المحكمة العليا

الدائــرة الدســتورية

القضــاة:

السيد / محمد ميرغني مبروك رئيس القضاء رئيساً

السيد / حنفي إبراهيم أحمد قاضي المحكمة العليا عضواً

السيد / هنري رياض سـكلا قاضي المحكمة العليا عضواً

السيد / محمد محمود أبو قصيصة قاضي المحكمة العليا عضواً

السيد / زكــي عبد الرحمـن قاضي المحكمة العليا عضواً

السيد / محمد حمزة الصديـق قاضي المحكمة العليا عضواً

السيد / صلاح محمد الأميـن قاضي المحكمة العليا عضواً

خالد محمد خير (ضــد) حكومة السودانم ع/ع د/15/1987م
المحامون: فتحي خليل المحامي.

التاريخ: 24/10/1987م.

الحكـــم

لما كان يبين من مطالعة العريضة التي تقدم بها الأستاذ فتحي خليل محمد المحامي نيابة عن موكله خالد محمد خير ضد حكومة السودان أنه يطعن في دستورية الأمر الصادر بإعلان حالة الطوارئ في 25/7/1987م وفي لائحة الطوارئ الصادرة في 26/7/1982م وفي دستورية استمرار كل منهما بعد اليوم الثامن من أغسطس 1987م بناء على أسباب مماثلة في جوهرها للأسباب الواردة في العريضة رقم 11/1987م المقدمة من محمد الحسن الأمين ضد حكومة السودان، وفي العريضة رقم 13/1987م المقدمة من عوض الله الحاج السيد وآخرين، وذلك فضلا عن الإدعاء بان إعلان حالة الطوارئ للأسباب المذكورة في الأمر غير صحيح ولا يتمشى مع مقاصد المشرع الدستوري من إعلان حالة الطوارئ على أساس (إن إعلان حالة الطوارئ حالة استثنائية محكوم بتوافر حالة محددة هي قيام الخطر الحالي الجسيم الذي يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو أي جزء منه أو يهدد اقتصاده، ولا يمكن معالجته بالقوانين العادية) واستطرد محامي الطاعن قائلا: (وبما أن الأسباب الواردة إعلان حالة الطوارئ لعام 1987م لا تشكل مثل هذه الحالة وإنما كلها أمور تعالجها بالفعل القوانين العقابية السارية. فإن إعلان حالة الطوارئ جاء مخالفا لمتطلبات الدستور. ونلتمس من المحكمة الموقرة إعلان بطلانه دستورياً).

والنعي بالشق الثاني مردود عليه بأن الأسباب التي يقوم عليها إعلان حالة الطوارئ تتصل اتصالا عميقا ووثيقا بمسائل سياسية في الاعتبار الأول، ومن ثم كان من الطبيعي إن يخضع الإعلان الصادر من مجلس رأس الدولة، في هذا الشأن، للرقابة السياسية إعمالا لأحكام المادة 134(2) من دستور السودان الانتقالي. ويدل على ذلك أيضا واقع الحال، إذ إن الجمعية التأسيسية قد نظرت الأمر المعروض عليها وأيدت رأيها فيه ومن ثم ينأى أمر إعلان حالة الطوارئ الذي يتضمن الأسباب التي بنى عليها عن الرقابة القضائية.

أما النص بالأسباب الأخرى المماثلة لما ورد ي العريضتين الدستوريتين رقم 11/1987م و 13/1987م، فمردود عليها بما ورد في القرارين الصادرين فيها بتاريخ 3/9/1987م، على نحو منفصل، وذلك دون حاجة إلى إيراد الأسباب السالف ذكرها، إذ لا يعدو سردها في هذا المقام أن يكون تكراراً لا موجب له

ولذلك فإن العريضة الماثلة، مثل العريضتين المشار إليهما آنفاً، لا تتضمن مسألة صالحة للفصل فيها، مما يتعين معه شطبها إعمالا لأحكام البند (ب) من المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م.

لذلك نأمر بشطب العريضة.

صدر تحت توقعينا في اليوم التاسع والعشرين من صفر 1408هـ الموافق الثاني والعشرين من أكتوبر 1987م.

مذكرة برأي آخر

التاريخ: 24/10/1987م

القاضي: زكي عبد الرحمن

لا خلاف على أن المادة 134 من الدستور الانتقالي تضفي على رأس الدولة بالتشاور مع مجلس الوزراء، سلطة لإعلان حالة الطوارئ ولا على أن البند (2)من نفس المادة يقضي بعرض أمر إعلان الحالة والإجراءات المقررة لدرئها على الجمعية التأسيسية وأن للأخيرة سلطة في تجديد مدة سريان الإعلان أو رفض القرار برمته.

ومن الثابت الآن أن الجمعية قد أجازت قرار إعلان حالة الطوارئ بعد أن قام رأس الدولة بتعديل فترة سريانها من سنة إلى ستة أشهر كما أجازت لائحة الطوارئ بعد أن تم تعديل المادتين 15 و17 منها.

على أنني استميح الزملاء الأجلاء عذرا في الاختلاف معهم فيما انتهى إليه قرارهم بعدم وجود مسألة صالحة للفصل فيها يبرر تصريح الطعن سواء أكان مرد ذلك القرار هو أن الأمر ينطوي على مسألة سياسية بحتة أو سيادية محضة أو أن الاختصاص في إقرار الأمر ينعقد في نهاية المطاف للجمعية التأسيسية.

ولعله من نافلة القول أنه ومهما كان وجه الرأي يما تثيره عريضة الطعن المعروضة أمامنا، فإنه لا سبيل إلى الاختلاف في أن الدستور هو مناط سلطات وصلاحيات أجهزة الدولة جميعها وعلى نصوصه تقاس سلامة أو عدم سلامة تصرفات أي منها. وعلى ذلك فإن مجال الخلاف لا يتعدى ما يحتمل التقدير من الأمور دون أن يمس المبدأ نفسه.

وتأسيسا على ذلك، فإن النظر فيما تثيره عريضة الطعن ومدى اختصاص الدائرة الدستورية به، إنما يعتمد في المقام الأول على ما إذا كانت المادة 134 من الدستور الانتقالي تشتمل على أي معنى صريح أو ضمني من شأنه أن يضفي سلطة مطلقة على الحكومة في صفتها السياسية الشاملة للانفراد في إعلان حالة الطوارئ رغم ما يترتب عليها بالضرورة من فتح المجال للاعتداء على الحريات والحقوق الأساسية التي تشكل دعامة الحكم الدستوري السليم، وبمعنى أدق ما إذا كان للحكومة في صفتها تلك أن تقرر دون رقابة موضوعية ما يرقى إلى السبب الكافي لإهدار الحقوق والحريات.

وفي تقديري المتواضع أنه ليس في المادة 134 المشار إليها ما يقوم سنداً صريحاً على إضفاء مثل هذه السلطة لأية جهة بعينها كما أنه ليس فيما تنص عليه تلك المادة من ضرورة عرض الأمر على الجمعية التأسيسية ما يقوم سببا للقول بأن تلك الجمعية هي نهاية المطاف بالنسبة لموضوع الطوارئ، إذ أنه من المعلوم أن التشريعات الصادرة من الجمعية التأسيسية نفسها ليس بمنأى عن الرقابة فيما يستفاد من نص المادة 125 من الدستور الانتقالي ذاته.

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة لصراحة النص، فهل فيه أي معنى ضمني يقرر سلطة مطلقة للحكومة في إعلان حالة الطوارئ.

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة لصراحة النص، فهل فيه أي معنى ضمني يقرر سلطة مطلقة للحكومة في إعلان حالة الطوارئ.

وهنا فإنني أرى أن استخلاص أي معنى لا ينبغي أن يتم بمعزل عن النتائج الخطيرة التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ والتي من شأنها أن ترقى في جوهرها التي تعديل الدستور أو إلغائه في أثمن قيمة التي تفرق بين حكم الدستور والحكم الشمولي وهون ما لا يجوز التسليم به إلا بأكثر النصوص صراحة ووضوحاً.

إنه لمن الواضح أن مثار الجدل وقد سلمنا بأن إعلان حالة الطوارئ قد يكون ضرورة تقتضيها بعض الظروف – هو ما هي الجهة الملائمة التي يمكن أن تناط بها مهمة التقرير في قيام دواعيه. ولعل الإجابة التي تتبادر إلى الأذهان قياساً على الأوضاع في كثير من الدول هي أن السلطة التنفيذية هي التي تختص بالأمر تحت الرقابة البرلمانية.

على أن ذلك لا يصلح قياساً سليماً في كل الأحوال وذلك نظراً إلى أنه يفضل أمرين جوهريين هما أولا أن ما يحكم الدول الأخرى مصدرة نصوص دستورية لا يصلح القياس عليها فيما تحكمه نصوص خاصة مختلفة وثانياً أن الدول التي تسند السلطة للحكومة تفعل ذلك وفق ضوابط صارمة تضمن عدم المساس ببعض الحقوق والحريات التي تتمتع بحصانة خاصة كما أن الرقابة البرلمانية فيها موضوعية ولا تقوم على معيار الأغلبية الحزبية وحدها.

ولما كان الأمر كذلك، فإن مؤدى المادة 134من الدستور الانتقالي ينبغي أن يستخلص من المادة نفسها ومن واقع البلاد وفي المقام الأول من الواجب في النأي بالتفسير عما يجعله سنداً لإضفاء سلطة في إهدار قيم الدستور إلا لأسباب جدية.

وعلى هدى من هذا النظر، فإنه من الواضح أن ما تتطلبه المادة 134 من عرض المسألة لاجازة الجمعية التأسيسية يقوم دليلاً قاطعاً على أن الدستور لا يعتبر السلطة سيادية تماما كما أنه لم يشأ أن تكون سلطة تنفيذية بحتة، فهل في النص على عرض المسألة على الجمعية، وربما أجازة الجمعية لها، ما يدل على أن قصد المشرع الدستوري أن تقتصر الرقابة عليها دون غيرها؟

وهنا فإنه مما لا ريب فيه أنه ليس هناك نص صريح يسند مثل هذا المعنى وفي تقديري أن هذا القصد ينتفي لسببين: أولهما الجمعية التأسيسية في الواقع السياسي لا تعدو أن تكون الحكومة ذاتها في صورة أخرى وثانيهما أن إجراءات الطوارئ وفيما ترقى إليه من تعديل في نصوص دستورية لا تقع ضمن اختصاص الجمعية إلا في حدود أغلبية معينة هي ما تنص عليها المادة136 من الدستور الانتقالي. وحتى إذا لم يكن الأمر في مقام تعديل الدستور فإن إعلان الطوارئ بما يترتب عليه إهدار للحقوق يقتضي أغلبية كبيرة ففي دراسة شاملة أجرتها اللجنة الدولية لفقهاء القانون عن سلطات الطوارئ في دول العالم وأصدرت بها تقريراً باسم States of Emergency-Their Impact on Human Rights. ونشرت في عام 1983م كانت توصيتها رقم 3 هي أن تكون إجازة إعلان الطوارئ بأغلبية إضافية. Endanced majority

وتأسيسا على ما تقدم، فإن إجازة الجمعية التأسيسية لأمر إعلان وإجراءات الطوارئ لا تقوم في تقديري سندا للقول بعدم وجود وسيلة أخرى للرقابة.

والسؤال هو ما إذا كان موضوع الطوارئ يصلح للرقابة القضائية؟

وفي الإجابة على هذا السؤال ينبغي الرجوع إلى نص المادة 134 نفسها إذ أن ذلك النص وفيما ذكرت آنفاً، هو أساس السلطة وحدودها. تنص المادة في بندها الأول على ما يلي:-

1- يجوز لرأس الدولة بالتشاور مع مجلس الوزراء إذا قام خطر حال وجسيم يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو أي جزء منه أو يهدد اقتصاده أن يعلن حالة الطوارئ...الخ.

ويبين جليا من هذا النص أنه لا يضفي سلطة على رأس الدولة في تقديري الظروف التي قد تقتضي إعلان حالة الطوارئ وإنما تشير إلى قيام تلك الظروف كمسألة مستقلة عن سلطة إعلان الحالة. وبمعنى أدق فإن قيام الأسباب تحكمه معايير موضوعية ولا يخضع للتقدير الذاتي لرأس الدولة أو أية جهة أخرى.وبالنظر إلى تلك الأسباب في تفاصيلها يبين أيضاً أنها من الأمور التي لا تحتمل بطبيعتها اختلاف وجهات النظر فالخطر الحال والجسيم الذي يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يهدد اقتصاده لا يكون سرا من أسرار الدولة وإنما يكون ظاهرا للعيان يحس به كل مواطن أيا كان مستوى وعيه وشعوره الوطني. فإذا كان هناك طعن بأن الأسباب التي أعلنت بها حالة الطوارئ لا تتسق مع الأسباب التي علق عليها الدستور الانتقالي سلطة إعلان تلك الحالة، فإن جهة ما غير الحكومة التي أعلنتها والجمعية التأسيسية التي أجازتها تصبح مختصة في نظر مثل هذا الطعن. ولعلني لست في حاجة إلى القول بأن تلكم الجهة هي المحكمة العليا وحدها، لا بحكم أن القضاء هو المناط به الفصل في المنازعات، وإنما أيضا لأن المحكمة العليا هي حارسة الدستور والمناط بها تفسير الدستور والنظر في الطعون والمسائل الدستورية وحماية الحقوق وذلك طبقاً لصريح نص المادة 125 من الدستور الانتقالي.

وهذا الوضع الدستوري الصريح ليس بدعة، إذ نجد له مثيلاً في ممارسات بعض الدول ككولمبيا حيث تختص المحكمة العليا في الرقابة على سلامة مقتضيات إعلان حالة الطوارئ كما أن محكمة المجموعة الأوربية أعلنت اختصاصها في مراجعة أسباب إعلان حالة الطوارئ في أية دولة عضو في المجموعة الأوربية (أنظر The lawless case والكاتبين Human Rights in Europe. A. H. Robertson الطبعة الثانية (مطبعة جامعة مانشستر للنشر ص 110 – الخ وما تليها من صفحات وكتاب The European Convention on Human Rights by Frencis Y. Jacobs

مطبعة اكسفورد للنشر ص 204-209

ويلاحظ أن المحكمة الأوربية تقرر بهذه الصورة في مسألة قد تعتبر من مسائل السيادة بالنسبة للدولة العضو.

وبالنسبة لماليزيا قررت محكمة اللوردات (المجلس الخاص) في قضية The Cheng poh. Public Prosscutory of Malaysia 1980 A. C. 454 أو قرار الأمير (أو الحاكم) في إعلان قيام ظروف أمنية (مشابهة للظروف الموجبة للطوارئ عندما تبيح سريان قانون يهدر الحقوق والحريات) خاضع لرقابة المحكمة.

وبعد فإن ما يبرر مراجعة أسباب إعلان حالة الطوارئ أنها تؤدي إلى تكريس السلطات التنفيذية وأيضاً وجدت السلطة كأن هناك مجال لإساءة استعمالها وعلى ذلك فإن منحها لابد أن يتم في حدود مقتضياتها وعليه فإنه من رأيي أن تصرح هذه العريضة وأن يتم النظر فيما تثيره من طعن في أسباب إعلان حالة الطوارئ.




المواضيع المتشابهه: