مكانة الإنسان في الإسلام
مسلمون وغير مسلمون



حظى الإنسان في الإسلام بمكانة عظيمة لا ترقى إليها مكانة الإنسان في أي نظام آخر, فالإنسان من المنظار الإسلامي مخلوق كريم: «ولقد كرّمنا بني آدم» ولقد حرص الإسلام كل الحرص على تقرير ((المساواة بين الناس ))في القيمة البشرية، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه، فقد قرر أن الناس سواسية كأسنان المشط، في أصل نشأتهم و تكوينهم، و أنه لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى، و لا بين العربي و الأعجمي، و لا بين الأبيض و الأسود، و لا بين السيد و العبد، و لا بين الغني و الفقير، لأن هؤلاء جميعا ينحدرون من أصل واحد هو آدم ،و آدم من تراب. وعن هذا النوع من المساواة نوه القرآن الكريم فقال تعالى : ((و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) والتكرم هنا شامل للجنس كله فجنس الإنسان مكرم عند الله بلا تفرقة بين مجموعة و أخرى، بل كل مجموعة ينظر إليها بمنظار واحد هو ((الإنسانية )) فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى، كما لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى ، بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء و التحكم في الآخرين فقد قال تعالى ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء)) و قال صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط) , وقال تعالى((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)).


وإن هذا الاختلاف الذي أوجده الله تنويع للدلالة على قدرة الخالق جل و علا ،الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ،و ليس اختلاف تفرق و عداء و لهذا و ردت الحكمة من هذا الاختلاف ،في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني و جد ليتم بين الناس التعاون و التآلف، و التآزر لمصلحة إنسانيتهم. وتكريم الله للإنسان لم يقتصر على المسلمين فقط فقد كان للبشرية جمعاء مسلمين وغير مسلمين, وهذا هو الذي لا يتطابق مع أفكار بعض الذين يشوهون في الإسلام ويقتلون أبرياء من الناس وقد كرمهم خالقهم وأمر بحمايتهم حتى وهم في ديار الإسلام, فقد سبق الإسلام بمبادئه السامية تجاه البشرية كل الأديان والقوانين الوضعية، بحيث لا تعرف قوانينه التعصب المذموم، الذي يؤدي بالناس إلى الشحناء والبغضاء والفرقة، التي تمزق المجتمع الإنساني الذي يهتم به الإسلام أيما اهتمام .


كما أوجب الإسلام الدفاع عن غير المسلمين وحمايتهم من الأعداء، إذ أن لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، بل يلزم الدفاع عنهم مما يؤذيهم والقتال دونهم وفك أسراهم "
إنّ الإسلام من حيث المبدأ ينهى عن قتل النفس، قال تعالى (مَن قَتلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة/ 32) وقال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) (سورة الأنعام/ 151) والنفس هنا تشمل المسلم وغير المسلم. ويظنّ بعض المسلمين أنّه يجوز قتل غير المسلم ولو بدون سبب, ويبنون ذلك على أنّ الكافر حربيّ ، وأنّ الحربي غير معصوم الدمّ، فيجوز بالتالي قتله كيفما كان , لكن ليس كلّ كافر حربياً, بل هو يصير كذلك إذا أعلن هو أو دولته الحرب على المسلمين، أو إذا أعلن المسلمون الحرب عليهم.


وحتّى الكافر الحربيّ، لا يُقتل لمجرّد كفره، بل يُقتل حين يحارب المسلمين وبسبب محاربته الفعلية. ولو كان القتل جائزاً لمجرّد الكفر، لكان هذا مناقضاً لعدم الإكراه في الدين, كقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..)

فالإسلام لم يمسك السيف كي يقسر الآخرين على اعتناقه، وهذا ما أثبته التاريخ عندما دخل الإسلام على بلاد الأندلس، قد عاملوا أهلها من كافة الأديان والعروق والطوائف معاملة إنسانية رائعة لازال التاريخ يتحدث عنها بإعجاب .

ولم يكتف الإسلام بأن وضع الأسس والقواعد التي تكفل حماية غير المسلمين، بل إنه وضع عقوبات رادعة لمن يتعدى حدود الله عز وجل ويتجاوز حدود العهود بين المسلمين وغيرهم، وبمقتضى التشريع الإسلامي فإن المسلم الذي يقتل غير مسلم دون حق فإنه يقتل به. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ألا من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة (فكيف من قتل غير مسلم بغير حق وهو عليه الصلاة والسلام يقول "من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما"

إن من يقتل الناس بسبب انتمائهم الديني أو المذهبي ، فهو مذنب ، هذا رأي الدين ، أما رأي العقل والمنطق ، فلا يختلف قيد عن موقف الدين ، فالعقل يدعو إلى التعايش بين الناس ، على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وانتماءاتهم ، كما في قوله تعالى ؛ (يا أيها الناس ، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير) ، وأن المنطق يدعو إلى الألفة والمحبة ، لأن الناس كلهم لآدم ، وآدم من تراب .


وإن الذي يقتل البريء بجريرة المجرم(المفترض) ، فهو مذنب كذلك ، لأن القرآن الكريم يقول ؛ (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، كما أن رسول الله (ص) يقول؛ (المسلم للمسلم حرام ، ماله ودمه وعرضه) ، فإن من يقتل الإنسان بسبب انتمائه الديني أو العقائدي أو الفكري أو السياسي ، فهو مرتكب ذنب كبير ، لأن الناس لا يحاسبون على انتماءاتهم وإن كانت سيئة في نظر الآخر ـ وإنما يؤاخذون على أعمالهم السيئة ، حتى الخالق عز وجل ، لا يحاسب خلقه على النية ، إذا لم تترجم إلى عمل سيئ ، لان الإنسان لا يحاسب على نواياه، فكيف أجاز الإرهابيون لأنفسهم ، أن ينازعوا الله تعالى شرعه ، فيقتلوا من يشاءوا ؟ كيف يشاءوا ؟ متى يشاءوا ؟ وأين يشاءوا ؟ ، من دون إثبات ، أو دليل ، أو أي شئ آخر؟، وكيف أجازوا لأنفسهم ،وقتل الناس على النية ، وذبحهم بجريرة أفعال غيرهم ؟ . وإن أسوأ ما في رسالة الإرهابيين ، هو حملهم عناوين وأسماء مقدسة ، يوظفونها لإضفاء الشرعية على أعمالهم المرفوضة والمخالفة للدين والعقل والمنطق ، وبذلك يحملون الدين كل ما هو برئ منه ، ويشوهون سمعته ، ويحرفون أهدافه ، ويزيفون مقاصده ، فيسمون أنفسهم تسمية الدين وعناوينه وصفاته ، وهو نوع من أنواع الغش والخداع والتعمية والتضليل والدعاية السوداء وغسل الأدمغة ، الذي يستهدف استغلال الدين وعناوينه ، لتنفيذ مآرب شيطانية سيئة. إنهم يرتكبون جريمة مزدوجة ، فيقتلون الناس بالسلاح ، كما يقتلون الدين بانتحال اسمه وهويته وعناوينه ، والدين منهم براء ، كبراءة الذئب من دم يوسف .


فكيف يدعي من يقتل الأبرياء ، انه مسلم ، والحديث الشريف يقول ؛ (المسلم ، من سلم الناس من يده ولسانه) ، وقوله (ص) ؛ (ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره) ؟ .

وكيف يدعي من يعتدي على المواطن من دون ذنب ارتكبه ، بأنه مسلم ، والآية الكريمة تقول ؛ (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ؟.

وكيف يدعي ، من يستبيح دماء الناس ، إنه من أنصار السنة ، ورسولها الكريم يقول ؛ (إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟) ، أو قوله (ص) ؛ (إنما المؤمنون أخوة ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ، فلا ترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ؟) .

وهكذا يقدر الإسلام مبدأ المساواة بين الناس في الحقو إن الدين رسالة الحب أولا وأخيرا ، وهل الدين إلا الحب ؟
ق والواجبات انطلاقا من رؤية الإنسان الذي كرمه وفضله على بقية خلقه ، ومرجعية ذلك أن النفس الأنانية نفس واحدة ، وان عوامل التفرقة بينهم لا يجب أن تؤثر على هذه الوحدة الإنسانية ، فاللون والجنس والمعتقد والفكر أسباب لا تؤثر في إنسانية الإنسان هذه هي سيرة الإسلام العطرة وطريقته الحسنة في معاملة غير المسلمين .


كتب الموضوع بواسطه الشمريه


المواضيع المتشابهه: