المبادئ العامة لنظام التحكيم المبحث الأول:
سنحاول في هذا المبحث تناول بعض المسائل العامة التي تتيح للقارئالتعرف من قريب على نظام التحكيم وماهيته ثم نتطرق بالبحث والدراسة للأساليبوالأنواع المختلفة لنظام التحكيم ثم نتناول بعد ذلك إجراءات التحكيم والمجالاتالتي يجوز التحكيم فيها وتلك التي لا يجوز أن تكون محلا للتحكيم وخصوصا في القانونالمغربي وبناء عليه سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول : مدلول التحكيم وأنواعه
المطلب الثاني : قواعد التحكيم ومجالاته



المطلب الأول: مدلول التحكيم وأنواعه

سنحاول في هذا المطلب تحديد مفهوم التحكيم من خلال ما ورد في التشريعالمغربي وكذا من خلال ما جاء في الاجتهادات الفقهية، مبرزين خصائصه ومميزاته، ثمنتناول بعد ذلك الأنواع المختلفة لنظام التحكيم كأسلوب بديل لحل المنازعات.

وذلك على النحو التالي:

أولا: مدلول التحكيم
لقد عمل الفقه والتشريع على تحديد المقصود “بنظام التحكيم” كأسلوببديل لحل النزاعات، وبناء عليه سوف نحاول تحديد ما المقصود بنظام التحكيم من خلالما ورد في التشريع المغربي والفقه المنشغل بالتحكيم ثم نحاول من خلال هذه التعاريفتبيان الخصائص المميزة لهذا النظام.

أ-التعريف القانوني:
لقد تعرض المشرع المغربي في القانون رقم 05-08 القاضي بنسخ وتعويضالباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية الصادربتاريخ6 دجنبر 2007 في الجريدة الرسمية عدد 5584، الصفحة 3895 ولا سيما في الفصلين 306 و307 منه لتعريف التحكيم، وهكذا جاء في الفصل 306 على أنه “يراد بالحكيم حل نزاع منلدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم”.

أما الفصل 307 فجاء فيه “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوءإلى التحكيم قصد حل نزاع نشـأ أو قد ينشـأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غيرتعاقدية”.
من خلال هذين الفصلين يتضح أن اتفاق التحكيم يتخذ شكل عقد تحكيم أوشرط تحكيم.


ب
-التعريف الفقهي:
اهتم الفقه المنشغل بالتحكيم بوضع تعريف لما هو المقصود بنظامالتحكيم فذهبوا في ذلك مذاهب متعددة تبعا لوجهة نظر كل فقيه.

فالأستاذ الفرنسي « Motulsky » ذهب إلىتعريف التحكيم بأنه “التحكيم في منازعة بواسطة أشخاص يتم اختيارهم كأصل عام،بواسطة أشخاص آخرين وذلك بموجب اتفاق”.

أما الأستاذ
Jean Robert فعرف التحكيم بأنه “يقصد بالتحكيمتحقيق العدالة الخاصة، وهي إليه وفقا لها يتم سلب المنازعات من الخضوع لولايةالقضاء العام، لكي يتم الفصل فيها بواسطة أفراد عهد إليهم بهذه المهمة في واقعةالحال” في حين عرف الأستاذ « M. De Boisseson » التحكيمبأنه النظام الذي بمقتضاه تخول الأطراف المعنية للمحكمين بحرية بواسطتهم، مهمةالفصل في المنازعات المتعلقة بهم.


بينما عرف الأستاذ R.DAVID التحكيم بأنه “آلية تهدف إلى الفصلفي مسألة تتعلق بين طرفين أو عدة أطراف بواسطة شخص أو عدة أشخاص – المحكموالمحكمين- والذين يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص و يفصلون في المنازعة بناء على هذاالاتفاق، دون أن يكونوا مخولين بهذه المهمة من قبل الدولة”.
ويعرف جانب من الفقه السويسري التحكيم بأنه “آلية خاصة لفض المنازعاتتجد مصدرها في اتفاق الأطراف، وتتميز بإخضاع المنازعة لأشخاص عادية، تختار بشكلمباشر أو غير مباشر بواسطة أشخاص آخرين” ويفضل هذا التعريف المستخدم في إطارالتحكيم الدولي عن ذلك المعتمد في إطار التحكيم الداخلي والذي يغلب عليه الطابعالسلبي بتركيزه على أن الخاصية الأساسية للتحكيم تتعلق بعدم خضوع المنازعة لاختصاصالقضاء العام”[1].


أما الأستاذة حفيظة السيد الحداد فتعرف التحكيم “بأنه نظام خاصللتقاضي ينشأ من الاتفاق بين الأطراف المعنية على العهدة إلى شخص أو أشخاص منالغير بمهمة الفصل في المنازعات القائمة بينهم بحكم يتمتع بحجية الأمر المقضي به”.

يستفاد من هذا التعريف الأخير أن التحكيم يتميز بالخصائص الآتية
:
-
التحكيم قضاء خاص.
-
التحكيم يجد مصدر في اتفاق الأطراف
-
التحكيم وظيفته حسم النزاع الناشئ بين الأطراف.
-
إلزامية الحكم الصادر عن المحكم لطرفي النزاع.

1. التحكيم قضاء خاص
:
بمعنى أنه على الرغم من كون المحكم يقوم في واقع الأمر بأداء وظيفةلا تختلف عن تلك التي يقوم بها القاضي المعين من طرف الدولة، ألا وهي الفصل فيالمنازعات المعروضة عليه بحكم يتمتع بحجية الشيء المقضي به تحول دون إعادة طرح ذاتالنزاع الذي فصل فيه أمام هيئة تحكيم أخرى، أو أمام القضاء نفسه، فإن ذلك لا ينفعن نظام التحكيم أنه نظام يختلف عن القضاء الذي تنظمه الدولة، لأن التحكيم ينبع مناتفاق الخصوم على اتخاذه وسيلة لحل نزاعاتهم، بينما يتسم القضاء بأنه سلطة منسلطات الدولة العامة تتولى هذه الأخيرة تنظيمه بما يحقق إقامة العدل بين الناسويستمد القاضي ولايته من الدولة كموظف يقوم على أداء العدالة في جهاز القضاء ورغمهذا الاختلاف فإن التحكيم لا يظل بمعزل عن قضاء الدولة إذ تفيد دراسة التشريعاتالحديثة الخاصة بالحكيم أن هناك روابط التعاون والرقابة التي يساهم بها قضاءالدولة ذلك أن الحكم الذي يصدر عن المحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بعد إصدارالأمر بالتنفيذ الذي يصدر بطبيعة الحال عن القضاء الوطني للدولة المطلوب التنفيذفيها.

2. التحكيم يجد مصدر في اتفاق الأطراف
:
فالتحكيم كآلية فنية لحسم النزاعات الناشئة بين الأفراد يختلف عنالقضاء العام، فهذا الأخير يحد مصدره في سلطة الدولة التي تفرضه على الأشخاص إذاما نشئت نزاعات بينهم، بخلاف التحكيم الذي يستمد وجوده من إرادة الأطراف.

3. التحكيم وظيفته حسم النزاع الناشئبين الأطراف
.
فالمحكم بمجرد قبوله للمهمة يصبح قاضي النزاع يباشر مهامه مستقلا عنالأطراف، هذه الخاصية تعتبر من الخصائص الجوهرية المميزة لنظام التحكيم لأنه يهدفإلى الفصل في المنازعة بين الأطراف بحكم قاطع.


4. إلزامية الحكم الصادر عن المحكملطرفي النزاع.
فعلى الرغم من أن التحكيم نظام قضائي خاص، إلا أن المحكم يقوم بذاتالوظيفة التي يقوم بها القاضي، ويصدر حكما ملزما للخصوم ويتمتع بالحجية على نحويؤدي إلى عدم إمكانية عرض المنازعة التي صدر بشأنها حكم التحكيم على القضاء العاممرة أخرى أو على قضاء التحكيم
[2].
وعليه فيمكن تلخيص مميزات التحكيم في أنه:
1.
يساهم في خدمة مصالح الدولة بعدم تكدس القضايا
2.
يساير الأنظمة الدولية الحديثة التي تعمل على تشجيع الاستثماراتالأجنبية
3.
يخفف الأعباء والتكاليف المالية والاقتصادية على أطراف النزاع.
4.
سرعة البث في المنازعات وبالتالي توفير الوقت والجهد المستغرق في حلالنزاعات.
5.
يحافظ على سرية المنازعات.
6.
يقوم على الحرية في اختيار المحكمين
[3].

___________________________
[1] –
د. حفيظة السيد الحداد، الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاريالدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى 2004، ص
[2] –
د. حفيظة السيد الحداد مرجع سابق، ص
[3] –
د. سعيد عبد الخالق ، التحكيم ، موقع شبكة المعلومات العربية علىالأنترنت: قوانين الشرق الأوسط، ص 2. lwww.Eastlaw.com


منقــــول


المواضيع المتشابهه: