الأخطاء الطبية بين الالتزام والمسؤولية
المحامية تغريد الدغمي


<b>
تعتبر مهنة الطب من المهن الإنسانية النبيلة البالغة الأهمية والخطورة فالطبيب يمارس مهنة إنسانية نبيلة الهدف،تتعلق بحياة الإنسان وسلامته الجسدية وصحته النفسية، والتي هي من أهم وأثمن ما يحرص الشخص والمجتمع على حمايتهما، فالطبيب يقوم بالكشف السريري وصولاً إلى تشخيص المرض وانتهاءً بالمعالجة للحصول على النتائج، فيحتاج إلى قدر كبير من الحرية والاجتهاد والثقة والطمأنينة، فالطبيب وحده يتخذ القرار المناسب ويسلك السلوك الذي يضمن إنقاذ المريض ويحقق سلامته، وعليه يكون مسئولا عن أدنى خطأ يصدر منه يكون سببه الإهمال أو عدم الحرص أو عدم تقدير العناية اللازمة للحالة المرضية.

ومشكلة الأخطاء الطبية لم تعد مشكلة مهنية محصورة ضمن كوادرها في الساحة الطبية، بل هي مشكلة اجتماعية تحوز على أهمية خاصة لدى جميع فئات المجتمع وشرائحه، وقد اهتمت وسائل الإعلام بمشكلة الأخطاء الطبية وذلك من خلال طرحها المواضيع والمقالات المتعلقة بالأخطاء الطبية في محاولة منها لمعرفة أسباب هذه المشكلة ووضع حلول لها.

ومن العناوين التي تناولت مشاكل وقصص وقضايا الأخطاء الطبية وتم نشرها في وسائل الإعلام خاصة الصحف منها:
خطأ طبي تركه بين الحياة والموت...........
دخل لإجراء عملية لوز فخرج جثة هامدة....
سفاحو المشارط الطبية..........
نسيان بشكير خمس سنوات........
وعليه فلا بد من إحاطة الأطباء بالمسؤولية التي يخشاها المسيء خاصة لما تتيحه مهنة الطب من إباحة التصرف في جسم الإنسان، وبما أن تحديد مسؤولية الطبيب الجزائية من الأمور الفنية الدقيقة والمعقدة والمتشعبة لابد من معرفة وتسليط الضوء حول طبيعة الالتزام الطبي فهل الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب هو التزام ببذل عناية أم بتحقيق نتيجة.... وما هي الشروط الواجب توفرها لقيام المسؤولية الطبية الجزائية.

أولاً: طبيعة الالتزام الطبي
الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب هو من حيث المبدأ التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة،ويكون ذلك في بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق والظروف القائمة والأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض وتحسين حالته الصحية، فعلى الطبيب العناية بالمريض العناية الكافية، ووصف العلاج المناسب لشفائه من مرضه حتى لو ساءت حالة المريض الصحية مادام انه لم يقع في خطأ يمكن أن أن يترتب عليه المسؤولية،وهناك عدة عوامل تنظر في سلوك الطبيب وهي:
- القواعد المهنية
- المستوى المهني للطبيب
- الظروف الخارجية التي يوجد فيها الطبيب ويعالج فيها المريض
- أن تكون الجهود المبذولة من الطبيب متفقة مع الأصول العلمية الثابتة

وبما أن الطبيب غير ملزم بتحقيق نتيجة معينة وهي شفاء المريض، وإنما ملتزم بمراعاة الحيطة والحذر وإتباع أصول المهنة، ولكي ينفذ الطبيب التزامه بالعناية يلزمه القيام بما يلي:

1. تشخيص المرض..
2. اختيار طريقة العلاج
3. التدخل الجراحي ومن المتفق عليه بين الأطباء أن العملية الجراحية تمر بثلاث مراحل، مرحلة الإعداد للعملية ومرحلة إجراء العملية، ومرحلة الرقابة والإشراف
4. تحرير الوصفة الطبية

وإذا كانت القاعدة أن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية إلا انه في حالات استثنائية، يقع على عاتق الطبيب التزام بتحقيق نتيجة، تتمثل في سلامة المريض، وهذا لا يعني الالتزام بشفاء المريض بل بان لا يعرضه لأي أذى من جراء ما يستعمله من أدوات أو أجهزة أو ما يعطيه من أدوية، وان لا ينتقل إليه مرضا آخر نتيجة العدوى بسبب المكان أو بسبب ما ينقله إليه من دم أو غيره، ومن هذه الحالات:
- نقل الدم
- الأدوات والأجهزة الطبية
- تركيبات الأعضاء الصناعية
- التحصين
- الأدوية
- جراحة التجميل

ثانياً: قيام المسؤولية الجزائية الطبية
مما لاشك فيه أن موضوع المسؤولية الجزائية للأطباء يعد من أكثر الموضوعات التي أثارت الجدل والنقاش والاجتهاد في مجال الفقه الجزائي والتطبيق القضائي، إضافة إلى إثارته الخلاف بين رجال القانون والأطباء ويمكن تحديد مسؤولية الأطباء الجزائية بالالتزام القانوني القاضي بتحمل الطبيب الجزاء أو العقاب نتيجة ايتانه فعلا أو الامتناع عن فعل يشكل خروجا أو مخالفة للقواعد أو الأحكام التي قررتها التشريعات الجزائية أو الطبية.

فإذا اقترن هذا العمل بخطأ سئل الطبيب مسؤولية غير عمديه والخطأ الطبي يتحقق إذا خرج الطبيب عن القواعد الطبية المقررة أو أهمل إهمالا لا يصح أن يصدر من مثله، ويخضع تقدير الخطأ الطبي للقواعد العامة التي يخضع لها تقدير الخطأ غير العمد، فيسأل الطبيب إذا أجرى عملية علاج بأداء غير معقمة أو أجراها وهو في حالة سكر أو ترك سهوا في جسم المريض أداة جراحية، وعليه تتحقق المسؤولية الجزائية إذا
إذا تحققت أركان الجريمة الثلاث وهي :

1. خطأ يقع فيه الطبيب(ركن الخطأ)، فمسؤولية الطبيب تتفق بوجود خطأ مهما كان نوعه سواء أكان خطأ فنياً أو مادياً جسيماً أو يسيراً ، وعليه فمن الصعب حصر صور الخطأ الطبي الشائعة في العمل والتي تثور حولها الكثير من المشاكل فحصرها أمر مستحيل يتناقض مع ظروف الواقع المتغيرة والمتطورة ولهذا يصح الحكم على الطبيب الذي يرتكب خطأ يسيراً ولكن يجب التأكد من وجود الخطأ بان يكون ثابتاً ثبوتاً كافيا.
2. الضرر، كالتسبب في موت مريض، أو إلحاق أذى بجسمه أو صحته كالعاهة الدائمة أو الجرح وهي نتيجة فلابد من وقوع الضرر سواء كان قاتل أو غير قاتل لكي يعتبر الطبيب مسؤولاً جنائيا عن فعله، فان لم يقع الضرر فلا محل للعقاب مهما كان خطا الطبيب ومهما يكن الخطر الذي يمكن أن يترتب عليه فلا عقاب على الشروع، والضرر المقصود هنا ليس هو الضرر الناجم عن عدم شفاء المريض أو عدم نجاح الطبيب أو الجراح في العلاج، لان مجرد عدم شفاء المريض شفاءً تاما أو جزئيا لا يُكون ركن الضرر لان الطبيب لا يلزم بشفاء المريض، وإنما يبذل قصارى جهده في سبيل الشفاء فالتزامه هو التزام ببذل عناية قد يؤدي أو لا يؤدي إلى تحقيق غاية معينة.
3. رابطة سببية مباشرة بين الخطأ وبين حدوث الضرر.
إن مجرد وقوع الضرر للمريض وثبوت خطأ الطبيب لا يكفي لقيام المسؤولية بل يلزم لتوافرها قيام علاقة السببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر فإذا انتفت علاقة السببية انتفت المسؤولية، وتحديد رابطة السببية في المجال الطبي يعد من الأمور الشاقة والعسرة نظرا لتعقد الجسم الإنساني وتغير حالاته وخصائصه وعدم وضوح أسباب المضاعفات فقد تعود أسباب الضرر إلى عوامل بعيدة أو خفية تعود إلى طبيعة جسم المريض واستعداده مما يصعب معه تبينها.

فالقضاء كان يعمل على الحيلولة دون إرهاق الطبيب فيقرر مبادئ فيها كل الحماية والاطمئنان للجانبين، فهو لم يترك المريض عرضة لاستهتار الطبيب أو إهماله، فيحدد للطبيب حدودا وقواعد إذا تجاوزها اعتبرته مسؤولاً، وهو بهذا ضمن
حق المريض، وراعى مصلحته وحفظ سلامة الإنسان، كما انه لم يترك الطبيب تحت رحمة مريض جاهل ومتزمت.

ومن خلال دراستنا واستقرار وأحكام القضاء في موضوع مسؤولية الطبيب نجد أن المريض في بلادنا العربية قليل التمسك والإلمام بحقوقه، ويعود ذلك إلى تدني مستوى الثقافة بصفة عامة كونه مواطنا يخلط بين مسالة الإيمان بالقضاء والقدر وإمكانية وقوع خطأ من الطبيب يسبب وفاة المريض معتقدين بان مقاضاة الطبيب هو اعتراض على قضاء الله وقدره لذلك لا بد من نشر الوعي والثقافة الطبية عبر وسائل الإعلام المختلفة حتى يتمكن المواطن من معرفة حقوقه والتزاماته تجاه الطبيب ومعرفة الطبيب أيضا حقوقه والتزاماته تجاه مريضه.
كما أن البراءة هي نتيجة التحقيقات للغالبية العظمى من الشكاوى والقضايا المقدمة لنقابة الأطباء وتم الحكم فيها حيث لم يقم أي دليل على إدانة الطبيب المشتكى عليه لعدم وجود أي خطأ فني أو مهني أو سلوكي أو إهمال أو تقصير.

فهل هذه النتيجة تعود لان الطبيب يحقق معه من قبل مؤسسة هو عضوا فيها أصلا؟..أو من قبل أعضاء هم في الأصل زملاء له؟..أم يعود ذلك إلى نقص المعرفة وقلة الثقافة الصحية لدى الناس حيث أن الغالبية العظمى من الناس تعتقد وتتصرف على أساس أن الإجراءات الطبية التي يقوم بها الأطباء هي التزام بتحقيق نتيجة، والأطباء يتعاملون مع المرضى ومع الحالات المرضية من منطلق الالتزام بتقديم عناية.

للمزيد من المعلومات الرجوع إلى كتاب الأخطاء الطبية ومسؤولية الطبيب الجزائية لمؤلفه المحامية تغريد الدغمي
</b>


المواضيع المتشابهه: