رسالة .... فهل ستصل ؟؟؟
0
رسالة .... فهل ستصل ؟؟؟
ذهبت مرة الى أحد المشعوذين أملا في ايجاد علاج لصداع شديد كان يصيبني بين الحين و الأخر ، و لم ألجأ الى هذا الحل اليائس لمشكلتي الا بعد ان عجز الطب الحديث عن تشخيصها و انتحر الطب الشعبي على اسوارها ، فلم يبقى لي الا اللجوء الى الشعوذة ، فكما يقال : الغريق يتعلق بقشة ...
دلني على هذا ( الشيخ ) احد أصدقائي ، و لم أجد غيره لأصحبه معي عند ذهابي فأنا لا أجرؤ حتى على اخبار أحد افراد اسرتي المتدينة بنيتي في الذهاب الى عراف ، فكيف سأقنعهم بمرافقتي اليه ...
ركبت السيارة و صديقي الى جانبي بعد صلاة المغرب – كما اشترط العراف – و ما ان ربطنا احزمة الامان حتى وجهت اوامري الى دواسة الوقود لتلسع بسياطها المحرك فيزأر زأرة تخيف العجلات فتسرع الى الحركة محاولة الهروب ، و لم تنقضي ساعة حتى وصلنا الى البيت ...
انا : ماذا الان ؟؟
صديقي : الأن ننتظر الشيخ ..
انا : و كيف سيعلم اننا وصلنا ؟؟
صديقي : هذا عمله ، و هذا ما اتفقت عليه معه ..
انا : ألست تبالغ في ايمانك بقدراته العجيبة ؟؟
صديقي : لقد سمعت من الناس ما يكفي لأؤمن ..
انا : سمعت من الناس ؟؟
صديقي : ان لم تكن مقتنعا فلم أتيت ؟؟
انا : اتيت لأني .....
و هنا ، قاطعني صوت طرق على زجاج السيارة فأدرت وجهي و نظرت فإذا به طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يرتدي ثيابا وسخة و ممزقة ، و هو ذو شعر اسود مغبر، و تعلو وجهه الاسمر الذي فعلت به الشمس افعالها ابتسامة ، للوهلة الاولى ظننته متسولا فأخرجت من جيبي بعض النقود و فتحت النافذة و مددت يدي بها اليه ، فتحولت ابتسامته الى ضحكة و قال : الشيخ يريد منكم ترك السيارة هنا و صعود الجبل ، و أشار بيده الى طريق ترابية بين الأشواك و الأعشاب بالكاد تتسع لشخص واحد و تمتد الى أكثر من خمسمائة متر صعودا الى ان تصل الى أعلى الجبل ، فتركنا السيارة و صعدنا مع الطريق حتى وجدنا خيمة ، و كان الظلام قد حل ، و رأينا داخل الخيمة ضوءا و ظلال عدة اشخاص ...
رفعت صوتي مناديا : السلام عليكم ، فليس للخيمة باب لأطرقه ، و علا صوت من الداخل يقول : و عليكم السلام ، تفضل .. تفضل ، فدخلت الى الخيمة لأجد فيها رجلا في السبعينيات ، يرتدي ثوبا أظنه كان ابيض قبل عدة أعوام ، يغطي رأسه بعمامة ليست بأفضل حال من الثوب ، و كان داكن البشرة بل اسودها ، يجلس على الأرض و ليس امامه موقد و لا يحيط به دخان البخور كما توقعت ، في الحقيقة ان الرائحة الوحيدة التي كنت أشمها هي رائحة المرعى في الوادي ، لكن الأهم من ذلك انه كان وحيدا ، و هنا بدأ الخوف يتسلل الى قلبي ، فأنا لم أجد اجسادا بعدد الظلال التي رأيتها من الخارج ...
العراف : أهلا و سهلا ..
انا : أهلا بك ...
العراف : تفضل بالجلوس و اطلب من صديقك ان ينتظر خارجا ..
انا : و لم لا يدخل معي ؟؟
العراف : قد يدور هنا حوار لا تريده ان يسمعه ...
انا : و ما ادراك بالذي اريده و الذي لا أريده ؟؟
العراف : انا أدري و ليس عليك ان تعرف كيف ...
أخرجت رأسي من الخيمة و طلبت من صديقي ان ينتظر في الخارج فقال : و من قال لك اني اجرؤعلى الدخول ؟؟
( نعم الصاحب و الصديق هو )
ادرت وجهي باتجاه العراف و سألته : اتعرف مما أشكو ؟؟
العراف : انت تشكو من نعمة ...
انا : و هل تعتبر الصداع الشديد نعمة ؟؟
العراف : ليس الصداع نعمة بل سببه ..
انا : و ما سببه ؟؟
العراف : اسمع يا بني ، هذا الصداع الذي في رأسك ناتج عن تراكم ما اريد ان اسميها بالطاقة ...
انا : طاقة ؟؟!!
العراف : نعم ، ان في رأسك طاقة لو احسنت استخدامها لفعلت الكثير ..
انا : ما هي هذه الطاقة و كيف استعملها ؟؟
العراف : ما إن أخبرني صديقك عن مشكلتك على الهاتف ، حتى ضربت لك الرمل و رأيت فيه ما لم اره طوال حياتي ، و عندها فقط وافقت على رؤيتك ، علي اعلمك شيئا تنفع به نفسك و الناس ....
انا : ماذا رأيت ؟؟
العراف : رأيت لك القدرة على دس الأفكار و تجميل القبيح و تقبيح الجميل في عين وعقل من تريد دون ان يعلم ...
انا : ما هذا الكلام يا شيخ ؟؟
العراف : صدقني ، ان لك قدرة عظيمة تخولك التاثير على الأخرين ، اتصدق اني الان و تحت وطأة قدراتك لا أستطيع ان أكذب حتى لواردت ذلك ؟؟
انا : بعد كل هذا الكذب تريدني ان اصدق اني امنعك من الكذب ؟؟
العراف : معك حق ... من الصعب عليك ان تصَدق .... لكن الست تتمنى بينك وبين نفسك الان ان لا أكذب ؟؟
انا : نعم ...
العراف : و هذا يكفي ، لتستغل قدراتك ما عليك الا ان تفكر في دفع شخص الى القيام بعمل و التركيزعلى هذه الفكرة فقط ..
انا : هذا يعني اني ان وجهت تفكيري الى دفع صديقي على الدخول الى الخيمة و الجلوس الى جانبي سيفعل دون ان اطلب منه ذلك مباشرة ؟؟
العراف : نعم ، لكن ، و لتقتنع بقدراتك ، اطلب منه ذلك مباشرة و استمع اليه يرفض ...
هنا ، خرجت من الخيمة و رأيت صديقي جالسا الى جانب شجرة قريبة في الظلام و قد بدا عليه الخوف فناديت عليه و طلبت منه ان يدخل الى الخيمة الا انه رفض واستمر في رفضه حتى بعد الحاحي الشديد عليه ...
( فعلا ، نعم الصاحب و الصديق هو )
فعدت الى الخيمة و جلست مقابل العراف و قلت : ماذا الان ؟؟
العراف : اجلس ، واحصر تفكيرك في دفعه الى الدخول الى الخيمة و الجلوس الى جانبك ...
فجلست ، وفعلا حاولت ان أطرد من رأسي كل فكرة غير فكرة دفع صديقي الى اطاعتي ، و بعد اقل من دقيقه ، دخل صديقي الى الخيمة مبتسما وقال : السلام عليكم ، لست اقدر على الجلوس وحيدا مدة طويلة فهل تسمحون لي بالجلوس معكم ؟؟
عندها ، تملكتني الصدمة ، بل تملكني الخوف ، أيعقل ان ما يقوله العراف صحيح ؟؟ هل أثرت على رغبات صديقي ؟؟ فوجدت نفسي اصرخ به قائلا : كدت ان ارجوك منذ دقيقة لتدخل فرفضت ، فما الذي جد عليك ؟؟
صديقي : لست أدري لكني شعرت برغبة مفاجئة بالجلوس الى جانبك ...
العراف ( موجها كلامه الى صديقي ) : اخرج الان يا بني و انتظر قليلا بالخارج فقد شارفنا على الانتهاء ..
فخرج صديقي ، و انا لم استطع ان اتمالك نفسي و لا ان احتوي ذهولي اوخوفي ، فأنا لم أمر في حياتي كلها بمثل هذه الصدمة ، قاطع العراف سكوتي و قال : اصدقت الان ؟؟
انا : لا ، لقد كانت هذه صدفة ...
العراف : يا بني ، انها ليست صدفة ، انها قدرة و طاقة ، سمها موهبة ، لكن لا يمكن لك إهمالها ...
انا : فماذا عن جميع الأشياء التي اردتها من العديد من الأشخاص طوال حياتي و لم أحصل عليها ؟؟
العراف : ان رغباتك تخرج من رأسك على شكل رسالة كالرسالة العادية ، و لتضمن ان تصل ، يجب ان تعنونها و توجهها و تجعلها واضحة و صريحة ، لكن مهما فعلت ، لست تملك اجبار من تلقاها على قرائتها ، ان صديقك الان كان يشاور نفسه بالدخول الا ان خوفه كان يمنعه ، اي انه كان بحاجة الى دفعة بسيطة قدمتها انت له ...
انا : اذا ، فكل رغباتي التي لم تتحقق ، كنت اريدها من أشخاص ليسوا يريدون مساعدتي ؟
العراف : ليس تماما ، تخيل الأمور كالتالي ، اتعرف محطات المذياع ؟؟
انا : نعم ..
العراف : هي تبث أمواجها في الأجواء و للجميع ، لكن ليس يستمع الى برامجها الا من ضبط مذياعه على تردد يطابق تردد امواجها ، و هذا بالضبط ما يحصل معك ، فإن لم يكن المعني برغباتك جاهزا لتلقيها او انه أشغل نفسه بشيء اخر عنها فلن يستجيب لها ...
انا : فما دخل ذلك كله بصداعي ؟؟
العراف : قلت لك ، الصداع ناتج عن تراكم الطاقة وقلة استخدامها ....
انا : فإن استخدمتها سأشفى ؟؟
العراف : بإذن الله ، مع اني لن اسميه شفاء فالشفاء يحتاج الى مرض يسبقه و انت لست بمريض ...
سلمت على العراف و تركته في خيمته و خرجت متوجها الى سيارتي ، بصراحة كنت خائفا و محتارا ، لم أعرف ان كان يجب علي تصديق العراف ام لا ، و لم أعرف ماذا أفعل ، انا أعلم ان التحكم بالناس لعبة خطرة ، و انا لست اريد ان ألعبها ، لكن ، منذ تلك الليلة الى يومنا الحالي ، لم أنم يوما قبل ان احصر تفكيري بأمر واحد و وحيد ، ان نجح معي سأكون أسعد الناس ، و ان فشل فسأكون استخدمت طاقة عجيبة لأمر فيه خير ، في كل ليلة كنت احصر تفكيري في دفع العرب الى الوحدة ، فهل ستصل رسالتي يوما ام ان الجميع مصرين على اهمالها ؟؟!!
المواضيع المتشابهه:
رد مع اقتباس
المفضلات