حاتم العبادي - تضع اللجنة الملكية لمراجعة الدستور غدا الأحد مخرجات عمل دام قرابة الأربعة اشهر بين يدي جلالة الملك عبدالله الثاني، لتكون بعدها محل نقاش مجلس الأمة صاحب الصلاحية الدستورية في ذلك، رغم ان البعض يعتقد ان ذلك لا يكفي ويحتاج الامر الى حوار وطني.
تلك المخرجات، التي أصدر البعض حكمه عليها قبل ان تنضج، تقتضي أهميتها مناقشة جدية لها، دون مواقف مسبقة وبتفاؤل لا سلبية، لأنها تمهد الطريق نحو المستقبل، وتشكل احدى روافع مسيرة الإصلاح الشامل.
ما رشح من معلومات عن توصيات اللجنة الملكية، يعكس ان هنالك نظرة شاملة تعاطت معها اللجنة للخروج بنتائج حاولت استيعاب وتلبية عملية الإصلاح في المرحلة الحالية، وكذلك المستقبلية منها.
وجاءت مخرجات اللجنة الملكية بين تعديل او إضافة او حذف. تقرأ من خلالها مراجعة لمسيرة البناء السابقة، وأنها تدعم وتضمن إستمراريتها، عبر التأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز دور السلطة القضائية وتوسيع صلاحياتها باعتبارها ضمانة الجميع، وكذلك دور مجلس النواب، الذي يمثل إرادة الشعب، وبما يضمن من جهة أخرى عدم تغوّل السلطة التنفيذية.
فالمادة التي عرفت السلطة القضائية، استهلت بالتأكيد على صفة «مستقلة»، كما اقترحت التعديلات المنسب بها وزيادة صلاحية المجلس القضائي، بما يعزز استقلالية القضاء، فأشرت الى إنشاء المجلس بقانون يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وله وحدة حق تعيين القضاة النظاميين، ويشرف على حسن سير العمل في المحاكم النظامية.
كما ان مخرجات اللجنة، تنطلق من زاوية أخرى، وتتمثل في إدراك لأهمية كثير من المطالبات التي نادت بها مؤسسات مجتمع مدني بمختلف أطيافها، حيث كان لها استجابة في كثير من المواضع، وفي محاور مهمة ومفصلية لتعزيز الحقوق المدنية والسياسية، وعلى رأسها الحرية الشخصية، من خلال وضع آليات جديدة وتحديد صلاحيات لكثير مما ثار حوله لغط لجهة استغلال السلطة التنفيذية لنصوص مرنة للتحايل على نصوص الدستور ذاته.
وهنا لابد ، من الإشارة الى بعض التوصيات، التي لم تكتف فقط بـ «الحرية الشخصية مصونة» بل أضافت عليها « كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة او حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون».
الى جانب ربط تعطيل الصحف وإلغاء الامتياز، بأمر قضائي، بشكل صريح، الى جانب جعل حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام بكفالة القانون، لا مقيدة بأحكامه، إذ ان النص الحالي « الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون» بينما المقترح « حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة ضمن حدود القانون».
كما تضمنت، التوصيات، استحداث كثير من المؤسسات الدستورية، لضمان الشفافية وتعزيز دور المساءلة تحت مظلة القضاء لا غيره، عبر التوصية بإنشاء محكمة دستورية، وتحديد اختصاصات المحاكم الخاصة، وما يناظرها، وإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.
ولعل الأبرز، في التعديلات، ما تم حذفه او التوصية بتضمينه، من مواد ونصوص تتعلق بضمان استمرارية مجلس النواب، وربط حله بوجود الحكومة صراحة، وليس الاعتماد على العرف.
وبحكم ان القضاء، هو المرجع النزيه وضمانة الجميع، باتت له بموجب التوصيات صلاحيات تطال لتشمل الوزراء، في حالات منصوص عليها بوضوح وصراحة، وبما لا يقبل التأويل، وكذلك فيما يتعلق بالطعن بصحة نيابة أي من النواب، بما يضمن الجدية في التعاطي معها، ويعكس صورة حقيقية للديمقراطية بعيدا عن الشكلية والصورية.
وفي ما يتعلق بالمحكمة الدستورية، فقد عكست التوصيات، نظرة شاملة ، سواء تلك المتعلقة بالصلاحيات واليات التشكيل وشروط العضوية، تشكل في مجملها، هيئة مستقلة حيادية، تؤكد على أهمية الدور المناط بها.
إذ تمت التوصية بأن تتكون من تسعة أعضاء من بينهم الرئيس، ويعينون جميعا بإرادة ملكية، وينعقد نصاب المحكمة بحضور سبعة من أعضائها على الاقل من بينهم الرئيس. وتختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور وتصدر أحكامها باسم الملك، بحيث تكون أحكامها نهائية وملزمة لجميع السلطات، الى جانب حق تفسير نصوص الدستور.
مقابل، ذلك ولضمان النزاهة والشفافية، وإلغاء «الهاجس» من التدخلات الحكومية، أوصت اللجنة بأن تكون هنالك هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وهذا يضع «الكرة في ملعب المواطن»، الذي سيتحمل مسؤولية مخرجات العملية الانتخابية، باعتبارها «خياره» لا خيار غيره.
إذ أضيف الى المادة التي تتحدث عن المبادىء التي يجب على قانون الانتخاب كفالتها لاختيار النواب « هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات» الى جانب سلامة الانتخاب وحق المرشحين في مراقبة الاعمال الانتخابية وعقاب العابثين بإرادة الناخبين.
إدخال موازنات المؤسسات المستقلة، تحت مظلة رقابة مجلس النواب، بحسب ما أوصت اللجنة، يدلل على الحرص على الأخذ بمطالبات وملاحظات مؤسسات المجتمع المدني، خصوصا وان «ضجة» ثارت خلال الفترة الماضية، على هذا المحور. وكذلك تحديد ظروف إصدار القوانين المؤقتة بشكل واضح، وصلاحيات المحاكم الخاصة.
إن اعتبار كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة او حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها، وجعل القانون هو الذي يكفل حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، بدلا من ربط تلك الحرية بنصوص القانون، يؤشر إلى جدية في تعزيز وتجذير الديمقراطية والحرية المسؤولة.
كما ان التعديلات راعت، تجاوز كثير من الإشكاليات إزاء موضوعات، بسبب أن النظر فيها يعتمد على تفسيرات، مرتكزة على ظروف آنية قد تتطلب ظروفٌ أخرى العدول عنها وفق مستجدات، ما يؤدي إلى تلك الإشكاليات، ولعل «نقابة المعلمين» مثال حي، اُخذت منه العبرة، إذ ان التعديلات منحت الأردنيين حق تشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية وأضافت عليها النقابات.
وتضمنت التوصيات، التأكيد على ثوابت تجاه الوطن، واعتبار ان الدفاع عنه وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس، ما يجعل الجميع، كل في موقعه مسؤولين، إذ ان ذلك يقتضي من الجميع العمل تحت مظلة الدستور، والالتزام بالقوانين التنفيذية لبنوده.
ما خرجت به لجنة مراجعة، سيكون البوابة التي ستدخل من خلالها مخرجات لجنة الحوار الوطني ولجنة الحوار الاقتصادي الى التنفيذ، لتشكل وترسم ملامح مرحلة جديدة من مراحل العملية الإصلاحية.
توصيات اللجنة، التي ستسلم إلى جلالة الملك غدا، سيعلن عن تفاصيلها قريبا، وقد لا تكون تعكس جملة الطموح.. ولكنها خطوة جريئة وسريعة في الرؤية الإصلاحية، إلا أن السؤال، الى أي نصف من «الكأس» سينظر في التعاطي معها، الممتلىء ام الفارغ؟



"عن الرأي في عددها الصادر بتاريخ 13/8/2011"

المواضيع المتشابهه: