بقلم الأستاذة ربيعة الغزواني


حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة
المقدمة
يستوجب قيام المحاكمة العادلة توفر جملة من الشروط بعضها يتعلق باستقلالية جهاز القضاء وبظروف سير المحاكمة والبعض الآخر يرتبط بالوضعية القانونية والواقعية للدفاع، أي مدى توفر جملة من الضمانات التي تسمح للمحامي بان يضطلع بدوره في الدفاع عن منوبه على الوجه الأكمل.
وفي إطار هذه الضمانات الممنوحة للمحامي تأتي مسالة الحصانة باعتبارها احد أهم الآليات التي تعزز موقع المحامي، وتضمن إلى حد بعيد توفر شروط المحاكمة العادلة.
وعليه فان المحاكمة العادلة ليست سوى اختزال لخلاصة التطور التشريعي والطبيعة القانونية التي لا بد أن تتسم بها الدولة لمنح المواطن حقوقه فتكون المحاكمة العادلة مرتبطة بالمؤسسة القانونية في مدى عدالتها.
ان معنى ومفهوم المحاكمة العادلة ليسا بالضرورة ظروفا وتقنيات بل إنها إطار تتحرك فيه دواليب الدولة ومؤسساتها. إذا ما تحولت السلطة القضائية إلى وسيلة في يد السلطة التنفيذية تحول جهاز الدولة بشكل اختزالي إلى أداة في يد سلطة واحدة وفقدت السلطة التشريعية كسلطة ثالثة سلطتها، وبالتالي فان المحاكمة العادلة هي حلقة الارتباط بين الدولة والقانون وهذا الارتباط هو الممارسة السليمة للقانون.
وهكذا يكون الحق في الاستعانة بمحام حقا محوريا في شروط المحاكمة العادلة والإشكال المطروح ليس في تعيين محام ولكن في تمكين المحامي من القيام بمهامه في اطار قانوني وواقعي مريح أو مقبول.
لذا فان الاتفاقيات الدولية عندما تنص على شروط المحاكمة العادلة مؤكدة على حضور محام وعلى ان لا يقتصر ذلك الحضور على الشكل المادي بقدر ما يعني توفير إمكانية تقديم الدفاع في ظروف مقبولة.
ونظرا للتشعبات النظرية والفقهية الواسعة التي يثيرها أي بحث للمحاكمة العادلة فان هذا البحث سيقتصر على مناقشة آلية واحدة من آلياتها ألا و هي حصانة المحامي أي الحماية التي يتمتع بها خلال قيامه بواجباته في الدفاع و مدى مساهمته في إنجاز المحاكمة العادلة.
معايير المحاكمة العادلة
أوّلا : في المواثيق الدولية
ثانيا: في القانون التونسي
أولا: معايير المحاكمة العادلة في المواثيق الدولية:
باعتبار أن موضوع بحثنا يتصل بحقوق الإنسان التي اجتازت الحدود الضيقة فأصبحت في أيامنا كونية مما يحيلنا ضرورة على أهم ما جاء بالتشاريع الدولية في خصوص موضوع بحثنا وكذلك بالتشريع التونسي.
* الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
تنص المادة العاشرة من الإعلان على:لكل إنسان على قدم المساواة مع الآخرين الحق أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة و محايدة نظرا منصفا و علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و في أية تهمة جزائية توجه إليه.
كما جاء بالمادة الحادية عشر: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت إرتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.
* العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية:
تنص المادة 14من العهد : من حق كل فرد إن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون،كما إن من حق كل محتجز أن يحاكم حضوريا و أن يدافع عن نفسه بشخصه او بواسطة محام من اختياره و أن يحظر بحقه في وجود من يدافع عنه.
* مجموعة المبادئ للأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص اللذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإيقاف أو السجن.
- أكدت هذه النصوص بالخصوص على الحق في اختيار محام فجاءت ناصة على أنه من حق كل مضنون فيه تكليف محام للدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجزائية (المبدآن 10 و 17 من مجموعة المبادئ ) و ينص المبدأ السابع من المبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين على أن من حق الموقوفين الاستعانة بمحام فورا …
ثانيا: معايير المحاكمة العادلة في التشريع التونسي:
لقد تعرض الدستور التونسي إلى جملة المبادئ التي تضمن لكل إنسان حقه في محاكمة عادلة تتوفر فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه أمام محكمة مختصة و منشأة بالقانون متركبة من قضاة مستقلين لا سلطان عليهم سوى للقانون.
* الفصل 12 من الدستور فقرة ثانية: كل متهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.
* الفصل 165: القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
* الفصل الأول من القانون المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 و المنظم لمهنة المحاماة : المحاماة مهنة حرة و مستقلة غايتها المساعدة على إقامة العدل .
الفصل 46 : لا يترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم أية دعوى من أجل الثلب أو الشتم أو القذف أو النميمة إلاّ إذا ثبت سوء النية .
وعليه فان النصوص التشريعية دوليا أو وطنيا في مجملها أقرت بالحق في محاكمة عادلة وأكدت أم من ضمن آليتها وجود دفاع مستقل للمتقاضي الحق المطلق في اختياره غير أن الاشكاليات التالية تبقى قائمة وتفرض نفسها على بحثنا:
هل بالامكان اختزال الضمانات الحقيقية للمحاكمة العادلة في قضاء منصف و محايد يضمن حق الدفاع و يدعم حصانته ؟.
هل يمكننا الحديث عن حصانة للدفاع في القانون التونسي باعتبارها مؤسسة لها آليات وضمانات حقيقية ؟.
إن تناول موضوع "حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة"، يفترض الرجوع إلى قانون المحاماة المؤرخ في 15 مارس 1958 الذي وضع لأول مرة بالفصل 41 طريقة تتبع المحامي جزائيا إذا ما أخل عند مباشرته لمهنته بنظام الجلسات القضائية كما نص نفس القانون على جملة من الضمانات الإجرائية عند تتبعه جزائيا.
ويبقى البحث في مسالة الحصانة مطروحا بأكثر حدة وجدية من خلال قانون 7 سبتمبر1989، وخاصة الفصلين 45و46 منه، أمرا بديهيا باعتباره القانون الذي يعكس الوضعية التشريعية الحالية للموضوع.
تهدف دراسة هذا الموضوع على المستوى النظري الى البحث في مكانة الدور الذي يلعبه الدفاع في توفير شروط المحاكمة العادلة. الدور لا يمكن ان يكتمل دون ما لم يتمتع المحامون بالضمانات اللازمة لممارسة دورهم بكامل الاستقلالية والحرية.
كما ان دراسة الموضوع تفضي حتما الى تقييم درجة الحصانة المفترضة التي يوفرها القانون التونسي للمحامي ومن ثم تبين محدودية الضمانات الممنوحة للمحامي التونسي بمناسبة أداء دوره في الدفاع وعلى المستوى العملي فان حصانة المحامي كشرط للمحاكمة العادلة يمثل مطلبا أكيدا لأغلب المحامين في تونس ولمختلف هياكل المهنة المستقلة، مما يجعل تدعيم درجتها غاية يسعى الى تحقيقها اغلب هؤلاء .
وعليه، هل يمكننا الحديث عن حصانة للمحامي في القانون التونسي باعتبارها مؤسسة قانونية ثابتة تسمح بتدعيم آليات المحاكمة العادلة؟
ان الاجابة عن هذه الاشكاليات يدفعنا بداهة لتحليل مجموعة الضمانات الممنوحة للمحامي على مستوى التشريع التونسي والتي لا ترتقي الى درجة الحصانة وهذا هو العنوان الرئيسي للجزء الأول من بحثنا.
الجزء الأول: مجموعة ضمانات لا ترتقي الى درجة الحصانة
إن البحث في طبيعة الحصانة التي يتمتع بها لمحامي في القانون التونسي تفضي إلى القول بنسبيتها وهشاشتها الكبيرة (الفصل الأول)، كما أن التمتع بهذه الحصانة ورد مشروطا في الفصل 46 من قانون المحاماة لسنة1989 (الفصل الثاني).
الفصل الأول: ضمانات هشة:
تظهر هشاشة حصانة المحامي في عدة جوانب تشريعية وعملية، ويمكن حوصلتها فيما يتعلق بإجراءات تتبع المحامي (الفقرة الأولى) أو من خلال محدودية الحماية التي يتمتع بها المحامي في خصوص مكتبه وحياته الخاصة. (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى:على مستوى إجراءات تتبع المحامي:
لقد نص الفصل 45 من قانون المحاماة المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 إلى جملة من الإجراءات الواجب إتباعها ضد المحامي الذي يرتكب جنحة أو جناية. ويستوجب تحليل الفصل 45 التعرض إلى مسألتي السلطات المختصة بصلاحية التتبع الجزائي ضد المحامي –أ- ومسالة إعلام رئيس الفرع الجهوي للمحامين وتمكينه من الحضـــور خلال استنطاق المحامي أو تفتيش مكتبه -ب-
أ‌- السلطات القضائية المختصة بالتتبع الجزائي للمحامي.
لقد اقتضى الفصل 45 من القانون الحالي لمهنة المحاماة أن" المحامي المباشر المتهم بارتكاب جناية أو جنحة أثناء القيام بأعمال مهنته أو بمناسبتها يحال وجوبا من طرف الوكيل العام على قاضي التحقيق".
وبذلك نتبين أن المشرع التونسي قد أفرد الوكيل العام بصلاحية إثارة الدعوى العمومية ضد المحامي وطلب إحالته على قاضي التحقيق، الأمر الذي ينجر عنه بصورة مبدئية بطلان التتبع إذا ما كانت إثارته قد تمت من قبل أية سلطة أخرى ، وذلك استنادا على الفصل 199 م.ا.ج والذي يقضي ببطلان كل الأعمال والأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو قواعد الإجراءات الأساسية أو الماسة بمصلحة المتهم الشرعية.
وقد تطرح مسالة الاختصاص الترابي بالنسبة للوكيل العام المختص بإثارة الدعوى العمومية ضد المحامي. في هذا الإطار يذهب البعض إلى إمكانية الرجوع إلى الفصل 27 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يقتضي انه"يتعهد بالتتبعات وكيل الجمهورية المنتصب بالمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو بالمكان الذي به مقر المضنون فيه أو بالمكان الذي به محل إقامته الأخير، أو المكان الذي عثر فيه عليه".
في رأينا أن هذا الحل القانوني غير مناسب لمسألة الاختصاص الترابي بالنسبة للتتبع المحامي لأنه بالرجوع إلى الفصل 45 نرى أن من شروط التتبع في هذا الإطار أن يكون من أجل جناية أو جنحة ارتكبت "أثناء القيام أعمال مهنته أو بمناسبتها"، وبالتالي فالوكيل العام المختص هو الذي تم الفعل بدائرة محكمة الاستئناف التي يعمل بها. وفي صورة تتبع المحامي، يتولى الوكيل العام إحالة المحامي على قاضي التحقيق بموجب قرار في فتح البحث.
وقد خص المشرع حاكم التحقيق باختصاص استنطاق المحامي محل التتبع دون غيره، أي أنه أقصى مأموري الضابطة العدلية من الاضطلاع بهذا الدور وهو أمر بديهي في رأينا. غير أن"الإضافة: التي جاء بها الفصل 45 هي وجوب التحقيق مع المحامي حتى في صورة الجنحة المرتكبة من المحامي وذلك خلافا للمبدأ العام في مادة الإجراءات الجزائية الذي يجعل من التحقيق مسألة إختيارية في مادة الجنح.
ويتولى حاكم التحقيق القيام بجميع الأعمال التي يتطلبها عمله من استنطاق وتفتيش وحجز وإصدار البطاقات اللازمة وغيرها. غير أن هذا المبدأ يعرف استثناء جاءت به الفقرة 4 من الفصل 46 من قانون المهنة التي نصت على انه في صورة التلبس يقوم مأمورو العدلية كل الإجراءات، أي البحث والحجز...في حين أن هذه الفقرة قد تركت مسألة الاستنطاق من ضمن اختصاص القاضي المتعهد بالموضوع.
الفقرة الثانية :على مستوى حماية مكتب المحامي :
تمثل استباحة مكتب المحامي إشكالية كبرى يعاني منها المحامون في تونس أمام ضعف ومحدودية الضمانات القانونية والواقعية لمكتب المحامي ووثائقه ومراسلاته واتصالاته.
فإذا عدنا إلى التشريع فإننا لا نجد إلا ضمانة شكلية محدودة إلى حد بعيد تتمثل فيما نص عليه الفصل 45 من قانون 1989 في فقرته الثانية من انه"لا يجوز تفتيش مكتب محام بدون حضور القاضي المختص قانونا".
وتفضي قراءة هذا الفصل إلى القول بان حاكم التحقيق هو المختص الوحيد قانونا بالقيام بأعمال تفتيش المكتب دون أن يحق له إنابة مأموري الضابطة العدلية لتعويضه في القيام بهذا الدور.
وتبقى أهم إشكالية مطروحة في هذا الإطار تتعلق بمسالة استقلالية القضاء وقدرته على القيام بهذا الدور بكل مسؤولية وحياد. إن إثارة هذه الإشكالية لا تنبع من فراغ بل من واقع التتبعات المثارة ضد المحامين في تونس خاصة إذا كانت القضية ذات طبيعة سياسية.
ومن جهة أخرى فان المشرع التونسي لم يتعرض إلى مسالة الحجز بمكتب المحامي مما يجعل الأمر خاضعا إلى الفصل العام في مادة الإجراءات الجزائية والذي ينص على انه"على حاكم التحقيق أن يبحث عن الأوراق والأشياء التي من شانها الإعانة على كشف الحقيقة وان يحجزها".
وهذا السكوت لا يمكن أن يقرا إلا على اعتباره غيابا لأي شكل من أشكال الضمانات الممنوحة للمحامي في هذا الإطار. سواء فيما يتعلق بحضور العميد أو رئيس الفرع الجهوي أو كذلك غياب أي استثناء لبعض الوثائق الخاصة أو ذات الطابع السري. فالمشرع التونسي لم يستثني، خلافا لبعض القوانين المقارنة، حتى المراسلات المتعلقة ببعض القضايا التي ينوب فيها المحامي محل التتبع أو المرسلة إليه من زملاءه أو من حرفاءه.فهذه المراسلات تبقى خاضعة إلى الفصل 99 من م.ا.ج الذي ينص على انه"لحاكم التحقيق أن يأذن بحجز كل ما كان من قبيل المراسلات وغيرها من الأشياء المبعوث بها إن رأى في ذلك فائدة لكشف الحقيق" .
الفصل الثاني: ضمانات مشروطة :
تنص الفقرة الاولى من الفصل 46 من قانون 1989 على انه "لا تترتب عن المرافعات الواقعة امام المحاكم والكتابات المقدمة اليها اية دعوى من اجل الثلب او الشتم او القذف او النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة والمجلة الجنائية الا اذا ثبت سوء النية ".
ان القراءة المعاكسة لهذه الفقرة تفضي بالقول الى حصانة المحامي أمام المحاكم بمناسبة مرافعاته وتقاريره لا تتوفر الا متى كان حسن النية. وحسن النية يبقى من أكثر المفاهيم اثارة للجدل باعتباره مفهوما غير محدد وقابل لأكثر من تأويل بل يمكن يتباين تفسيره بين شخص وآخر بصورة كبيرة.
لذلك لا بد من محاولة تحديد هذا المفهوم (الفقرة الاولى)، ثم البحث في مسالة تتبع المحامي متى ثبت سوء نيته في مرافعة او تقرير مقدم الى المحكمة. (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: مفهوم حسن النية الوارد بالفصل 46
يمثل سوء النية استثناء لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي و المشرع لم يوضح متى يكون المحامي سيء النية في مرافعاته او في تقاريره . و يكون بذلك قد ترك المجال لمطلق اجتهاد القاضي فهو الذي يستشف سوء النية و يرتب الحدّ من الحصانة و يجعل من المحامي محل مؤاخذة إذا كانت مرافعاته أو كتاباته تتم عن سوء نية.
إذن فان القاضي هو الذي يعطي لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي الجدوى في تفعيل المحاكمة العادلة لذلك تدخل حصانة المحامي و استقلال القضاء في علاقة جدلية لا يمكن لإحداهما أن تتحقق بدون أخرى.
وتجدر الاشارة في البداية إلى أن هناك واجب الاحترام تجاه المحاكم محمولا على المحامي و يعتبر اليمين التي يؤديها قبل مباشرته خير دليل على ذلك ، كما جاء بالفصل الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 " اقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة و شرف و أن أحافظ على سرّ المهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الواجب المحاكم و للسلطة العمومية " .
غير أن عمومية عبارات هذا الفصل لا تسمح بإعطاء مدلول واضح لواجب حسن النية المحمول على المحامي، خاصة في غياب فقه قضاء مستقر وواضح.
ومن خلال الحكم الجناحي الابتدائي عدد 51906 المؤرخ في 03 ماي 2005 الصادر المحكمة الابتدائية بقرمبالة المتعلق بتتبع الاستاذ فوزي بن مراد ، فان المحكمة ادانت المحامي المذكور من اجل تهمة انتهاك حرمة موظف بالقول والتهديد بالجلسة من النظام العدلي طبق الفصلين 125 و126 من المجلة الجنائية والفصل 46 من قانون المحاماة، بناء على توجهه الى رئيس المحكمة بالعبارات التالية:"اسكت انت، وقت يتكلم لسان الدفاع حتى حد ما يقاطعو". ويمن ان نستخلص ان غياب مفهوم واضح ودقيق لمفهوم سوء النية يشكل تهديدا كبيرا لحرية المحامي وحصانته بمناسبة أداءه لرسالته.
الفقرة الثانية: تتبع المحامي سيء النية
على الرغم من الجدل الواسع الذي أثاره الفصل 46 من قانون المهنة في الجانب المتعلق بالاستثناء الوارد بمناسبته اذا ثبت أن المحامي سيء النية وعلى الرغم كذلك من جميع النداءات التي تتالت من مختلف هياكل مهنة المحتاماة والداعية لتنقيحه في اتجاه يحفظ للمهنة حرمتها ويوفر للمحامين ضمانات حقيقية فان السلطة التنفيذية لم تستجب لذلك ولم تقدم على تنقيح هذا الفصل الذي بقي سيفا مسلطا على رؤوس المحامين ولئن أظهرت التجربة \أنه لم يتم استعمال هذا الفصل الا مرة واحدة منذ تنقيخ 1989 فان خطورته تبقى قائمة كما أنه يجعل من التشريع الونسي المنظم لمهنة المحاماة حالة استثنائية أمام تشاريع عديد الدول الغربية وحتى العربية حقيقة أن تتبع المحامي لا يمكن أن يكون على أساس النوايا بل الافعال.
الجزء الثاني: ضمانات لا تتوفر على شروط المحاكمة العادلة
لقد جاء هذا المبدأ بالفصل 46 من قانون تنظيم مهنة المحاماة له 1989 الذي اقتضى أنه : لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليه أية دعوى من أجلا لسب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعرفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية .
الفقرة الأولى: حدود متأتية من صياعة النص ذاته :
الاستثناء لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي هو سوء النية و المشرع لم يوضح كيف و متى يحدث سوء النية . و يكون بذلك قد ترك المجال لاجتهاد المطلق للقاضي فهو الذي يستشف سوء النية و يرتب الحدّ من الحصانة و يجعل من المحامي محل مؤاخذة إذا كانت مرافعاته أو كتاباته تتم عن سوء نية إذن القاضي هو الذي يعطي لمبدأ عدم المؤاخذة المحامي الجدوى في تفعيل المحاكمة العادلة لذلك تدخل حصانة المحامي و استقلال القضاء في علاقة جدلية لا يمكن لإحداهما أن تتحقق بدون أخرى. نشر في البداية إلى أن هناك واجب الاحترام تجاه المحاكم محمولا على المحامي و يعتبر اليمين التي يؤديها قبل مباشرته خير دليل على ذلك ، كما جاء بالفصل الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 " اقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة و شرف و أن أحافظ على سرّ المهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الواجب المحاكم و للسلطة العمومية " .
و يتجه الفقه في أن على المحامي أن يمتنع بشكل صارم عن أي عمل يمكن أن ينال من استقلال القضاء … كما لا يجب أن تكون العلاقة بين القضاة و المحامين عرضة "لإساءة الدفاع " إذن ما هي حدود حصانة المحامي خاصة و أن النية هي حالة كامنة في النفس لا يمكن لأي كان أن يستقرئها إلاّ من خلال تجسيداتها الخارجية و المادية فالاستثناء لمبدأ الحصانة هو استثناء هام و المشرع أو كل تفسيره للقاضي لذلك ارتأينا البحث عن مفهوم سوء النية في القوانين الأخرى علنا نهتدي إلى مفهوم يمكن من خلاله جعل لهذا الاستثناء مواصفات موضوعية .
سوء النية في القانون المدني هو التغرير أي إخفاء عيوب الشيء حتى يظهر للغير بالصفة الغير حقيقية أي الخزعبلات التي توقع الغير في الغلط .
سوء النية في القانون الجنائي : هو القصد الجنائي أي القيام بعمل أو عدم القيام به مع المعرفة أن ذلك الفعل مجرم و معاقب عليه بنص سابق الوضع .


المواضيع المتشابهه: