د. بشار عبدالهادي/ كلية الحقوق- الجامعة الأردنية

هل كل فقيه في القانون هو فيلسوف فيه؟

هل هناك علاقة بين القانون وبين الفلسفة،وهل كل فقيه في القانون هو فيلسوف فيه؟.

لقد ألح علينا هذا السؤال منذ فترة بعيدة،حتى آن الأوان لكي نجيب عنه،فعدنا إلى مكتبتنا، واغلقنا على أنفسنا باب محرابنا ووجدنا ما يلي:

تعني الفلسفة حب المعرفة،ويقتضي هذا الحب العودة إلى اصل الشيء ومعرفة جذوره وجوهره.وهذا بدوره يستدعي اعمال العقل بصورة دائمة للوصول الى تلك المعرفة،كما يستدعي التأمل،لا لشيء، إلا لأجل الوصول إلى الحقيقة التي قد تكون معيارية او موضوعية وفقا للمشاعر الحسية والذهنية لدى الفيلسوف.

ان لكل علم من العلوم فلسفته اللصيقة به.ولما كان (القانون)علما من العلوم،فان له فلسفته على وجه اليقين. وهذه الفلسفة اساسها (حقيقة القانون)،وهذه الحقيقة القانونية هي حقيقة عالمية لان القانون هو نظام عالمي يوجد في كل الدول وينظم جميع المجتمعات في بقاع الأرض المختلفة.فهو مظهر للحياة،وضرورة ـ لا تقبل الجدل ـ للجماعة الانسانية.

وفى هذا الشأن، يقول استاذنا الدكتور عبدالحي حجازي في معرض حديثه عن فلسفة القانون: (إذا كان القانون حقيقة عالمية،لزم لهذا السبب بالذات ان يكون حريا بالبحث الفلسفي، فالفلسفة لا يجوز ان تعنى الا بما له معنى عالمي ولهذا السبب وجدت فلسفة الحياة، وفلسفة القانون،وفلسفة التاريخ،وفلسفة الفن.والكلام عن الحياة البشرية هو ايضا كلام في القانون. ومن هنا تتضح اسباب وجود فلسفة القانون. وتستجيب فلسفة القانون لضرورة مواجهة المسألة القانونية في جذورها دون النظر إلى الحاجات العملية).

وفى ضوء ما تقدم،نرى ان هنالك (فقيه علم) و(فيلسوف علم) فلو أخذنا (القانون) باعتباره من العلوم العالمية، لوجدنا ان له فقيهه وله فيلسوفه. فما هى مظاهر هذا الفقيه وهذا الفيلسوف؟

ان مهمة فقيه القانون هي بناء احكامه جميعها على النصوص التشريعية المختلفة. فالمحامي مثلا،يستند الى قواعد قانونية في الدفاع عن موكله وهو مطمئن إلى هذا الاستناد لان اساسه الالزام، وهذا الالزام هو محور قواعد القانون التي وضعتها الدولة لتنظيم مجتمعها والحفاظ على امنها وكيانها.واستاذ الجامعة الفقيه يلقي محاضراته ويكتب دراساته وابحاثه ومؤلفاته معتمدا على الاسس والمسلمات العقلية والشروح والآراء التي قيلت في شأن الموضوع الذي يعالجه. اما مهمة فيلسوف القانون،فهي مهمة العقل والتأمل والصبر والبحث من اجل الوصول الى المعرفة في جذورها وجوهرها. ولكي يحقق هذه الغاية فانه لا يعتمد على القواعد القانونية في مفهومها الموضوعي ولا يكتفي بالاستناد اليها او بتطبيقها او بشرحها او بدراستها والتعليق عليها. انه يتساءل: لماذا وجد هذا المحامي ولماذا لا يسمح لأي انسان بالاعتماد على نفسه في الدفاع والاثبات؟!. لماذا يجب على القاضي ان يستند إلى نصوص القانون،وما هي حدود هذا الالزام؟!. ما مدى عالمية القانون وهل هنالك شيء ارفع وأعلى وأسمى منه هو شعاع حقيقته؟!

ومن هنا أيضاً، فان فيلسوف القانون لا يكتفي في دراساته وابحاثه ومؤلفاته بالعرض والتجميع والتفسير والشرح التقليدي،انه يتجاوز ذلك الى احداث تساؤلات يضع لها اجابات اجتهادية مبتكرة رائعة.انه لا يعرض للمسائل فحسب،بل يثريها بافكاره وتأملاته العقلية والعاطفية.انه انسان يتطلع إلى ما قبل الاشياء والى ما بعدها لينزل حكم عقله المبحر في حب المعرفة. الهائم في عبادة الحكمة..ومن هنا فانك تستطيع عند قراءتك لدراسة او لبحث او لكتاب ما ان تحكم على مؤلفه بأنه فقيه او فيلسوف.

ان فقيه القانون هو انسان موضوعي يغمره حب العمل في نطاق محدد،وهو من قبل ومن بعد يعالج المسائل بجهد مركز مختص،ولكنه ذو طبيعة شكلية.

اما فيلسوف القانون فهو انسان عقلي عاطفي،لا يهمه تحديد المسائل التي يعالجها بقدر اهتمامه بكيفيتها وطبيعتها وتحليلها ومناقشتها والاجتهاد فيها.انه يعامل القانون كما يعامل الموسيقى والشعر فيعزف برقة،وينظم بحذر، ومن خلال كل ذلك يعلم ويتعلم. انه اداة شفافة باطنها يخترق ظاهرها، ولكنها تعيش بدم العلم والعقل والمعرفة، وتحيا بعشق الحكمة.


رابط المقال:
http://www.alrai.com/pages.php?articles_id=41139
<< نقلا عن موقع الدكتور عبد الناصر الهياجنة

المواضيع المتشابهه: