اغتصاب القاصر بطريقة قانونية.
|
مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد لسنة 2010، التي وضعتها دائرة قاضي القضاة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعد "إنجازا وطنيا كبيرا"، بل إنها ترقى إلى اعتبارها "فضيحة وطنية كبرى" ما دامت أجازت "وفي حالات محدودة، ووفق ضوابط، تزويج من أكمل الخامسة عشرة وفق إجراءات خاصة"!
وفيما العالم منشغل بقضية تزويج القاصرات والأذى النفسي والجسدي الذي يلحق بهنّ نتيجة تخلف المجتمع الذي يبيح مثل هذه الجرائم بحق الطفولة، ما يزال يُنتظر أن نبارك مشروع قانون، رغم انطوائه على تشريعات متقدمة، إلا أنه يعيد المجتمع مئات السنين إلى الوراء، ويدحرج النضالات الطويلة والمريرة للنساء في الأردن إلى أسفل سافلين!
وما دام القانون المقترح ما يزال مشروعا ينتظر مروره بقنواته التشريعية نحو إقراره، فإننا نطالب دائرة قاضي القضاة أن تلغي فورا هذا الاستثناء المتصل بتزويج القاصرات أو القصّر، لأن فيه إضرارا بالطفولة، فضلا عن كونه لا يمت بصلة للتمدن والتحضر والتقدم.
ويتعين أن أذكّر بتقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" أفاد بأنه في كل عام تموت أكثر من 500 ألف امرأة في جميع أنحاء العالم خلال الحمل، أو بسبب مشكلات الولادة، وأن 70 الفاً من هذه الوفيات تحدث بين الفتيات المراهقات والشابات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً.
لقد بلغت نسبة تزويج فتيات في سن الخامسة عشرة في الأردن العام الماضي زهاء 15 %، وهي نسبة خطيرة جرى التواطؤ عليها تحت مظلة النص المخادع: "ضوابط وإجراءات خاصة".
ولا أتخيل كيف يمكن لطفلة في الخامسة عشرة أن تصبح زوجة، وأن يبارك المجتمع والشرع تزويجها لرجل يكون على الأغلب في عمر والدها، وربما أكبر. أليس هذا تشريعا للاغتصاب. ألا ينطوي على انتهاك لحق الفتيات الصغيرات الوادعات في اللعب، والتعلم والتربية والتكوين، والصحة والسلامة البدنية والنفسية؟!
وهل بمقدور فتى ذكر في الخامسة عشرة من عمره تأسيس أسرة؟ ألا ندفع به نحو التهلكة والتدمير النفسي الذي سيتحول إلى تدمير لأسرته، وقد غرر به المجتمع "بموافقة الشرع" لدى إقناعه بقدرته على تأسيسها؟!
ألا يعلم المشرّعون أن تزويج القاصرات في الخامسة عشرة يعرضهن، كما يقول الأطباء، لمشكلات جسدية، بفعل عدم استعداد أجسادهن لخوض تجربة من هذا النوع، إذ تغدو هؤلاء الطفلات مهددات بالإصابة باضطرابات الدورة الشهرية، وتأخر الحمل، والولادة المبكرة، وارتفاع مخاطر الإصابة بهشاشة العظام، بسبب نقص الكلس؟
ألم تلتفت دائرة قاضي القضاة، وهي تعرض لنا هذه المادة من مشروع القانون، إلى أن تزويج فتاة قاصر يجعلها في مهب أمراض نفسية كالهستيريا، والفصام، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات الشخصية، بسبب الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من كنف الطفولة؟
فبأي حق ينبغي أن نبارك جريمة اغتصاب تقتلع الفتاة الصغيرة الوديعة البريئة من طفولتها وتدفعها، بمباركة الشريعة والمجتمع، إلى أحضان رجل يستبيح جسدها الغض، ويتباهى بفحولته الزائفة أمام طفلة كانت قبل تزويجها تحلم وتبني قصورا من الأمل، قبل أن يدهمها أب متخلف يرغمها على الزواج برجل متخلف مثله يرضى أن يغتصب طفلة، ويبارك ذلك نفر متخلف من المجتمع الذي يستند، كما هو الحال الآن، إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يتضمن نصا متخلفا وكسيحا يجعل تزويج القاصرات مباحا، وفق "ضوابط وإجراءات خاصة..
الكاتب .... موسى برهومة .
المواضيع المتشابهه:
المفضلات