طعن رقم 67 لسنة 22 القضائية
صادر بتاريخ 13/2 / 2002 ( مدني )
هيئة المحكمة : الرئيس عبد الوهاب عبدول والمستشاران محمد عبد القادر السلطي وصلاح محمود عويس .
1- الآثار المترتبة على حجية الحكم الصادر في دعوى متحدة مع اخرى من حيث الخصوم والموضوع والسبب.
2- عدم صحة الحكم القاضي برد الدفع بحجية الحكم النهائي الصادر سابقاً في دعوى المطالبة بالحقوق العمالية الناتجة عن عقد العمل المبرم بين العامل والمؤسسة في الدعوى الماثلة والمتضمنة مطالبة العامل بأجوره ومكافأة نهاية خدمته وبدل الإنذار عن فصله تعسيفاً.
3- التزام كلٍّ من صاحب العمل والعامل قبل رفع الدعوى بتقديم طلب تسوية النزاع المتعلق بحق ناشئ عن عقد العمل أو قانون العمل الى دائرة العمل المختصة مع التزام المحكمة بردّ الدعوى من تلقاء نفسها في حال عدم الالتزام بهذا الإجراء كونه من النظام العام.
4- شروط تقديم صاحب العمل أو العامل طلباً عارضاً أو دعوى متقابلة للمطالبة بحقوقه العمالية والآثار المترتبة على عدم الالتزام بهذه الشروط أو إختلاف السبب القانوني بين الدعوى الأصلية والدعوى المتقابلة.
5- عدم صحة الحكم القاضي برفض طلب العامل المقاصة بين حقوقه في الدعوى العمالية المتقابلة لعدم اللجوء مسبقاً الى دائرة العمل المختصة.
6- سلطة محكمة الموضوع في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الادلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها والاخذ بتقرير الخبير بعد اقتناعها بصحته.
7- عدم صحة الحكم القاضي بإلزام صاحب العمل بتسديد مستحقات العامل لديه من أجور ومكافأة نهاية خدمته إستناداً الى تقرير الخبير المنتدب رغم عدم دقته وزيادته بعض المبالغ على مجموع هذه المستحقات دون إثباتها بأي دليل.
ملخص المكتب الفني للمحكمة الاتحادية العليا
( 1 ) حكم " حجيته ". قوة الأمر المقضي . دفوع " عدم جواز نظر الدعوى ". محكمة الموضوع . عمل .
اتحاد الموضوع والخصوم والسبب بين الدعويين – الحكم الصادر في إحداها يمنع من نظر الأخرى التزاما بحجية ذلك الحكم . مؤدى ذلك – التزام محكمة الموضوع أن تتحقق من توافر موجبات الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها . مخالفة ذلك – قصور مبطل . مثال : في دعوى عمل .
( 2 ) عمل ” دعوى العمل ". إجراءات ” التقاضي ". نظام عام . وكالة . مقاصة .
مطالبة العامل أو صاحب العمل أيهما للآخر بحقوق ناشئة عن عقد العمل أو أحكام ق . العمل – توجب الالتجاء أولا وقبل رفع الدعوى إلى دائرة العمل المختصة لتسوية النزاع بالطرق الودية وإلا أحالته إلى المحكمة المختصة للفصل فيه . رفع الدعوى مباشرة دون اللجوء إلى هذا الطريق – يلزم المحكمة أن تقضي بعدم قبولها لتعلق ذلك بالنظام العام ما لم تكن قد رفعت بطريق الطلب العارض في دعوى أقامها الطرف الآخر سنداً لحقوق ناشئة عن عقد العمل . استناد الدعوى الأصلية إلى سند آخر خلاف عقد العمل كعقد الوكالة بإسناد إدارة العمل في المؤسسة إلى مَنْ يديرها – لا يجيز للطرف الآخر سلوك طريق ا لطلب العارض مباشرة قبل اللجوء إلى دائرة العمل وإلا كان الطلب العارض غير مقبول . مثال : في طلب المقاصة عن حق عمالي لم يلجأ بشأنها لدائرة العمل .
( 3 ) محكمة الموضوع " سلطتها ". إثبات ” تقدير الأدلة ". خبرة ” تقدير عمل الخبير ". وكالة .
سلطة محكمة الموضوع في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات فيها والموازنة والترجيح بينها ومنها تقرير الخبير إذا اقتنعت بصحة ما جاء به واعتباره مكملاً لأسباب حكمها . شرطه – أن تكون أسبابه مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها بحيث يصلح رداً على دفاع الخصوم واعتراضاتهم أو تكون المحكمة قد تكفلت بالرد عليها في حكمها بأسباب سائغة . مثال : في دعوى محاسبة مقامة على الوكيل شاب الحكم فيها القصور .
1 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه متى توفر اتحاد الخصوم والموضوع والسبب بين دعويين فإن الحكم الصادر أولاً في إحداهما يحوز الحجية في الدعوى الأخرى بما يمنع نظرها التزاماً بحجية ذلك الحكم ومن ثم ينبغي على محكمة الموضوع إذا قدم إليها الدفع بتلك الحجية أن تتحقق من توافر موجبات قبول الدفع أو رفضه بحيث يبين من تقريرات حكمها أنها قد أحاطت بكل عناصر الدفع الواقعية وإلا شاب حكمها قصور مبطل .
2 - إن مؤدى نص المادة السادسة من قانون العمل رقم 8 لسنة 1980 – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه ينبغي على أي من العامل أو صاحب العمل إذا طالب أحدهما الآخر بأي حق ناشئ عن عقد أو قانون العمل ، أن يتقدم بطلب بذلك إلى دائرة العمل المختصة التي تتولى الفصل في المنازعة بتسويته ودياً بعد استدعاء الطرفين وإذا لم تتمكن من ذلك خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب إليها ، تعين عليها أن تحيل النزاع إلى المحكمة المختصة فإذا رفعت الدعوى بغير أن يسبقها ذلك الإجراء قضت المحكمة ولو من تلقاء نفسها بعدم قبولها لتعلق ذلك الشرط من شروط قبول الدعوى بالنظام العام وفي جميع الأحوال لا تسمع الدعوى بتلك الحقوق بعد مضي سنة من تاريخ استحقاقها أما إذا أقيمت الدعوى وفق هذا الطريق الذي رسمه المشرع فيجوز للطرف الآخر أن يتقدم بطلبه بحق من الحقوق العمالية بطريق الطلب العارض أو الدعوى المتقابلة ما دامت مرتبطة بالطلب في الدعوى الأصلية والتي تتضمن حقاً من الحقوق العمالية وأقيمت وفق الطريق سالف البيان . أما إذا كانت الدعوى الأصلية تقوم على طلب سببه القانوني عقد آخر غير عقد العمل أو قانون آخر غير قانون العمل فإن تقدم الطرف الآخر في الدعوى سواء كان ا لعامل أو صاحب العمل بطلب عارض أو دعوى متقابلة بحق من الحقوق العمالية دون أن يسبقه بطلب إلى دائرة العمل المختصة يكون غير مقبول وأساس ذلك أنه في الحالة الأولى تكون الغاية من الإجراء قد تحققت وذلك بعرض النزاع من أي من طرفي عقد العمل على دائرة العمل التي لم تنجح في التوفيق بينهما فأحالته إلى المحكمة المختصة مما لا موجب معه أن يرجع الطرف الآخر إلى تلك الدائرة إذا كان موضوع الطلب العارض أو الدعوى المتقابلة ناشئاً عن ذات العقد ، أما في الحالة الثانية ، حالة إذا لم يسبق الدعوى الأصلية بطلب إلى دائرة العمل أو كان الطلب فيها مؤسساً على سبب قانوني آخر ، فإن الغاية لم تتحقق وفق ما سلف مما يوجب عدم قبول الطلب أو الدعوى المتقابلة .
3 - إنه وإن كان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي بحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها واستخلاص ما تطمئن إليه منها ولها أن تأخذ بتقرير الخبير إذا اقتنعت بصحة ما جاء به ولها أن تحيل إليه فيعتبر جزءا من أسباب حكمها . أما إذا أخذت به وكانت أسبابه لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها بحيث لا تصلح رداً على دفاع الخصوم واعتراضاتهم عليه ولم تضمن أسباب حكمها رداً على ذلك بأسباب سائغة تكفي لحمل قضائه ، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور .
المحكمة ،
بعد الإطلاع على الأوراق ، وتلاوة تقرير التلخيص وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن شركة .... التجارية ويمثلها الطاعن –.......... – أقامت الدعوى 273/94 مدني كلي أبوظبي على المطعون ضده بطلب الحكم بإلزامه أن يدفع لها مبلغ /- 2.815.027.59 درهماً . وقالت شرحاً لها إن المطعون ضده التحق بالعمل كمدير للشركة سالفة البيان من 1/10/84 كما أصدر له الطاعن توكيلا أطلق به يده في إدارة الشركة من كافة نواحيها وإزاء تدني مواردها واستغراق الديون لها فقد كلف الطاعن أحد مكاتب التدقيق لمراجعة حسابات الشركة وأظهر التقرير المقدم من ذلك المكتب أن المطعون ضده مدين للشركة بالمبلغ المطالب به لذلك أقام الدعوى . أقام المطعون ضده دعوى متقابلة ضد الطاعن بطلب الحكم بإلزامه أن يدفع له 1.812.971.37 درهماً قيمة مستحقاته من عمله كمدير للشركة المملوكة للطاعن وذلك مقابل أجر شهري مقداره عشرة آلاف درهم ونسبة 40 % من الأرباح . ندبت محكمة أول درجة خبيراً بعد أن سبق أن ندبت لجنة خبراء وقدمت تقريرها ، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت بتاريخ 25/2 / 97 في الدعوى الأصلية برفضها وفي الدعوى المتقابلة بإلزام ( مؤسسة .... للتجارة ويمثل الشركة صاحبها ...)) بأن يدفع للمدعي تقابلاً مبلغ 1.925.897.18 درهماً . استأنف الطاعن ذلك القضاء بالاستئناف رقم 237 لسنة 97 لدى محكمة استئناف أبوظبي التي قضت بتاريخ 29/9 / 99 بتعديل الحكم المستأنف بجعل المبلغ المقضي به 699.580.37 درهماً . طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن الماثل .
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الإستدلال . وفي بيان ذلك يقول إنه دفع بحجية الحكم الصادر في الدعوى رقم 36 لسنة 93 عمال كلي أبوظبي الذي أصبح نهائياً بمقتضى الحكم الصادر في الاستئنافين رقمي 825 ، 939 لسنة 94 على أساس أن الدعوى أقيمت من المطعون ضده ضد الطاعن بالمطالبة بحقوقه العمالية التي نشأت عن عقد العمل المبرم بينهما مما مؤداه أنه لا يقبل من المطعون ضده أن يطالب في الدعوى الماثلة بأجور عمله ومكافأة نهاية خدمته وبدل الإنذار وهي ذات الحقوق التي سبق الفصل فيها في الدعوى السابقة ، غير أن الحكم المطعون فيه رفض ذلك الدفع بمقولة اختلاف موضوع الدعويين لاختلاف الفترة المطالب بها عنها برغم أن المطعون ضده لم يعمل لدى الطاعن سوى فترة واحدة وأن مطالبته بمكافأة نهاية الخدمة وبدل إنذار عن فصله تعسفياً قرينة على أن الدعوى الأولى رقم 36 لسنة 93 قد تضمن موضوعها كل ما يدعيه المطعون ضده من حقوق عمالية خاصة وأنه لم يتقدم بدعواه المتقابلة إلا بعد أن قدم الخبير تقريره في الدعوى السابقة بتلك الأسباب القاصرة ، مما يكون معه الحكم فضلاً عن قصوره في التسبيب وفساده في الإستدلال قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ، ذلك أنه لما كان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه متى توفر اتحاد الخصوم والموضوع والسبب بين دعويين فإن الحكم الصادر أولاً في إحداهما يحوز الحجية في الدعوى الأخرى بما يمنع نظرها التزاماً بحجية ذلك الحكم ، ومن ثم ينبغي على محكمة الموضوع إذا قدم إليها الدفع بتلك الحجية أن تتحقق من توافر موجبات قبول الدفع أو رفضه بحيث يبين من تقريرات حكمها أنها قد أحاطت بكل عناصر الدفع الواقعية وإلا شاب حكمها قصور مبطل .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رفض الدفع المبدى من الطاعن بحجية الحكم الصادر في الدعوى رقم 36 لسنة 93 عمال كلي أبوظبي بالنسبة لما طلبه المطعون ضده في الدعوى المتقابلة من حقوق عمالية . على ما أثبته بتقريراته من أنه (( ليس في حساب الخبراء حقوق المدعي تقابلاً – المطعون ضده – رواتبه وحقوقه العمالية بين ما حسبوه له من مبالغ قبضها وصرفها في إدارة المؤسسة ... وأخذ الحكم المستأنف بذلك - أي خطأ . إذ ليس فيه مساس بحجية الحكم الصادر في الدعوى العمالية لاختلاف موضوع الدعويين فموضوع الدعوى العمالية كما يتضح من تدقيق الحكم الصادر فيها هو حقوق المدعي ....... عن فترة توقيفه عن العمل منذ أن كف المدعي الأصلي ........ – الطاعن – يده عن العمل يضاف إلى ذلك مكافأة نهاية الخدمة ؛ والخبراء في الدعوى الحالية إنما حسبوا لـ ........... رواتبه وحقوقه منذ 1987 حتى تاريخ كف يده عن العمل ولم يحسبوا له أي مكافأة نهاية خدمة ، وبذلك فإن الموضوع في كل من الدعويين مختلف عنه في الأخرى ووحدة الموضوع شرط لحجية الحكم " ؛ وإذ كان الثابت من تقرير لجنة الخبراء الذي قدم أمام محكمة أول درجة أن اللجنة أدخلت في حساب مستحقات المطعون ضده رواتبه التي لم يستلمها طوال مدة خدمته ضمن المبلغ الذي قررت أنه مستحق له نهائياً وهو مبلغ 1.925.897.18 درهماً والذي قضى به الحكم الصادر عن محكمة أول درجة ، وكان الثابت من تقرير الخبير الذي ندبته محكمة الاستئناف والذي أودعه لديها بتاريخ 9/3 / 99 أنه انتهى إلى تخفيض المبلغ إلى
/ درهماً ولم يرد ضمن المبالغ التي خصمها ما يخص مستحقات عمالية للمطعون ضده برغم أن الثابت من تقريرات الحكم في الدعوى العمالية التي أشار إليها الحكم المطعون فيه والمدفوع بحجيته أن المطعون ضده طلب فيها حقوقه العمالية عن الفترة من 28/9 / 91 حتى 27/10/93 من أجر وبدل إنذار ومكافأة نهاية الخدمة ، وبدل السكن من 31/10/91 حتى شهراً من تاريخ استلامه مستحقاته ، وبدل سيارة من 6/10/91 حتى تاريخ رفع الدعوى ، وثبت بتقرير اللجنة الثلاثية أنها حسبت للمطعون ضده ضمن إجمالي المستحق له بدل إيجار سكنه عن الفترة التالية لشهر نوفمبر لسنة 1987م بواقع 60 ألف درهم شهرياً والسنوات التالية دون أن يبين من تقريرات الحكم أنه محَّص ذلك التقرير لبيانه ما إذا كانت تلك الفترة شملت ما بعد 28/9 / 91 موضوع الطلب في الدعوى رقم 36 لسنة 93 فضلاً عن أنه لم يبين بتقريراته مدلول ما ورد بتقرير لجنة الخبراء من حساب رواتب المطعون ضده التي لم يثبت استلامه لها من المؤسسة ملك الطاعن طول مدة خدمته والمبلغ الذي احتسبته اللجنة وما إذا كان ذلك قد امتد إلى فترة الدعوى العمالية السالف بيانها ، مما يعجز هذه المحكمة عن رقابة قضاء الحكم في صدد الدفع المشار إليه ، بما مؤداه أن الحكم فضلا عن قصوره في التسبيب قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه .
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني من أسباب الطعن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ، وفي بيان ذلك يقول إنه دفع بعدم قبول الدعوى المتقابلة بالنسبة لطلب حقوق المطعون ضده العمالية لأن المشرع رسم طريقاً للمطالبة بتلك الحقوق فأوجب تقديم طلب بها إلى مكتب العمل المختص كشرط لقبول الدعوى بها وأن يطالب بها خلال سنة من تاريخ استحقاقها وذلك عملاً بنص المادة السادسة من قانون العمل وسواء أقيمت الدعوى أصلا أم قدمت كدعوى متقابلة وسواء أقامها العامل أو صاحب العمل وذلك باعتبار أن هذه الإجراءات من النظام العام ، غير أن الحكم المطعون فيه رفض ذلك الدفع بمقولة إن المطعون ضده لم يرفع الدعوى ضد الطاعن صاحب العمل بطلب حقوقه العمالية ابتداءً وإنما طلب تحديد تلك الحقوق وطرحها من المبالغ التي يثبت أنها مستحقة للطاعن في ذمته وهذه أسباب قاصرة لأن مؤداها أنه يمكن للعامل أو صاحب العمل أن يعطل إعمال تلك القاعدة الآمرة بطريق الدعوى المتقابلة وعلى خلاف القانون ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه فضلاً عن قصوره في التسبيب قد شابه الفساد في الاستدلال وخالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ، ذلك أنه لما كان مؤدى نص المادة السادسة من قانون العمل رقم 8 لسنة 1980 – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه ينبغي على أي من العامل أو صاحب العمل إذا طالب أحدهما الآخر بأي حق ناشئ عن عقد أو قانون العمل ، أن يتقدم بطلب بذلك إلى دائرة العمل المختصة التي تتولى الفصل في المنازعة بتسويته ودياً بعد استدعاء الطرفين وإذا لم تتمكن من ذلك خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب إليها ، تعين عليها أن تحيل النزاع إلى المحكمة المختصة فإذا رفعت الدعوى بغير أن يسبقها ذلك الإجراء قضت المحكمة ولو من تلقاء نفسها بعدم قبولها لتعلق ذلك الشرط من شروط قبول الدعوى بالنظام العام وفي جميع الأحوال لا تسمع الدعوى بتلك الحقوق بعد مضي سنة من تاريخ استحقاقها ،
أما إذا أقيمت الدعوى وفق هذا الطريق الذي رسمه المشرع فيجوز للطرف الآخر أن يتقدم بطلبه بحق من الحقوق العمالية بطريق الطلب العارض أو الدعوى المتقابلة ما دامت مرتبطة بالطلب في الدعوى الأصلية والذي تضمن حقاً من الحقوق العمالية وأقيمت وفق الطريق سالف البيان . أما إذا كانت الدعوى الأصلية تقوم على طلب سببه القانوني عقد آخر غير عقد العمل أو قانون آخر غير قانون العمل فإن تقدم الطرف الآخر في الدعوى سواء كان العامل أو صاحب العمل بطلب عارض أو دعوى متقابلة بحق من الحقوق العمالية دون أن يسبقه بطلب إلى دائرة العمل المختصة يكون غير مقبول ؛ وأساس ذلك أنه في الحالة الأولى تكون الغاية من الإجراء قد تحققت وذلك بعرض النزاع من أي من طرفي عقد العمل على دائرة العمل التي لم تنجح في التوفيق بينهما فأحالته إلى المحكمة المختصة مما لا موجب معه أن يرجع الطرف الآخر إلى تلك الدائرة إذا كان موضوع الطلب العارض أو الدعوى المتقابلة ناشئاً عن ذات العقد ، أما في الحالة الثانية ، حالة إذا لم يسبق الدعوى الأصلية بطلب إلى دائرة العمل أو كان الطلب فيها مؤسساً على سبب قانوني آخر ، فإن الغاية لم تتحقق وفق ما سلف مما يوجب عدم قبول الطلب أو الدعوى المتقابلة .
لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن وهو مالك مؤسسة ....... أقام الدعوى ابتداء أمام محكمة أبو ظبي الابتدائية على المطعون ضده بطلب الحكم بإلزامه أن يدفع له مبلغا مقداره 2.815.027.59 درهماً على أساس أن الأخير استولى عليها أثناء إدارته لتلك المؤسسة بموجب توكيل خاص بذلك أي سبب الدعوى هو عقد الوكالة وليس عقد العمل ومن ثم فلم يسبق الدعوى بطلب إلى دائرة العمل ، وإذ تقدم المطعون ضده بدعوى متقابلة بطلب بعض الحقوق العمالية الناشئة عن عقد العمل المبرم بينه وبين الطاعن بجانب عقد الوكالة سالف البيان ودون أن يسبقها بطلب إلى دائرة العمل المختصة فدفعها الطاعن بالدفع محل النعي ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع على ما أثبته بتقريراته من أنه (( عن عدم تقديم الدعوى بالحقوق العمالية بداءة إلى قسم المناعات في وزارة العمل فدفع مردود لأن المدعي مقابلاً لم يرفع دعواه المتقابلة مطالباً بإلزام رب عمله قضاء بدفع حقوقه العمالية وإنما طلب حساب هذه الحقوق وطرحها من جملة ما دخل على ذمته مما يطالبه به المدعي ........ – الطاعن – فقد دخلت على أحمد .......... الملايين من أموال المؤسسة وبيَّن الخبراء أن كل الشيكات التي كانت ترد من مؤسسات الدولة إلى مؤسسة المدعي الأصلي إنما كانت ترد باسم أحمد ......... وتدخل حسابه الخاص وهو ينفق منها في مصالح المؤسسة وشقيقاتها ))؛ مما مفاده أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن طلب المطعون ضده المقاصة بين حقوقه العمالية المطالب بها في الدعوى المتقابلة لا يتطلب أن يسبقه بطلب إلى دائرة العمل المختصة ، في حين أن طلب المقاصة القضائية يوجب على القاضي أن يفصل في النزاع حول الحقين المراد إجراء المقاصة بينهما وتحديد مقدار كل منهما إذا لم يكن معين المقدار ثم يجري المقاصة بينهما وذلك وفق نص المادة 372 من قانون المعاملات المدنية ، وينبني على ذلك أنه إذا كان أحد الحقين من الحقوق العمالية تعين أن يسبق عرض النزاع في صدده تقديم طلب إلى دائرة العمل المختصة وفق ما سلف بيانه وأن تكون الدعوى به قد أقيمت خلال الميعاد المشار إليه بنص المادة السادسة . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وحجبه ذلك عن التحقق من التزام المطعون ضده تلك الإجراءات الواجبة للمطالبة بحقوقه العمالية سواء كانت بدعوى أصلية أو بطلب عارض ومن ثم التحقق من توافر شرط سماعها وفق ما سلف ، فإنه يكون فضلاً عن قصوره في التسبيب قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه .
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ؛ وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه عول على تقرير الخبير الذي ندبته محكمة الاستئناف - بعد اعتراض الطرفين على تقارير الخبراء السابقة - وذلك برغم أنه أبدى اعتراضات جوهرية على تقرير الخبير الذي اعتمد عليه الحكم ، إذ إن الخبير أضاف إلى مستحقات المطعون ضده مبالغ دون أن تقدم عنها مستندات تثبت حقه فيها ومن ذلك مبلغ 160 ألف درهم الذي اعتبره الخبير عمولة دفعها المطعون ضده لمن يدعى ........... دون دليل على ذلك بجانب بعض المبالغ الأخرى الذي ساير فيها الخبير تقرير لجنة الخبراء برغم اعتراض الطاعن عليه ومخالفة أحد أعضاء اللجنة العضوين الآخرين ولم يرد الخبير على تلك الاعتراضات ؛ إذ حسبت اللجنة للطاعن شيكا بعشرة آلاف درهم كمرتب رغم أن راتبه ثمانية آلاف درهم ، كذلك شيكاً بمبلغ سبعة آلاف درهم دون بيان سبب استحقاق المطعون ضده له ، وقد حسبت اللجنة على حساب المدين شيكاً بمبلغ أربعين ألف درهم برغم أن الثابت أن الذي صرف الشيك هو المطعون ضده المستفيد ، كما أضافت على حسابه مبلغ 301200 درهم دون مستندات سوى بعض القيود الحسابية التي اصطنعتها اللجنة دون دليل وهو ما ثبت بتقرير الخبير الاستشاري ، كما أن تقرير اللجنة اعتد بالاعتمادات المستندية التي تجاوز رصيده أربعة مليون درهم دون بيان كيفية فيتح المطعون ضده لها وهو ما كان محل اعتراض من الخبير عضو اللجنة المخالف ؛ وإذ لم يردّْ تقرير الخبير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه على تلك الاعتراضات ولم يواجهها الحكم المطعون فيه بما ينبغي من البحث والتمحيص رغم أنها جوهرية لأنها تؤثر في مقدار مستحقات الطاعن ، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ، ذلك أنه وإن كان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي بحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها واستخلاص ما تطمئن إليه منها ، ولها أن تأخذ بتقرير الخبير إذا اقتنعت بصحة ما جاء به ولها أن تحيل إليه فيعتبر جزءا من أسباب حكمها . أما إذا أخذت به وكانت أسبابه لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها بحيث لا تصلح رداً على دفاع الخصوم واعتراضاتهم عليه ولم تضمن أسباب حكمها رداً على ذلك بأسباب سائغة تكفي لحمل قضائه فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور .
لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن قد اعترض على تقرير الخبير الذي ندبته محكمة ثاني درجة بعد أن اطرحت تقرير أغلبية اللجنة المنتدبة وذلك بالاعتراضات المشار إليها بسبب النعي ، وكان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعن آنف البيان بما أثبته بتقريراته من أن الخبير المرزوقي انتهى في تقريره إلى أن المستحق للمطعون ضده 699580.37 درهما ، ولم يرد في تعقيب أي من المستأنفة أو المستأنف ضده ما ينال من صحة التقرير . وتحيل إلى الأسباب التي بنى عليها تقرير الخبير . أما عن عمولة .... فقد أجاب الخبير عليها الجواب المقنع وكذا الأمر بخصوص راتب المستأنف ضده البالغ عشرة آلاف درهم وذاك البالغ 7000 درهم وكذلك الشيك بقيمة 6701 درهما والشيك بمبلغ 40000 درهم والأمر نفسه عن مبلغ 301200 درهم واعتراض المستأنف ضده بشأن الفارق في حساب عمولة فيشر مرفوض للأسباب المبينة بالتقرير . وما تعلق بعمولة شركة ....، و .... للأزياء ...) مما مفاده أن الحكم اعتد بما أورده الخبير في التقرير الذي أخذ به وهو التقرير المقدم من الخبير ........... الذي اعتد بمبلغ العمولة الذي حسبته أغلبية لجنة الخبراء على خلاف رأي العضو المخالف ......... وذلك باعتبار أن العمولة التي دفعها المطعون ضده لـ .......... وتبلغ 455 ألف درهم هي من حقه رغم أنه لم يقدم مستندات تثبت سبب استحقاق العمولة وكذلك مقدارها اكتفاء بأنه دفع العمولة في وقت معاصر لاستلام الطاعن دفعات من شركة ..... اليابانية وهي قرينة لا تواجه دفاع الطاعن بأن تلك العمولة لم يثبت سبب استحقاقها أو مقدارها فضلا عما جاء بتقرير اللجنة بشأن الاعتمادات المستندية التي أثبت التقرير تردد اللجنة في حساب قيمتها وقد بلغت 4 مليون درهم برغم أنها انتهت إلى حسابها في جانب المطعون ضده ، فضلا عن أن الحكم المطعون فيه لم يضمن تقريراته ما يرفع التناقض بين تقارير الخبراء وانتهى إلى إلزام الطاعن بالمبلغ الذي انتهى تقرير اللجنة في الوقت الذي انتهى إليه تقرير الخبير المخالف إلى أن المطعون ضده ، مدين للطاعن بمبلغ 314527.34 درهما ، ومن ثم يكون الحكم قد شابه القصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة




المواضيع المتشابهه: