قرار صرف مئة دينار قبل العيد للموظفين والمتقاعدين، على شعبيته، هو بكل أسف قرار غير دستوري. فبحسب المادة 112 من الدستور، فقرة 3 : "لا يجوز نقل أي مبلغ في قسم النفقات من الموازنة العامة من فصل إلى آخر إلا بقانون." أي أن قانونا صادرا عن مجلس الأمة يجب أن يصدر قبلا لصرف أية مبالغ كعيدية أو غيره. لايشفع للحكومة أن تتقدم بملحق للموازنة بعد أن تكون صرفت هذه المبالغ للشعب، لأنه في حالة أن مجلس الأمة لم يوافق على صرف المبلغ، ليست هناك أية طريقة لاستعادة النقود من المواطنين.
ولا يشفع لوزير المالية أن يبرر صرف هذا المبلغ بطريقة تتعارض مع الدستور بقوله أن هذا المبلغ ليس من ضمن الموازنة بل إنه من ضمن المساعدات المقدمة للمملكة. ذلك لأن المادة 115 من الدستور تنص على ما يلي :"جميع ما يقبض من الضرائب وغيرها من واردات الدولة يجب أن يؤدى الى الخزانة المالية وأن يدخل ضمن موازنة الدولة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ولا يخصص أي جزء من أموال الخزانة العامة ولا ينفق لأي غرض مهما كان نوعه إلا بقانون." فالمساعدات الواردة للمملكة بحسب النص السابق يجب أن تدخل في الموازنة ولا يجوز الصرف منها إلا بقانون.
يقيد الدستور صرف أية مبالغ خارج الموازنة إلا بقانون، وكما نعرف فالقانون يجب أن يصدر عن مجلس الأمة، نقول يقيد الصرف لأن هذه الأموال هي أموال الشعب، والشعب يقرر الشكل الذي تصرف فيه عن طريق سلطته التشريعية المنتخبة. ويقيد الصرف كي لا تتصرف السلطة التنفيذية وتنفق على هواها. لأن في الصرف خارج الموازنة تبعات كبيرة قد تجر البلاد إلى وضع اقتصادي سيء كما حدث عندما ضربت الحكومات المتلاحقة بالدستور عرض الحائط وتصرفت وفق رؤية تفتقر لأية معرفة بالاقتصاد أو السياسة. المئة دينار التي ستصرف قبل العيد أفرحت الكثيرين، فوضع الناس المالي السيء في ظل اقتراب العيد وبداية المدارس تنعشه مئة دينار غير محسوب حسابها. لكن هذه المئة دينار أُخذت من موازنة تعاني عجزا شديدا، وخزينة ارتفع سقف دَينها ليتجاوز السقف المرسوم بقانون الدين العام. إذا، فليعلم المواطنون أن مديونيتهم قد زادت مئة مليون أخرى. وأن موازنة العام القادم زاد عجزها مئة مليون. وأن المواطن أولا وآخرا هو من سيعوض العجز والدين عن طريق الضرائب المتزايدة.
جاءت العيدية على شكل أمر ملكي، لكننا لا نعرف على وجه التحديد إن كان جلالة الملك هو صاحب الفكرة أم أن هناك من طرح الفكرة وجمّلها له. في كلتا الحالتين كان يجدر بمن هم حول الملك من مستشارين وسلطة تنفيذية توضيح أبعاد الفكرة بالشكل الحقيقي، وعدم تزيين الأمور له، والتوضيح لجلالته منافاة هذه الفكرة للدستور. لا أعتقد أن جلالة الملك لو علم أن هكذا قرار يتعارض مع الدستور سيوافق عليه.
عانينا ولا زلنا في الأردن من قرارات على هذه الشاكلة، وقد حمّلت الخزينة مبالغ طائلة لو جمّعت مع بعضها وجدناها مليارات كثيرة. كل هذا نتيجة الاستفراد بالقرار. أما آن لهذه الحال أن تتوقف؟
للأسباب التي سبق ذكرها جاءت المطالبات بتعديل الدستور، كي تغلق الباب أمام تغول السلطة التنفيذية على الدستور أولا، وعلى السلطتين التشريعية والقضائية. وكي تنهي حالة الاختباء خلف الملك عند صدور أي قرار. كي تنهي حالة القرارات الفردية، وكي تنهي حالة القرارات الخاطئة، والقرارات التي من ورائها منفعة شخصية.
التعديلات المطلوبة من الشعب هي التي تلغي حالة مخالفة نص الدستور كما هي حالة قرار العيدية. وهي التعديلات التي تلغي حالة مخالفة روح الدستور

قيس مدانات

المواضيع المتشابهه: