارة ويشترط لإمكان الرجوع إليه موافقة السلطتين التنفيذية والتشريعية وفي النرويج رجعت الحكومة إلى استفتاء الاستشارة أربع مرات بين السنوات 1905و1926 كما رجعت إليه في 24 سبتمبر سنة 1972 لمعرفة رأى الشعب في مسألة الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة وفي فنلندة لم يتضمن الدستور النص على أي نوع من أنواع الاستفتاء ولكن الرجوع إلى هذه الوسيلة قد تقرر بقانون خاص في عام 1931م .

    ومن أهم وأقدم الدساتير التي قامت على أساس الديمقراطية شبه المباشرة الدستور السويسري الذي أخذ بنظام الاستفتاء الشعبي سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات ، بل أن الاستفتاء يعتبر ظاهرة سويسرية الأصل ومن أمثلة الاستفتاءات السويسرية استفتاء 2مارس 1975م بشأن النقود والائتمان، واستفتاء يونيو عام 1975 الذي وافق الشعب فيه على زيادة المصادر الضريبية الفيدرالية بعد أن تأكدت الأزمة الاقتصادية وما صاحبها من تضخم وهو بهذا الاستفتاء تراجع عن موقفه المتمثل في رفض الزيادة في استفتاء سابق بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1974م . ويلاحظ أن الشعب السويسري تم استفتائه مرتين خلال أقل من ستة شهور لأن هناك كانت الأزمة الاقتصادية ، فالشعوب لا تستفتي وتستدعى لأخذ رأيها إلا في أوقات الأزمات ، وفي سويسرا تعمل الاستفتاءات الشعبية على الصعيد الفيدرالي فيما يتعلق بتعديل الدستور وفيما يتعلق بالقوانين العادية، حيث انه في مجال المواد الدستورية يمكن للشعب أن يقترح تعديل الدستور بموجب عريضة يوقعها خمسون ألف مواطن ومن جهة ثانية بعد إجراء التعديل من قبل المجالس الفيدرالية يجب أن يعرض نص التعديل على الاستفتاء الشعبي لتصديقه بأغلبية المواطنين وبأغلبية المقاطعات . وبخصوص القوانين العادية ، ليس للمبادرة الشعبية أي دور إلا أن الاستفتاء الشعبي قد يقع إذا طلبه 30 ألف مواطن أو ثماني مقاطعات وكذلك الحال بخصوص المعاهدات التي تزيد مدتها عن 18 سنة . أما على صعيد المقاطعة نجد كل المقاطعات في المواد الدستورية لها إمكانية المبادرة الشعبية وإلزامية الاستفتاء الشعبي .وفي العديد من المقاطعات يعتبر الاستفتاء إلزاميا ولكنه في غيرها اختياري، ومن المفيد الإشارة إلى أن النتيجة الواضحة للديمقراطية نصف المباشرة التي تطبق في سويسرا أنها أدت إلى تقوية الاتجاهات المحافظة وأن أغلب الاستفتاءات السويسرية انتهت إلى تثبيت الوضع القائم ورفض مشاريع الإصلاحات مما أدى إلى الاستنتاج أن الشعوب تخاف على العموم من المغامرات والتغيير في ما استقر لديها من أصول وثوابت .

    وفي الولايات المتحدة الأمريكية نصت دساتير كثير من الولايات الأعضاء في الاتحاد على جواز أو وجوب عرض بعض المسائل العامة على الاستفتاء الشعبي رغم أن نظام الاستفتاء مستبعد على المستوى الفيدرالي .

    وفي فرنسا نص دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية لعام 1958م في المادة الثالثة منه على أن السيادة القومية أو الوطنية أو سيادة الأمة تمارس بواسطة النواب أو عن طريق الاستفتاء ونظمت المادتان 11و89 من الدستور كيفية ممارسة نظام الاستفتاء الشعبي.

    ونص الدستور المصري الصادر سنة 1971م في مواد متعددة منه على إتباع نظام الاستفتاء الشعبي كصورة من صور الرجوع المباشر إلى الشعب بحيث تشكل هذه المواد مع الجانب النيابي من نظام الحكم الذي رسمه الدستور نوعاً من الديمقراطية شبه المباشرة .

    ويتضح مما تقدم أن الاستفتاء في معناه الاصطلاحي هو عرض موضوع عام على الشعب لأخذ رأيه فيه بالموافقة أو الرفض ، غير أن الاستفتاء الشعبي يصنف إلى أنواع متعددة تختلف باختلاف أهداف الاستفتاء والوجهة التي ينظر من خلالها إليه ، فالاستفتاء من حيث موضوع التصويت يكون استفتاء دستوري أو تشريعي أو سياسي، ومن حيث وجوب الإجراء قد يكون استفتاء إجباري أو استفتاء اختياري ، ومن حيث عمومية التصويت يكون استفتاء عام أو استفتاء مقيد ، ومن حيث عدد الدرجات يكون استفتاء مباشر أو استفتاء غير مباشر ومن حيث إلزام النتيجة يكون الاستفتاء الملزم والاستفتاء الاستشاري، ومن حيث الهدف المقصود يكون الاستفتاء الرسمي أو الاستفتاء الدراسي .

    ويجب إلا يغيب عن المعرفة أن كل نوع من أنواع الاستفتاء التي ذكرناها يحتاج شرحها إلى أبحاث ودراسات طويلة لا يتسع هذا المقال لبيانها ، فهذه مجرد عناوين في مؤلفات الفقه الدستوري التي استندنا إليها ، إلا إننا نرغب الإشارة بإيجاز إلى الاستفتاء السياسي والذي يطلب بموجبه من المواطنين الفصل في أمر مهم يثير الخلاف ولا ينطوي على قاعدة عامة مجردة . وتأخذ بهذا النوع من الاستفتاء دساتير كثير من الدول ومنها الدستور المصري والذي تضمن أنه لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا .

    وللاستفتاء السياسي صور وأشكال متعددة تختلف باختلاف موضوع الرأي الذي يطلب من الشعب البت فيه أو اتخاذ قرار بشأنه ومن أمثلة هذه الصور نذكر الاستفتاء للاختيار بين النظام الملكي أو الجمهوري كما حدث في إيطاليا في استفتاء 10يونيو عام 1946م الذي ترتب على نتيجته قيام الجمهورية الايطالية وكما حدث في العراق في استفتاء عام 1921م بشأن تولى فيصل عرش البلاد . ومن أشهر الاستفتاءات على إلغاء الملكية وقيام الجمهورية ذلك الاستفتاء الذي تم في إيران في أوائل أبريل عام 1979م ووافق الشعب فيه بأغلبية تقارب الإجماع على إلغاء النظام الملكي وإقامة الجمهورية الإسلامية .

    ومن صور الاستفتاء السياسي أن يستفتي الشعب حول الانضمام إلى المعاهدات الدولية أو بخصوص القرارات التي من شأنها زيادة النفقات العامة للدولة ، ففي الولايات السويسرية تخضع للاستفتاء الإجباري أو الاختياري كافة القرارات التي تستتبع نفقات غير عادية أو نفقات متجددة تتجاوز رقماً محدداً أو إنشاء أو زيادة الضرائب فيما يجاوز سعراً معيناً والقروض التي تصل إل درجة معينة من الأهمية وفي بعض الولايات المتحدة يجري الاستفتاء الشعبي على القرارات المنشئة للضرائب أو المصرحة بعقد القروض .

    وللاستفتاء السياسي صور هامة منها استفتاء التحكيم الشعبي واستفتاء تقرير المصير : حيث يستخدم الاستفتاء أحيانا كأداة لتحكيم الشعب فيما يقوم بين سلطات الدولة أو بين الحكومة والمعارضة من نزاع ، وقد أخذت بهذا النوع من الاستفتاء بعض دساتير ما بعد الحرب العالمية الأولى ومنها دستور فايمر الألماني لعام 1919م، فطبقاً لهذا الدستور كان يمكن إجراء الاستفتاء في حالة النزاع بين أغلبية وأقلية مجلس النواب أو بين هذا المجلس والمجلس الإمبراطوري أو بين رئيس الرايخ والبرلمان ، ولعل تحكيم الشعب في هذا النزاع هو الذي أعطي الطابع المميز لنظام فايمر ، إذ كانت المادة 73من الدستور تخول رئيس الدولة خلال شهر من موافقة البرلمان على القانون أن يرفض إصداره ويعرضه على الاستفتاء ، ولم يكن الرئيس ملزماً بالتنحي عن السلطة في حالة رفض الشعب لموضوع الاستفتاء ، وبذلك كان الاستفتاء أداة كفاح في يد الرئيس لاستيضاح سياسته إذا ما اعترض عليها البرلمان ، غير أنه كان باستطاعة البرلمان هو الآخر استدعاء الشعب للاستفتاء ضد الرئيس ، وفى حالة رفض موضوع الاستفتاء الذي عرضه البرلمان من جانب الشعب كان يستوجب حل البرلمان فوراً وإجراء انتخابات جديدة .

    ومن الدساتير التي طبقت استفتاء التحكيم بين رئيس الدولة والبرلمان الدستور الأيسلندي الذي يجيز للبرلمان بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه أن يقرر إجراء استفتاء شعبي على عزل رئيس الجمهورية ، فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء ايجابية اعتزل الرئيس الحكم، وإن جاءت نتيجة الاستفتاء سلبية حل البرلمان بقوة القانون .

    وقد اخذ دستور جمهورية مصر العربية لعام 1971م باستفتاء التحكيم كوسيلة لحل النزاع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وترجيح موقف أحداهما على موقف الأخرى ومن صور استفتاء التحكيم كذلك الرجوع إلى الشعب للفصل في النزاع القائم بين الحكومة والمعارضة رغم ما للحكومة من أغلبية برلمانية ، وفي هذه الحالة لا يوجد نزاع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وتستطيع الحكومة بما لها من أغلبية برلمانية اتخاذ ما تراه مناسبا لمعالجة الأمور في حدود الدستور والقانون دون الحاجة إلى استدعاء الشعب للاستفتاء ولكنها قد تفضل الرجوع إلى الاستفتاء الشعبي كأداة تحكيم لكبح جماح المعارضة بطريقة أكثر ديمقراطية من حيث ظاهر الأمور .

    ومن صور التحكيم الشعبي التي تعتبر استفتاءاً سياسياً غير مباشر حل البرلمان قبل نهاية مدته القانونية ، وإجراء انتخابات جديدة على ضوء أفكار أو اتجاهات معينة مختلف فيها يراد الترجيح بينها وتأكيد أحدها وتغليبه على ما يخالفه عن طريق انتخاب أنصاره من المرشحين البرلمانيين .

    ومن أهم صور الاستفتاء السياسي كذلك استفتاء تقرير المصير الذي يجرى لتخيير شعب من الشعوب بين الاستقلال أو التبعية لدولة من الدول أو الاتحاد معها .ومن الاستفتاءات التي تتصل بتقرير المصير ذلك الاستفتاء الذي أجري في مقاطعتي اسكتلندا وويلز بالمملكة المتحدة البريطانية في أوائل مارس سنة 1979م على التمتع بالحكم الذاتي في أطار الدولة البريطانية وجاءت نتائج الاستفتاء غير مؤيدة للحكم الذاتي وكذلك الاستفتاء الذي أجري في مايو سنة 1980م في مقاطعة كيبيك الكندية للاختيار بين الانفصال عن كندا وبين البقاء في أطار الدولة الاتحادية وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الاحتفاظ بوحدة الدولة الكندية بأغلبية ساحقة .

    وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية لم يأخذ القانون الأساسي الفلسطيني بوضوح بأي مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة فلم ينص صراحة على الأخذ بالاستفتاء في بعض الأمور كالمسائل الهامة التي تتعلق بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وأشار للاستفتاء بشكل غير مباشر عندما نصت المادة 26 على حق الفلسطينيين في المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات، إلا أنه من المتفق عليه أن الفقه والقضاء في مختلف البلاد المذهبية أي التي يخضع النظام السياسي فيها لعقيدة شعبية عامة يعترف بقواعد ومبادئ ووثائق تكون أعلى من الدستور، وتتمتع بالسمو والاحترام أكثر منه، لأنها تمثل قيم وتوجهات قانونية عليا للمجتمع، وهو ما أصبح يعرف عالمياً بالمبادئ العامة للقانون، ومثاله المبادئ العامة لحقوق الإنسان الثابتة في الحرية والمساواة ومقاومة الاحتلال والكرامة الإنسانية ومنع التعذيب ... الخ ، وهي من المبادئ التي رسخت في ضمير الأمم وفي الفكر الديمقراطي للشعوب ولا تحتاج للنص عليها في الدساتير، ويتعين احترامها والأخذ بها سواء نص عليها في وثيقة الدستور صراحة أو ضمناً أو لم ينص، كما أن القضاء المقارن استقر على أن قرارات الرئيس بخصوص الاستفتاء تدخل في نطاق أعمال السيادة التي تخولها للرئيس اليمين الدستورية التي تلزمه برعاية مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة تحقيقاً للمصلحة العليا للشعب الفلسطيني الذي له حق المشاركة بموجب المادة 26 من القانون الأساسي في الحياة السياسية ومن اخصها المشاركة المباشرة للشعب ليقرر لنفسه بنفسه . أن الفكر الدستوري إذا ما كان في ذهن رجل القانون وهو يقوم بمهامه، فإنه لا غرو سيميل إلى التفسير الأقرب إلى المبادئ الدستورية التي أصبحت عالمية ، وبالطبع سيهجر التفسير الذي يخالفها أو لا يتلاءم معها .

    إن منطقتنا العربية حديثة الخبرة بالفقه الدستوري المستقر لدي الشعوب التي سبقتنا في التحرر والاستقلال لأكثر من قرنين من الزمان لذلك يصعب حتى على المشتغلين بالقانون من الفروع الأخرى، فهم هذا الفقه وملاحقة تطور مبادئه التي هاجرت إلى كل الدول بحيث أصبحت مبادئ دستورية عالمية تفرض وجودها ولا تستطيع النظم السياسية تجاهلها .

    وانطلاقاً من ذلك وبما أن المادة الرابعة من القانون الأساسي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين وأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، فمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية تعتبر مبادئ قانونية عامة وقواعد مقدسة تعلو على النصوص التشريعية الوضعية على مختلف درجاتها ، ونعتبرها في الفقه الدستوري أعلى وأسمى من القانون الأساسي ، فقواعد الشريعة مهيمنة على المجتمع الفلسطيني، وحيث أن الشورى تعتبر أصلاً من أصول الشريعة الإسلامية يهدف إلى تحرى المصلحة العامة وإشراك الناس في شئون حكمهم، ومن شأنها أن تؤدي إلى أظهار أفضل الحلول للمسائل العامة وتحافظ على الترابط والتضامن في المجتمع الإسلامي بل وضرورة لالتزام المسلمين بطاعة أولياء أمورهم، فلا يوجد ما يمنع من الأخذ بها في المجتمع الإسلامي سواء نص عليها في الدستور الوضعي أم لم ينص، فالاستفتاء جائز وفقاً للمبادئ العامة للقانون المستقرة في الضمير الإنساني ووفقاً لأصول ومبادئ الشريعة الإسلامية .

    ان مبدأ الشورى وهو أصل من أصول النظام الإسلامي يتمثل في طرح موضوع عام لم يرد بشأنه نص قاطع في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة على الأمة ممثلة في علمائها للمناقشة وتبادل الآراء والحجج بحثاً عن الحكم الصحيح الأمر الذي يعني أن معنى الشورى يتفق مع مفهوم الاستفتاء في كونهما يتمثلان بصفة عامة في طلب الرأي من أهله في أمر من الأمور العامة ، وأن اختلفا من حيث أهل الرأي وموضوعه وحدوده .

    ان الشورى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتم بقصد تربية الناس سياسياً وتعويدهم على ممارستها ، وليس بهدف اتخاذ قرارات ، لأن الوحي الألهى كان لا يزال يتنزل على الرسول الكريم ، وهذا لا ينفي ما عاد على المسلمين من مشورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه من فوائد خاصة فيما يتعلق بمسائل الحرب والقتال ، فلا يمكن إنكار أثر مشورة الحباب بن المنذر بتغيير مكان نزول جيش المسلمين للسيطرة على موارد المياه في غزوة بدر ، أو نتيجة مشورة سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة في غزوة الخندق .

    فالشورى أمر محبب في الإسلام يقي من الزلل ويؤدي إلى تمحيص الرأي ، وهي واجبة على الحكام حتى يكونوا في المسائل العامة على بينة من أمرها قبل البت فيها ، قال سبحانه وتعالى في الآية 159 من سورة آل عمران ( وشاورهم في الأمر ) وذلك بصيغة الأمر والأمر هنا يفيد الوجوب وفي الآية 38 من سورة الشورى يذكر الله سبحانه وتعالى الشورى إلى جانب ركنين هامين من أركان الإسلام هما الصلاة والزكاة ، فيجب أن يتصف بها المسلم كما يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة فيقول الله تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) فالشورى واجبة على الحاكم المسلم وذلك لصراحة الأمر بها في القرآن الكريم، ولما لها فضل في إصلاح شئون الحكم ولم تكن عند ظهور الإسلام إلا نوعاً من الاستفتاء الشعبي. ولكن وجوب الشورى لا يكون إلا حيث توجد الحاجة إليها أي بالنسبة لما يستشكل من أمور، وهذه نقطة بالغة الأهمية وللحاكم فيها سلطة تقديرية ، وأن كان للمسلمين أنفسهم من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق مطالبة الحاكم بعرض أمر من الأمور المهمة على أولي الرأي لمناقشته قبل اتخاذ القرار فيه بناء على ما تقتضيه ظروف البيئة الاجتماعية والسياسية في زمان ما ومكان ما ..

    وفي مجال الشورى فإن الإسلام لا يعتبر بالكثرة العددية اعتداداً مطلقاً ، فرأي القلة من العلماء مرجح على رأي الكثرة من العامة والجهلاء ، حيث يقول سبحانه في الآية رقم 100 من سورة المائدة ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يأولي الألباب لعلكم تفلحون ) وقوله سبحانه في الآية رقم 9 من سورة الزمر ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) ويقول في الآية رقم 21من سورة يوسف ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .

    ومما تقدم نستطيع القول أنه حتى مع غياب البيئة القانونية الملائمة التي تستوعب هذا الرأي بهدوء، يمكننا بالاستناد إلى حدود وأحكام الشريعة الإسلامية أن نقول أنه ليس هناك ما يمنع أولي الأمر في البلاد التي تدين بالإسلام ـ حتى مع غياب النص الصريح في الدستور ـ من استشارة الجماعة في قاعدة تتعلق بنظام الحكم في الدولة كتنظيم العلاقة بين سلطات الدولة أو بينها وبين الأفراد، وبشرط إلا يكون موضوع الاستشارة من الموضوعات التي أتت فيها الشريعة الإسلامية بحكم قاطع لا يقبل اختلاف الرأي سواء أكان مصدره الكتاب الكريم أو السنة النبوية الشريفة، فمبادئ الشريعة وأصولها وقواعدها تسمو على كل ما عداها من مفاهيم وقوانين وضعية، وهي أوجب بالتطبيق والاحترام .

    مصادر الورقة :
    مقاييس اللغة لأبي الحسن أحمد بن فارس زكريا ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، طبعة 1971م والدكتور محمد البهي : الدين والدولة من توجيه القرآن الكريم ، 1971م والدكتور مصطفى الرافعي : الإسلام نظام انساني ، 1964م والدكتور كمال وصفي ، مجلة المحاماة ، ص 194 والعميد أندريه هوريو : القانون الدستوري والمؤسسات السياسية وانظر ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، المجلد الثالث، ص 361 وما بعدها .الدكتور فتحي الوحيدي ، القانون الدستوري والنظم السياسية ، الجزء الأول والجزء الثاني، والقضاء الدستوري في فلسطين ،ص 265و266 . واعتمدنا كتاب الدكتور ماجد الحلو ، الاستفتاء الشعبي ، سنة 1983م والدكتور محمد كامل ليلة ، النظم السياسية ـ الدولة والحكومة ، سنة 1969م والدكتور صلاح الدين فوزي ، الدعوي الدستورية وكثير من المقالات والأبحاث والمؤلفات المتعلقة بالفقه الدستوري ورجع إليها الباحث.