هذه المقالة خص بها الكتاب صحيفه "عمون" الالكترونية ، وتاليا نصها دون تصرف :

لم يتوقف أحد من السياسيين أو القانونيين او دعاة الإصلاح على اختلافهم, عند المادة (84-1) من الدستور الأردني التي تعطي ثلث أعضاء مجلس النواب حق تعطيل جلسات المجلس وأكثر من ذلك, تعطيل الحياة البرلمانية برمتها. فالمادة المشار إليها تنص على ما يلي: " لا تعتبر جلسة أي من المجلسين قانونية إلا بحضور ثلثا أعضاء المجلس". والمقصود بالمجلسين هنا: مجلسا النواب والأعيان.

إذن هذا النص يعطي الأقلية حق "الثلث المعطل" بغير وجه حق وبما يتناقض مع قواعد الديمقراطية البرلمانية المعتمدة في الدول الديمقراطية العريقة في العالم أجمع. لا بل أنه شكل من أشكال ديكتاتورية الأقلية.

نص المادة (84-1) جاءت في الدستور الأردني قديماً عندما كانت المعارضة (الأقلية) من "أهل البيت" وفي إطار الطبقة السياسية الحاكمة لذلك لم تعرف الحياة البرلمانية الأردنية على حد علمي عملية تحشيد نيابي لتعطيل الحياة البرلمانية وشلها.

وإن كان قد حصل خلال العقدين الأخيرين محاولات "بضرب" النصاب القانوني لجلسات نيابية لأهداف سياسية نجح بعضها وبعضها لم ينجح.

لم تلتفت الحركة السياسية في المعارضة أو الموالاة لهذه الثغرة الدستورية غير الديمقراطية. لأن المعارضة تعتبر أن من مصلحتها بقاء هذا الأمتياز للأقلية وليس في حسابها أن تصبح أكثرية تتضرر من "الثلث المعطل". أما الموالاة (الأكثرية) فهي لم "تتلوع" ولم تعاني من استعمال الأقلية المعارضة لثلثها المعطل لأنها لم تعايش معارضات جادة. وإلا لذهبت زحفاً على البطن لتعديل الدستور منذ زمن بعيد لسحب هذا الامتياز والكرم الممنوح للأقلية.

الدول الديمقراطية كلها تحتسب النصاب القانوني لجلسات برلماناتها بحضور الأغلبية المطلقة من الأعضاء (50+1) وحدها الدول الشمولية, دول الحزب "القائد" هي التي تتسامح مع "معارضتها" الكسيحة أو الشكلية إن وجدت أصلاً.

وجود "الثلث المعطل" بيد الأقلية, يعطل ويربك الحياة السياسية والبرلمانية واستقرار الحكومات وهذا من شأنه أن يلحق أفدح الضرر بالمصلحة العامة.

يكفي أن نتذكر الشلل البرلماني والحكومي في لبنان ومعركة الأقلية للفوز بامتياز "الثلث المعطل". وأن نتذكر أيضاً كيف نجا البرلمان البحريني (40 عضواً) من ضربة عنيفة وجهت له بعد استقالة (18) نائباً شيعياً معارضاً, وكيف أمكن استيعاب "الضربة" بقبول استقالة النواب على مراحل دون انهيار السلطة التشريعية لأن النصاب القانوني لجلسات البرلمان الأغلبية المطلقة من الأعضاء ولا تملك الأقلية "الثلث المعطل".

حرصت على "تغشيش" الطبقة السياسية الحاكمة لهذه الثغرة الدستورية, ليس نكاية بالمعارضة, بل لأنني افترض تداول السلطة وتداخل التحالفات, والأقلية (المعارضة) ستكون غير ثابتة ومتحركة حتى في إطار الطبقة السياسية الحاكمة نفسها. فاستقرار البرلمان والحكومات فيه مصلحة وطنية, يجب ان يسعى لها المشرع.

اليوم نقلب صفحات "الدستور" لتنقيحه ودمقرطته وسوف يمضي وقت كبير قبل أن نعود لمراجعة الدستور مرة ثانية.

الإصلاحات السياسية التي ستتحقق تُبشر بحياة سياسية وبرلمانية ساخنة, تستعمل فيها كل الأسلحة القانونية والدستورية. وتشكيل التحالفات البرلمانية سيكون سهلاً ومتداخلاً والأقلية لن تظل كذلك إلى الأبد.

علينا أن نرسي قواعد وأسس ديمقراطية وعادلة للعبة السياسية والبرلمانية, وهذه من سمات الدول الديمقراطية.


المواضيع المتشابهه: