مناقشة تفسير المادة (185) من قانون اصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988
بقلم المحامي زياد عنبتاوي


قبل الدخول في موضوع مناقشة تفسير المادةالمذكورة ، اجد في نفسي رغبة ملحة في التعليق على قرار الحكم المنشور كاملا في جريدة المجد العدد 541 تاريخ 4/2/2008 والقاضي بعدم مسؤلية رئيس تحريرها عما اسندته اليه النيابة في قرار الظن بسبب مقال سبق ان كتبه ونشره رئيس تحرير الصحيفة المذكورة.


وابدا فاقول .. انني لم اقرا المقال موضوع الدعوى الجزائية فانا قلما اقرأ الصحف الاسبوعية وان كان عنوان المقال يشي بمضمونه ، كما اني اكن كل احترام وتقدير لدولة الرئيس معروف البخيت فسمعته كشخص وكمسؤول هي فوق الشبهات ،غير ان ذلك لا يمنع من انتقاد الصحافة لادائه بصفته الوظيفية وبصفته شخصية عامة في موقع رئيس الحكومة ، فهو قرار جريء رائد وحضاري يفتح افقا واسعا وفضاء رحبا لحرية الصحافة ، فقد ابدع سعادة القاضي في كتابته لغة ومضمونا فقها وقانونا ويدل على ان سعادته يتمتع بفكر عميق مستنير وثقافة واسعة وفهم سليم بعيد النظر لدواعي المصلحة العامة ومقتضياتها والمصلحة العليا للوطن من منظور شامل وربط صحيح وواقعي بين هذه المصالح وبين النقد البناء والنـزيه والموضوعي الذي يتوخى الحرص على هذه المصالح في كل ما يكتب وينقد ويدل ايضا على حسن تقديره وادراكه لدور الصحافة الحرة الملتزمة بمصالح الوطن والشعب في تنوير المسؤول - اينما كان موقعه - واطلاعه على مواضع الوجع الذي يشكو منه الناس لكي يبادر الى معالجته وتحقيق الشفاء العاجل منه قبل ان يستفحل ويستعصى على العلاج ،كذلك فان الصحافة الحرة الملتزمة تسلط الاضواء الكاشفة على مواقع التقصير و الخلل والفساد لكي توجه عناية المسؤولين ونواب الشعب ليبادروا الى اصلاحه ومساءلة ومحاسبة ومعاقبة الفاسدين والمفسدين لكي يظل الوطن نظيفا سليما معافى خاليا من السوس والقوارض ،فالمساءلة والمحاسبة هما حجر الاساس لنشوء وتوطيد الثقة وتعميقها واستمرارها بين المواطن والمسؤول ،فهذه الثقة هي التي تشعر المواطن بالاطمئنان الى انه يعيش في دولة القانون والشفافية وتكافؤ الفرص وبالتالي تولد لديه الانتماء الصادق للوطن والغيرة على مصالحه والحرص على امنه واستقراره وانجازاته ،ويغدو المواطن في موقع عمله او سكنه واينما تواجد داخل الاردن او خارجه غفيرا يقظا واعيا يحرس الوطن والانجازات بدافع ذاتي ووطنية صادقة ينبعان من انتماء حقيقي اصيل لا يتزعزع في كل الظروف والاحوال التي يمر بها الوطن ، كما يتحمل التضحيات والاعباء التي قد يتطلبها الوطن اذا ما كان يمر في مرحلة اقتصادية او سياسية صعبة بصبر جميل و بدون تذمر او شكوى .


واعتقد ان سعادة القاضي تعامل مع الصحافة الملتزمة في قرار الحكم باعتبارها سلطة رابعة ذات رسالة تتحسس نبض الشعب في الصحة والوجع وهموم الناس واهتماماتهم وتطلعاتهم المشروعة فراعى كل ذلك في قراره بل انه اتسع صدره لبعض العبارات القاسية التي وردت في المقال موضوع قرار الحكم .


لكل ما تقدم فأني اقدم لسعادته فائق الاحترام والتقدير على هذا القرار التقدمي العصري والحضاري وفي نفس الوقت اهنيء الصحافة ؤالاخوة الصحفيين وابارك لهم على هذا القرار.


وقد علمت مؤخرا ان محكمة الاستئناف الموقرة قد ايدت هذا القرار فكل الاحترام والتقدير والاكبار لهيئة المحكمة التي ردت الاستئناف وايدت القرار ،واخيرا لا بد في هذا المقام من الاشادة بمؤسستنا القضائية النزيهة والمنزهة عن كل ما يمس شرفها وسمعتها على هذه النقلة النوعية في اصدار الاحكام المتعلقة بحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير ، فطالما كان القضاء بخير وصحة وعافية وتقدم فالوطن بخير وصحة وعافية وتقدم .


واخيرا لا بد من التنويه في هذا الصدد ان للصحافة الملتزمة دور ايضا في تسليط الضوء على الانجازات والاشادة بالمسؤولين الاكفاء الذين ساهموا في تحقيقها ، فكلمة الحق يجب ان تقال لتشجيع وتحفيز المسؤولين الاكفاء على مضاعفة الجهد والعزيمة والهمة في العمل والعطاء ليكونوا قدوة حسنة ومعدية لغيرهم من المسؤولين . فالمدح في اهله حق وفي غير اهله نفاق ، والنقد في محله واجب وفي غير محله/ مع علم الكاتب او الناقد بذلك/ هو افتراء او كذب مدفوع الاجر .


والان نعود لمناقشة تفسير المادة (185) من الاصول المدنية لنرى فيما اذا كانت تجيز لمحكمة الاستئناف - في القضايا التي تنظرها مرافعة / ابراز بينات اضافية من تلقاء نفسها وبدون طلب من فرقاء الاستئناف أم بناء على طلب الفرقاء (الخصوم )وموافقتها على الطلب وليس من تلقاء نفسها .


ان الاجتهاد القضائي يرى ان الفقرة (ب) من المادة 185/1 تجيز لمحكمة الاستئناف ابراز بيننات اضافية من تلقاء نفسها وليس بناء على طلب الخصوم وانا شخصيا اخالف هذا الاجتهاد وارى ان الفقرة (ب) المشار اليها أنفا لا تجيز ذلك لمحكمة الاستئناف من تلقاء نفسها وانما بناء على طلب فرقاء الاستئناف وموافقة المحكمة على الطلب وقبل ان اشرح وجهة نظري في هذه المسالة اجد من المناسب ان اورد النص الكامل للمادة 185من الاصول المدنية تسهيلا للقارئ الكريم للاطلاع على النص الكامل للمادة كلما وجد داعيا لذلك كما اننا سنورد نص المادة (186) ايضا لمزيد من التوضيح .


نص المادة (185)
1- لا يحق لفرقاء الاستئناف ان يقدمو بينات اضافية كان في امكانهم ابرازها في المحكمة المستانف حكمها ولكن :
أ- اذا كانت المحكمة المستانف حكمها قد رفضت قبول بينة كان من الواجب قبولها او.
ب- رات المحكمة المستانف اليها ان من اللازم ابراز مستند او احضار شاهد لسماع شهادته لتتمكن من الفصل في الدعوى او لاي داع جوهري اخر .فيجوز لها ان تسمح بابراز مثل هذا المستند لتدقيقه او احضار ذلك الشاهد لسماع شهادته .
ج- اذا كان الحكم المستانف بمثابة الوجاهي واثبت الفريق المعني ان غيابه امام محكمة ادرجة الاولى كان لعذر مشروع فعلى محكمة الاستئناف ان تسمح له بتقديم البينات التي ترى انها تؤثر في الدعوى.
ويتعين في هذه الحالة تمكين المستانف عليه لتقديم البينة اما لتاييد اي بينة فردية يكون قد قدمها في مرحلة المحاكمة الابتدائية او اي بينة اخرى لتفنيد بينة المستانف .
2- في جميع الحالات التي تسمح فيها المحكمة المستانف اليها بتقديم بينات اضافية يترتب عليها ان تسجل في الضبط السبب الذي دعاها لذلك .

نص المادة 186
أذا سمحت المحكمة بتقديم بيينات اضافية فعليها ان تسمع البينة بنفسها .


نلاحظ من نص المادة (185) ان الفقرات أ +ب+ج منها هي فروع لها لا يصح قراءتها بصورة مستقلة وبمعزل عن النص الاصلي لهذه للمادة .


ولو اراد المشرع ان تقرا الفقرة (ب) منها بصورة مستقلة لما اوردها فرعا لها ولكان اوردها بنص مستقل تحت رقم مادة مستقلة فالفقرة أ من هذه المادة لا داعي للقول بانها بطلب من فرقاء الاستئناف بل انها يتوجب ان تكون سببا من اسباب الاستئناف في لائحة الاستئناف والفقرة ج يتضح من سياقها بانها بناء على طلب فرقاء الاستئناف لانه يتوجب على الفريق المعني ان يثبت لمحكمة الاستئناف ان غيابه امام محكمة الدرجة الاولى كان بعذر مشروع تم يطلب من المحكمة ان تسمح له بتقديم البينات التي يطلبها وعلى المحكمة ان تستجيب لطلبه .


اما الفقرة (ب) وهي مثار الاختلاف في الاجتهاد وموضوع هذا المقال فاننا نرى انها لا تجيز لمحكمة الاستئناف ابراز بينات اضافية من تلقاء نفسها وانما بناء على طلب الفرقاء وموافقتها على الطلب .وللتوضيح نقول،،،
1) لقد ورد في الفقرة (ب) من المادة 185 /1 النص كما يلي (مع ملاحظة انه يتوجب قراءة هذه الفقرة مع النص الاصلي للمادة 185 أي على النحو التالي (لا يحق لفرقاء الاستئناف أن يقدموا بينات أضافية كان بأمكانهم ابرازها في المحكمة المستأنف حكمها ولكن أذا رأت محكمة الاستئناف أن من اللازم ابراز مستند أو احضار شاهد ........... فيجوز لها أن تسمح ........ ( الى أخر نص الفقرة ب ) وكلمة تسمح هنا تفيد ان المحكمة تسمح لفرقاء الاستئناف وليس لنفسها لان المحكمة تامر ولا تسمح لنفسها وان الاستثناء من نص المادة (185) الوارد في الفقرات أ+ب+ج منها يعمل به بناء على طلب الفرقاء وموافقة المحكمة على الطلب
2) يؤيد ذلك ما ورد في نص المادة 185/2 حيث ورد فيها ايضا كلمة تسمح وليس تامر
3 ) ويؤيد ذلك ايضا ما ورد في نص المادة 186 والتي تنص ( اذا سمحت المحكمة ....الى اخر النص ) حيث وردت كلمة سمحت وليس امرت .
كل ما تقدم يفيد أن الاستثناء من المادة (185)هو لفرقاء الاستئناف وبناء على طلبهم وموافقة المحكمة وليس للمحكمة من تلقاء نفسها و في هذا الصدد نذكر بالقاعدة القانونية المعروفة وهي ( البينات من حق الخصوم ) وهي من النظام العام .


واعتقد ان الاجتهاد القضائي في تفسير الفقرة (ب) من المادة (185) ربما كان يستند في ذلك الى المادة (100) من قانون اصول المحاكمات المدنية والتي تنص على (يحق للمحكمة ان تامر اي فريق ان يبرز ما في حوزته او تحت تصرفه من مستندات (أي بينات خطية فقط وليست شخصية ) ترى انها ضرورية للفصل في الدعوى ) وان المادة (100) تسعف محكمة الاستئناف وتسندها في تفسيرها للمادة 185 /1/ب بأعتبار انها محكمة موضوع ، ونحن نخالف ذلك ونقول بانه لا يصح اعمال هذه المادة في المرحلة الاستئنافية لانها تتعارض مع نص المادة 185/1/ب هذا من ناحية ،ومن ناحية اخرى وبالتدقيق في نص المادة (100)نجد انه ورد فيها كلمة تامر المحكمة وليس تسمح .


كذلك فأن المادة (185)تتحدث عن ابراز بينات اضافية في المرحلة الأستئنافية وأما المادة (100) فلا يصح أن يكون المقصود فيها ابراز بينات أضافية لان قانون اصول المحاكمات المدنية المعمول به حاليا قد الغى البينة الاضافية في المرحلة الابتدائية من الدعوى والتي كان معمولا بها في القانون السابق .


فأذا اردنا أعمال المادة (100) في المرحلة الاستئنافية وفسرناها بأنها تجيز للمحكمة ان تامر بابراز بينات اضافية من تلقاء نفسها ، تغدو الفقرة (ب) من المادة (185) ( والتي ورد فيها كلمة تسمح وليس تأمر وورد فيها ايضا بينات خطية وشخصية ) لغوا ولا داعي لها ولكان المشرع اكتفى بهذا الخصوص بنص المادة (100) غير ان المشرع كما نعلم لا يلغو فأورد نص المادة (185) بخصوص البينات الاضافية في المرحلة الأستئنافية وفي الحالات الخاصة الواردة في جميع فقراتها على سبيل الحصر والأستثناء ما تقدم هو اجتهادي في تفسير المادة 185 من الاصول المدنية فان اصبت فلمنفعة القانون وان اخطأت - فجل من لا يخطئ سبحانه وتعالى -وأني في نفس الوقت آمل من الزملاء الكرام والمعنيين التكرم -اذا ما رغبوا في ذلك - بابداء رايهم ووجهة نظرهم القانونية في هذه المسالة.

المواضيع المتشابهه: