العيوب الشكلية والعيوب الموضوعية في الشيك
والحالات التي تنتفي فيها المسئولية الجنائية عن ساحب
الشيك (شيك الاتمان)


المقدمة:
إن
الشيك في القانون والفقه أداة وفاء بالدرجة الأولى تجري مجرى النقود في التعامل وأن موضوع الشيك بصفة عامة عالجه الفقه الجنائي وفق نصوص قانون العقوبات وأيضاً وفق نصوص القانون التجاري باعتباره صكاً جنائياً بحتاً ومن ثم لم يتوسع في التفسير والبحث والتأصيل والخوض في أعماق سبب تحريره، ولقد استقر الفقه الجنائي على أنه لا يعتد بالسبب المؤدي إلى ارتكاب الجريمة لأنه من قبيل البواعث التي لا تؤثر في قيام الجريمة والعقاب.

عيوب الشيك

أولاً:
العيوب الشكلية التي تصيب الشيك:
وهي عديدة وأساسها الفاصل هو أن يكون العيب شاملاً الصك أو الورقة في ذاتها وتشمل تلك العيوب:

1-الشيك الذي يحمل تاريخيين.
2-خلو
الشيك من توقيع الساحب.
3-خلو
الشيك من الأمر بالدفع.
4-عدم كفاية الصك بذاته لأن يكون شيكاً.
5-تزوير
الشيك في أي من بياناته وخاصة التوقيع.
6-صورية التاريخ في الشيك.
7-الخلو من بيان مكان سحب الشيك.
8-خلو
الشيك من اسم المستفيد أو المبلغ أو التوقيع على بياض.

ثانياً:
العيوب الموضوعية التي تصيب الشيك:

وهي تلك التي تستند أساً إلى أوجه العوار غير
الشكلية السابق ذكرها ولذلك فهي عديدة ومتنوعة مثل:

1.انقضاء الدعوى الجنائية في
الشيك سواء بمضي المدة أو الوفاة.
2.عدم جواز النظر في الدعوى لسبق الفصل فيها.
3.الأحكام المتعلقة بالوكالة في الشيك.
4.الأحكام المتعلقة بعدم توافر الارتباط في الشيكات عند المحاكمة عن عدة شيكات.
5.أحكام عدم الاختصاص في الشيك.
6.جميع الأحكام المخالفة لقواعد البطلان في الأحكام.
7.حالات السداد اللاحق أو السابق لقيمة الشيك.
8.حالات علم المستفيد بعدم وجود رصيد من عدمه.
9.الأحكام المتصلة بالاشتراك في الجريمة عند إصدار
الشيك من أكثر من ساحب.
10.تحرير
الشيك بالإكراه.
11.تحصل
الشيك عن جريمة سواء بالضياع أو السرقة أو الإفلاس.
12.انتفاء القصد الجنائي .
13.تحرير
الشيك لسبب مشروع أو غير مشروع.

القصد الجنائي المطلوب في جرائم الشيك

إن القصد الجنائي المطلوب لقيام تلك الجريمة هو القصد الجنائي العام ويتم بمجرد توافر العلم من الجاني والعبء في إثباته يقع على عاتق النيابة العامة ويكفي في ذلك إثبات قيام الدليل على وجود إحدى الصور المنصوص عليها قانوناً ولكن هذا لا ينفي أنه بمقدور الساحب أن يقيم الدليل على انتفاء القصد الجنائي لديه أي حسن نيته إعمالاً للقواعد العامة في الإثبات متبعاً أي دليل يراه موصلاً إلى تلك الغاية دون التقييد بقاعدة معينة ويترتب على إثبات حسن النية انتفاء المسئولية الجنائية.

يمكن أن نميز من خلال التطبيق العلي بين نوعين من الشيكان درج العمل على تسميتها بشيكات الضمان وشيكات الوديعة.
إن شيكات الضمان لا تثار إلا بصدد موضوع سبب إصدار
الشيك أو الباعث على إصداره.
إما شيكات الوديعة فتختلف اختلافاً تاماً عن شيكات الضمان وأساس ذلك أنها ترتد إلى طائفة أخرى من الشيكات التي تعتمد أساسً على محاولات نفي الإرادة هذه الإرادة المقصود بها إرادة أطلاق
الشيك ي التداول على أساس انتفاء الركن المادي في جريمة إصدار شيك بدون رصيد الذي يعتمد في الأصل على أساس جوهري هو إرادة التخلي على حيازة الشيكللمستفيد وإطلاقه في التداول.
من هنا ظهر في العمل ما سمي شيك الوديعة الذي يعني أن الساحب قد قام بتسليم
الشيكإلى شخص آخر سواء أكان غير المستفيد وفي بعض الحالات المستفيد –كما لو كان مصرفاً على سبيل المثال- ليس بهدف صرفه وإطلاقه في التداول بل بهدف أن يودع على سبيل الأمانة لديه وبالتالي فإنه إذا تصرف المودع لديه في الشيك دون إذن من الساحب يكون قد ارتكب جريمة خيانة الأمانة.
من هنا نجد أن شيكات الوديعة ترتد أساساً إلى عيب يمتد إلى الركن المادي للجريمة حيث أن نية إطلاق
الشيك في التداول لم تكن متوفرة ومن ثم فإن إرادة التخلي عن الحيازة النهائية للشيك – وإن تخلى بإرادته- لم تكن متوفرة ومن ثم يرتبط بالإرادة وأيضاً بالقصد الجنائي وهذا يختلف عن شيكات الضمان التي تعتمد أساساً على العيوب التي تنجم عن سبب إصدار الشيك ولا شك أنه يوجد اختلاف كبير بين سبب إصدار الشيك والقصد الجنائي لتحرير الشيك والإرادة لتحريره.
إن شيك الوديعة قد يجتمع بشيك الضمان في الحالة التي يكون أحد البنوك طرفاً فيها ومستفيداً عندما يصدر البنك شيكاً مسحوباً على البنك من احد العملاء فهنا قد يدفع العميل بأن
الشيك قد تم تسليمه للبنك على سبيل الأمانة كوديعة وأنه إنما حرر هذا الشيك كأداة ضمان وليس أداة وفاء.
ومفاد شيك الوديعة أن المتهم عندما يصدر
الشيك تكون إرادته معيبة وإذا كان المتهم قد تخلى عن حيازته لذلك الشيك فإن هذا التخلي عن الشيك لم يكن نهائياً ولا بنية إطلاقه في التداول ومن ثم لا تنعطف على هذا الشيك الحماية الجنائية المقررة في قانون العقوبات وذلك لانهيار فعل الإعطاء للشيك الذي هو الأساس وجوهر الركن المادي في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.
ويثبت فعل الإعطاء بوجود
الشيك في حيازة المستفيد ولكن هذا الوجود يعد قرينة نسبية على المناولة أو التسليم ويستطيع الساحب أن يثبت عكسها بكافة طرق الإثبات كأن يثبت مثلاً أن الشيك قد سرق منه أو كان تحت يد المستفيد بصفة أمانة وأن نيته لم تتجه إلى التخلي نهائياً عن حيازته له وأساس ذلك أن إعطاء الشيك وتسليمه للمستفيد على سبيل الأمانة إنما قصد به حفظ الشيك وعدم التنازل عن حيازته حيازة كاملة.

