الدكتور عادل عامر
بعد أن ارتكبت إسرائيل الفعل المادي والسلوك المتعمد أثناء عدوانها الأخير على غزة حينما استهدفت سيارات الإسعاف ومحطات المياه والكهرباء والجامعات والمساجد وكافة البني التحتية وتلويث البيئة واقتلاع المزروعات وحرقها، ما يشكل من أفعالها جرائم حرب. كما إنها أرادت إخضاع أهالي قطاع غزة المدنيين للعقاب بخلق ظروف معيشية قاسية يراد بها تدميرهم جزئياً أو كلياً وبشكل منهجي متعمد وبلا رحمة والقضاء على حركة حماس حيث الأغلبية العظمى للسكان من تلك الحركة، وهذا ما ينطبق عليه (جرائم الإبادة الجماعية). بعد هذه الجرائم، أصبح الطريق ممهدًا لملاحقة القادة والضباط والجنود الصهاينة الذين اشتركوا في هذا العدوان قانونيًا ومحاكمتهم وسجنهم. وتجرى كثير من الجهات العربية والدولية مسحًا جزئيًا وكليًا في قطاع غزة للأضرار البشرية منها والمعنوية عن الدمار والخراب وجمع الوثائق والأدلة الهامة وإجراء المعاينات والخبرات الفنية والطبية والكشوفات اللازمة وعدد الشهداء والمصابين مرفقة ببياناتهم الشخصية وتوثيق أقوال شهود العيان من أهالي قطاع غزة وتقارير الهيئات والبعثات والمنظمات المحلية والدولية الحكومية وغير الحكومية ومحاضر البلاغات الرسمية والصور الفوتوغرافية والفيديو وتدوين كافة المعلومات الضرورية والاستناد إلى تحقيقات منظمة العفو الدولية ووسائل الإعلام المختلفة والرسائل والشكاوى الفردية والجماعية والتقارير الخاصة بالجرائم المذكورة وحرز بقايا الأسلحة التي ألقيت في مناطق قطاع غزة وإعداد الخرائط لتلك المواقع المدمرة. كل هذه الجهود من أجل توثيق جرائم إسرائيل، وإعداد الملفات التوثيقية التي تدعم الاتهامات، من أجل أن تكون الإدانة واضحة ومن أجل ضمان الحصول من المحاكم الدولية على أحكام الإدانة. وقد قام ممثلون عن أكثر 320 منظمة مدنية برفع شكوى ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" و "جرائم ضد الإنسانية"، وقامت هذه المنظمات وأغلبها أوروبية، بتوثيق الانتهاكات قبل أن تتقدم بالشكوى رسميا يوم الأربعاء 21 يناير، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، للضغط عليه من أجل تحمل مسؤولياته. المبادرة جاءت من منظمة "عدالة واحدة"، التي جمعت كل هذه المنظمات المدنية من مختلف أنحاء العالم للاجتماع في جنيف، للنظر في إمكانية رفع شكوى ضد إسرائيل لما ارتكبته في من جرائم في قطاع غزة. وقد تدارست هذه المنظمات الأمر بعناية خاصة في إمكانية التدخل أمام المحاكم الوطنية وكيفية الوصول إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكيف يمكن أن نتدخل أمام المحكمة الابتدائية الأوروبية في بروكسل، خاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات الأوروبية الإسرائيلية. المشاورات التي تمت بين ممثلي هذه المنظمات تناولت أيضا طبيعة الشكوى التي يمكن رفعها ضد إسرائيل لما ارتكبته في حربها الأخيرة على غزة، وقد تم استبعاد جريمة الإبادة الجماعية، لعدم اكتمال العناصر، واتفقت المنظمات على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والسبب في التركيز على هاتين الجريمتين، يعود لكون بعض البلدان، مثل فرنسا، لا يحتوي القانون الجنائي فيها ما يُـدين جريمة الحرب. ويقول الخبراء في هذه المنظمات إن هناك أدلة على التعمد في إصابة مدنيين أو أماكن مدنية، وهناك أدلة على وجود أمر من الجيش الإسرائيلي يسمح للجنود بضرب المدنيين لمجرد الشك في وجود عنصر من حماس وليس عنصرا قياديا، وهذا الكلام هو لوزيرة التعليم والبحث العلمي الإسرائيلية السابقة شالوميت آلوني، التي أشارت إلى وجود قرار بهذا الشأن. ولتوثيق كل هذه الاتهامات، سيتم إرسال ثلاثة لجان إلى غزة، الأولى، لتحليل نوعية السلاح الذي أستعمل والطريقة التي تم استعماله بها، والثانية، مكونة من أخصائيي الطب الشرعي من أوروبا والذين سينضمّـون إلى الأطباء الشرعيين الفلسطينيين، والثالثة، من الحقوقيين الذين سيتعاونون مع الحقوقيين والمحامين الفلسطينيين في غزة. أنجع طريقة قضائية يراها الخبراء في هذه المنظمات هي التوجه للمحكمة الجنائية الدولية وبالأخص التوجه للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، لكي يباشر بفتح تحقيق لأن هناك طلبا من قبل مجلس حقوق الإنسان، طالبت فيه العديد من الدول وتجمع حوله منظمات المجتمع المدني. الدول التي دعمت التحرك ضد الجرائم الإسرائيلية هي بوليفيا بصفة أساسية، وهناك دولتان عربيتان عرضتا تقديم دعم في الخبرة القانونية، وتحمل نفقات المحامين، لكنهما لم تعلنا اسمهما والدعم بشكل مباشر. وإلى جانب تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، يعتزم تجمع المنظمات الحقوقية في تعاون مع محامين بلجيكيين رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الابتدائية الأوروبية في بروكسل هذا الأسبوع، بغرض إلغاء الاتفاق الأوروبي الإسرائيلي الموقع في 8 ديسمبر 2008 بعد تجميده. ما يتردد عن رفع دعاوى وملاحقات قضائية لمجرمي الحرب ترك أثراً كبيراً داخل إسرائيل وبث الخوف والرعب في قلوب جنرالاتها والدليل على ذلك امتناع العديد منهم عن السفر إلى دول كثيرة خوفاً من ملاحقتهم أو إلقاء القبض عليهم وما زالت إسرائيل تجري اتصالات سرية لإيقاف هذه الملاحقات، وحان الوقت لندخل معها في مواجهة قانونية لأن القضية هي العدوان على فكرة سيادة القانون. وتعهدت إسرائيل بحماية مواطنيها من أي ملاحقة على أفعال ارتكبوها باسمها لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بقمع الانتفاضة الفلسطينية. وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني إن الحكومة الإسرائيلية ستبذل ما بوسعها لمنع قيام ملاحقات قضائية لمواطنيها في الخارج عبر إقناع الحكومات الأخرى بتغيير قوانينها في هذا الإطار. يأتي هذا التعهد بعد تأكيد ضباط إسرائيليين كبار أنهم باتوا عرضة لملاحقات دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال القائد الإسرائيلي السابق في قطاع غزة الجنرال دورون ألموغ إنه فضل عدم النزول من الطائرة في مطار هيثرو في لندن يوم الأحد خوفا من التعرض للتوقيف. وأوضح ألموغ أنه كان في طائرة تابعة لشركة العال الإسرائيلية عندما أبلغته وزارة الخارجية الإسرائيلية خلال رحلته إلى لندن أنه تم تقديم شكوى ضده بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد فلسطينيين. وبقي الجنرال الإسرائيلي في الطائرة وعاد إلى تل أبيب. ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، إلى طمأنة ضباط جيشه الذين يخشون الملاحقة القضائية بسبب ارتكاب جائم حرب بغزة وقال: "إن دولة إسرائيل سوف تدعم بشكل كامل كل أولئك الذين تصرفوا بالنيابة عنها، الجنود والقادة الذين تم إرسالهم إلى المهمة في غزة، يجب أن يدركوا أنهم بمأمن من أية ملاحقات قضائية، وأن دولة إسرائيل سوف تساعدهم في هذه القضية، وستدافع عنهم كما قاموا هم بالدفاع عنا بأجسادهم". وتم تشكيل لجنة وزارية تضم عددا من الخبراء القانونيين، برئاسة وزير العدل دانييل فريدمان، تتولى مسئولية الدفاع عن عملية الجيش الإسرائيلي في غزة، بالإضافة إلى صياغة إجابات لأية أسئلة محتملة بشأن عمليات قام بها الجيش، ربما تثير شكاوى قانونية . واستبقت الرقابة العسكرية الإسرائيلية الأحداث فمنعت الكشف عن هوية قادة الوحدات التي شاركت في العملية، كما بدأ إخفاء وجه الجنود الذين يظهرون في التقارير المتلفزة.


المواضيع المتشابهه: