المبحث الثالث: ضوابط تفتيش الأماكن

بات من المعلوم أن السياسة التشريعية لأي تشريع جنائي تحاول جاهدة إقامة نوع من الموازنة بين مصلحة المجتمع في معرفة الحقيقة وبين حقوق الفرد وحرياته وحياته الخاصة، من هنا عنيت معظم التشريعات ومنها الأردني والسعودي بالنص على جملة من الضمانات تكفل أن يكون المساس بالحريات الشخصية للأفراد في أضيق نطاق ممكن وفي الحدود الضرورية بهدف تحقيق الموازنة بين مصلحة المجتمع في القصاص وإنزال العقاب على الجناة -بعد إقامة الدليل ضدهم- وبين حرياتهم الأفراد. وبالوقوف على تلك الضمانات الواردة في التشريعين الأردني والسعودي يمكن تصنيفها إلى شروط شكلية وشروط موضوعية ساقها المشرعين الأردني والسعودي لضمان تحقيق الغاية المقصودة، وسنعرض في هذا المطلب لتلك الشروط الشكلية والموضوعية كلاً في مطلب مستقل على النحو التالي:

المطلب الأول: الشروط الشكلية للتفتيش

المطلب الثاني: الشروط الموضوعية للتفتيش

المطلب الأول: الشروط الشكلية للتفتيش
تعتبر هذه الشروط الشكلية في مجموعها لازمة لكي ينتج الإجراء آثاره القانونية؛ ولا تهدف هذه الشروط الشكلية إلى تحقيق مصلحة العدالة في ضمان صحة الإجراءات التي تتحد لجمع الأدلة فحسب، وإنما تقيم سياجاً يحمي الحريات الفردية، وعلى كل فإن هذه الشروط لا تخرج عمّا يلي:

الفرع الأول: الشروط الشكلية المتطلبة في إذن التفتيش

الفرع الثاني: الشروط الشكلية المتطلبة في محضر التفتيش

الفرع الثالث: الحضور الضروري لبعض الأشخاص

الفرع الأول: الشروط الشكلية المتطلبة في إذن التفتيش

على الرغم من ذهول التشريعين الأردني والسعودي عن تبيان تلك الشروط الشكلية الواجب توافرها في إذن التفتيش، الأمر الذي يجعل من موقفيهما في هذا الشأن عرضةً للنقد بحيث يشكل قصوراً واضحاً في توجههما ينبغي العمل على تداركه بهدف ضمان أن تكون عملية تفتيش الأماكن في أضيق نطاق ممكن وفي الحدود الضرورية، ونظراً لإيماننا بأهمية تلك الشروط والضمانات العديدة المترتبة عليها، فإننا ارتأينا أن نتطرق إلى تبيان تلك الشروط التي تضمنتها بعض التشريعات الجزائية المقارنة وتتمثل تلك الشروط الشكلية لإذن التفتيش بما يلي:

أولاً: صدور إذن التفتيش خطياً موقعاً عليه ومؤرخاً

ثانياً: صدور إذن التفتيش متضمناً لبيانات أساسية


أولاً: صدور إذن التفتيش خطياً موقعاً عليه ومؤرخاً

لا يكفي في إذن التفتيش أن يكون شفوياً بل يجب أن يكون له أصل مكتوب موقع عليه ممن أصدره إقراراً بما حصل منه، وإلا فإنه لا يعتبر موجوداً ويضحى عارياً مما يفصح عن شخص مصدره ذلك أن ورقة الإذن ورقة رسمية يجب أن تحمل بذاتها مقومات وجودها، والعلة من ذلك هو أن إجراءات التحقيق ينبغي أن تثبت بالكتابة حتى تبقى حجة يعامل الموظفون –الآمرون منهم والمؤتمرون- بمقتضاها وتكون أساساً صالحاً لما ينبني عليها من نتائج.

والملاحظ أن محكمة التمييز الأردنية الموقرة قد تبنت هذا التوجه في حكم لها أوجبت من خلاله ضرورة ان يكون إذن التفتيش خطياً حتى يصار إلى اعتباره تفتيشاً قانونياً حيث ورد في حكمٍ لها أنه (إذا كان التفتيش الذي أجراه ضابط التحقيق قد تم بتفويض خطي من المدعي العام وبحضور نائب المختار فإنه يعتبر تفتيشاً قانونياً ....).

ومتى كان الإذن مكتوباً فإنه يجوز في حالة الاستعجال إبلاغه تلفونياً أو برقياً أو بغير ذلك من وسائل الاتصال بشرط أن تضمن الوسيلة المتبعة دقة البيانات التي يحتويها.

من جهة أخرى يجب أن يكون الإذن مؤرخاً ومذكوراً فيه اسم من أصدره ووظيفته وموقعاً عليه منه، ويعد التاريخ أمراً جوهرياً في إذن التفتيش لأن تاريخ الإذن يوضح ما إذا كانت الإجراءات قد بوشرت قبل صدور الإذن فتعد باطلة، أم بعد صدور الإذن فتعد صحيحة، علاوة على أن تاريخ الإذن يقطع سريان مدة التقادم.

ثانياً: صدور إذن التفتيش صريحاً متضمناً بعض البيانات الأساسية

يجب أن يكون الندب لإجراء التفتيش صريحاً في التعبير عن نية المحقق المختص في تفويض المأذون له بالتفتيش، فلا يصح أن يستفاد ضمناً.

من جانب آخر يتعين أن يتضمن إذن التفتيش نوع التهمة أو الجريمة التي صدر الإذن بناءً عليها كأن يذكر مثلاً أن التفتيش يتعلق بالبحث عن أمتعة مسروقة أو عن أدلة قتل أو عن مواد مخدرة، لأن ذلك البيان يعد أساسيا في الإذن من شأنه أن يدعم ضمانات من يباشر التفتيش حياله من تجاوز مأموري الضبط القضائي لسلطتهم، وبالتالي ضمان تنفيذ التفتيش بالقدر الذي يقتضيه دون افتئات أو تعسف.

بقي أن نتساءل أخيراً عن مدة سريان الإذن بالتفتيش وفيما إذا تضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني ونظام الإجراءات الجزائية السعودي نصاً يحدد مدة سريان ذلك الإذن أم لا، من الواضح أن نظام الإجراءات الجزائية السعودي قد تنبه لذلك في المادة 41/5 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات التي لم تجز تنفيذ الإذن بالتفتيش بعد مضي سبعة ايام من تاريخ صدوره.

والحقيقة أننا لم نعثر في التشريع الأردني على نص يعالج تلك المسألة، ولعل من شأن ذلك أن يؤثر سلباً على مصائر المتهمين بل وغير المتهمين ويجعلها غير مستقرة وخاضعة لتقدير المأذون له بالتفتيش دون قيود زمنية، ونرى ضرورة أن يتنبه المشرع الأردني إلى تلك المسألة، على أن يراعى في تلك المدة أن تكون معقولة بحيث لا تكون طويلة نسبياً وذلك ضمانةً لحقوق الأفراد، ونقترح أن تكون تلك المدة عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر به، ونرى انها مدة معقولة من حيث انها كافية لرجال الضابطة العدلية لمباشرة هذا الإجراء، وفي الوقت ذاته تضمن نوعاً من الاستقرار والثبات لمصائر المتهمين وغير المتهمين أيضاً.

الفرع الثاني: الشروط الشكلية المتطلبة في محضر التفتيش

لم يتطلب المشرع الأردني بصورة صريحة شكلاً أو صيغةً معينة في محضر التفتيش، وعليه فإن محضر التفتيش يخضع في تنظيمه للقواعد العامة المعمول بها في كافة إجراءات التحقيق، إذ يجب أن يصاغ محضر التفتيش باللغة العربية ويجب أن يشتمل على كافة الإجراءات التي اتخذت في هذا الشأن، فضلاً عن تاريخه والتوقيع عليه.

غير أن المنظم السعودي –وحسناً فعل- نظم هذا المحضر في المادة 47 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي من حيث البيانات الواجب توفرها في محضر التفتيش، كما يلاحظ أن اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية السعودي في المادة 47/1 منها أوجبت بشكل صريح إثبات أعمال التفتيش في محضر، سواءً أسفر هذا التفتيش عن ضبط شيء أم لم يسفر، أما البيانات التي تضمنتها المادة 47 من نظام الإجراءات الجزائية فهي ما يلي:

1. اسم من قام بإجراء التفتيش ووظيفته وتاريخ التفتيش وساعاته.

2. نص الإذن الصادر بإجراء التفتيش، أو بيان الضرورة الملحة التي اقتضت التفتيش بغير الإذن.

3. أسماء الأشخاص الذين حضروا التفتيش وتوقيعاتهم على المحضر.

4. وصف الأشياء التي ضبطت وصفاً دقيقاً.

5. إثبات جميع الإجراءات التي اتخذت أثناء التفتيش والإجراءات المتخذة بالنسبة للأشياء المضبوطة.
ونعتقد أن هذه البيانات الإلزامية التي أوردتها المادة 47 من نظام الإجراءات وبصراحة هذه المادة تشكل ضمانة أساسية للمتهم يمكن من خلالها الاطمئنان إلى جميع الإجراءات التي اتخذت أثناء التفتيش قد تضمنها محضر التفتيش، وعلى الرغم من أنه لا نظير لهذا النص في التشريع الأردني على اعتبار أن القواعد العامة قد تضمنت بشكل غير مباشر تلك البيانات، إلا أنه كان حرياً بالمشرع الأردني أن يحذو حذو نظيره السعودي في تلك المسألة حتى تحاط إجراءات التفتيش بما فيها محضر التفتيش بالضمانات التي من شأنها أن تكفل وتصون حقوق الأفراد، وحتى لا تترك هذا الإجراء رهناً بمشيئة القائم على هذا الإجراء وبالتالي الوقوع في مظنة الافتئات أو التعسف.
ويلاحظ أخيراً أن المشرع الأردني –على خلاف نظيره السعودي- تطلب أن يوقع من قام بالتفتيش على كل صفحة من صفحات المحضر وكذلك المتهم أو الشهود، ولم يكتفِ فقط بالتوقيع على المحضر، والذي تطلبه المنظم السعودي في المادة 47/3، حيث نصت المادة 38/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن يوقع المدعي العام والكاتب والأشخاص المذكورين في المادة 36 على كل صفحة من أوراق الضبط التي ينظمها بمقتضى الأحكام السابقة)
على أنه يفهم من الفقرة الثانية من ذات المادة أن توقيع المتهم والشهود يعتبر أمراً ضرورياً في حالة وجودهم، أما في حالة ما إذا تعذر وجود المتهم أو الشهود، فإن المادة 38/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أجازت للمدعي العام تنظيم المحاضر "محضر التفتيش" بمعزل عنهم، وعليه فإن توقيع المتهم أو الشهود ليس بضروريا إلا في حالة حضورهم، في حين أن توقيع المحضر هو أمر وجوبي على المدعي والكاتب في جميع الأحوال.
الفرع الثالث: الحضور الضروري لبعض الأشخاص
استلزم المشرعان الأردني والسعودي حضور بعض الأشخاص أثناء التفتيش للتحقق من أن تلك الأشياء التي ضبطت أثناء التفتيش قد وجدت في المكان الذي يعد محل التفتيش، ويبدو أن الغاية التي توخاها كلا المشرعين من ضرورة توافر هذا الشرط عند تفتيش المساكن هو ضمان الاطمئنان إلى سلامة الإجراء، ومنعاً من تعسف القائم بالتفتيش.
ومن خلال تدقيقنا بنصوص التشريعين محل المقارنة من الواضح أن المشرعين قد فرقا بشأن الحضور بين حالتين هما:

الحالة الأولى: وهي حالة تفتيش المساكن استناداً إلى وقوع جرم مشهود، حيث نصت المادة 36 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أن (1- تجري معاملات التفتيش المبينة في المواد السابقة بحضور المشتكى عليه موقوفاً كان أو غير موقوف. 2- فإذا رفض الحضور أو تعذر حضوره جرت المعاملة أمام وكيله او مختار محلته أو أمام اثنين من أفراد عائلته، وإلا فبحضور اثنين يستدعيهما المدعي العام).

أما المنظم السعودي وتحديدا في حالة التلبس يبدو أنه قد أغفل هذه الضمانة الهامة المتمثلة بالحضور الضروري لبعض الأشخاص حيث نصت المادة 43 من نظام الإجراءات على انه (يجوز لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بالجريمة أن يفتش منزل المتهم ويضبط ما فيه من الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة إذا اتضح من إمارات قوية انها موجودة فيه).
ونرى ان المنظم السعودي قد أهدر ضمانة هامة من ضمانات تفتيش المساكن والمتعلقة بحالة التلبس تحديدا من خلال إغفاله للنص على حضور بعض الأشخاص في تلك الحالة، ونرى أن حالة الاستعجال لا تصلح مبرراً مقنعاً لإغفال مثل هذا الحضور الوجوبي لبعض الأشخاص.
الحالة الثانية: حالة التفتيش من قبل السلطة المختصة بإجراء التفتيش "الادعاء العام" أو من قبل أي من موظفي الضابطة العدلية استناداً إلى إذنٍ بإجرائه، حيث نصت المادة 83 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أن (1- يجري التفتيش بحضور المشتكى عليه إذا كان موقوفاً. 2- فإذا لم يكن موقوفاً وأبى الحضور أو تعذر عليه ذلك أو كان موقوفاً خارج المنطقة التي يجب أن يحصل التفتيش فيها أو كان غائباً يجري التفتيش بحضور مختار محلته أو من يقوم مقامه او بحضور اثنين من أقاربه أو شاهدين يستدعيهما المدعي العام).
ويبدو في هذه الحالة أن المنظم السعودي قد تنبه هذه المرة إلى مسألة الحضور الوجوبي لبعض الأشخاص على عكس موقفه السابق بشأن التلبس، حيث نصت المادة 46 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على أن (يتم تفتيش المسكن بحضور صاحبه أو من ينيبه أو أحد أفراد أسرته البالغين المقيمين معه، وإذا تعذر حضور هؤلاء وجب أن يكون التفتيش بحضور عمدة الحي أو من في حكمه أو شاهدين ...).
والحقيقة أن موقف المنظم السعودي بشأن الحضور الوجوبي في التفرقة بين التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي بناءً على إذن وبين التفتيش الذي يجريه في أحوال التلبس محل نظر في تقديرنا، ونميل إلى الرأي القائل انه ليس هناك ثمة مبرر من القانون أو المنطق لتلك التفرقة التحكمية بين الحالتين وذلك استناداً إلى أن طبيعة التفتيش ونتائجه في الحالتين السابقتين هي في حقيقتها واحدة، وبالتالي نرى أن يعدل المنظم السعودي عن موقفه هذا من خلال توحيد قواعد الحضور في الحالتين على غرار ما فعله المشرع الأردني.

أما غير ذلك من الأحكام وتحديداً فيما يتعلق بتفتيش منزل غير المتهم فيبدو أن كلا التشريعين لا يفرقان بشان الحضور الوجوبي بين منزل المتهم ومنزل غيره، حيث أنهما لم يكتفيا بالحضور فقط بل مكن التشريعين لذات الأشخاص الحضور لمتابعة التفتيش والضبط.
وقبل أن نختم حديثنا في هذا المطلب المخصص لدراسة الشروط الشكلية لتفتيش الأماكن نتساءل عن مدى جواز التفتيش ليلا في ظل التشريعين الأردني والسعودي ؟

من الواضح من خلال استقراء نصوص التشريعين أن هناك تباينا واضحا في ذلك، فالمشرع الأردني التزم الصمت حيال هذه المسألة ولم يحدد موقفه بشأن مدى جواز التفتيش ليلا، الأمر الذي يجعلنا نقول بجوازه في ظل عدم وجود نص يحظر ذلك أو على الأقل يحدد ميعادا لهذا الإجراء، وقد خرج المنظم السعودي عن هذا الإطار بنص يستحق الإشادة من قبلنا وهو نص المادة 51 من نظام الإجراءات الجزائية التي ورد فيها "يجب أن يكون التفتيش نهارا من بعد شروق الشمس وقبل غروبها في حدود السلطة التي يخولها النظام ولا يجوز دخول المنازل ليلاً إلا في حالة التلبس بالجريمة".
ويعد هذا الموقف الإنساني -أن جاز التعبير- للمنظم السعودي ضمانة غاية في الأهمية من شأنها أن تحقق للإنسان السكن الذي يعني أن يسكن الإنسان إلى نفسه وزوجه وأولاده ويخلد فيه للراحة والنوم، من جانب آخر وفيما يتعلق هذه المرة بموقف المشرع الأردني الذي أغفل هذه الضمانة الهامة مع العلم أن هناك إجراءات أقل شدة وتأثيرا من التفتيش حرص المشرع الأردني على القيام بها ليلا حفاظا على سكينة الأفراد في منازلهم، فالمادة الرابعة من قانون أصول المحاكمات المدنية وفيما يتعلق بالتبليغات لم تجز إجراء التبليغ قبل الساعة السابعة صباحا ولا بعد الساعة السابعة مساء....، فكان أولى بالمشرع الجزائي الأردني أن يتنبه إلى حظر التفتيش ليلا والذي هو أشد وطأة من إجراء التبليغ، وأن لا يجيز هذا الإجراء إلا في حالة التلبس بالجريمة على غرار ما فعله المنظم السعودي.
المطلب الثاني: الشرط الموضوعية في التفتيش
لما كان التفتيش عملا استثنائيا من القاعدة العامة التي تقرر حرمة الفرد ومسكنه ومكانه الخاص مما لا يجوز لغير صاحبها الاطلاع عليها ويعد دخولها وكشفها جريمة معاقبا عليها،فمن المنطقي أن لا يكتفي المشرع بإيراد الشروط الشكلية لذلك الإجراء بل عزز كلا من المشرع الأردني والسعودي شروط التفتيش بشروط أخرى موضوعية أوجب توفرها ليكون الإجراء صحيحا، وتتمثل هذه الشروط في سبب التفتيش، والاختصاص بالتفتيش، وعليه سنعرض في الفرعين التاليين لتلك الشروط الموضوعية وفقا للتشريعين الأردني والسعودي وذلك تباعا على النحو التالي:
الفرع الأول: سبب التفتيش
الفرع الثاني: الاختصاص بالتفتيش

الفرع الأول: سبب التفتيش

يعد سبب التفتيش المبرر القانوني الذي يترتب عليه صحة إجراء التفتيش، حيث نصت المادة 81 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أنه "لا يجوز دخول المنازل وتفتيشها إلا إذا كان الشخص الذي يراد دخول منزله وتفتيشه مشتبها فيه بأنه فاعل جرم أو شريك أو متدخل فيه أو حائزا أشياء تتعلق بالجرم أو مخف شخصا مشتكي عليه"
ويجد سبب التفتيش سنده في المادة 80 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي التي نصت على أن "تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جريمة أو اشتراكه في ارتكابها إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة".
واضح من النصين المتقدمين أن المشرع الأردني والسعودي قد اتفقا على أن سبب التفتيش هو التحقيق بوقوع جريمة دون تحديد نوع هذه الجريمة مكتفيين بإطلاق لفظ (جرم) أو (جريمة).
كما اتفقنا أيضا على ضرورة توافر الدلالات والإمارات القوية على العناصر اللازمة لإثبات هذه الجريمة لدى الشخص المراد تفتيش مسكنه،من جهة أخرى هناك شروط موضوعية في التفتيش بناء على إذن في كل من التشريعين، كما أن هناك شروطا موضوعية أخرى خاصة بالتفتيش بناء على حالة التفتيش (الجرم المشهود)، وتأسيسا على ما سبق سنتناول هذه الشروط بشكل مستقل على النحو التالي من خلال البنود الثلاث التالية:
البند الأول: الشروط العامة في تفتيش المساكن
ذكرنا فيما تقدم أن كلا التشريعين اتفقا على ضرورة توافر شرطين عامين في تفتيش المساكن هما:
1- وقوع جريمة جزائية
2- وجود دلائل كافية في كشف الحقيقة
وقوع جريمة جزائية:

من الواضح في نصي المادتين (81 جزائية أردني) و (80 إجراءات سعودي) أنهما اشترطا وقوع جريمة جزائية فعلا حتى يصح إجراء التفتيش، فهل يجوز وفقا للتشريعين القيام بهذا الإجراء في كل أنواع الجرائم بحيث تشمل المخالفات أيضا ؟

فيما يتعلق بموقف المشرع الأردني قد يستفاد من قراءة النص بشيء من التمعن الخروج بنتيجة مؤداها صعوبة أن تندرج المخالفات ضمن هذا النص وذلك استنادا إلى أن النص الأردني عدد كلا من "الشريك والمتدخل وحائز أشياء تتعلق بالجرم..." وهذه الصفات تنطبق على حالة الاشتراك الجرمي والتي ومن خلال الرجوع إلى قانون العقوبات الأردني نجد أنه أخرج هذه الطائفة من الجرائم من إطار الاشتراك الجرمي، الأمر الذي يسعفنا للقول باستثناء تلك الجرائم من إطار الحالات التي تخول تفتيش المساكن، وإن صدق مثل هذا التخريج القانوني على نصوص التشريع الأردني، فإنه من المتعذر تعميم تلك النتيجة على موقف المنظم السعودي والذي يخشى أن يصبح أجراء تفتيش المساكن إجراء مشروعا في جميع الجرائم والتي قسمها النظام السعودي إلى جرائم كبيرة وجرائم صغيرة، وعليه فإن من شأن عدم تحديد نوع الجريمة التي تكون سببا ومبررا للتفتيش جعل الحرمة المتعلقة بالأماكن وتحديداً المسكن معرضة للانتهاك حيث أن النص السعودي إزاء عدم تحديد نوع الجريمة أعطى الحق في التفتيش حتى لو كانت الجريمة التي وقعت صغيرة أو دون أهمية، لهذا نرى -سواء فيما يتعلق بموقف التشريعين الأردني والسعودي- إن يصار إلى تعديل هذين النصين من خلال تحديد نوع وجسامة الجريمة التي تجيز إجراء التفتيش، وبالتالي لا تكون هناك حاجة إلى تفسير النصوص القانونية أكثر مما تحتمل (خاصة في التشريع الأردني)، فكان أولى بالمشرع الأردني تحديدا أن يريحنا عناء البحث في نصوص أخرى.

وجود دلائل كافية تفيد في كشف الحقيقة:
لا يكفي شرط وقوع الجريمة بمفرده كأساس يبرر اللجوء الى إجراء التفتيش، بل ينبغي أن يتوافر إلى جانب هذا الشرط وجود دلائل كافية تقيد في كشف الحقيقة، فقد أجازت المادة 86/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية للمدعي العام أن يفتش المشتكى عليه وله أن يفتش غيره إذا اتضح من أمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، وهذا النص مطابق تماما لنص المادة 81 من نظام الاجراءات الجزائية السعودي، والملاحظة التي نود إيرادها في هذا الموقع هو أن المشرع الأردني على الرغم من اشتراطه لتلك الدلالات أو الأمارات القوية في تفتيش الأشخاص، إلا أنه لم يتطلب هذا الشرط عند تفتيش المنازل بل غاية ما في الأمر أن المشرع الأردني اقتصر على "الاشتباه" في المادة 81 السابق ذكره، وحين يبدو أن المنظم السعودي قد ساوى في معالجته لأحكام التفتيش ما بين الأشخاص والمنازل في المادتين 80 و 81 من نظام الإجراءات حيث اشترطت المادة 80 والمتعلقة بتفتيش المساكن أن "تكون هناك قرائن على أنه حائز لاشياء تتعلق بالجريمة"، وحسنا فعل المنظم السعودى –على عكس نظيره الأردني- في اشتراطه لتلك القرائن لصحة تفتيش المساكن والتي تأتي في مرتبه أعلى من "الاشتباه" الذي اشترطه المشرع الأردني والذي قد يفتح الباب واسعا لتفسير هذا الاشتباه وبالتالي الوقوع في مظنة الافتئات أو التعسف من قبل القائم بإجراء التفتيش، لكل ذلك نرى أن يحذو المشرع الأردني حذو المنظم السعودي في المساواة بين تفتيش المساكن وتفتيش الأشخاص من خلال ضرورة أن يتوفر في كليهما وجود دلائل كافية تفيد في كشف الحقيقة.
البند الثاني: الشروط الموضوعية في التفتيش بناء على إذن في التشريعين الأردني والسعودي
تعرضنا في المطلب الثاني من هذا المبحث إلى الشروط الشكلية في إذن التفتيش، وارتأينا أن نؤجل البحث في الشروط الموضوعية لهذا الإذن إلى هذه المرحلة من الدراسة لتكون أكثر منطقية واتساقاً مع أصول البحث العلمي المتبع في هذا البحث، وفي البداية يمكن القول أن إذن التفتيش في حقيقته هو تفويض يصدر من السلطة المختصة بالتحقيق إلى أحد مأموري الضبط القضائي مخولا إياه إجراء التفتيش الذي تختص به تلك السلطة وذلك ضمن الحدود التي تقررها أحكام الندب للتحقيق والمنصوص عليها في قوانين الإجراءات الجنائية، ونظرا لأن مثل هذا الإذن (أو الندب) يكون على سبيل الاستثناء بحيث لا يجوز اللجوء إليه إلا على سبيل الاستثناء وفي حالات الاستعجال والضرورة وأن يكون أو التفتيش مسببا زيادة في الحيطة.والحقيقة أن مسألة تسبيب هذا الإذن لها أهمية قصوى نظرا للاعتبارات المتقدم ذكرها لهذا كان من المبرر أن تضمن التشريعات الجنائية المقارنة شرط التسبيب كشرط موضوعي هام في التفتيش الصادر بناء على إذن، وتجسيدا لذلك جاء موقف المنظم السعودي على انه لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول في أي محل مسكون أو تفتيشه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما بأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام"، وبذلك يكون المنظم السعودي قد نص صراحة على ضرورة تسبيب أمر التفتيش وذلك من أجل تحديد مدى صحة أمر التفتيش وترتيب جزاء البطلان إذا تبين أن غايته غير الغاية التي حددها القانون له، والحقيقة أن لا نظير لهذا النص في التشريع الأردني بحيث لم يشترط المشرع الأردني تسبيب إذن التفتيش لا بالنسبة للأشخاص ولا بالنسبة للمساكن، وهذا الموقف للمشرع الأردني بحاجة إلى إعادة نظر من خلال تضمين شرط أساسي وهام يتمثل في تسبيب إذن التفتيش.

ولكن هل يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يندب مأمور آخر للقيام بالتفتيش بدلا عنه، علما أن مثل هذا التساؤل موجه إلى المنظم السعودي الذي تبنى شرط التسبيب ؟

أجابت على هذا التساؤل المادة 41/4 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية حيث أنها ابتداء لم تشترط أن يعين في أمر الندب اسم رجل الضبط الجنائي المنتدب للتنفيذ وفي هذه الحالة فقط أجازت المادة المذكورة لأي رجل ضبط جنائي أن يقوم بتنفيذه، أو في حالة ما إذا تضمن أمر الندب اسم رجل ضبط معين فلا يجوز لغيره القيام به.
وكنتيجة نهائية لما تقدم نكرر مرة أخرى دعوتنا للمشرع الأردني أن ينتبه إلى شرط التسبيب بحيث يكون من شان ذلك ضمان جدية الإجراءات من جهة، والحيلولة من جهة أخرى دون الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين دون مبرر لذلك.

البند الثالث: الشروط الموضوعية في التفتيش بناء على حالة الجرم المشهود (التلبس)

عرف البعض الجرم المشهود أو (لتلبس) بأنه حالة تتعلق باكتشاف الجريمة لا بأركانها القانونية فمناط حالة التلبس هو المشاهدة الفعلية للجريمة أو التقارب بين كشفها ووقوعها.

وقد نظم المشرع الأردني أحكام (الجرم المشهود) في المادة 28 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. كما نظم المنظم السعودي (التلبس) حسب التسمية التي تبناها في المادة 30 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي.

ومن المعلوم أن العلة الكامنة وراء تبني التشريعات المختلفة لحالة الجرم المشهود هو أن الأمر يتطلب من السلطات المختصة سرعة التصرف واتخاذ الإجراءات المستعجلة للتحفظ على الأدلة والآثار والمعالم التي تركها المجرم على مسرح الجريمة قبل اختفائها وطمس معالمها، ونظرا لأن موضوع التلبس يعتبر محلا لدراسات مستقلة لهذا ارتأينا أن نناقش فقط ما يتعلق بموضوع بحثنا فيما يتعلق بحالة الجرم المشهود وهي الشروط الموضوعية في التفتيش بناء على قيام هذه الحالة. وقد تصدت المادة 46 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إلى تبيان تلك المسألة حيث ألزمت هذه المادة موظفي الضابطة العدلية في حال وقوع جرم مشهود أو حالما يطلبهم صاحب البيت أن ينظموا ورقة الضبط و يستمعوا لإفادات الشهود وأن يجروا التحريات وتفتيش المنازل وسائر المعاملات التي في مثل هذه الأحوال من وظائف المدعي العام.... .

وتأكيدا على هذا التوجه قررت محكمة التمييز الأردنية في حكم لها ورد فيه بأن تفتيش منزل المتهم بعد القبض عليه بالجرم المشهود واعترافه بحيازة مادة الحشيش لا يخالف أحكام المواد (32-36) والمادة 86/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية"

بالمقابل أجازت المادة 43 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بجريمة أن يفتش منزل المتهم ويضبط ما فيه من الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة إذا اتضح من أمارات قوية أنها موجودة، وعليه فقد أجاز نظام الإجراءات الجزائية السعودي لرجل الضبط الجنائي تفتيش المسكن بتحقق حالة التلبس، لكنه مع الأسف –أي المنظم السعودي- أغفل مجددا تحديد نوع الجريمة ودرجة جسامتها، ويبدو أن هذا الانتقاد والذي كنا قد تعرضنا له كأحد المآخذ والسلبيات على نص سابق ذكره، إلا أن المنظم السعودي يبدو أنه تبنى هذا التوجه في أكثر من نص من نصوص النظام من خلال إغفاله تحديد نوع الجريمة ودرجة جسامتها، ونرى ضرورة تدارك هذا التوجه وذلك لضمان عدم التوسع في انتهاك حرمة المسكن من قبل رجال الضبط الجنائي، وبالتالي تحقيق العدالة الجنائية وحفظ حقوق الناس وحرياتهم دون انتهاك.
بذلك تكون قد فرغنا من الحديث حول الشرط الأول من الشروط الموضوعية في التفتيش وهو سبب التفتيش.
الفرع الثاني: الاختصاص بالتفتيش
أخذ المشرع الأردني بمبدأ الجمع بين سلطتي الادعاء والتحقيق حيث أناط هاتين السلطتين بالنيابة العامة، وبموجب المادة الثانية من أصول المحاكمات الجزائية الأردني فإن النيابة العامة هي التي تختص بإقامة دعوى الحق العام ومباشرتها و لا تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون.....، وعليه فتختص النيابة العامة بإجراء تفتيش المساكن في حالة وقوع جرم مشهود وهذا ما نصت عليه المادة 33 من قانون أصول المحاكمات الجزائية فإذا تبين من ماهية الجريمة أن الأوراق والأشياء الموجودة لدى المشتكى عليه يمكن أن تكون مدار استدلال على ارتكابه الجريمة، فإن هذه المادة أجازت للمدعي العام أو من ينيبه أن ينتقل حالا إلى منزل المشتكى عليه للتفتيش عن الأشياء التي يراها مؤدية إلى إظهار الحقيقة، كما يختص المدعى العام بتفتيش المسكن في حالة دخوله بناء على طلب صاحبه سندا للمادة 42 من قانون المحاكمات الجزائية.
إذاً النيابة العامة ويمثلها المدعي العام هي السلطة الأصيلة المختصة بالتفتيش في الأردن، غير أن هناك حالات استثنائية يختص بها موظفو الضابطة العدلية كنا قد عرضنا فيما مضى.
أما في النظام السعودي فتعتبر هيئة التحقيق والادعاء العام في نظام الإجراءات الجزائية السعودي هي صاحبة الحق الأصلي في التحقيق الابتدائي، ويكون التفتيش على اعتبار انه إجراء من إجراءات التحقيق من اختصاص سلطة التحقيق بحسب الأصل، واستثناءً في الأحوال التي سبق لنا أن بيناها في حالات الندب والتلبس حيث تناط هذه الصلاحية بمأموري الضبط الجنائي .
***** منقول.

المواضيع المتشابهه: