أثار قرار جلالة الملك الأخير بعدم الموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت رقم (10) لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 الذي يقرر لكل من السادة الأعيان والنواب راتبا تقاعديا عن فترة خدمتهم البرلمانية ردود فعل ايجابية بين الأوساط الشعبية والسياسية التي رحبت بالقرار معتبرة اياه تغليبا للمصلحة العامة للدولة على المصلحة الخاصة للسادة أعضاء مجلس النواب السادس عشر. في المقابل، فقد عبّر عدد من النواب السابقين عن استيائهم من القرار الملكي وعن رغبتهم في الطعن بذلك القرار أمام الجهات المختصة.
إن أهمية هذا القرار الملكي تنبع من أنه يعد سابقة دستورية في الأردن، بالتالي فان هناك حاجة ماسة إلى إلقاء المزيد من الضوء والتحليل الدستوري والقانوني عليه. لذا سنحاول في هذه الدراسة بيان الحق الدستوري للملك في رفض قانون التقاعد المدني ومدى أحقية السادة النواب في الطعن بذلك القرار .
أولا: حق جلالة الملك في رفض بطلان القانون المؤقت
إن من شروط إصدار القوانين المؤقتة في المادة (94) من الدستور الأردني أن يتم عرض القانون المؤقت على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، بحيث يملك مجلس الأمة إما إقرار القانون المؤقت أو تعديله أو إلغاءه أو أن تنقضي المدة الدستورية التي حددتها التعديلات الدستورية الأخيرة لمجلس الامة لإقرار القانون المؤقت المتمثلة في دورتين عاديتين متتاليتين من دون إقراره. فإذا ما قرر مجلس الأمة قبول القانون المؤقت أو تعديله، فإنه يرسل إلى جلالة الملك للمصادقة عليه، فيتحول بذلك إلى قانون دائم. أما رفض مجلس الأمة القانون المؤقت أو لم يقره خلال المدة الدستورية المحددة، فقد رتب المشرع الدستوري البطلان على ذلك القانون المؤقت ولكن ضمن شروط دستورية معينة هي:
1- أن يرفض مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب القانون المؤقت أو أن تنقضي المدة الدستورية من دون إقراره.
2- أن تعلن الحكومة بطلان القانون المؤقت فورا
3- أن يوافق الملك على إعلان البطلان.
إن المتتبع للشروط الدستورية السابقة لبطلان القانون المؤقت يتبين له أنها تكرس هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية فيما يتعلق بالقوانين المؤقتة، فقد علّق المشرع الدستوري مصير القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة أو الذي لم يتم إقراره خلال الفترة الدستورية المحددة بأيدي مجلس الوزراء والملك، في الوقت الذي يجب فيه أن يتقرر بطلان القانون المؤقت من تاريخ رفضه من مجلس الأمة أو بمجرد انقضاء دورتين عاديتين متتاليتين من دون اقراره، وذلك من دون الحاجة إلى تعليق البطلان على قرار مجلس الوزراء وموافقة الملك. فقد تتعسف السلطة التنفيذية في ممارسة حقها في إعلان بطلان القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة أو الذي انقضت الفترة الزمنية من دون إقراره وذلك من خلال تعمدها عدم إعلان البطلان أو السكوت عنه أو التأخر في إصداره تعنتا وتعسفا منها، وهو الأمر الذي حدث في حال قانون التقاعد المدني المؤقت حيث رفضه مجلس الأمة بجلسة مشتركة بتاريخ 24 نيسان 2012، إلا أن الحكومة قد اعلنت بطلانه بتاريخ 15 آيار 2012 رغم أن الدستور الأردني يلزمها بإعلان بطلان القانون المؤقت فورا بعد رفضه من مجلس الأمة أو انقضاء المدة الدستورية من دون إقراره. وقد تكرر هذا السيناريو في قانون جوازات السفر المؤقت لعام 2003 الذي رفضه مجلس الأمة في شهر كانون الأول 2011، إلا أن الحكومة قد أعلنت أنها ستؤخر إعلان بطلانه كونها بحاجة إلى 90 يوما على الأقل من أجل إعادة العمل بقانون جوازات السفر لعام 1969.
أما فيما يتعلق بحق الملك في رفض القانون المؤقت فهو ثابت بنص الدستور، إذ أن الشروط السابقة لإعلان بطلان القانون المؤقت هي مجتمعة، أي لا بد وأن تتوافر جميعها كي يتم إعلان بطلان القانون المؤقت. إلا أن اللافت للنظر أن تقوم الحكومة بإعلان بطلان القانون المؤقت للتقاعد المدني وأن يقرر الملك عدم الموافقة على ذلك البطلان. فالسلطة التنفيذية في المادة (26) من الدستور الأردني تناط بالملك ويتولاها بوساطة وزرائه، بالتالي فلا بد وأن يكون هناك تنسيق بين الحكومة والملك في اتخاذ القرارات التي تكون بحاجة إلى تصديق الملك. فمن الغريب أن تقرر الحكومة بطلان القانون المؤقت ومن ثم يأتي الملك ويرفض الموافقة عليه في الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة والملك طرفي السلطة التنفيذية.
إن التفسير المنطقي لما حدث هو أن الحكومة التي قامت بإعلان بطلان قانون التقاعد المدني المؤقت نتيجة لما تعرضت له من ضغوطات برلمانية لإعادة العمل بقانون التقاعد المدني القديم الذي يعطي أعضاء مجلس الأمة تقاعدا مدنيا، وذلك مقابل أن يقوم مجلس الأمة بإقرار سلسلة من القوانين المثيرة للجدل التي اقترحتها الحكومة كقانون الانتخاب وقانون المطبوعات والنشر، ومقابل تقاعس المجلس عن إقرار سلسلة أخرى من القوانين الشعبية كقانون ضريبة الدخل وقانون الضمان الاجتماعي وقانون المالكين والمستأجرين، فكانت الصفقة النيابية الحكومية التي وقف لها بالمرصاد جلالة الملك من خلال رفضه الموافقة على إعلان بطلان قانون التقاعد المدني المؤقت.
ثانيا: مدى إمكانية الطعن بقرار عدم الموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت على ضوء القرار الملكي برفض الموافقة على إعلان بطلان قانون التقاعد المدني المؤقت، فقد تعالت أصوات عدد من النواب السابقين احتجاجا على ما اعتبروه مساسا بحقوقهم المالية، وأعلنوا عزمهم الطعن بذلك القرار وأغلب الظن أنهم يقصدون الطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية. فالحجة التي يسوقها السادة النواب ضد قرار جلالة الملك أنه نظرا لأن إعلان بطلان القانون المؤقت قد بقي لدى جلالة الملك أكثر من ستة أشهر، فإنه يعد بحكم المصادق عليه، وذلك أسوة بأحكام الفقرة (4) من المادة (93) من الدستور التي تنص على أنه في حالة عدم إعادة مشروع القانون مصدقا عليه من الملك خلال ستة أشهر فإنه يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق.
إن الإرادة الملكية السامية بعدم الموافقة على إعلان بطلان قانون التقاعد المدني المؤقت قد صدرت بتاريخ 19 تشرين الثاني 2012، في حين أن إعلان بطلان القانون المؤقت الذي صدر عن الحكومة قد كان بتاريخ 15 أيار 2012، بالتالي يكون قرار عدم الموافقة على إعلان البطلان قد صدر بعد مرور ستة أشهر كما يدعي السادة النواب. إلا أنه من المخالف للمنطق الدستوري أن يتم التمسك بأحكام الفقرة (4) من المادة (93) من الدستور وتطبيقها على المادة (94) الخاصة بالقوانين المؤقتة وذلك نظرا للاختلاف بينهما من حيث المحل والسبب، فالفقرة (4) من المادة (93) تفرض على الملك التصديق على مشروع القانون خلال فترة ستة أشهر من إرساله له من قبل مجلس الأمة وإلا فإن مشروع القانون يعتبر بحكم النافذ دستوريا، في حين أن الملك في المادة (94) من الدستور يقوم بالموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت وليس التصديق على مشروع قانون أقره مجلس الأمة. فلو أراد المشرع الدستوري أن يقيد الملك بفترة زمنية معينة للموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الامة لقرر ذلك صراحة في المادة (94) من الدستور إلا أنه لم يفعل، بالتالي فلا يمكن القياس بين المادتين الدستوريتين السابقتين والقول بأن الملك ملزم بأن يوافق على إعلان بطلان القانون المؤقت خلال فترة ستة أشهر تحت طائلة اعتبار إعلان البطلان الذي صدر عن الحكومة موافقا عليه ضمنيا. مثل هذا القياس غير موفق ولا يقوم على أساس دستوري سليم.
ويبقى التساؤل الأهم الذي يجب توجيهه إلى السادة النواب المحتجين على القرار الملكي حول الآلية القانونية التي سيلجأون إليها للطعن بالقرار الملكي. إن الملك في الدستور الأردني يحكم ويتدخل في شؤون الحكم ولكن بطريقة غير مباشرة، أي بوساطة وزرائه الذين يتحملون المسؤولية السياسية عنه أمام مجلس النواب، كما أنه يحكم من خلال إرادات ملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير المختص بحيث يثبت الملك توقيعه فوق التوقيعين السابقين وذلك استنادا لأحكام المادة (40) من الدستور الاردني. فالإرادة الملكية ليست قانونا أو نظاما ليتم الطعن بعدم دستوريتها أمام المحكمة الدستورية التي جاءت اختصاصاتها واضحة ومحددة في الفقرة (1) من المادة (59) من الدستور لتشمل الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة. فطالما أن الارادة الملكية لا يمكن اعتبارها قانونا أو نظاما، بالتالي فلا يجوز الطعن بعدم دستوريتها أمام المحكمة الدستورية.

المواضيع المتشابهه: