قرارات المحكمة العليا بشأن تفسير الدستور
باسم حضرة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة
قرار المحكمة الاتحادية العليا
قرار المحكمة الاتحادية العليا
الدائرة الأولى
صادر بتاريخ 14/3 / 1976 م .
الموافق فيه 13 ربيع الأول 1396 هـ .
في شأن تفسير المواد 95 103 105 من الدستور *
المؤلفة برئاسة السيد / محمد محمد محفوظ القاضي رئيس الدائرة الاولى ،
وعضوية السادة القضاة / أحمد سميح طلعت ، وأحمد سلطان ، وأحمد مهدي الديواني وعبد المجيد محمود الغرايبه ،
وحضور السيد ممثل النيابة / محمد أبو علم المحامي العام ،
والسيد / محمد بركات مراد كاتب الجلسة ،
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الأحد 13 ربيع الأول سنة 1396 هـ . الموافق 14 مارس 1976م . بمقر المحكمة بمدينة أبو ظبي .
أصدرت القرار الآتي
في طلب التفسير المقيد بجدول المحكمة برقم 1 لسنة 4 قضائية .
المرفوع من وزارة العدل
الوقائـع
بتاريخ 7 من يناير سنة 1976 أودع المستشار حسين درويش مدير دائرة الفتوى والتشريع بالنيابة قلم كتاب المحكمة الاتحادية العليا عريضة طلب تفسير بعض أحكام الدستور المؤقت للاتحاد بناء على طلب وزير العدل وذلك لبيان ما يأتي :
أولا : تفسير أحكام المادتين 95 ، 103 من الدستور المؤقت للاتحاد لتحديد ما اذا كان الدستور المؤقت يسمح بانشاء محاكم استئناف اتحادية تكون قائمة بذاتها وتباشر اختصاصاتها بالفصل في الاستئنافات التي ترفع اليها طعنا على أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية أم أن الدستور عدد في المادة 95 المحاكم المنصوص عليها تعداد حصر بحيث يمتنع انشاء محاكم استئناف اتحادية في نطاق الدستور .
ثانيا : تفسير نص المادة 105 من الدستور المؤقت لبيان المعنى المقصود بكلمة نهائيا التي وردت في الفقرة الثانية من المادة وهل تعني هذه الكلمة أن تكون الأحكام الصادرة من المحاكم الاتحادية الابتدائية تعقيبا على أحكام الهيئات القضائية المحلية أحكاما باتة لا تقبل الطعن فيها بأي وجه أم أن هذه النهائية لا تمنع من تنظيم طريق للطعن في أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية التي تصدر عنها وفقا للفقرة الثانية من المادة 105 .
وأرفق الطالب بالعريضة صورة كتاب مرسل من وزير العدل الى وكيل وزارة العدل يطلب منه الاتصال بدائرة الفتوى والتشريع لاعداد طلب تفسير أحكام الدستور المؤقت في المواد المشار اليها لكي تفصل فيه المحكمة الاتحادية العليا .
وعين السيد القاضي أحمد سميح طلعت لتحضير الطلب وتهيئته للمرافعة وحضر عن الطالب مندوب عن دائرة الفتوى والتشريع ولم يضف شيئا الى ما جاء بالطلب – وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بأنه عن الحالة الأولى فإن نص المادتين 95 103 من الدستور المؤقت لا يسمح بانشاء محاكم استئناف تكون قائمة بذاتها وتستأنف أمامها أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية ذلك لأن الدستور رد على ذلك صراحة في المادة 103 حين أجاز للمشرع أن ينص على أن يكون استئناف أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية أمام احدى دوائر المحكمة الاتحادية العليا فمنع بذلك انشاء محاكم استئناف اتحادية – وعن الحالة الثانية فإن المقصود بكلمة " نهائيا " هو أن الحكم قد استنفذ طرق الطعن العادية ولا يقبل الطعن فيه بأي وجه اللهم الا اذا أجاز القانون الطعن فيه بطرق الطعن غير العادية كالنقض 2 والتماس اعادة النظر مما لا ترى النيابة العامة موجبا له منعا من زيادة امد التقاضي .
وبعد تحضير الطلب وايداع التقرير حدد لنظره جلسة 7/3 / 1976م . وفيها حضر عن وزير العدل السيد / محمد غنيم المستشار بدائرة الفتوى والتشريع وأبدى طلباته على الوجه المبين بمحضر الجلسة وتمسكت النيابة برأيها الثابت بمذكرتها ثم حددت المحكمة للنطق بالقرار جلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير القاضي المقرر وسماع الايضاحات التي أدلى بها الطالب وطلبات النيابة العامة ، وبعد المداولة .
حيث ان الطلب استوفي الأوضاع المقررة قانونا .
أولا : عن تفسير المادتين 95 ، 103 من الدستور المؤقت لبيان ما اذا كان الدستور المؤقت للاتحاد يسمح بانشاء محاكم استئناف اتحادية قائمة بذاتها تختص بالاستئنافات التي ترفع اليها عن أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية أم أن الدستور عدد في المادة 95 المحاكم المنصوص عليها تعداد حصر بحيث يمتنع انشاء محاكم استئناف اتحادية في نطاق الدستور .
وحيث ان المادة 95 تنص أن يكون للاتحاد محكمة اتحادية عليا ومحاكم اتحادية ابتدائية على الوجه المبين في المواد التالية . وتنص المادة 103 على أن ينظم القانون كل ما يتعلق بالمحاكم الاتحادية الابتدائية من حيث ترتيبها وتشكيلها ودوائرها واختصاصها المكاني والاجراءات التي تتبع أمامها واليمين التي يؤديها قضاة هذه المحاكم وشروط الخدمة المتعلقة بهم وطرق الطعن في أحكامهم . ويجوز أن ينص القانون على استئناف أحكام تلك المحاكم أمام احدى دوائر المحكمة الاتحادية العليا في الحالات وبالاجراءات التي يحددها .
وحيث انه يبين مما تقدم ان الدستور أورد في هاتين المادتين أحكاما بعضها عن المحاكم التي تكون في الاتحاد وبعضها عن تنظيم المحاكم الاتحادية الابتدائية وقد سيقت هذه الأحكام على نحو كلي اجمالي اكتفى فيها الدستور بوضع الخطوط الرئيسية والاطار العام لهذه الأحكام تاركا للمشرع أن يباشر وظيفته الانشائية داخل هذا الاطار – ومن ثم يتعين تحليل طبيعة هذه الأحكام لتحديد مدى ما يتركه الدستور للمشرع من سلطة في تنفيذها وكذلك مدى ما يستطيع ممارسته من اختصاص في هذا الاطار .
وحيث ان المادة 103 من الدستور المؤقت فوضت المشرع في أن يضطلع بتنظيم الطعن في أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية وأجازت له في هذا الخصوص أن ينص في القانون الذي يصدره على استئناف أحكام هذه المحاكم أمام المحكمة الاتحادية العليا ومن ثم فإن احالة الاختصاص الاستئنافي الى المحكمة العليا ليس تكليفا على المشرع وليس حكما مسوقا على سبيل التحتيم والوجوب وانما هو – على ما يتضح 2 من ظاهر النص – أمر جوازي يكيفه المشرع وفق ظروف الحال ومقتضياته فهو يملك أن يحيل ويملك ألا يحيل – ولم يحدد الدستور الجهة القضائية البديلة التي يلجأ اليها المشرع في حالة عدم النص على احالة الاستئناف الى المحكمة العليا . بيد أنه لما كان الواضح من المادة 103 سالفة البيان انها تركت الباب مفتوحا لاجتهاد غير محدود المدى يباشره المشرع في تنظيم طرق الطعن وفي تعيين الجهات القضائية التي يرجع اليها في هذا الشأن ، ولما كانت هذه السلطة التقديرية تسوغ له ضمنا اختيار الجهة التي يراها مناسبة وملائمة لنظر الاستئناف لأن نص المادة سالفة البيان لم يقيده في ذلك بأية قيود ولم يلزمه بالاتجاه الى المحكمة العليا وانما جاء ذلك على سبيل التجويز ومن ثم فلا جناح على المشرع في أن ينشئ محاكم استئناف يؤثرها بنظر هذا الاستئناف حتى على الرغم من عدم الاشارة اليها في سياق نص المادة 95 من الدستور ولا يعتبر ذلك من جانب المشرع توسعا يتخطى به حدوده الدستورية المرسومة في المادة 95 أو اقتحاما منه في مجال تشريعي حرمه الدستور أن البيان الذي سيق في المادة 95 واكتفى فيه الدستور بذكر المحكمة الاتحادية العليا والمحاكم الاتحادية الابتدائية لم يسلك فيه المشرع سبيل التعداد والحصر ولم يكن الغرض منه الشمول والاستبعاد وانما الواقع ان الدستور ترك ما عدا هذه المحاكم للدواعي العملية التي يستقل المشرع بتقديرها . ومن ثم فإن عدم تضمين نص المادة 95 محاكم استئناف لا يستدل به على تحريم انشائها لأن الأصل أن كل ما لم يحرمه الدستور على المشرع فهو من سلطته واختصاصه ولأنه لا توجد أية حكمة خاصة من هذا التحريم ومن غير المتصور أن يضيق الدستور على المشرع في ممارسة سلطته التقديرية على النحو الذي يراه ملائما ومحققا لصالح المتقاضين – ثم ان في طرح الاستئناف أمام محاكم استئناف مستقلة وأعلى درجة من المحاكم الابتدائية هو مما يتلاءم مع طبيعة الاستئناف ومع مميزاته الرئيسية – فالاستئناف طريق من طرق الطعن العادية الهدف منه ضمان اصلاح الخطأ الذي يقع فيه قضاة محكمة أول درجة ومن أهم ما يتميز به أن يرفع الى محكمة أعلى لأنه ما دام ان هذا الطريق يتضمن تظلما من أحكام قضاة محكمة أول درجة وتجريحا لقضائهم فقد تعين ان يطرح أمام هيئة أعلى تتوافر فيها الضمانات التي تكفل تصحيح الحكم . وهذا المبدأ وهو مبدأ تعدد الدرجات قد أخذ به الدستور المؤقت بالنسبة لأحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية ومن الضمانات التي لا يمكن الاستغناء عنها في النظم القضائية ويستلزم لكي يحقق الغرض المقصود منه ان ينظر الاستئناف أمام محكمة استئناف تكون أعلى من محكمة أول درجة وتختلف في طريقة تشكيلها عن هذه المحكمة بمعنى أن تكون من قضاة أوسع علما وأوفى تجربة من قضاة المحكمة الابتدائية – وفي الوقت ذاته فإن انشاء محاكم استئناف هو أمر يرتبط ارتباطا وثيقا بالطابع البنائي للمحاكم ويتسق مع مبدأ تدرج السلم القضائي – فالمحكمة الاتحادية الابتدائية هي قاعدة السلم القضائي الاتحادي ويتعين ان تستأنف احكامها أمام محكمة اتحادية تليها درجة في هذا السلم وكلا المحكمتين محكمة البداية ومحكمة الاستئناف هما جزءان لا ينفصلان في البناء القضائي وليسا سوى دعامتين متكاملتين ومتكافئتي القيمة لأي تنظيم قضائي محكمة وبغيرهما لا يكون هذا التنظيم القضائي قائما على أساس سليم – ومن كل ذلك يتضح ان انشاء محاكم استئناف اتحادية علاوة على أنه يجد سندا شرعيا مستخلصا من نصوص الدستور ذاتها فإنه يتمشى مع الأصول الأساسية للنظام القضائي ومع موجبات الاستئناف وخصائصه الذاتية ويحقق الغاية المنشودة منه ومن شأنه ايضا أن يحقق الأهداف الايجابية التي يتغياها الدستورلأن الدستور يحرص على أن يراعي المشرع الأسس الجوهرية للتقاضي وصالح المتقاضين عند اصدار التنظيم الذي عهد به اليه وان يكون رائده التوسل بكل الوسائل التي تضع هذه الأسس موضع التنفيذ بغية توفير أكبر قدر من الضمانات والعمل على تدعيم مقومات الجودة والثقة والطمأنينة الواجب توافرها في الأحكام وقد أجاز الدستور للمشرع اضافة الاختصاص الاستئنافي الى ولاية المحكمة العليا وهي أعلى من المحكمة الابتدائية فإذا مـا رأى المشرع لاعتبارات يقدرها عدم استعمال هذه الرخصة الدستورية فإنه مما يتمشى مع روح الدستور وغاياته ومع الأصول الاساسية للتنظيم القضائي أن يكون البديل عن المحكمة العليا في هذا الخصوص محاكم استئناف اتحادية تكون أعلى من المحكمة الاتحادية الابتدائية وتختص بالحكم في هذا الاستئناف وما دامت الغاية مشروعة ولم تخرج عن نطاق الدستور فإن كل سبيل مناسب لتحقيقها ويكون من شأنه على نحو واضح أن يؤدي اليها بغير مجافاة لنصوص الدستور وروحه يعد عملا دستوريا جائزا .
وحيث انه يخلص مما سبق ان نص المادة 103 يخول للمشرع سلطة انشاء محاكم استئناف يؤثرها بنظر الاستئنافات التي ترفع عن الأحكام الصادرة ابتدائيا من المحاكم الاتحادية الابتدائية وهذه السلطة لا تتعارض مع مفهوم نص المادة 95 من الدستور وترى المحكمة ان الحكمة من عدم الاشارة الى محاكم اتحادية استئنافية في المادة 95 هو ان الدستور لم يشأ الزام المشرع بانشائها أسوة بالمحكمة العليا والمحكمة الابتدائية وانما جعل انشاءها خاضعا لدواعي الحاجة وحيث لا يرى المشرع ملاءمة ايثار المحكمة العليا بهذا الاختصاص الاستئنافي – وهذه الحكمة مستخلصة ضمنا من المادة 103 من الدستور المؤقت التي أجازت للمشرع احالة الاستئناف الى المحكمة العليا مما مؤداه ان المشرع قد يجد في هذه الاحالة غناء عن التفكير في انشاء محاكم استئناف اتحادية وعندئذ ينتفي مسوغها ولا يكون ثمة موطن لها – وعلى المحكمة أن تقرب بين النصوص الدستورية وتفسرها تفسيرا متناسقا دون أن تنهج في هذا الشأن منهج التفسير الضيق حتى تستطيع ان تقوم بدور ايجابي في تزويد المشرع بالاداة الدستورية اللازمة لاختيار الوسائل التي يراها لتنفيذ السلطات المخولة له على النحو الكفيل بصالح المواطنين .
وحيث انه لكل ما تقدم ترى المحكمة ان التفسير السليم لنص المادتين 95 ، 103 من الدستور المؤقت للاتحاد يسمح للمشرع بانشاء محاكم استئناف اتحادية تكون قائمة بذاتها تستأنف أمامها أحكام المحاكم الاتحادية الابتدائية – وان كان ذلك لا يمنع المشرع كما هو الحال في أغلب التشريعات – أن يستثني القضايا قليلة الأهمية باعتبار ان تفاهة قيمتها لا تستأهل استطالة أمد النزاع ولأن مصاريفها في الدرجتين تستنفذ معظم قيمتها وهو أمر متروك تقديره للمشرع .
ثانيا : عن تفسير المادة 105 من الدستور المؤقت للاتحاد لبيان المعنى المقصود بكلمة " نهائيا " التي وردت في الفقرة الثانية من المادة .
وحيث ان المادة 105 تنص على ما يأتي " يجوز بناء على قانون اتحادي يصدر بناء على طلب امارة معينة نقل كل أو بعض الاختصاصات التي تتولى هيئاتها القضائية المحلية بموجب المادة السابقة الى المحاكم الاتحادية الابتدائية كما يحدد بقانون اتحادي الحالات التي يجوز فيها استئناف أحكام الهيئات القضائية المحلية في القضايا الجزائية والمدنية والتجارية وغيرها أمام المحاكم الاتحادية على أن تكون قضاؤها عند الفصل في هذا الاستئناف نهائيا ".
وحيث ان المقصود بكلمة " نهائيا " ان الحكم استنفذ كل وسائل الطعن العادية وأصبح حائزا لقوة الشيء المحكوم به . ولكن هذا الحكم لا يكون باتا وبالتالي يقبل الطعن فيه بطرق الطعن غير العادية كالنقض 2 والتماس اعادة النظر لأن الحكم البات هو الذي لا يقبل الطعن فيه بأي طريقة من طرق الطعن العادية أو غير العادية . ومن ثم فإنه يجوز أن ينص القانون على أن تكون هذه الأحكام قابلة للطعن فيها بطرق الطعن غير العادية كالنقض ( 1 ) والتماس اعادة النظر في الحالات التي يحددها . فإذا استنفذت طرق الطعن غير العادية فإن الحكم يكون باتا .
فلهذه الأسباب
وبعد الاطلاع على المواد 95 ، 103 ، 105 من الدستور المؤقت للاتحاد .
قررت المحكمة قبول الطلب شكلا وفي الموضوع :
أولا : ان أحكام المادتين 95 ، 103 من الدستور المؤقت تبيح للمشرع انشاء محاكم استئناف اتحادية تكون قائمة بذاتها وتختص بالحكم في قضايا الاستئناف الذي يرفع اليها عـن الاحكام الصادرة ابتدائيا من المحاكم الاتحادية الابتدائية .
ثانيا : المقصود بكلمة " نهائيا " التي وردت في الفقرة الثانية من المادة 105 من الدستور المؤقت للاتحاد ان الأحكام التي تصدر من المحاكم الاتحادية في الاستئنافات التي ترفع اليها عن أحكام الهيئات القضائية المحلية قد استنفدت كل وسائل الطعن العادية وأصبحت حائزة لقوة الشيء المحكوم به ولكن هذه الأحكام لا تعتبر احكاما باتة ومن ثم يجوز ان ينص القانون على أن تكون هذه الأحكام قابلة للطعن فيها بطرق الطعن غير العادية كالنقض والتماس اعادة النظر



المواضيع المتشابهه: