التنوع الإنساني و قيم الاحترام المتبادلة

من قلم : غسان الشاعر
منقول بتصرف .. من مدونة حقوق الانسان العربي

قام بالتصرف : ghrorg

إن الخريطة الوراثية لكل إنسان فريدة من نوعها. فهي مشتقة من 46 صبغي في ترتيب خاص يمكن إن ينتج عنه عدد هائل من الخرائط الصبغية. عدد الخرائط المُحتمَلة حسابيا هو المضروب العامل للعدد 46 ويقدر في 5.5 ضرب عشرة مرفوعة إلى القوة 57 . وهذا العدد لو قسمته على عدد الناس الأحياء في الأرض لحصلنا على 1 ضرب عشرة مرفوعة إلى القوة 49 وهو عدد هائل جدا و الإحساس فيه خارج مدارك الإنسان.

المهم من هذه المقدمة أن كل فرد يشغل خريطة واحد فريدة من نوعها. وعلى الرغم من هذه الخصوصية إن الناس جميعا يتشابهون بمعدل 99%. إن أوجه الاختلاف والتشابه شأن مهم للغاية في دراسة التنوع الإنساني و قيم الاحترام المتبادل. هذه الخرائط الصبغية وتفاعلها مع البيئة عبر السنين ينتج منها التنوع الثقافي, التنوع الديني, الأجيال, الأجناس, أساليب الحياة, المراتب المهنية, الأعراق والمعاقين.....ومع ذلك يقول د. دورت من جامعة ييل " الاختلاف بين الناس يتعلق في رغباتهم لا في بيولوجيتهم...."

تدل الإحصائيات إن 60 % من الناس آسيويين, 12% أوروبيين, 14% من الأمريكيتين, 14% أفارقه, 18% من الناس بيض, 6% من الناس يملكون 35% من خيرات الأرض ( وهؤلاء جميعا من الولايات المتحدة الأمريكية), 70% أميين, 50% سوء تغذية, 80% سكن دون المستوى الأدنى, 80% ينتجون معدل دولار واحد في اليوم فقط , 2أقل من 2 % يحملون شهادات جامعية. 51% نساء, 20% مسلمون, 33% مسيحيون, 1% ايدز, الخ ...

من دلالات هذه الأرقام أن الإنسان بطبعه متنوعا و قابل للتقسيم و مقاوما للتساوي مع الآخرين. إن فرضيتي لو أخذت أكثر الناس تجانسا على وجه الأرض وعزلتهم في الأرض أو في كوكب ما لوجدوا أسبابا كثيرة لما يقسمهم وانقسموا كشرط للاستقرار أو عدمه. إن هذا الطبع الإنساني الذاتي شأنه شأن العوامل الطبيعية يتوجب على الإنسان التعايش معه دون القدرة على تغيرها. على سبيل المثال الإنسان لا يستطيع تغيير مجرى الريح ولكنه قد يستطيع بناء منزل مقاوم للأعاصير. الإنسان لا يستطيع تغيير التنوع الإنساني و لكنه يستطيع خلق قيم الاحترام المتبادلة. تدل الدراسات أيضا أن النجاح في الحياة الذي يعتمد على المهارة والخبرة يعادل 15 % فقط إما النجاح الذي يعتمد على التفاعل الذاتي مع الناس يعادل 85%. لذلك تسعى المؤسسات في الولايات المتحدة لتدريب موظفيها في موضوع التنوع الإنساني لكسب المهارات في تحسين القدرة على التعامل مع الآخرين بخلق فهم كامل للتنوع البشري وليكونوا مسئولين عن تصرفاتهم و أفعالهم. إيمانا في هذه الشركات إن التفكير المتحيز يحدد من القدرة لفهم ما يحيط بنا ونرى بعضنا البعض كمن ينظر في نظارة ذات عدسات غير ملائمة.

مفاهيم التنوع الإنساني أصبحت قوانين صارمة بل أعراف قاسية تُدين قانونيا و أخلاقيا كل من يخرقها. وبهذا الصدد قال وزير التجارة الأمريكي السابق براون " تسمو الإنسانية بالتنوع و بواسطة تطبيق قانون الفعل المؤكد وتكافئ الفرص. يجب أن تتضمن العلاقات الإنسانية بشكل أساسي احترام الآخرين واحترام أوجه الاختلاف والاتفاق. يجب أن يتضمن موقف و تصرفات الفرد اتجاه الآخرين احترام قلبي بغض النظر عن العرق و الجنس و السن و العنصر أو الإعاقة. كل المعالم الفريدة بالناس مصدرا ثمينا تعبر عن من نكون." بالمختصر تدعو المؤسسات موظفيها لتحسين صورتهم عند الآخرين لان كثير من الشركات تفشل بسبب عدم أتفاق موظفيها وعمالها. أنا اعتقد أن موضوع التنوع الإنساني و قيم الاحترام المتبادل تنطبق على المجتمعات كما تنطبق على المؤسسات بل أكثر. ففي مجال السياسة التنوع الإنساني قد يكون نعمة كما هو في الولايات المتحدة وقد تكون نقمة كما هو في الولايات الغير متحدة "الوطن العربي " واضح أنها نقمة من الأسلوب الذي نخاطب بعضنا البعض و خاصة عندما نختلف - وما أكثر ما نختلف عليه - كل متحدث يبدو كقنبلة موقوتة وأبواب المنطق في تفكيره ُتغلق عند أول إشارة للاختلاف مع الآخرين قد يتبعه سيل من الشتائم يتدفق كحمم البركان. يؤدي ضعف الثقة بين الناس في مجتمعاتنا إلى الرعب من الآخرين وعدم الأمان على جميع الأصعدة فكيف نثبت وجودنا بين الأمم ؟. أنا أدعو إلى فهم كامل للتنوع الإنساني و قيم الاحترام المتبادل كنقطة انطلاقا لجميع القضايا الملحة.

كلنا نحمل وجهات نظر فريدة و قناعات تجعلنا نتسرع بالحكم على الآخرين و لاختصار الطريق نصنفهم في أنماط "ستريو تيب" ولكنه ليس من العدل أن نتصرف و نضع فرضيات تستند على هذا الاختصار الذي ينتج عنه خمول في فكرنا التحليلي. نحن مسئولون فيما إذا ميزنا في معاملة الناس. يجب أن نكون مسئولون إذا كنا نعامل الناس استنادا إلي رأينا بهم كأشخاص لا كمجموعة. عبر عن وجهات النظر المثل الشعبي الذي يقول أن وجهات النظر كالمؤخرات كل لديه واحدة والكل يظن أن مؤخرته لا رائحة لها. من ناحية أخرى إذا وجدت نفسك ضحية لكره الآخرين و لتجاهلهم و لضيق تفكيرهم و لاضطرابهم تذكر إن الأمر قد يكن أسوأ لو كنت سجينا في مثل موقفهم وسلوكهم. (لو خلقك الله مثلهم) على الاختصاصين و الأفراد مسؤولية التوعية و معرفة العوامل المؤثرة في تكوين الشخصيات. ومنها لها علاقة في السلطان الموروث, أو في غياب و حضور المثل الأعلى والسلطة في مرحلة الطفولة وعدم تلقي التأكيد الايجابي الكافي لمناهضة الدعم السلبي. (يقول علم النفس انه يأخذ 12 تأكيد ايجابي ليمحو دعم سلبي واحد ). أيضا الترتيب بالأسرة و الصفات الفيزيائية و الألم العاطفي يؤثروا على تكوين شخصية الفرد.

إن كل نوع من أصناف الشخصيات فيه نقاط قوة وكل نقطة قوة يمكن أن تنقلب إلى نقطة ضعف إذا أفرطنا الاستعمال. على سبيل المثال إذا كان الإنسان حساس هذه صفة جيدة وإذا أفرط الحساسية هذا يؤدي لسوء العلاقات مع الناس. أيضا الإنسان القيادي الذي يستخدم القوة يمكن النظر إليه كمحرض يهدف إلى الانجاز على حساب معنويات الناس الذين يقودهم. على سبيل المثال, العقل المحلل والعقل المؤثر ضمن هذا التعريف قابلان للتصادم والأفضل تسوية خلافاتهم قبل الاجتماع بالآخرين. يدعو هذا التصنيف إن نركز على ما نستطيع السيطرة عليه والبعد عن محاولة تغيير الآخرين لأنه على سبيل المثال لا يمكن تغيير إنسان ذو طبع مفكر إلى إنسان ذو طبع منفذ وبالعكس لذلك الأسهل العمل معهم ضمن خبراتهم وطبيعتهم. إن أكثر طرق التفكير سلبية و الذي يدعو علماء الاجتماع والفلسفة لتجنبها هي عشرة: طريقة التفكير المعتمدة على الكل أو لا شيء: كقولنا "أن لم يتبدل النظام السياسي الفلاني لا شيء يتغير". المبالغة في التعميم: كقولنا " هم دائما مهزومون و سيبقون هكذا". التصفية الذهنية: كقولنا " نحن فقط القادرون على تحرير الوطن". التواضع : التقليل من أهمية ايجابياتك كقولنا " هم ضعفاء و دورهم ليس له تأثير". القفز للنتيجة: كقولنا " الاشتراكية هي النظام الوحيد والأنسب ". التكبير والتصغير: كقولنا " نحن دائما نتأخر وهذا يعني سوف لا ننهي المهمة ". المنطق العاطفي: كقولنا " أنا اشعر أنهم ولدوا فاشلين وسيبقون هكذا". الوجوب: كقولنا " يجب علينا أن نتفق دائما". التحقير: كقولنا " هم متخلفون وإلا ما حدث هذا". الملامة: كقولنا " الفساد شائع ولكن الحكومة وحدها مسئولة
من إفرازات سوء تعامل الإنسان مع التنوع التفرقة الاجتماعية والتمييز العنصري والاضطهاد النفسي وما شافه من عاهات الفكرية. الكل مذنب بنوع من أنواع التفرقة والتمييز. والأسوأ من ذلك إن مرتكبين التفرقة والتمييز قلما يحسّون بمدى ضررهما أو حتى حدوثهما. لو سألتم بعض البيض في الولايات المتحدة "هل يوجد تمييز ضد السود هذه الأيام؟" لمعظمهم جاوب "لا" أما السود لقالوا "نعم". فتكونت لدي هذه الفرضية التي أرى فيها أن التمييز يحس به عادة الذي يتلقاه أكثر من الذي يمارسه. الخلاصة: من اجل مجتمعا يكون فيه التنوع الإنساني نعمة و ثقافة قيم الاحترام المتبادلة سائدة يجب أن نتعامل بالشكل الآتي: ۞ قد نساعد الناس ونحن تعلم أنهم سوف يتهجمون علينا بعد مساعدتهم, فلنساعدهم على أي حال. ۞ قد نقول الصدق و نعرض نفسنا للأذى, فلنقل الصدق بموضوعية ولباقة قيم الاحترام المتبادلة على أي حال. ۞ قد لا يكونوا الآخرين عادلين بحقنا دائما, فلنكن عادلون في حياتنا على أي حال ۞ قد نجد في التنوع الإنساني نقمة, فلنجد في قيم الاحترام المتبادلة نعمة على أي حال


المواضيع المتشابهه: