بيان صادر عن أعضاء الهيئة الأكاديمية في "الأردنية" يدين العدوان على غزة


مذكرة صادرة عن أعضاء الهيئة الأكاديمية في الجامعة الأردنية
بشأن العدوان الصهيوني على غزة


إحساساً بالمسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى المجازر والعدوان الصهيوني الغاشم في غزة، وبشعور من واجب المشاركة في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته التي يمر بها الآن وهو يواجه الآلة العنصرية الصهيونية، ومن موقع الأكاديميين كطلائع في المجتمعات الحديثة حيث تمثل مواقفهم الوضوح والنضج والوعي لما يعتمل في مجتمعاتهم، يبادر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأردنية إلى توجيه هذه المذكرة ليعبروا فيها عن رؤاهم وأمانيهم، وآمالهم، وفهمهم للعدوان الصهيوني على غزة، وذاك العدوان الذي يتصف بالهمجية وبالبربرية الموغلة في قسوتها، ويعبر عن الوجه القاتم والحقيقي للكيان الصهيوني بصفته كياناً احلالياً واستيطانياً وعنصرياً، وبصفته كياناً لا يراعي أي حس إنساني ولا يأبه بأي مبدأ قانوني أو أخلاقي أو ديني.

يرى أعضاء الهيئة الأكاديمية في الجامعة الأردنية أن المعركة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد غزة معركة مركّبة، فهي ذات طابع عسكري وإعلامي ونفسي واقتصادي وقانوني. ولعل المكون القانوني للمعركة أضحى الأكثر أهمية، فلولاه لما استطاع هذا الكيان أن يشن عدوانه بهذا الصلف والغرور والتمادي، إذ تبنى العالم الغربي مقولاته ومواقفه القانونية. وإزاء هذا الواقع فإن الأبعاد القانونية لهذا العدوان تستدعي وتستوجب الوقوف عندها بغية إبراز المخاتلات والخدع القانونية التي يسوقها الكيان الصهيوني لتبرير عدوانه، علاوة على الآليات التي يتيحها القانون الدولي للبلدان والشعوب العربية لمواجهة هذا العدوان. ويمكن إيجاز هذه الأبعاد والآليات على النحو الآتي :-

أولاً: إن مقولة الدفاع عن النفس التي دأبت الماكنة الصهيونية على التمسك بها لتبرير عدوانها ليس لها أي أساس قانوني، فغزة بالإضافة إلى سائر الأراضي الفلسطينية الأخرى تعد أراضي محتلة، فهي خاضعة للسيطرة الفعلية للمحتل الصهيوني براً وبحراً وجواً، علاوة على أن من الشروط اللازمة للدفاع عن النفس أن لا يكون الفعل المؤدي للدفاع عن النفس مثاراً من جانب من يتمسك به، والكيان الصهيوني يفتقر لهذه الشروط اللازمة لأنه باحتلاله لغزة هو الذي بدأ بالعدوان وأثار الحالة التي يتذرع لمواجهتها بالدفاع عن النفس وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية في عام 2004 في رأيها الاستشاري الخاص بالجدار الفاصل.

ثانياً: وكون غزة أرضاً محتلة من قبل الكيان الصهيوني، وهي لهذا السبب تخضع لأحكام القانون الإنساني الدولي، وفي مقدمتها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين تحت الاحتلال، ولهذا السبب، فإن الكيان الصهيوني، وهو طرف في الاتفاقية المذكورة إلى جانب اتفاقيات جنيف الأخرى، ملزم بصفته قوة محتلة باحترام الالتزامات الناشئة عن الاتفاقية وبوجوب حماية الأطفال والنساء والمدنيين، وتأمين سبل المعيشة الضرورية لهم، وعدم جواز تجويعهم وحصارهم، وتحريم الاعتداء على المنشآت الحيوية لحياة السكان ودور العبادة ودور العلم والمستشفيات ورجال الإسعاف. وليس خافياً أن الكيان الصهيوني يمعن في انتهاك هذه الالتزامات، الأمر الذي يشكل بحسب اتفاقيات جنيف الأربع، ومن بينها المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة جريمة حرب يتعين ملاحقة مرتكبيها وكل من ساهم بارتكابها جزائياً، والمطالبة بالتعويض عنها.

ثالثاً: إن إغلاق المعابر يخالف أحكام القانون الدولي الوضعي، ويتعارض تعارضاً تاماً مع النظام العام الدولي فثمة التزام عرفي، يقع على عاتق الدول الأعضاء في الأسرة الدولية ويوجب احترام الحقوق الإنسانية الأساسية في زمن السلم والحرب معاً، ويوجب إغاثة أي شعب يحاصر أو يجوع في نزاع مسلح، إلى جانب التزام قوة الاحتلال بضمان المستويات المعيشية الأساسية لسكان الأراضي المحتلة. وحتى لو فرضنا أن هناك التزاماً اتفاقياً في هذا الخصوص. وهو التزام ليس موجوداً بمقتضى اتفاقية المعابر، وعليه فإن الالتزامات الناشئة عن القانون الدولي العرفي وعن ميثاق الأمم المتحدة بوجوب احترام الحقوق الأساسية للأفراد وبحق الشعوب بتقرير المصير تسمو على أي التزام اتفاقي آخر. وتجدر الإشارة إلى أن إغلاق المعابر يعد مساهمة واشتراكاً في تجويع سكان قطاع غزة ومخالفاً لأحكام اتفاقيات جنيف الأربع، ويقع تحت طائلة المسؤولية الجزائية الدولية عن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة الآن.

رابعاً: من الثابت في القانون الدولي العرفي أن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية تستوجب من الدول أن تمارس صلاحية عالمية بشأن ملاحقة ومحاكمة مرتكبيها. والفرصة مواتية للدول العربية الأطراف في اتفاقيات جنيف الأربع لأن تعدل تشريعاتها الجزائية امتثالاً لهذا الالتزام القانوني الذي يقع على عاتقها، مما ييسر محاكمة الصهاينة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني أمام المحاكم الوطنية في الدول العربية.

خامساً: تتيح المادتان الثامنة والتاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فرصة كبيرة للعمل، ومهمة الدول العربية والإسلامية الأطراف في الاتفاقية أن تلجأ إلى محكمة العدل الدولية لمطالبتها بإصدار أمر مستعجل تطالب فيه الكيان الصهيوني بوقف جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة، خاصة وأن الكيان الصهيوني طرف في هذه الاتفاقية منذ عام 1950، إلى جانب كل من : الأردن، وسوريا، والكويت، ومصر، والجزائر، والبحرين، وإيران، ودول عربية وإسلامية أخرى. وقد نجحت البوسنة والهرسك في عام 1993 مرتين في الحصول على هذه التدابير المؤقتة من المحكمة المذكورة ضد جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود).

سادساً: التوجه إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لمباشرة التحقيق في الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، وهي جرائم تدخل في الاختصاص الموضوعي للمحكمة المذكورة، ورغم الإدراك بأن اللجوء إلى المحكمة ليس منتجا من الناحية القانونية لأن المحكمة لا تأخد بالصلاحية العالمية ويكتفي نظامها الأساسي بالصلاحيتين الإقليمية والشخصية (إقليم دولة طرف، الجاني يحمل جنسية دولة طرف) ولأن الكيان الصهيوني ليس طرفا في نظامها الأساسي كذلك، إلا أن تحركا كهذا يكشف عن أهمية العمل بالصلاحية العالمية في إطار المحكمة المذكورة، ويلفت انتباه العالم لما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم في غزة.


سابعاً: من الواضح تماما أن مجلس الأمن ليس قادرا على التحرك للنهوض بمسؤولياته الأساسية في حفظ السلم والأمن وحماية الشعب الفلسطيني بسبب وقوعه تحت الهيمنة الأمريكية، ولهذا السبب فإن الفرصة مواتية للانتفاع من قرار "الاتحاد من اجل السلم" الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1950، لدعوة الجمعية العامة لعقد جلسة مستعجلة بخصوص الأوضاع في غزة، والدفع باتجاه تبنيها لجزاءات دبلوماسية واقتصادية بحق الكيان الصهيوني، وربما تعليق عضويته في الأمم المتحدة أو إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بفلسطين أو بغزة، خاصة وأن ميثاق الأمم المتحدة ذاته يسمح بإنشاء أجهزة فرعية تعاونها في عملها. واللجوء إلى الجمعية العامة ربما يكون أيسر وأجدى من اللجوء إلى مجلس الأمن بشأن العدوان الصهيوني على غزة لأن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ليس لها في الجمعية العامة أي امتياز أو معاملة تفضيلية عن سواها من الدول.

اننا في ضوء الأبعاد المذكورة أعلاه، وإزاء استمرار حصار سكان قطاع غزة منذ سنين واستمرار الكيان الصهيوني في عدوانه العسكري المكثف والوحشي على القطاع منذ ثلاثة عشر يوما، وهو العدوان الذي لم يتوان الكيان الصهيوني فيه عن استخدام كافة الأسلحة المدمرة والمحرمة، وعن استهداف النساء والمدنيين والأطفال، وإزاء صمت هيئات الأمم المتحدة وفي مقدمتها مجلس الأمن بصفته الجهاز المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وإيمانا منا بمبادئ وقيم منظمة الأمم المتحدة التي أضحت هي الأخرى محلا لاستهداف القوى الاستعمارية في العالم، نوصي باتخاذ التدابير الآتية:-

أولاً) وجوب التحرك لعقد قمة عربية تتخذ موقفا واضحا ومحددا من العدوان على غزة.

ثانياً) قيام الدول العربية التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني بقطع هذه العلاقات، خاصة وأن هذا الإجراء مألوف في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ويشكل وسيلة من وسائل الاحتجاج الدولي الشائعة في الحياة الدولية.

ثالثاً) دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لأن يباشر صلاحياته المنوطه به بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة لحماية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما فيه سكان قطاع غزة، وأن يبادر إلى دعوة مجلس الأمن أو الجمعية العامة للانعقاد بغية إيقاف العدوان الصهيوني على قطاع غزة ومواطنيه.

رابعاً) دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لتشكيل لجنة للتحقيق في المذابح المرتكبة في غزة، خاصة وأنها تخالف كافة المبادئ القانونية التي أرستها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات القانون الدولي الإنساني، وتحديد أبعاد ونطاق مسؤولية الكيان الصهيوني عن هذه الجرائم.

خامساً) دعوة الدول العربية والإسلامية الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، لتقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية موضوعه استصدار تدابير حماية مؤقتة لإيقاف جرائم الإبادة في غزة.
سادساً) حث الدول العربية على تفعيل قرار "الاتحاد من أجل السلم" لمجابهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للانعقاد لاتخاذ جزاءات ضده، وربما المطالبة بتعليق عضويته.

سابعاً) حث المجتمع الدولي بعمومه على تفعيل الآليات القانونية المتاحة لملاحقة ومحاكمة القادة والمسؤولين الصهيونيين عما ارتكبوه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية على المستويين الوطني والدولي على أساس مبدأ الصلاحية العالمية، علما بأن هذه الجرائم لا تسقط بمرور الزمن، ومطالبة الكيان الصهيوني بالتعويض عنها.

ثامناً) إطلاق حملة عربية لمواجهة الحجج والذرائع القانونية التي يسوقها الكيان الصهيوني لتبرير عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة بحجة الدفاع عن النفس، وللضغط على الدول المعنية لفتح المعابر وإنهاء تجويع وحصار القطاع، عملا بالمبادئ والأحكام العامة للقانون الدولي بوجه عام، وللقانون الإنساني الدولي بوجه خاص.

إن المثقفين العرب بعامة، والمثقفين الأردنيين بخاصة يثقون إلى الآن بدور القانون الدولي وأهميته، ويسعون جديا إلى ضمان وضع مبادئه وأحكامه موضع التطبيق ويرون أن العدوان السافر على غزة وسكانها ينطوي على خرق غير مسبوق لأحكام القانون الدولي، وعلى عدوان فريد من نوعه في مواجهة شعب أعزل خاضع لاحتلال طويل الأمد. وهم إذ يدعون إلى الاحتكام للشرعية الدولية، وللقرارات ذات الصلة، فإنهم يؤمنون بحق الشعوب في تقرير المصير داخل أوطانها، ويرفضون إلصاق تهم الإرهاب بحركات التحرر الوطني، وشن الحروب ضدها من قبل المحتلين باسم الدفاع عن النفس. وهم يؤكدون في الختام على أن حل النزاعات لا يكون إلا بحكم القانون، فهو الذي يمكث في الأرض أما حكم القوة فيذهب جفاء ولا يخلف إلا الدمار والضحايا الإنسانية. وإن السكوت عن مثل هذه الفظائع التي يرتكبها الصهاينة قد يشكل سابقة للسكوت عن جرائم مماثلة ترتكبها دول أخرى في المستقبل، مما يعرّض الأمن والسلم العالمي إلى خطر داهم.


المواضيع المتشابهه: