أجرت الحوار - رانيا الهندي- قال رئيس مجموعة طلال أبو غزالة، الدكتور طلال أبو غزالة، إن الحكومات المتعاقبة خالفت قانون الدين العام بكفالتها لديون الشركات الحكومية التابعة لها.
وحذر الدكتور أبو غزالة، في حوار مع « الرأي» لجوء الحكومة للاقتراض داخليا وخارجيا لسد عجز الموزانة، مبينا أن هذا الإجراء – الاقتراض- سيضاعف العجز المتوقع في الموازنة من 1.2 مليار دينار الى 4 مليارات دينار مع نهاية العام الجاري، منتقدا اهتمام الحكومة بالاقتراض دون السعي الى تعزيز إنتاجية الاقتصاد الوطني.
ولفت الخبير الاقتصادي، الى أن المملكة متجهة الى حالة من الركود التضخمي (مرحلة ما بعد الركود)، موضحا أن نسب التضخم التي أعلنت عنها الحكومة في وقت سابق سترتفع لأكثر من 7% بعد رفع أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية، وقال :» باعتقادي أن نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة سيلتهمها عاملي التضخم والنمو السكاني».
وبين الدكتور أبو غزالة أن التعديلات التي أجرتها الحكومة على موازنة العام الجاري لم تكن كافية، وقال:» كان من الأجدى إعداد موازنة جديدة بدلا من إجراء تعديلات أدت الى الوضع الاقتصادي الذي نعايشه اليوم».
ودعا أبو غزالة الى تشكيل فريق عمل من خبراء مستقلين لإعداد دراسة تحليلية لموضوع العجز الحكومي والمديونية والنمو تعكس مقدار الشفافية والمصارحة من قبل الحكومة، مرجحا أن تتراجع كافة المؤشرات الاقتصادية بنسب أكثر من المعلن عنها.
كما انتقد أبو غزالة خصخصة بعض المؤسسات والشركات التابعة للحكومة في وقت سابق، منوها الى أنها
لم تتم بموجب المعايير المحاسبية والمعايير المالية والمطلوبة.
وفيما يلي نص الحوار..


أعلنت الحكومة في وقت سابق عن توقعاتها للمؤشرات الاقتصادية للمملكة من العجز والمديونية، كيف تقرأون هذه الأرقام وهل تتفقون معها ؟

حسب البيانات الحكومية، فإن عجز الموازنة المتوقع نهاية العام الجاري سيصل الى 1.2 مليار دينار وحسب بياناتي المتوقعة والمعلومات المتوفرة لدي فإن عجز الموازنة سيصل مع نهاية العام الى 4 مليار دينار وذلك للأسباب التالية
أولا: حسب البيانات تقوم الحكومة باقتراض يومي ما معدله 300 مليون دينار شهريا أي 15 مليون دينار كل يوم عمل، كما تتفاوض الحكومة مع صندوق النقد لاقتراض 2 مليار دولار، كما ستقترض من البنوك 650 مليون دينار. ويجب ان نتذكر ان الموازنة التي وأظهرت عجزا متوقعا بنحو مليار دينار اعتبرت المساعدات الخارجية ضمن الايرادات وهنا يجب ان نخصم من الإيرادات، المساعدات التي أرجح أنها لن تصل .
انا اريد القول باختصار ان العجز الحقيقي بعد خصم المساعدات الخارجية والتي كنت اقول دائما بانه لا يجوز ادخالها ضمن الايرادات وذلك لأسباب محاسبية ويجب أن ترد في اسفل الموزانة وتحت الخط، وان تحسب حساباتنا الفعلية للاداء والصرف على اساس الايرادات التي هي تحت سيطرتنا دون إضافة هذه المساعدات، فإذا خصمنا هذه المساعدات وأضفنا بحسبة بسيطة ما جرى اقتراضه وما هو جار التفاوض لاقتراضه نصل الى ان العجز سيصل الى 4 مليار دينار ، وذلك لانني لا أرى سببا للاقتراض إلا لسد العجز وهنا إذا أضفنا الاقتراض وخصمنا المساعدات سيرتفع العجز الى هذا الرقم المخيف .
هذا فيما يخص الحكومة ولكن أود ان إضيف أنني عندما اضع هذا الرقم تقديرا أضيف إليه عجوزات المؤسسات المستقلة التابعة للدولة والتي يجب ان تدخل في الموازنة ما دامت الدولة مسؤولة عن عجوزاتها.
وحيث انني اوضحت وجود ارتباط بين الدين العام او العجز الحكومي اود الانتقال الى الدين العام
المديونية وحسب توقعات الموازنة الحكومية سترتفع من 15 مليار دينار مع نهاية العام الجاري، الى 17 مليار دينار على الاقل اذا ما أضفنا اليها مديونية الشركات التابعة للحكومة مثل شركة الكهرباء الوطنية، امانة عمان ، والشركات التنموية والعبدلي وغيرها ، اما تقديراتي الشخصية فتشير الى أن الرقم سيصل الى ضعف هذا المبلغ بسبب ما ذكرته سابقا من اقتراض داخلي وخارجي، وخلال الشهور الخمسة الماضية اقترضت الحكومة مليار ونصف المليار حسب الأرقام المعلنة والتي تبين الفرق بين المديونية في الشهور الخمسة الماضية مقارنة بذات الفترة من العام الماضي .
اكرر، إن العجز الحكومي هو الوجه الآخر للدين العام، فإذا أضفنا الخسائر المتراكمة والمتوقعة للمشاريع الحكومية والديون المكفولة من الدولة وهذه غير الدين العام ( هي عبارة عن خسائر متراكمة يجب تسديدها ) أقول أننا أمام دين عام ستصل نسبته 100% وليس كما توقعت الحكومة 48% ، وكنت قد أشرت في لقاء سابق مع «الرأي» الى أن نسبة العجز الى الناتج المحلي الإجمالي ستصل الى 65%.
إثارة هذه الملاحظات، هي رغبة مني في مساعدة الحكومة على معرفة حقيقة الوضع، فإدراك الحقيقة هو بداية الحل وليس الحل بتأجيلها .

هل تقصد بتحليلك هذا أن الحكومة قامت متعمدة بـ» تجميل» هذه الأرقام ؟

أنا لدي حسن نية بالحكومات ولا أظن أنها تقوم بعمليات تجميلية مقصودة او معلومات غير صحيحة لانها تهمة خطيرة انا أنزه الحكومات منها .
عدم تطبيق معايير المحاسبة الدولية على الحسابات الخاصة بالمؤسسات الحكومية والعامة والتي ناديت وديوان المحاسبة تكرارا بضرورة تطبيقها وأقمنا برنامجا تطوعيا لتدريب موظفي الدولة بالاشتراك مع ديوان المحاسبة الذي أبدى تجاوبا وتعاونا كاملا ووجهنا الى رئيس الوزراء الأسبق كتابا نعرض فيه العمل على تدريب الموظفين وتطبيق معايير المحاسبة الدولية ذات العلاقة وما زلنا بانتظار الرد.
ومن باب الأمانة يجب أن أشير الى مخالفات غير مقصودة من قبل الحكومات لقانون الدين العام، إذ قامت الحكومات بكفالة الشركات التابعة لها مثل ديون شركة الكهرباء وهو أمر محظور في القانون ولا يوجد ما يبر مخالفة القوانين وكان الأجدى أن تقوم الحكومة بتعديل القانون أو إيجاد حلول وبدائل أخرى غير مخالفة القانون .

في ضوء هذه النتائج هل تتوقعون أن تصل نسبة النمو في الناتج المحلي الاجمالي الى 3% كما هو معلن من الحكومة ؟

تقدر الحكومة هذه النسبة بـ3% بينما تقدرها المنظمات الدولية باقل من ذلك بقليل وأقدرها أنا بنصف ذلك ولا أتوقع ان يكون 1.5% لان الانكماش في الاقتصاد نتيجة عجز الموزانة والاجراءات التقشفية اللازمة مما سيؤدي الى تراجع في الانتاجية مضافا اليه ان الحكومة إذا اقترضت من البنوك مبلغ 650 مليون دينار وإذا افترضنا أن مجموع المبالغ متوفرة للاقتراض في البنوك هي 1.9 مليار دينار أي اننا سنسحب من البنوك ثلث مواردها الاقراضية المخصصة للقطاع الخاص مما سيؤدي الى مزيد من الانكماش في القطاع الخاص نتيجة جفاف هذه الموارد.
لا يمكن الحديث عن النمو دون الحديث عن ارتفاع الأسعار او التضخم ، فالدولة تقدر أن نسبة الغلاء ( التضخم) هي 5% وأنا أزعم أن هذه النسبة ستكون 7% لان تقديرات الحكومة بنسبة بوصول نسبة التضخم الى 5% كانت قبل رفع اسعار الكهرباء والمشتقات النفطية، ومعروف اقتصاديا ان ارتفاع الاسعار يؤدي الى التضخم وأتوقع اننا سنواجه تضخم بمعدل 7% وزيادة سكانية بنسبة 3% بمعنى أن نسبة النمو حسب الدولة سيلتهمها التضخم والزيادة السكانية، واحذر من أننا متجهون نحو ركود تضخمي ( مرحلة ما بعد الركود) اذا لم يتم اتخاذ الاجراءات التصحيحية اللازمة .

إذن كيف تقييم اجراءات الحكومة في حل المشكلات الاقتصادية؟

تحاول الحكومة خيرا أن تعالج العجوزات بأن تقترض وتعمل جاهدة لتحقيق ذلك لكن المشكلة في الاقتراض انه يزيد العجز نتيجة الفوائد التي ستدفع على المبالغ المقترضة، ولكنني كنت أتمنى أن تكون الحكومات مهتمة برفع نسب الانتاجية بقدر اهتمامها بالاقتراض، لذا أجد غرابة عندما تسعى الحكومة للاقتراض لسد العجز او ايداع جزء منها في البنك المركزي بينما تنحصر رغبة دول الخليج بتقديم مساعدات مشروطة باستثمارها في مشاريع وهو الحل الأمثل برأي لانه الطريق الذي يوفر الوظائف ويخفف نسب البطالة إضافة الى انه يحقق الانتاجية ويرفع الوعاء الضريبي الى مستويات أعلى وبالتالي يتحقق الايراد بدل الاقتراض.
نحن بحاجة الى فريق عمل من خبراء مستقلين لاعداد دراسة تحليلية لموضوع العجز الحكومي والمديونية والنمو تعكس مقدار الشفافية والمصارحة من قبل الحكومة، وباعتقادي أن المواطن مستعد دائما لتحمل أعباء التقشف بشرط أن يكون ساريا أيضا على كل المستويات الحكومية.
الحكومات المتعاقبة لم تعالج القضايا الاقتصادية للمواطن بسبب قصر فتراتها ( عدة أشهر) فقط ليصبح اهتمامها بالقضايا الآنية ودون أي رغبة في بحث موضوعات تعالج قضايا المستقبل فهي منهمكة بعمل كل ما يمكن عمله لمواجهة الاحتياجات اليومية اولا وآخرا.
اقترح صياغة ميثاق اقتصادي اردني على نسق الميثاق الوطني الأردني لعام 1990 لكن ومحدد لغرض الزام الحكومات المتعاقبة بعدم تخطي حدود مقررة اقتصاديا وماليا وتسري على الحكومات المتتالية إلزاما، على سبيل المثال أن يوضع حد للعجز العام او الدين العام فإذا عجزت الحكومة عن الالتزام به يجب عليها أن تستقيل بدلا من اللجوء الى مخالفة القانون او الميثاق وتترك المجال لمن يستطيع ذلك.
ما لم تفعله الحكومات هو عملية الاصلاح في الجهاز الحكومي، فبدلا من تبرع الوزراء بجزء من رواتبهم وكنت اتمنى أن لا يفعلوها لانها بالنسبة لي لم تكن المطلوبة بل كان يجب ان تبدأ بعملية إعادة هيكلة في الموظفين في الدوائر والمؤسسات الحكومية الرئيسية وأنا لا أقول انهاء خدمات ولكن تحويل هؤلاء الموظفين الى وظائف انتاجية حقيقية.
ثم نأتي لموضوع العطل والاجازات، وأذكر أنني أرسلت 5 رسائل لرؤوساء وزراء سابقين أذكر فيها ان عدد أيم العطل المقررة في القطاعين العام والخاص هو الاعلى في العالم وفي بعض الرسائل بينت مبالغ الخسائر التي يتكبدها الناتج المحلي الإجمالي نتيجة انخفاض الساعات الانتاجية، وأذكر بأن مجموع العطل الرسمية المقررة في امريكا هي 8 أيام وفي بعض الاجتهادات فإن مجموع الانتاج الفعلي للمواطن الأردني إذا خصمنا العطل الرسمية والاجازات وعطلة نهاية الاسبوع والعطل المرضية يكون نصف السنة فقط ايام عمل، وفي القطاع الخاص هنالك فتوى من ديوان تفسير القوانين بأن الحكومة إذا أصدرت قرارا بالعطلة فهو يسري على القطاع الخاص أيضا وهذا الأمر غير متعارف عليه عالميا، إذ ان للقطاع الخاص اعتبارات في الإنتاجية.
لم تشغل قضايا تحفيز الإنتاجية فكر الحكومات المتعاقبة التي انشغلت في فرض وزيادة الرسوم والضرائب.
عندما صدرت الموازنة العامة للدولة أصدرنا تقرير من منتدى السياسات الاقتصادية أظهرنا ما في هذه الموازنة من عيوب وطالبنا بإعادتها، والأرقام التي تتوالى الآن تثبت ما جاء في تقريرنا الذي ارسل الى الحكومة ومجلسي النواب والأعيان وطالبنا بردها في ذلك الوقت.
وأذكر انه عقب ذلك حصل إعادة نظر في الموازنة وأعيد بحثها في المؤسسات الثلاثة وأجريت عليها بعض التعديلات التي لم تكن كافية، ولو التزمت الحكومة في ذلك الوقت بتعديلاتنا ومقترحاتنا لتجنبنا ان نصل الى ما وصلنا اليه اليوم.
وتقديرا منا لأهمية الإعلام في هذا المجال، نحن الآن بصدد إنشاء لجنة لتطوير السياسات الإعلامية، إذ توصلنا الى نتيجة ان جزءا من المشكلة هو عدم توفر المعلومات الصحيحة ونشرها ومعالجتها وبالتالي ستقوم هذه اللجنة بتقديم اقتراحات حول دور كافة وسائل الإعلام في تحقيق أهداف الوطن في التقدم والتطور ومعالجة المشاكل وفي مقدمتها المشاكل الاقتصادية من خلال تحليلها ومناقشتها والوصول من خلالها الى استنتاجات تساعد صانع القرار على اتخاذ القرارات الصحيحة.

ثار جدل موسع أوساط القطاعات الاقتصادية والحكومية حول جدوى عمليات الخصخصة وأثرها المباشر على الاقتصاد الوطني، هل تعتقد ان الحكومات اخفقت فعلا في خصخصة الشركات ؟

أحد أهم مبادىء الخصخصة هو أن يكون اتخاذ القرار في الخصخصة من عدمه مبني على 3 معايير، المعيار الأول ان تكون نتيجة الخصخصة زيادة في الانتاجية وفي خلق الوظائف وفي زيادة التنافسية التي تؤدي الى التطور والنمو، أما المعيار الثاني فهو ان تتم الخصخصة وفقا لشروط مالية للدولة مقابل التنازل عن القطاع المخصخص بما يوازي الارباح المستقبلية لهذا النشاط وعلى اسس تجارية، فعندما يبيع تاجر ما مؤسسة أو يدخل شريكا يحسب ما يجب ان يدفعه الشريك على اساس الارباح المستقبلية، أما المعيار الثالث فهو ان لا تكون هذه المرافق من الحيوية لحياة المواطن بحيث انه لا يجوز تركها للقطاع الخاص بحيث يحدد اسعار منتجاتها على اساس احتكاري وبالتالي لا يجوز اجراء اية خصخصة احتكارية.
تقييمي لعملية الخصخصة انها لم تكن تتم بموجب المعايير المحاسبية والمعايير المالية والمطلوبة.


المواضيع المتشابهه: