*د. ليث كمال نصراوين

ضمن سلسلة الإجراءات الاقتصادية التي رافقت قرار رئيس الوزراء برفع الدعم المادي عن المشتقات النفطية قراره بإلغاء عدد من الهيئات والمؤسسات المستقلة ودمج بعضها في الوزارات والدوائر الحكومية المختلفة وذلك بهدف الحد من الهدر المالي لتلك الهيئات المستقلة التي تحمل خزينة الدولة مئات الملايين من الدنانير سنويا على شكل رواتب لرؤسائها وموظفيها ونفقات سير العمل فيها التي تفوق بكثير حجم الأعمال والمهام التي تنجزها.

إن مثل هذا الإجراء سليم من الناحية الاقتصادية لما فيه من توفير على خزينة الدولة، إلا أن التساؤل الذي يثور من الناحية الدستورية يتمثل في الآلية التي يمكن من خلالها للحكومة إعادة النظر في تلك الهيئات والمؤسسات المستقلة التي أنشئت كلها بموجب قوانين صادرة عن السلطة التشريعية بهدف إعطائها استقلالا ماليا وإداريا عن الإدارة الحكومية. فهناك قانون خاص يحكم عمل كل هيئة من الهيئات المستقلة الذي من المفترض دستوريا أن يبقى ساري المفعول ويحكم أداء الهيئة أو المؤسسة المعنية حتى يتم إلغاؤه بقانون خاص يصدر عن السلطة التشريعية. ففي ظل غياب مجلس النواب صاحب الولاية العامة في التشريع فإنه من غير الممكن أن يتم إلغاء أو دمج أي من تلك الهيئات أو المؤسسات المستقلة لتعذر إصدار قانون يلغي تلك التشريعات التي أنشأتها وحددت اختصاصاتها والمهام التي تقوم بها وتمارسها.

ويبقى التساؤل الأكبر حول حق الحكومة في إلغاء ودمج تلك الهيئات والمؤسسات المستقلة من خلال إصدار قانون مؤقت يلغي القوانين التي أنشأتها وذلك في ظل غياب مجلس النواب. إن المتتبع للمادة (94) من الدستور بعد تعديلها الأخير عام 2011 الذي أعاد تعريف حالة الضرورة بأن قصرها على حالات محددة على سبيل الحصر تشمل الكوارث الطبيعية وحالة الحرب والطوارئ والحاجة إلى نفقات مستعجلة وضرورية لا تحتمل التأجيل، يتبين له أن أيا من تلك الحالات لا تعطي الحكومة الحالية الحق الدستوري في إصدار قوانين مؤقتة لإلغاء ودمج الهيئات المستقلة. فالحالة الثالثة من حالات الضرورة تتعلق بإصدار قوانين مؤقتة لصرف نفقات مستعجلة وضرورية لا يمكن تأجليها إلى حين اجتماع مجلس النواب بعد الحل، ولا تتعلق بحالة إصدار قوانين مؤقتة للتوفير على خزينة الدولة ووقف صرف النفقات منها. فحكومة النسور التي سبق لها وأن طبقت المادة (94) من الدستور الخاصة بالنفقات المستعجلة لإصدار قانون مؤقت ملحق بقانون الموازنة العامة لسنة 2012 لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تخالف تفسيرها الخاص للمادة الدستورية السابقة بأن تصدر قانونا مؤقتا لإلغاء الهيئات المستقلة بحجة التوفير والاقتصاد في النفقات الحكومية.

لا خيار أمام حكومة النسور إلا الانتظار إلى حين اجتماع مجلس النواب السابع عشر بعد الانتخابات المقبلة والتقدم بمشروع قانون له صفة الاستعجال للمجلس المنتخب في أولى دورات انعقاده يتضمن إلغاء القوانين الناظمة لتلك الهيئات والمؤسسات التي تقرر إلغاؤها أو دمجها في جهات حكومية أخرى ليقرها المجلس الجديد وفقا للأصول الدستورية، وهذا يعني أن تنفيذ الخطة الشمولية التي وضعتها الحكومة لمواجهة الحالة الاقتصادية الراهنة سيكون معلقا إلى ما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة نظرا لغياب السلطة التشريعية، وهو الأمر الذي قد يكون قد غاب عن ذهن الرئيس وحاشيته عند اتخاذهم سلسلة الإجراءات الاقتصادية التصحيحية الأخيرة.

إن الضائقة الدستورية الحالية التي يواجهها رئيس الوزراء في تنفيذ برنامجه الاقتصادي الإصلاحي تؤكد أنه قد كان الأجدر أن يتم تأجيل اتخاذ تلك القرارات غير الشعبية إلى حين التئام مجلس النواب الجديد، فيتم تضمين تلك الإجراءات والأعمال كافة في بيان وزاري يتقدم به رئيس الوزراء إلى مجلس النواب وفق أحكام الدستور ويحصل بموجبه على ثقة ممثلي الشعب، ومن ثم يبدأ عملية التنفيذ لتلك القرارات والإجراءات بإشراف ومتابعة مجلس النواب الذي سيتمكن من ممارسة دوره الدستوري في إصدار التشريعات الضرورية لتنفيذ عملية الاصلاح الاقتصادي، فتكتسب تلك القرارات الصفة الدستورية وذلك من خلال تحقيق التشاركية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في إصدارها، وتتوفر آلية الرقابة السياسية على تنفيذ الحكومة لتلك القرارات من خلال التلويح باستخدام حق السؤال والاستجواب والتحقيق وحجب الثقة، وهي أمور كان من شأنها أن تخفف من حدة الاحتقان الشعبي على تلك القرارات الاقتصادية التي تفردت السلطة التنفيذية بإصدارها وتنفيذها بمعزل تام عن مجلس النواب وأعضائه الذين هم ممثلو الشعب في السلطة التشريعية.


* أستاذ القانون الدستوري المساعد
كلية الحقوق - الجامعة الأردنية


المواضيع المتشابهه: