مقـدمـة
يحتل التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات أهمية بالغة من الناحية العملية، فما من شخص في المجتمع يكاد ان ينأى بنفسه عن التعرض لاحكام هذا النوع من التأمين، فالأمر لا يقف عند حد الأشخاص الذين يملكون مركبات ويقع عليهم التزام قانوني بالتأمين عليها، بل انه يتعداهم ليطال شريحة اعظم من الأشخاص هم المارّون الطرق العامة، ركابا كانوا أو مشاة، ذلك ان أي منهم قد يكون صاحب حق في مطالبة شركة التأمين بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به من جراء تعرضه لحادث سير.
ولما كان الأمر بهذه الأهمية فقد أدرك المشرع منذ زمن ليس بالقريب أهمية معالجته بأحكام خاصة تنفرد عما هو مقرر في القواعد العامة، وتلاءم الخصوصية التي يتميز بها، فاصدر نظام التأمين الإلزامي على المركبات لتغطية أضرار الغير رقم (29) لسنة 1985، والذي بقي مطبقا إلى فترة تربو على ستة عشر عاما، حيث عاد فاصدر نظام التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن استعمال المركبات رقم (32) لسنة 2001 (النافذ)، والذي عززه بحزمة من التشريعات التي تغطي العديد من جوانب ذات الصلة.
وبالرغم من تلافي أحكام نظام التأمين الإلزامي النافذ للعديد من العيوب والثغرات التي كانت تعتور سابقه، إلا ان الواقع العملي مع ما يلازمه من حوادث وفرض كثيرة متجددة يشير بين فترة وأخرى إلى ضرورة مراجعة أحكام هذا النظام لتخليصه مما قد يشوبه من غموض أو نقص أو هنات، وبما لا يغفل الاعتبارات المختلفة التي حدت بالمشرع إلى إصدار هذا النظام، هذه الاعتبارات التي تتصل بمحاولة الحد من حوادث السير وتحقيق السلامة المرورية على الطرقات، ولا تنتهي عند تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الثلاث، المضرور، المؤمن له، شركة التأمين، واللذين يتصل كل واحد منهم بعلاقة مع الطرفين الآخرين، علاقة قد تجعل أحدهم يتمتع بحق أو يتحمل بالتزام.
وبعبارة أخرى، فان عقد التأمين الإلزامي يرتب حقوقا والتزامات بين طرفيه: المؤمن والمؤمن له، كما يمنح للمضرور الحق بالتعويض عما أصابه من أضرار ويمنحه في سبيل ذلك حق المطالبة به بواسطة دعوى مباشرة يرفعها في مواجهة شركة التأمين، إلا ان وجود مثل هذه الحقوق والالتزامات المتشعبة والمتشابكة أحيانا قد يثير مشكلات وتساؤلات عدة، من قبيل التساؤل عن مدى ما تلتزم به شركة التأمين في مواجهة غيرها من أشخاص؟ وهل يكون لتلك الشركة الحق في استرداد ما تدفع من تعويضات إذا كانت الأضرار المترتبة على حادث السير تتصل بخطأ عمدي أو جسيم ينسب إلى قائد المركبة؟
وبناء عليه فان دراسة موضوع التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن استعمال المركبات يمكن توزيعها على محاور ثلاثة نخصص لكل منها مبحث مستقل، كالآتي:
المبحث الأول: نطاق التأمين الإلزامي من حوادث المركبات
المبحث الثاني: الدعـوى المباشـرة
المبحث الثالث: حق المؤمن له في الرجوع على المؤمن له والمتسبب
المبحث الأول
نطاق التأمين الإلزامي من حوادث المركبات
لا شك في ان شركة التأمين تلتزم بتعويض الأضرار الناجمة عن حوادث المركبات، ولكن التساؤل الذي قد يطرح هنا يتعلق بنطاق التزام هذه الشركة، فهل تكون الشركة مسؤولة عن تغطية جميع المركبات التي تحدث أضرارا، أم ان مسؤوليتها تنعقد بخصوص طائفة منها دون الباقي؟ وإذا ما وقعت الأضرار التي تكون الشركة ملزمة بالتعويض عنها، هل تلتزم الشركة بكامل التعويض مهما بلغ مقداره أم ان لمسؤوليتها حدود لا يجوز تخطيها؟
لقد حدد المشرِع الأردني النطاق الذي يطبق فيه نظام التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات من خلال تحديده للمركبات الواجب التأمين عليها، فضلاً عن تمييزه بين الأضرار المشمولة بالتعويض عن غيرها من الأضرار.
وعليه فإن نطاق التأمين الإلزامي يمكن عرضه من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول : نطاق التأمين الإلزامي من حيث المركبات
المطلب الثاني : نطاق التأمين الإلزامي من حيث الأضرار
المطلب الأول
نطاق التأمين الإلزامي من حيث المركبات
لم يحدد نظام التأمين الإلزامي المقصود بالمركبة مباشرة، فالمادة الثانية منه أحالت في تحديد ذلك إلى قانون السير النافذ المفعول([1])، والذي عرّف المركبة على أنها (أي واسطة من وسائط النقل البري تسير بقوة آلية بما في ذلك وسائط الجر أو الرفع أو الدفع ذات عجلات ولا تشمل وسائط النقل المعدة للسير على الخطوط الحديدية)([2]). وطبقاً للتعريف السابق فإن لا أهمية للتسمية أو الحجم أو الغرض أو الفئة المرخصة بها المركبة، أو حتى الدولة المسجلة بها، أو الجهة العائدة إليها، فيستوي في ذلك أن تسمى المركبة سيارة أو حافلة أو صهريج، كما لا فرق في ذلك بين مركبة كبيرة أو صغيرة، معدة لنقل الأشخاص أو البضائع، أو تستخدم لإغراض أخرى كما هي الحال بالنسبة للحفارات، والجرارات، والروافع، والقاطرات المجهزة لجر المقطورات، أو الناقلات المصممة لحمل المركبات الأصغر أو غيرها من الأشياء، كما لا فرق في ذلك ان كانت تلك المركبة للاستعمال الخاص أم بالأجرة، وسواء أكانت أجنبية أم وطنية، عائدة للأشخاص الطبيعية أو المعنوية كالقوات المسلحة أو الأمن العام والدفاع المدني أو الشركات الخاصة أو الجمعيات، فجميع هذه الوسائط تعد مركبات، وهي بالتالي مشمولة بأحكام التأمين الإلزامي، الأمر الذي أكدته المادة الرابعة من نظام التامين الإلزامي أيضاً، إذ نصت على ما يأتي:( أ. تخضع لاحكام هذه النظام جميع المركبات، بما فيها غير الأردنية القادمة إلى المملكة أو المارة فيها، ولهذه الغاية تعتمد الاتفاقيات الدولية التي تمت مصادقة المملكة عليها بما في ذلك الاتفاقيات الخاصة بالتأمين الإلزامي.
ب. تستثنى من أحكام هذا النظام المركبات التي تخضع في تسجيلها وترخيصها إلى تشريعات أو إجراءات أخرى)([3]).
إذن فلا يستثنى من نظام التأمين الإلزامي أي من وسائط النقل البري سوى القطارات المصممة للسير على السكك الحديدية، والعربات التي لا تسير بقوة الدفع الآلي كالعربات التي تجرها الخيول، فضلا عما يستثنى بموجب تشريعات خاصة، أما ما خلا وسائط النقل هذه فلا يسمح بتسجيله أو الترخيص باستعماله أو حتى دخوله إلى أراضي المملكة قبل التأمين عليه.
المطلب الثاني
نطاق التأمين الإلزامي من حيث الأضرار
وضع المشرِع الأردني حدوداً للأضرار التي تلزم شركات التأمين بتغطيتها بموجب نظام التأمين الإلزامي، إلا أنه عاد في الوقت نفسه ولاعتبارات مختلفة ليستثني بعض الأضرار من نطاق تغطية شركات التأمين.
أولاً : الأضرار المشمولة بالتأمين الإلزامي
عرّفت المادة الثانية من التأمين الإلزامي الضرر على أنه:(الوفاة أو أي إصابة جسمانية تلحق بالغير أو أي أضرار معنوية ناجمة عنها والخسائر أو الأضرار التي تلحق بممتلكات الغير بسبب حادث ناجم عن استعمال المركبة).
ووفقاً لهذا التعريف فإن جميع الأضرار تكون مضمونة من قبل شركة التأمين، وبغض النظر عن كونها لحقت بالأشخاص أو الممتلكات، وسواء أكانت أضراراً مادية أم معنوية، لا بل أن التعويض يطال أيضا الكسب الفائت ونقصان القيمة وعلى نحو ما هو معروف في القواعد العامة، إلا ان ذلك كله يبقى منوطا بتحقق شرطين أشار إليهما نظام التأمين الإلزامي نفسه، وهذين الشرطين هما:
1. أن تكون الأضرار متعلقة بالغير
الغير كما حددته المادة الثانية من نظام التأمين الإلزامي هو:(أي شخص غير المؤمن له أو سائق المركبة يتعرض للضرر بسبب حادث ناجم عن استعمالها).
إذن فلا يستفيد أي من المؤمن له والسائق من التأمين الإلزامي إذا ما كانت الأضرار الناجمة عن الحادث قد لحقت بأي منهما، ذلك أن الهدف الذي من أجله يبرم عقد التأمين الإلزامي يتمثل في حماية هؤلاء الأشخاص من انعقاد مسؤوليتهما المدنية في مواجهة الغير، فالتأمين من المسؤولية بوصفه أحد أنواع التأمين من الأضرار يهدف إلى حماية الذمة المالية للمؤمن له من رجوع الغير عليه بالتعويض، وليس تعويض المؤمن له عما يلحقه بنفسه من أضرار([4])، على أن مانعاً لا يحول دون ابرام تأمين خاص من هذه الأضرار، ولكن بصفة اختيارية وبمقابل قسط تأمين أعلى([5]).
وعلى أية حال، فإن التساؤل الذي قد يثار في هذا الصدد يتعلق بالأضرار التي يلحقها أحد الشخصين المذكورين بالآخر، أي المؤمن له والسائق، فماذا لو قام السائق بإلحاق أضرار بالمؤمن له، أو العكس مثلاً، بأن قام المؤمن له بإلحاق أضرار بالسائق المنوط به العمل على تلك المركبة أو المصرح له بقيادتها؟
نعتقد بأن الأضرار في مثل هذه الحالة تكون مضمونة من قبل شركة التأمين، لأن المؤمن له يتمثل بقائد المركبة، وسواء أكان هو مالك المركبة الذي أبرم عقد التأمين أو شخص آخر تم تمكينه من قيادتها، الأمر الذي يستشف أيضاً من نص المادة الحادية عشرة من النظام ذاته، والتي جاءت على النحو الآتي:(لأغراض هذا النظام يعتبر في حكم المؤمن له أي شخص مخول من المؤمن له لقيادة المركبة).
2. أن تكون الأضرار المتحققة للغير ناجمة عن المركبة وهي في حالة الاستعمال
وهذا ما يبدوا جلياً من التعريفين السابق ذكرهما للضرر والغير، ومن تسمية هذا النظام أيضاً (نظام التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن استعمال المركبات)، فلا بد من استعمال المركبة لكي يتم تعويض الغير عما لحق به من أضرار([6])، ولا يهم من بعد ذلك كيفية الاستعمال أو الطريق التي تم من خلالها إصابة الغير بالضرر، إذ يستوي في ذلك أن يلحق الضرر بواسطة الدهس أو الصدم أو الانفجار أو الحريق وتناثر أو سقوط أشياء منها مادام أن ذلك كان أثناء استعمالها، ومؤدى ذلك أيضا إنه يستثنى من هذا النظام الأضرار التي تتسبب بها المركبة أثناء وقوفها أو إذا تحركت بسبب عدم اتخاذ السائق الوسائل اللازمة لإيقافها.
ومع ذلك نعتقد بأنه من الأجدر بالمشرع الأردني إعادة النظر في موقفه هذا، وجعل مسؤولية شركة التأمين تنعقد للتعويض عن الأضرار كافة، سواء أكانت المركبة في حالة استعمال أم لا، ولا مانع هنا من إعادة صياغة تسمية النظام وبعض عباراته ليصبح اكثر شمولا، كما لو صيّغ كالآتي:(التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات)([7])، فالمهم بالدرجة الأولى هو تعويض المضرور، خصوصا وان المشرع الأردني نفسه يقر بان الضرر الذي تتسبب به المركبة قد لا يكون أثناء استعمالها، بل بتدخل منها([8])، كما في الحالات التي أشارت إليها المادة الثانية من نظام التأمين الإلزامي في معرض تعريفها للحادث، فقد عرفت المادة المذكورة الحادث على انه:(كل واقعة ألحقت أضرارا بالغير ناجمة عن استعمال المركبة أو انفجارها أو حريقها أو تناثر أو سقوط أشياء منها).
أما إذا كان المانع من تعديل نظام التأمين الإلزامي وتبني مثل هذا الموقف هو عدم إثقال كاهل شركات التأمين بتعويضات إضافية، فنعتقد بالا مانع من منحها الحق في الرجوع بما تدفع من تعويضات في هذه الحالة على المؤمن له لا سيما إذا ما ثبت تقصيره.
وبناء عليه، فإذا تحقق وقوع الضرر وانبنى على ذلك قيام مسؤولية المؤمن له، فإن معنى ذلك إلزام شركة التأمين بمبلغ التعويض، فقد جاء في المادة العاشرة من نظام التأمين الإلزامي ما نصه:(تلتزم شركة التأمين بتعويض الغير عن أي مبالغ يكون المؤمن له مسؤولاً عن دفعها كتعويض عن الضرر)([9]).
إلا أن ما لا يجب إغفاله هو أن مسؤولية شركة التأمين لا تعد مسؤولية مطلقة، بحيث تعوض عن الأضرار كافة مهما بلغت قيمتها، بل أن لمسؤوليتها حد أقصى لا تلتزم بأكثر منه، وهو ما صرحت به المادة العاشرة ذاتها حيث جاء في الفقرة الثانية منها ما نصه:(وتحدد مسؤولية شركة التأمين في التعويض وفق أسس تحدد بمقتضى تعليمات يصدرها مجلس الوزراء)([10]).
وبالفعل فقد صدر عن مجلس الوزراء تعليمات تم بمقتضاها تحديد تلك الأسس، إذ وضعت سقفاً للتعويض الذي تلتزم به شركة التأمين في حالة الوفاة أو العجز الدائم عن الأضرار المادية بمقدار عشرة آلاف دينار وعن الأضرار المعنوية بمقدار ألفي دينار([11])، الأمر الذي حدد مثله بصدد مختلف الأضرار التي تلحق بالشخص أو بممتلكاته([12]).
ثانياً : الأضرار المستثناة من نظام التأمين الإلزامي
لقد حاول المشرِع من خلال نظام التأمين الإلزامي مراعاة اعتبارات عدة، فهو من جهة يبغي حماية حقوق المؤمن لهم والمضرورين في الحصول على ما يجبر الأضرار الناجمة عن استعمال المركبات، إلا أنه من جهة أخرى لم يرغب في إعفاء المؤمن لهم من كل مسؤولية قد تقع على عاتقهم، ذلك أن الذهاب بهذا الاتجاه إلى مداه يؤدي إلى نتائج وخيمة تهدر معها الحكمة التي وضع من أجلها هذا النظام، فقد يؤدي الإعفاء المطلق للمؤمن لهم من كل مسؤولية لا إلى الإهمال و قلة الاحتراز فقط([13])، وإنما إلى هدر حقوق شركات التأمين وتحميلها بأعباء إضافية يختل بموجبها التوازن المفترض تحقيقه بين طرفي العقد المؤمن والمؤمن له.
لذلك فقد نصت المادة الثانية عشرة من نظام التأمين الإلزامي على حالات عدة لا يترتب على شركة التأمين أي مسؤولية في حال توافر أحدها، وما لا يجب أن يغيب عن الذهن في هذا السياق هو أن هذه الحالات محددة حصراً، فلا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها، لا سيما وأن السماح بغير ذلك سيؤدي إلى إهدار حقوق المضرورين والمؤمن لهم في الكثير من الحالات، وهو ما سيفضي إلى إفراغ نظام التأمين الإلزامي من مضمونه، فضلا عن اصطدامه وتعارضه مع الصفة الآمرة التي تتميز بها أحكام هذا النظام لتعلقها بالنظام العام، وهذه الحالات هي([14]):
أ. الأضرار اللاحقة بالمؤمن له أو السائق
فقد قضت المادة (12) من نظام التأمين الإلزامي بإعفاء شركة التأمين من التعويض عن الأضرار التي تلحق بالمؤمن له، وسواء تعلقت بشخصه أم بالمركبة العائدة له، الأمر الذي ينطبق كذلك بصدد الأضرار التي تلحق بالسائق أثناء قيادة المركبة، إذ تعفى شركة التأمين من التعويض عنها، وبتعبير آخر فان الأضرار المشمولة بالتعويض بموجب نظام التأمين الإلزامي هي فقط الأضرار المتعلقة بالغير، والغير بحسب ما تقضي المادة الثانية من النظام هو أي شخص غير المؤمن له أو سائق المركبة- كما أسلفنا.
ب. الأضرار الناجمة عن سباقات السيارات المنظمة
لقد أشارت المادة (12/ب) من نظام التأمين الإلزامي إلى إعفاء شركة التأمين من المسؤولية عن الضرر الذي يلحق بالغير إذا كان ناجماً عن استعمال المركبة في سباق سيارات منظم، وسواء أكان ذلك السباق سباقا محليا أم دوليا، أما العلة من ذلك فتتمثل في أن اشتراك المركبة في مثل هذه السباقات يؤدي إلى زيادة المخاطر المؤمن منها زيادة كبيرة بحيث لا يعود من المناسب والعادل إلزام شركات التأمين بتغطية الأضرار الناجمة عنها بالعقد ذاته، وبموجب الشروط ذاتها لا سيما المتعلق منها بمقدار القسط المطلوب من المؤمن له، بل يكون الأحرى إبرام عقد خاص وبشروط مختلفة تلاءم تلك السباقات.
على أن ما يجب ملاحظته هو أن المشرِع اشترط لكي يعفي المؤمن من ضمانه للخطر أن يكون السباق منظماً، وإلا فإن شيئاً لن يتغير من أمر إلزام المؤمن في مواجهة المضرور أن كان السباق غير منظم، إلا أن ذلك لا ينفي أيضا إمكانية رجوع المؤمن على المؤمن له بما تم دفعه للمضرور([15]).
وما قيل بشأن سباقات السيارات ينطبق على اختبارات تحمل المركبات، فلا تلزم شركة التأمين بالتعويض عنها إلا بموجب عقد تأمين خاص يبرم لهذا الغرض.
ج. الأضرار اللاحقة بركاب المركبة أثناء تعليم القيادة عليها
فلا يجب على شركة التأمين تغطية الضرر الذي يلحق بركاب مركبة المؤمن له نتيجة لاستعمالها في تعليم قيادة المركبات إذا لم تكن مرخصة لهذه الغاية.
إلا ان إعفاء شركة التأمين من مسؤوليتها بموجب هذه الحالة مرهون بتحقق أمرين، أولهما: أن يصيب الضرر ركاب المركبة لا سواهم. وثانيهما: أن يكون التدريب على قيادة المركبة دون ترخيص، ذلك أن حجم المخاطر يزيد في هذه الحالة عن الحدود التي تم الاتفاق على تغطيتها، فلا يلزم المؤمن بها.
ولكن ماذا لو كان الغير لا يعلم بان المركبة التي يستقلها تستعمل للتعليم على القيادة، كما لو صعد شخص مع زملاء له في مركبة ظانا أن من يقودها حائز لرخصة قيادة تؤهله لذلك، فاتضح عقب وقوع الحادث أن أحدهم كان يعلم الآخر على قيادة المركبة، فهل يتم تعويض المضرور في مثل هذه الحالة؟
لا نعتقد ذلك، فالمادة (12/ج) من نظام التأمين الإلزامي لم تفرق بين ركاب المركبة الذين يعلمون باستعمال المركبة لتعليم القيادة عليها، وبين الركاب الذين لا يعلمون بذلك، مع انه كان من الأجدر بالمشرع الأردني التفريق بينهم وتطلب علم الراكب باستعمال المركبة للتعليم كشرط لإعفاء شركة التأمين من تعويضه.
وبناء عليه نقترح الاستعاضة عن نص الفقرة (ج) من المادة (12) من نظام التأمين الإلزامي النافذ بالنص الآتي:(الضرر الذي يلحق بركاب مركبة المؤمن له نتيجة لاستعمالها لتعليم قيادة المركبات إذا لم تكن مرخصة لهذه الغاية وكانوا يعلمون بذلك).
د. الأضرار اللاحقة ببضائع الغير المنقولة بأجر
فالضرر أو الخسارة التي تلحق ببضائع الغير المنقولة بواسطة مركبة المؤمن له لقاء أجر لا تلتزم شركة التأمين بالتعويض عنها بحسبما تقضي الفقرة (د) من المادة (12) من نظام التأمين الإلزامي.
وعلى ذلك فانه يشترط لاستفادة المؤمن من هذه الحالة تحقق أمور عدة كالآتي:
1- أن يكون الضرر قد لحق بالبضائع، والبضائع هي أشياء مادية تدخل في التعامل بين الناس ولها ثمن في السوق([16])، وبالتالي فإن المؤمن يلتزم بتعويض الأضرار التي تلحق بأشياء خاصة لا ينطبق عليها وصف البضاعة.
2- أن تكون تلك البضائع منقولة في المركبة، إما أن كان خارج المركبة فإن شركة التأمين تلتزم بالتعويض، الأمر الذي نعتقد بأنه ينطبق على البضائع أثناء تحمليها وتنزيلها من المركبة.
3- أن تكون تلك البضائع منقولة بأجر، أي أن يحصل المؤمن له على مقابل مادي نظير قيامه بالنقل، أما إن كان النقل بالمجان فإن مسؤولية الشركة تنعقد، فتلزم بتعويض المضرور، الأمر الذي لا نعتقد بأنه جدير بالتأييد، فليس من الحكمة التمييز بين البضائع المنقولة باجر وتلك المنقولة بالمجان، لا سيما وان ذلك قد يفتح بابا للتحايل على شركات التأمين، بادعاء طرفا عقد النقل عقب وقوع الحادث بان البضاعة منقولة بالمجان بغرض الحصول على التعويض بالرغم من أنها ليست كذلك.
وعلى ذلك نعتقد بأنه من الأولى بالمشرع الأردني تعديل نص الفقرة (د) من المادة (12) من نظام التأمين الإلزامي لتصبح على النحو الآتي:(الضرر الذي يلحق ببضائع الغير المنقولة بواسطة مركبة المؤمن له).
هـ. الأضرار الناجمة عن سبب أجنبي
لقد أعفى المشرع الأردني شركة التأمين من المسؤولية عن الضرر الذي يلحق بالغير والناجم عن حادث نتيجة الفيضانات والأنواء والعواصف والأعاصير والانفجارات البركانية والزلازل والانزلاق الأرضي، وغيرها من الأخطار الطبيعية، والحرب والأعمال الحربية والحرب الأهلية والفتنة والعصيان المسلح والثورة واغتصاب السلطة أو أخطار الطاقة النووية، ففي جميع هذه الحالات يكون قد تدخل في إحداث الخطر سبب أجنبي يحول دون أن ينسب الضرر إلى المؤمن له الذي تنعقد مسؤولية الشركة بانعقاد مسؤولية.
ولعله يؤخذ على هذه الحالة أنها لا تضيف جديدا، لأنها لا تعدو ان تكون تطبيقا للقواعد العامة التي تعفي المسؤول من التعويض في كل مرة يتدخل فيها سبب أجنبي في إحداث الضرر([17]).
و. الأضرار الناجمة عن المركبة ذات الاستعمال الخاص
بموجب المادة (12/و) من نظام التأمين الإلزامي فان شركة التأمين لا تكون مسؤولة عن تعويض الضرر الناجم عن المركبة ذات الاستعمال الخاص إذا تم استعمالها في الأغراض المخصصة لها.
والمركبة ذات الاستعمال الخاص بحسب تعريف المادة (3/ب) من قانون السير هي:(واسطة نقل أو رفع أو جر آلية مجهزة بمعدات ثابتة وبصورة دائمة لا يمكن استعمالها إلا في الأغراض المصممة لها).
وعليه فإن الأضرار الناجمة عن المركبات ذات الاستعمال الخاص لا تكون ناجمة عن استعمال المركبة، وإنما عن استعمال المعدات المزودة بها تلك المركبات، كما في الأضرار الناجمة عن استعمال معدات الحفر أو نقل الأنقاض أو حرث الأرض، أو ضخ الباطون الجاهز والإسفلت وغير ذلك من المعدات.
([1]) جاء في المادة الثانية من نظام التأمين الإلزامي ما يأتي:(المركبة: كما هي معرفة في قانون السير النافذ المفعول).
([2]) انظر (2) قانون السير رقم 47 لسنة 2001.
([3]) لقد عاد المشرع الأردني ليؤكد على ما جاءت به المادة الرابعة من نظام التأمين الإلزامي في قانون السير فنص في المادة السادسة على ما يأتي:(أ- لا يجوز تسجيل أي مركبة أو ترخيصها أو تجديد ترخيصها إلا بعد تقديم عقد تأمين لدى شركة تأمين في المملكة مجازة لممارسة أعمال تأمين المركبات ليغطي هذا العقد المسؤولية المدنية عن الضرر الذي يلحق بالغير الناجم عن استعمال تلك المركبة وفقاً لأحكام قانون مراقبة أعمال التأمين الساري المفعول والأنظمة الصادرة بمقتضاه.
ب- لا يجوز السماح بدخول المركبة غير الأردنية إلى المملكة إلا بعد تقديم عقد تأمين يغطي المسؤولية المدنية عن الضرر الذي يلحق بالغير الناجم عن استعمال تلك المركبة في المملكة وذلك وفقاً لأحكام قانون مراقبة أعمال التأمين الساري المفعول والأنظمة الصادرة بمقتضاه).
([4]) يذهب جانب من المشرعين إلى شمول قائد المركبة المتسببة بالحادث في نطاق التأمين الإلزامي، فمثلا يقضي المشرع العراقي بإلزامية تعويض قائد المركبة المتسببة في الحادث مادام أنه لم يتعمد إصابة نفسه. انظر: قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة1980(العراقي).
([5]) يستطيع المؤمن له مالك المركبة تغطية الأضرار التي قد تلحق بمركبة في غير الحالات المشمولة بالتأمين الإلزامي (التأمين ضد الغير) بموجب اتفاق خاص يعقده مع شركة التأمين إذ يسمى هذا النوع من التأمين الاختياري بالتأمين التكميلي. وقد جرت شركات التأمين على إطلاق تسمية وثيقة التأمين الشامل على الوثيقة التي تتضمن نوعي التأمين: التأمين الإلزامي والتأمين التكميلي.
أما الأضرار التي تلحق بالمؤمن له شخصيا فإنها تحتاج إلى اتفاق خاص أيضا بين المؤمن له وشركة التأمين وبالطبع فان تغطية هذا الخطر ستكون بمقابل قسط إضافي.
([6]) لا يعد موقف المشرع الأردني هذا بالأمر الجديد فقد كان ينص في نظام التأمين الإلزامي على المركبات لتغطية أضرار الغير رقم (29) لسنة 1985(الملغى)على الحكم ذاته، إذ كانت المادة (3/أ) منه تنص على الآتي:(تشمل الأخطار المشمولة بهذا التامين الأضرار الجسدية والمادية والتي تصيب الغير والناجمة عن الحوادث من جراء استعمال المركبة، وتشمل الأضرار الجسدية ، الوفاة أو أية إصابات جسدية أخرى).
([7]) لقد كان نظام التأمين الإلزامي السابق يسمى (نظام التامين الإلزامي على المركبات لتغطية أضرار الغير لسنة 1985)، ونعتقد بان هذه التسمية تفضل تسمية النظام الساري المفعول لانه لا يتطلب أن تكون المركبة في حالة استعمال لكي تلزم شركة التأمين بالتعويض، وهو ما يصب في صالح المضرورين والمؤمن لهم على حد سواء.
([8]) ذهبت محكمة التميز في إحدى قراراتها إلى عدم إلزام شركة التأمين بالتعويض إذا كانت الأضرار اللاحقة بالمضرور لم تحدث بتدخل من المركبة، فقد جاء في قرارها ما نصه:(حيث أن الثابت من أوراق الدعوى أن إصابة الطفلة لم تكن نتيجة استعمال الباص المؤمن عليه والذي كان في حالة وقوف تام ولم يكن في حالة استعمال أو حركة، الأمر الذي يخرج الإصابة من الحالات والحوادث التي يغطيها عقد التأمين، وان ما ينبني على ذلك أن شركة التأمين المدعى عليها لا تكون مسؤولة عن ضمان الأضرار المدعى بها والتي لحقت بالطفلة بسبب سقوطها من الباص). تمييز حقوق رقم (2545/2005)، مجلة نقابة المحامين، نقابة المحامين الأردنيين، العدد الأول والثاني والثالث، السنة الخامسة والخمسون، عمان، 2007، ص240.
([9]) انظر تمييز حقوق (1995/138)، مجلة نقابة المحامين، نقابة المحامين الأردنيين، العدد السابع والثامن، السنة الثالثة والأربعون، عمان، 1995، ص 2123.
([10]) بحسب ما جاء في المادة (10) من نظام التأمين الإلزامي فان هذه التعليمات تصدر بناء تنسيب مجلس إدارة هيئة التأمين.
([11]) جاء في المادة الثانية من تعليمات أقساط التأمين الإلزامي للمركبات ومسؤولية شركة التأمين الناجمة عن استعمالها لسنة 2002ما نصه:(تحدد مسؤولية شركة التأمين عن الوفاة أو الإصابة الجسمانية التي تلحق الغير بسبب حادث نجم عن استعمال لمركبة والأضرار المعنوية الناجمة عن تلك الوفاة أو الإصابة الجسمانية ومسؤولية شركة التأمين عن الخسائر والأضرار التي تلحق بممتلكات الغير بسبب حادث ناجم عن استعمال المركبة، وفق المبالغ الواردة في الجدول رقم (1) المرفق بهذه التعليمات والذي يشكل جزء لا يتجزأ منها). أما الجدول رقم (1) – جدول مسؤولية شركة التأمين عن الأضرار التي تلحق بالغير فقد جاء على النحو الآتي:
([12]) من ابرز ما يلاحظ بشأن التعليمات الحالية هو أنها لم تشر إلى حد أقصى لمبالغ التعويض عن الوفاة والأضرار الجسمانية التي تلزم بها شركات التأمين في الحادث الواحد وذلك على خلاف التعليمات السابقة التي وضعت حدودا قصوى لمبالغ التأمين الملزمة بها شركات التأمين، فقد كانت المادة (6/أ) من النظام السابق تنص على الآتي:(تحدد مسؤولية شركة التامين في التعويض عن الأضرار الجسدية التي تلحق بالشخص الواحد من الغير وفقا للجدول رقم (1) الملحق بهذا النظام ويشترط في ذلك ان لا تتجاوز مسؤولية الشركة في مجموع التعويض عن الأضرار الجسدية في الحادث الواحد مبلغ ماية ألف دينار أما التعويض عن الأضرار المادية فتكون مسؤولية الشركة المؤمنة بمقدار الخسائر أو الأضرار الناجمة عن الحادث على ان لا تتجاوز مسؤولية الشركة المؤمنة في مجموع التعويض وتصليح الأضرار للحادث الواحد مبلغ خمسين ألف دينار).
([13]) لقد شكك البعض في صحة التأمين من المسؤولية الناجمة عن المركبات عند بداية ظهوره بحجة انه مخالف للنظام العام، لانه يدعو إلى الرعونة وعدم الحرص.
انظر: د.عبد الودود يحيى، الموجز في عقد التأمين، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص8.
([14]) يلاحظ ان نظام التأمين الإلزامي النافذ يوسع من حالات الإعفاء من المسؤولية وعلى خلاف نظام التأمين الإلزامي لسنة 1985 والذي لم يكن ينص سوى على حالتين للإعفاء من المسؤولية، فقد كانت المادة الرابعة منه تنص على الآتي:(تعتبر الأضرار المادية والجسدية الناجمة عن حوادث المركبة غير مشمولة بالتعويض في أي من الحالات التالية :
أ . إذا وقع الحادث أثناء أو بسبب اشتراك المركبة في سباق محلي أو دولي منظم .
ب. إذا وقع الحادث أثناء أو بسبب استعمال المركبة في تعليم قيادة المركبات إلا إذا كانت مرخصة لهذه الغاية).
فيما أضافت المادة (12) من النظام نفسه الحالة المتعلقة بتدخل السبب الأجنبي والتي تعد تطبيقا للقواعد العامة في القانون المدني.
([15]) لقد منح المشرع بموجب المادة (18) من نظام التأمين الإلزامي لشركة التأمين الحق في الرجوع على المؤمن له في حالات عدة من بينها ما يمكن أن ينطبق على حالة استعمال المركبة في السباقات غير المنظمة، فقد جاء في الفقرة لرابعة من المادة المذكورة ما نصه:(إذا استعملت المركبة بطريقة تؤدي إلى زيادة الخطر بسبب مخالفة تشريعات السير المعمول بها أو استخدمت في أغراض مخالفة للقانون أو النظام العام شريطة ان تكون تلك المخالفة السبب المباشر في وقوع الحادث).
([16]) انظر: د.عبد الواحد كرم، معجم مصطلحات الشريعة والقانون، الطبعة الثانية، عمان، 1998، ص85.
([17]) جاء في المادة (261) من القانون المدني الأردني ما نصه:(إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير أو فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون أو الاتفاق بغير ذلك).
المفضلات