إن
الشيك ومن الواقع القانوني يمكن أن يتحول إلى ورقة معيبة من الناحية الجنائية ويفقد تبعاً لذلك صفته التجريميه ويكون الساحب بمنأى عن العقاب ومن الناحية العملية فأن تلكالعيوب التي تصيب الشيك تحوله إلى ورقة معيبة وتتحدد به المسائلة فقط من الناحية المدنية أو التجارية ولكن الساحب ينجو من المساءلة الجنائية وينقلب بذلك الشيك إلى شيك ائتمان ويمكن أن نلخص تلك الحالات كالتالي:
1-إذا حمل
الشيك تاريخيين.
2-عدم كفاية المحرر بذاته لأن يكون شيكاً.
3-خلو
الشيك من الأمر بالدفع لدى الإطلاع.
4-خلو
الشيك من توقيع الساحب.
5-خلو
الشيك من المبلغ أو عدم تحديد المبلغ أو تحديده تحدياً غير كاف.
6-الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه.
7-الجمع بين صفتي المستفيد والساحب.
8-الجمع بين صفتي الساحب والمسحوب عليه.

ومن ناحية أخرى فإن شيك الائتمان يعتمد أساساً على توافر أحد
العيوب الشكلية التي تصيب الصك بالعور ولكن شيك الضمان يختلف عما سبق تماماً حيث أنه يعتمد أساسً على سبب إصدار الشيك والباعث على إصداره حيث أن السبب في إصدار شيك الضمان أن الساحب أصدره لسبب أحد العمليات التجارية على سبيل الضمان.

أولاً:
الشيك الذي يحمل تاريخيين:
إن
الشيك الذي يحمل تاريخيين هو من أبرز حالات تحول شيك الوفاء إلى شيك ائتمان وذلك لأن الأصل هو أن الشيك لا يحمل ألا تاريخ واحد فقط وبالتالي يكون أداة وفاء يجري مجرى النقود في المعاملات أما إذا حمل تاريخيين فأنه يتحول بذلك إلى أداة ائتمان ويفقد الناحية الجنائية والمسؤولية الجنائية عنه لأن الشيك قد أصبح ذا صفة تجاريه أو مدنيه.
وأنه من المقرر أن الدفع بأن
الشيك يحمل تاريخيين هو من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.

ثانياً: عدم كفاية المحرر بذاته لأن يكون شيكاً:

إن تدوين
الشيك يعتبر صلب المحرر وأساسه وذلك لأن القانون لا يعرف شيكاً شفوياً لذلك فأن الشيك المدون هو أساس الالتزام بما يحتويه ولا يشترط أن يكون التوقيع باللغة التي دون بها الشيك ويجوز أن يتخذ الشيك صورة برقية ولا يشترط أن يحرر الشيك على النموذج الذي أعده البنك لذلك.

ثالثاً: خلو
الشيك من الأمر بالدفع:

إن جوهر
الشيك انه أمر بالدفع صادر من الساحب إلى المسحوب عليه لمصلحة المستفيد فإذا لم يتضمن هذا الأمر فلا التزام يحمله المسحوب عليه تجاه المستفيد إذ لا علاقة بينهما سابقة على الشيك تصلح سببا لمثل هذا الالتزام ولذلك فإن خلو الشيك من الأمر بالدفع لدى الإطلاع يبطله ويجعله يفقد صفته الجنائية ولا يعد شيكاً ويصبح بالتالي أداة ائتمان لا أداة وفاء.
وإن الدفع بخلو
الشيك من الأمر بالدفع هو من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحتى يحقق
الشيك الغاية منه يجب أن يكون الأمر بالدفع منجزاً أي غير معلق على شرط سواء أكان واقفاً أو فاسخاً لأن هذا التعليق من شأنه عدم الوفاء بقيمة الشيك إلا عند تحقق الشرط وهو ما ينافي طبيعة هذا الصك.

رابعاً: خلو
الشيك من توقيع الساحب:

إذا خلا
الشيك من توقيع الساحب يعتبر ورقة لا قيمة لها ولا يؤبه بها في التعامل على الإطلاق وذلك لأن توقيع الساحب يعتبر من البيانات اللازمة في الشيك فعدم توقيع الساحب على الشيك يترتب عليه بطلانه وهو بذلك لا يصلح أن يكون أداة وفاء أو أداة ائتمان وأنه من المستقر فقهاً وقضاءً أنه إذا خلا السند من توقيع الساحب بطل الالتزام الوارد فيه لتخلف ركن الرضا.
ولكن إذا ثبت أن
الشيك مكتوب بخط الساحب جاز اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يكمل بالبينة والقرائن كما هو مبين في القانون المدني.

خامساً: خلو
الشيك من المبلغ أو عدم تحديد المبلغ أو تحديده تحدياً غير كاف:

إن خلو
الشيك من المبلغ المراد صرفه يجعله ورقة غير قابلة للصرف وبالتالي فإنها تنقلب ليس فقط من أداة وفاء إلى أداة ائتمان بل أنها تنحدر إلى ورقة لا أساس لها في التعامل إلا إذا قام المستفيد بملء المبلغ المدون على بياض بعد ذلك.
فإذا قام المتهم بالدفع بأنه إنما قام بالتوقيع على
الشيك خالياً من المبلغ وأن المبلغ المدون به يفوق المبلغ المتفق عليه لا يقبل هذا الدفع لأن المتهم إنما فوض المستفيد في وضع المبلغ الذي يريده من خلال تركه للشيك على بياض.

سادساً: الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه:

يجب أن يتم تحدي اسم المسحوب عليه تحديداً كاملاً نافياً للجهالة فإذا لم يتم هذا التحديد فإن الصك يفقد صفته كشيك.
وأن الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه في صك واحد قد يترتب عليه فقد
الشيكصفته واعتباره مجرد تأمين تجاري ويكون الشيك بذلك قد فقد الشكل الثلاثي اللازم فيه وتنتفي عنه الصفة الجنائية.
لما كان الأصل أن فعل الإعطاء يتحقق بطرح
الشيك في التداول أي بوصول الشيك إلى المستفيد فأنه تطبيقاً لذلك وفي هذه الصورة إذا لم يتم إطلاق الشيك في التداول ثم لا تقوم الجريمة أي أن الجمع بين صفتي الساحب والمستفيد تفقد الورقة صفتها الجنائية وتتحول إلى أداة ائتمان فقط.
ومثال ذلك قيام البنك بإلزام العميل أو المقترض على تحرير شيك لصالحة بمبلغ يفوق قيمة القرض وهذه الشيكات وفق ما نرى لا تعد شيكا بالمعنى القانوني حيث لا تتضمن أشخاص
الشيك وهم الساحب والمسحوب عليه والمستفيد ولا يعد إصدارها بدون رصيد جريمة وفقا لنص قانون العقوبات هذا بالإضافة إلى علم البنك بعدم وجود رصيد لهذه الشيكات وسوء النية في قبول مثل هذه الشيكات. وقد تعد مثل هذه الأوراق التي يستكتب البك عملائه إياها من قبيل أوراق الضمان حيث لا يعد الصك أداة وفاء وهي الوظيفة الوحيدة للشيك إذا اثبت ذلك صاحب المصلحة بكافة طرق الإثبات.

سابعاً: الجمع بين صفتي المستفيد والساحب:

المستفيد هو الشخص الذي يحرر
الشيك لمصلحته وقد يكون شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً وقد جرى العرف على أن يصدر الشيك بإحدى الصور الثلاث (شخص معين – لأمر شخص معين – لحامله).

ثامناً: الجمع بين صفتي الساحب و المسحوب عليه:

لا يجوز سحب
الشيك على الساحب نفسه ذلك أن من شروط الشيك أن يتضمن أمراً بالدفع مما يتعذر أن يكون الساحب شخصاً غير المسحوب عليه فإذا كان الشيك مسحوباً على ذات الساحب فقد صفته وأصبح سنداً أذنياً يتعهد فيه محرر الصك بالوفاء ولا ينطوي على أمر بالوفاء وبالتالي تنتفي فكرة الشيك لأنه لم يعد ثمة أمر بالدفع وإنما صارت الورقة تحمل تعهداً بالدفع.


المواضيع المتشابهه: