كالعادة عند إصدار أي مشروع قانون لانتخابات مجلس النواب تتسابق الأقلام إلى تحليل النظام الانتخابي المقترح ومدى توافقه مع أحكام الدستور، وهو ما حدث مع مشروع قانون الانتخاب الحالي لعام 2012 والذي أشبعه المحللون السياسيون دراسة وتحليلا فيما يتعلق بنظام التصويت المقترح الجديد لكن من دون الانتباه إلى باقي نصوص مشروع القانون والأحكام القانونية الأخرى فيه. فمشروع قانون الانتخاب الحالي ينطوي على مخالفة دستورية جسيمة لم ينتبه إليها أحد إلى الآن تتعلق بآلية التصويت يوم الاقتراع، وتحديدا تصويت الناخب الأمي الذي يخالف مبدأ سرية التصويت في الانتخاب والمقررة في المادة (67) من الدستور التي تنص على أن "يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفقا لقانون الانتخاب"، وهو ما أكدت عليه المادة (27) من مشروع القانون التي تنص على أن "يكون الانتخاب عاما سريا ومباشرا".
فعلى الرغم من الحماية الدستورية لسرية التصويت، إلا أن المُشرّع الأردني قد تجاهل ذلك المبدأ فيما يتعلق بآلية تصويت الناخب الذي يدعي الأمية وذلك في الإجراءات الخاصة الواردة في المادة (40) من مشروع القانون. فالناخب الذي يدعي الأمية بحسب مشروع القانون يجب عليه أولا أن يحلف اليمين أمام رئيس لجنة الاقتراع والفرز بأنه غير قادر على الكتابة وذلك تحت طائلة حرمانه من ممارسة حق الانتخاب إذا رفض ذلك.
إن مثل هذا الإجراء ينطوي على امتهان لكرامة الناخب وآدميته خاصة وأن الأشخاص الآخرين المتواجدين في مركز الاقتراع والفرز من مرشحين ومندوبيهم سيعلمون أن الناخب لا يجيد القراءة والكتابة، وهو ما قد يكون له تأثيرات نفسية على شخص الناخب قد تدفع به إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات تلافيا للحرج. كما أن حرمان الناخب الأُمي الذي لا يؤدي القسم من الاقتراع يشكل مخالفة لأحكام المادة (67) من الدستور التي تنص على أن الاقتراع عاما ومقررا لجميع الناخبين وليس مقيدا بإدلاء اليمين أو بأي إجراء آخر حتى ولو كان الناخب أميا لا يعرف القراءة والكتابة.
وبعد أداء القسم، يعلن رئيس لجنة الاقتراع والفرز أمام عضويها أن الناخب غير قادر على الكتابة ويطلب منه أن يحدد صورة المرشح أو المرشحين الاثنين اللذين يرغب في انتخابهما في الدائرة الانتخابية المحلية، ومن ثم يقوم الناخب وبصوت خافت لا يسمعه أحد سوى رئيس اللجنة وعضويها بذكر اسم القائمة التي يريد انتخابها، بحيث إذا ما تعمد الناخب رفع صوته أو تعمد القيام بأي تصرف لتمكين أحد الحضور من تحديد هوية من قام الناخب باختياره، تقرر اللجنة حرمانه من ممارسة كامل حقه في الانتخاب. وبعد عملية التصويت بالهمس يقوم رئيس لجنة الاقتراع والفرز بكتابة اسم المرشح أو المرشحين واسم أو رقم القائمة وفق ما اختاره الناخب على ورقتي الاقتراع المخصصتين لذلك، ويعرضهما على عضوي اللجنة ثم يسلمهما للناخب ويطلب منه وضعهما في الصندوق المخصص لكل منهما.
إن هذه الإجراءات الخاصة بتصويت الأُمي في مشروع قانون الانتخاب الحالي بعيدة كل البعد عن احترام مبدأ سرية التصويت الذي قرره الدستور الأردني، والذي يقصد به حق الناخب في الإدلاء بصوته يوم الاقتراع بسرية تامة تضمن عدم الكشف عن شخص المرشح أو القائمة التي يختارها. فالتصويت السري يقوم على أن يدلي الناخب بصوته بطريقة لا تسمح للآخرين بمعرفة اتجاهه في التصويت أو الموقف الذي اتخذه فيه حرصا على حريته ولعدم التأثير عليه بالترهيب أو بالترغيب. فتصويت الأمي ولو من خلال الهمس لرئيس لجنة الاقتراع والفرز وعضويها يعد صورة من صور التصويت العلني، على اعتبار أن هنالك ثلاثة أشخاص على الأقل هم أعضاء لجنة الاقتراع والفرز سيعرفون اسم المرشح الذي صوّت له الناخب والقائمة التي اختارها. كما أن وجود أشخاص آخرين في مركز الاقتراع من مرشحين ومندوبيهم قد يثير الشكوك بأن يسمع أي منهم همس الناخب أو أن يراقب حركة شفتيه ليتعرف على المرشح أو القائمة التي صوّت لها الأمي غير القادر على القراءة والكتابة.
وما يزيد من خطورة آلية تصويت الناخب الأمي بالهمس أن مشروع قانون الانتخاب الحالي لم يفرض أي إلزام قانوني على أعضاء لجنة الاقتراع والفرز بعدم إفشاء سر إعطاء الناخب لرأيه من دون رضاه وذلك على خلاف قوانين الانتخاب الأردنية السابقة والتي كانت تعاقب كل من يبوح أو يفشي سر الاقتراع أو سر إعطاء الناخب لرأيه من دون رضاه بالحبس والغرامة.
وبالإضافة إلى الحماية الدستورية، فإن مبدأ سرية التصويت في الانتخابات يتمتع بحماية دولية تضفي أهمية قصوى على تطبيقه على الصعيد المحلي. فقد اهتمت المواثيق والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان بحق الناخب في سرية التصويت، إذ تم النص عليه صراحة في عدة مواثيق دولية أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي ينص في المادة (21) منه على أن "إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري". كما أكدت الفقرة 2 من المادة (25) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 أن "للمواطن الحق في أن ينتخب وُينتخب في انتخابات نزيهة تجري بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين". كما اعتبر الإعلان العالمي الخاص بنزاهة وحرية الانتخابات والذي أقره الاتحاد البرلماني الدولي بالإجماع في دورته رقم 154 المنعقدة في باريس في آذار 1994 أن لكل مواطن بالغ الحق في التصويت في سرية والذي هو حق مطلق يجب عدم تقييده بأية طريقة كانت. وأخيرا فقد أكدت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضرورة أن تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري فيما يتعلق بحق الاشتراك في الانتخابات اقتراعا وترشيحا وأن تقرره على أساس الاقتراع العام السري المتساوي.
إن الحلول والبدائل لتصويت الناخب الأمي بالهمس عديدة وسهلة للتطبيق، وأكثرها شيوعا أن يتم تطوير ورقة اقتراع خاصة بالناخبين الأميين بصورة تضمن أن يقترعوا بصورة سرية وأن يتفادوا التصويت بالهمس لأعضاء لجنة الاقتراع، إذ يمكن أن تتضمن ورقة الاقتراع أسماء المرشحين وصورهم الشخصية أو أي رمز أو إشارة للتعريف بهم ليقترع الناخب الأمي من خلال التعرف على صورة المرشح أو على أي علامة فارقة له وذلك بوضع إشارة بالقلم أو بالبصمة أمام صورة مرشحه أو رمزه الخاص الدال عليه.
إن الطريف بالأمر أن مشروع قانون الانتخاب الأردني لعام 2012 قد أخذ بأسلوب صور المرشحين على ورقة الاقتراع فيما يتعلق بانتخاب الدائرة المحلية، حيث فرض على الناخب الأمي أن يحدد صورة المرشح أو المرشحين الاثنين اللذين يرغب في انتخابهما في الدائرة الانتخابية المحلية، إلا أنه عندما تعلق الأمر بالتصويت على القائمة عاد إلى تطبيق أسلوب التصويت بالهمس. فقد كان بإمكان المشرع الأردني أن يطبق فكرة صور المرشحين على اختيار القوائم الانتخابية، أو أسلوب الألوان لاختيار القوائم المغلقة بحيث تتم الإشارة إلى القوائم بألوان مختلفة ويتم التصويت من قبل الناخب الأمي عن طريق اختيار لون معين ليمثل قائمة معينة.
أما فيما يتعلق بتصويت الأشخاص المعوقين، فقد نصت المادة (41) من مشروع قانون الانتخاب لعام 2012 على أن يقوموا بالتصويت من خلال مرافقين لهم وفقا لإجراءات التصويت للأشخاص العاديين مع مراعاة أي إجراءات خاصة تحددها التعليمات التنفيذية لهذه الغاية. إن التصويت من خلال مرافق لا يتعارض مع أحكام الدستور الأردني أو قانون الانتخاب اللذين يشترطان أن يكون الاقتراع عاماً وسرياً ومباشراً من دون أن يشترطا أن يكون الاقتراع شخصياً، وذلك على خلاف الوضع في قانون الانتخاب الفلسطيني الصادر رقم (9) لسنة 2005 الذي ينص صراحة على أن يمارس كل ناخب حقه في الانتخاب بصورة حرة ومباشرة وسرية وفردية، وأنه لا يجوز التصويت بالوكالة. وكذلك الحال في قانون الانتخاب اللبناني رقم (25) لسنة 2008 الذي ينص صراحة أنه لا يحق للناخب أن يوكل غيره بممارسة حق الاقتراع.
إلا أنه ما يؤخذ على المادة السابقة في مشروع القانون أنها غير دستورية، إذ إنّه لا يجوز أن تحدد إجراءات تصويت الشخص المعوق في تعليمات تنفيذية، بل يجب أن تذكر بصراحة ووضوح في صلب القانون، إذ إنه لا يجوز للتعليمات التنفيذية أن تأتي بأحكام جديدة غير منصوص عليها في القانون.
إن مجلس الأمة وأثناء مناقشاته لمشروع قانون الانتخاب مدعو إلى تفادي الأخطاء الدستورية السابقة التي يتضمنها مشروع القانون وإيلائها الأهمية ذاتها التي يعطيها لكل من النظام الانتخابي المقترح والدوائر الانتخابية وذلك كي لا يكون مشروع القانون عرضة للطعن بعدم دستوريته بعد التصديق عليه ودخوله حيز النفاذ.

المواضيع المتشابهه: