تقسيمات العقود

تتنوع العقود وتتعدد، حتى لا يكاد يحصرها عدّ. و الإرادة حرة في إنشاء الالتزام أيّاً كان، فالالتزامات ليست محددة، الأمر الذي يؤدي، بالضرورة، إلى تنوع العقود.
و القانون ينظم طائفة من العقود يمكن النظر إليها من حيث التسمية أو من حيث التكوين،و أخيرا من حيث الإلزام على أنه و من خلال اطلاعنا على عدة كتب تنوعت و تشعبت التصنيفات غير أنها تصب معظمها في قالب واحد و هو ما ستناوله من خلال هذا المبحث.

المطلب الأول: تقسيمالعقود من حيث التسمية و التكوين

الفرع الأول : من حيث التسمية
أ- العقودالمسماة

هيتلك العقود التي خصها القانون باسم معين، ونظمها، لشيوعها بين الناس. و هي “إما أن تقع على الملكية، كالبيع، والمقايضة، والهبة، والشركة، والقرض، والصلح. وإما أن تقع على المنفعة، كالإيجار وعارية الاستعمال. و إما أن تقع على العمل، وهي المقاولة، والتزامات المرافق العامة، وعقد العمل، والوكالة والوديعة والحراسة. و يضاف إلى ذلك عقود الغرر، وهي المقامرة، والرهان، و المرتب مدى الحياة، وعقد التأمين، ثم عقود التأمينات الشخصية والعينية، وهي الكفالة ورهن الحيازي والرهن الرسمي”[1].
العقد المسمى هو عقد خصه المشرع باسم معين و بنصوص تنظم أحكامه بالذات في المجموعة المدنية:كالبيع و المقايضة و الشركة و القرض و الصلح و الإيجار و العارية و المقاولة و الوكالة و الوديعة والحراسة و غيرها[2].
و يعرف الدكتور وهبة الزحيلي هذه العقود بأنها ما وضع الشرع لها اسما خاصا بها و بين أحكامها المترتبة عليها كالبيع و الإجارة و الشركة و الهبة و الكفالة و الحوالة و الوكالة و الرهن و القرض والصلح و الزواج و الوصية و نحوها.

ب – العقود غير المسماة

هي التي لم يوضع لها اسم خاص في الشرع و لم يرتب لها التشريع أحكاما خاصة بها و إنما استحدثها الناس تبعا لحاجة ما. و هي كثيرة لا تحصر، لأنها تنشأ بحسب تعدد حاجات الناس و تطور المجتمعات و تشابك المصالح[3]. أو بعبارة أخرى هي تلك العقود، التي لم يخصها المشرع باسم معين، ولم يقم بتنظيمها، وذلك لقِلة شيوعها. وما دامت القاعدة أن الإرادة حرة في إنشاء ما تشاء من عقود، كان من المستحيل حصر العقود غير المسماة.
و طائفة العقود المسماة في تطور مستمر، فقد يصبح عقداً من الشيوع بأهمية إلى درجة توجب تنظيمه، فيتدخل المشرع، منظماً له، و ينتقل بذلك، من العقود غير المسماة إلى العقود المسماة. و هذا ما فعله المشرع حين نظم عقد التأمين.
و إذا كان من المستحيل تعداد العقود المختلفة، فإنه من الممكن، على الأقل، وضع تقسيمات مختلفة لها، وذلك بقصد بيان ما تتخصص به كل طائفة منها.
و من أمثلة العقود غير المسماة العقد الذي تتعهد بموجبه دار النشر بطبع كتاب لمؤلف معين، و عقد الحضانة، وعقد المباريات الرياضية، و عقد الإعلان، و عقد السيرك و غيرها[4].
الفرع الثاني: من حيث التكوين

أ- العقود البسيطة

وهو ما اقتصر على عقد واحد ولم يكن مزيجاً من العقود[5]، فالعقد البسيط هو عقد يتناول نوعا واحدا من العقود تنجز في شكل عملية واحدة و بدفعة واحدة و من ثم وجدت بساطة تداوله فإذا غير أو أصيف إليه أي تعديل من حيث الموضوع صار مركبا ومن أمثلة العقود البسيطة نجد عقد البيع أو الإيجار أو الهبة…الخ.
ب- العقود المركبة أو المحتلطة

العقد المختلط هو الذي يجمع بين عدة عقود متكاملة امتزج بعضها بالبعض الآخر، و عادة يكون من العقود غير المسماة، مثل ذلك العقد الشائع بين صاحب الفندق و النزيل إذ هو مجموع يشتمل على عقد إيجار بالنسبة للغرفة، و عقد عمل بالنسبة للخدمة، وعقد بيع بالنسبة للطعام، و عقد وديعة بالنسبة للأمتعة. و كذلك العقد الذي يبرم بين صاحب المسرح و الجمهور فهو يشمل عقد إيجار بالنسبة للمقعد، و عقد عمل بالنسبة للمسرحية التي تعرض على الجمهور.

المطلب الثاني: تقسيمالعقود من حيث الإلزام و تحديد قيمة الالتزام.

الفرع الأول: من حيث التزام الأطراف.

أ- عقد ملزم للطرفين

تنص المادة 55 من القانون المدني الجزائري على أنه يكون العقد ملزما للطرفين متى تبادل المتعاقدان الالتزام بعضهما بعضا ويسمى، كذلك، عقداً تبادلياً. وهو عقد تنشأ، بموجبه، التزامات متقابلة على كل من طرفيه. فيكون كل منهما دائناً ومديناً، في الوقت عينه، مثل عقد الإيجار وعقد البيع[6]، وهو العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين. و على هذا يعتبر كل متعاقد دائنا و مدينا في آن واحد كعقود الإيجار و المقايضة و المقاولة و العمل.

ب- عقد ملزم لطرف واحد

هو العقد الذي لا ينشىء التزامات إلا في جانب واحد، أي يكون بمقتضاه احد الطرفين مدينا والآخر دائنا فقط)المادة 56 ق.م(. و مثال ذلك عقود القرض، و الهبة، و الوكالة بغير أجر، و الوديعة بغير أجر. ونلاحظ هنا أن كلمة “جانب واحد” مقصود بها أثر العقد لا تكوينه أو انعقاده، فهو عقد ثنائي التكوين، أحادي الأثر[7].
و يعرف الدكتور الزحيلي هدا النوع من العقود بأنها “هي تلك العقود التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ و الرجوع، كالإيداع و الإعارة و الوكالة و الشركة و المضاربة و الوصية و الهبة، فالعقود الخمسة الأولى يجوز لكل من العاقدين فسخ العقد متى شاء. و الوصية و الهبة يصح للموصي و الواهب الرجوع عنها، كما يصح للموصى له و الموهوب له ردها أو إبطالها بعد وفاة الموصي، و في حال حيلة الواهب”[8].

الفرع الثاني : من حيث تحديد قيمة الالتزام.
أ- عقود محددة

العقد المحدد هو الذي تنشأ عنه في ذمة طرفيه التزامات محققة الوجود و محددة القدر، بحيث يستطيع كل منهما أن يحدد وقت انعقاده و القدر الّذي أخذه، و القدر الذي أعطاه. و قد نص عليه القانون المدني الجزائري في المادة 57/1 تحت اسم العقد التبادلي: “يكون العقد تبادليا متى التزم احد الطرفين بمنح أو فعل شيء يعتبر معادلا لما يمنح أو يفعل له”
فالعبرة في العقد المحدد هي عِلم كل متعاقد وقت التعاقد بالمقدار الذي يعطيه و المقدار الذي يأخذه بمقتضى هذا العقد، مثل عقد البيع الذي لا ينعقد ما لم يكن المبيع و الثمن محددين[9].
وهو العقد الذي بموجبه ” يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أعطى والقدر الذي أخذ”[10]. و هو العقد الذي يعرف فيه كل متعاقد، وقت انعقاده، مدى ومقدار غنمه أو غرمه من العقد، أي مقدار ما سيأخذ ومقدار ما سيعطي، بصرف النظر عن التعادل بين هذين المقدارين.

ب- عقود احتمالية

وتسمى أيضا بعقود الغرر. و لا يعرف فيها كلا المتعاقدين، أو أحدهما مقدارما يعطي أو ما سيأخذ، وقت انعقاده، و لا يتحدد ذلك إلا في المستقبل، كعقد البيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة، حيث الثمن لا يتحدد إلا بموت المشتري والموت أمر لا يعرف وقت حصوله. و العقد الاحتمالي هو كذلك عقد لا يستطيع فيه كل طرف، لحظة انعقاده، أن يحدد القدر الذي سيعطيه أو الذي سيأخذه، لأن هذا و ذاك يكون متوقفا على أمر مستقبل غير محقق الوقوع. (المادة 57/2 ق.م)، و مثال ذلك عقود التأمين، و اليانصيب، و المقامرة، وبيع الثمار قبل نضوجها بثمن جزافي.

المطلب الثالث: تقسيمالعقود من حيث المقابل و مدى الالتزام.

الفرع الأول: من حيث المقابل.
أ- عقد المعاوضة

هوالعقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما أعطى و لما التزم[11]، مثل عقد البيع والإيجار و المقايضة (التبادل)، فتتكافؤ فيه الكفتان من حيث الحقوق و الالتزامات، فالبيع هو أخذ ثمن مقبل تسليم المبيع و كذالك التبادل فهو تعويض شيء في حوزة الطرف الأول بما يقابله و الذي يكون في حوزة الطرف الثاني.
و هو ما نصت عليه المادة 58 من القانون المدني “العقد بعوض هو الذي يلزم كل واحد من الطرفين إعطاء، أو فعل شيء ما”.

ب- عقد التبرع

هو العقد الذي لا يأخذ فيه أحد المتعاقدين عوضا لما أعطاه كالهبة و العارية و الوديعة و القرض بدون فائدة و الوكالة بدون أجر و غيرها. و تجدر الإشارة هنا إلى أن أغلب المعاوضات هي عقود ملزمة للجانبين، و أغلب التبرعات هي عقود ملزمة لجانب واحد.
و ترجع أهمية تقسيم العقود إلى معاوضة و تبرع إلى أنه في مجال المسؤولية العقدية أن مسؤولية المتبرع أخف عادة من مسؤولية المعاوض، كما أنه يشترط القانون في المتبرع أهلية المتبرع )باعتبار التبرع من التصرفات الضارة ضررا محضا( في حين يشترط أهلية التصرف في المعاوض، كما أن الأصل العام في عقود التبرع أن الغلط في شخص المتعاقد يعيب الرضا، فيجعل العقد قابلا للإبطال، و أخيرا في المعاوضات لا بد من التواطؤ بين المدين و المتصرف له للطعن فيها، بينما في التبرعات لا يعتبر الإثبات شرطا للطعن فيها عن طريق الدعوى البولصية.

الفرع الثاني: من حيث الزمن
أ- العقد الفوري

وهو عقد ينشأ بين طرفَيه التزامات قابلة، بطبيعتها، لأن تنفذ دفعة واحدة. و لا يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه. ولا ينشأ بين طرفَيه علاقة قانونية ممتدة بطبيعتها. و يظل العقد فورياً، حتى و لو أجل فيه التزام أحد الطرفين إلى أجل مستقبل. فالبيع بثمن مؤجل، هو عقد فوري، ذلك أن الزمن لا يتدخل في تحديد مقدار هذا الثمن، و إنما يحدد فقط موعد تنفيذه. ويظل كذلك،حتى لو قسط المقابل على أقساط، و من ثم فإنه العقد الذي تحدد فيه التزامات المتعاقدين بغض النظر عن وقت تنفيذها، بحيث لا يؤثر على مقدار الالتزامات التي يرتبها العقد على عاتق المتعاقدين، و يتم عادة تنفيذ هذه العقود دفعة واحدة وعلى الفور مما يبرر تسميتها هذه، كبيع الجريدة مثلا، حيث يتسلم الجريدة فورا ويدفع الشخص في نفس الوقت ثمنها. و التأخير في التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال متتابعة بإرادة المتعاقدين المحضة لا ينال حتما من طبيعة العقد)بيع السيارة مثلا[12](.

ب- العقد المستمر

وهوعقد يستلزم، بطبيعته، أن ينشأ بين طرفيه التزامات، يستمر تنفيذها فترة من الزمن، أو يتكرر هذا التنفيذ عدة مرات، مثل عقد الإيجار، وكذلك عقد التوريد.
و هناك مفهوم آخر لهدا النوع من العقود مفاده أن:العقد الزمني أو الممتد هو العقد الذي يعتبر الزمن معيارا لتنفيذ التزاماته و عنصرا جوهريا فيها مثل عقد الإيجار و عقد العمل، فهما عقدان يعتبر الزمن عنصرا جوهريا فيهما. فلا يتصور أن يكون عقد إيجار أو عقد عمل بدون أن يكون كل منهما يوميا أو شهريا، فالزمن هو الذي يقاس به عقد الإيجار أو عقد العمل.
ما يلاحظ من خلال هذين النوعين من العقود أن فسخ العقد الفوري ذو أثر رجعي خلافا للعقد المستمر أو الممتد، و تقابل الالتزامات في العقد المستمر )الإيجار مقابل ثمن الإيجار(، و تعديل شروط العقد يكون غالبا في العقود الممتدة ) زيادة الأسعار و التكاليف(، على خلاف العقود الفورية فلا مجال فيها غالبا لتطبيق هده النظرية لان الالتزامات تنفذ فيها في الأصل فورا.


المواضيع المتشابهه: